الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا
[2476]
عَن عَبدِ اللَّهِ قَالَ: دَخَلتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُوعَكُ، فَمَسِستُهُ بِيَدِي، فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّكَ لَتُوعَكُ وَعكًا شَدِيدًا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَجَل، إِنِّي أُوعَكُ كَمَا يُوعَكُ رَجُلَانِ مِنكُم، قَالَ: فَقُلتُ: ذَلِكَ أَنَّ لَكَ أَجرَينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَجَل، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِن مُسلِمٍ يُصِيبُهُ أَذًى مِن مَرَضٍ فَمَا سِوَاهُ إِلَّا حَطَّ اللَّهُ بِهِ سَيِّئَاتِهِ، كَمَا تَحُطُّ الشَّجَرَةُ وَرَقَهَا.
ــ
(10)
ومن باب: ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا
الوعك: تمريغ الحمى، وهو ساكن العين. يقال: وعكته الحمى، تعكه، وعكا، فهو موعوك، وأوعكت الكلاب الصيد، فهو موعك: إذا مرغته في التراب. والوعكة: السقطة الشديدة في الجري. والوعكة أيضًا: معركة الأبطال في الحروب. و (أجل) بمعنى: نعم.
ومضاعفة المرض على النبي صلى الله عليه وسلم ليضاعف له الأجر (في الآخرة)(1) وهو كما قال صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: أشد الناس بلاء الأنبياء ثم الأولياء، ثم الأمثل فالأمثل، يبتلى الرجل على حسب دينه (2). وفي الحديث الآخر: نحن معاشر الأنبياء يشتد علينا البلاء، ويعظم لنا الأجر (3). (4)
و(الوصب): المرض. يقال
(1) زيادة من (ع).
(2)
رواه الترمذي (2398)، وابن ماجه (4023) عن سعد بن أبي وقَّاص رضي الله عنه.
(3)
رواه أحمد (3/ 94)، وابن ماجه (4024) بنحوه.
(4)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
وفي رواية: قال: نعم، والذي نفسي بيده ما على الأرض مسلم يصيبه
…
وذكره.
رواه أحمد (1/ 381)، والبخاري (5647)، ومسلم (2571).
[2477]
وعن عَائِشَةُ قالت: مَا رَأَيتُ رَجُلًا أَشَدَّ عَلَيهِ الوَجَعُ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (6/ 172)، والبخاريُّ (5646)، ومسلم (2570)(44)، والترمذيُّ (2397)، وابن ماجه (1622).
[2478]
وعَن الأَسوَدِ قَالَ: دَخَلَ شَبابٌ مِن قُرَيشٍ عَلَى عَائِشَةَ وَهِيَ بِمِنًى وَهُم يَضحَكُونَ فَقَالَت: مَا يُضحِكُكُم؟ قَالُوا: فُلَانٌ خَرَّ عَلَى طُنُبِ فُسطَاطٍ فَكَادَت عُنُقُهُ - أَو عَينُهُ - أَن تَذهَبَ، فَقَالَت: لَا تَضحَكُوا فَإِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا مِن مُسلِمٍ يُشَاكُ شَوكَةً فَمَا فَوقَهَا إِلَّا كُتِبَت لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَمُحِيَت بِهَا عَنهُ خَطِيئَةٌ.
رواه أحمد (6/ 279)، والبخاري (5640)، ومسلم (2572)(46)، والترمذي (965).
ــ
منه: وصب الرجل، يوصب، فهو وصيب، وأوصبه الله، فهو موصب. و (النصب): التعب والمشقة. يقال منه: نصب الرجل - بالكسر - ينصب - بالفتح - وأنصبه غيره: إذا أتعبه، فهو منصب، وهم ناصب) أي: ذو نصب. و (السقم): المرض الشديد. يقال منه: سقم، يسقم، فهو سقيم. و (الهم): الحزن، والجميع: الهموم، وأهمني الأمر: إذا أقلقني وحزنني، والمهم: الأمر الشديد، وهمني المرض: أذابني.
قلت: هذا نقل أهل اللغة، وقد سووا فيه بين الحزن والهم، وعلى هذا
[2479]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ وَأَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّهُمَا سَمِعَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: مَا يُصِيبُ المُؤمِنَ مِن وَصَبٍ، وَلَا نَصَبٍ، وَلَا سَقَمٍ، وَلَا حَزَنٍ حَتَّى الهَمِّ يُهَمُّهُ إِلَّا كَفَّرَ الله بِهِ مِن سَيِّئَاتِهِ.
رواه أحمد (2/ 335)، والبخاري (5641 - 5642)، ومسلم (2573)، والترمذيُّ (966).
[2480]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: لَمَّا نَزَلَت: {مَن يَعمَل سُوءًا يُجزَ بِهِ} بَلَغَت مِن المُسلِمِينَ مَبلَغًا شَدِيدًا، فَقَالَ
ــ
فيكون الحزن والهم المذكوران في الحديث مترادفين، ومقصود الحديث ليس كذلك، بل مقصوده: التسوية بين الحزن الشديد، الذي يكون عن فقد محبوب، والهم الذي يقلق الإنسان ويشتغل به فكره من شيء يخافه أو يكرهه في أن كل واحد منهما يكفر به. كما قد جمع في هذا الحديث نفسه بين الوصب، وهو المرض، وبين السقم، لكن أطلق الوصب على الخفيف منه، والسقم على الشديد، ويرتفع الترادف بهذا القدر. ومقصود هذه الأحاديث: أن الأمراض والأحزان - وإن دقت - والمصائب - وإن قلت - أجر المؤمن على جميعها، وكفرت عنه بذلك خطاياه حتى يمشي على الأرض وليست له خطيئة، كما جاء في الحديث الآخر، لكن هذا كله إذا صبر المصاب واحتسب، وقال ما أمر الله تعالى به في قوله:{الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتهُم مُصِيبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيهِ رَاجِعُونَ} فمن كان كذلك وصل إلى ما وعد الله به ورسوله من ذلك.
و(قوله: لما نزلت: {مَن يَعمَل سُوءًا يُجزَ بِهِ} بلغت من المسلمين مبلغا شديدا) هذا يدلّ على: أنهم كانوا يتمسكون بالعمومات في العلميات، كما كانوا يتمسكون بها في العمليات. رد على من توقف في ألفاظ العموم، وأن من من ألفاظه، وكذلك النكرة في سياق الشرط، فإنَّهم فهموا
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَارِبُوا وَسَدِّدُوا فَفِي كُلِّ مَا يُصَابُ بِهِ المُسلِمُ كَفَّارَةٌ حَتَّى النَّكبَةِ يُنكَبُهَا، أَو الشَّوكَةِ يُشَاكُهَا.
رواه أحمد (2/ 248)، ومسلم (2574)، والترمذيُّ (3041).
[2481]
وعن جَابِرُ بنُ عَبدِ اللَّهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم دَخَلَ عَلَى أُمِّ
ــ
عموم الأشخاص من من وعموم الأفعال السيئة من سوء المذكور في سياق الشرط، وقد أوضحنا ذلك في الأصول، وإنما عظم موقع هذه الآية عليهم؛ لأنَّ ظاهرها: أن ما من مكلف يصدر عنه شر كائنا ما كان إلا جوزي عليه، يوم الجزاء، وأن ذلك لا يغفر، وهذا أمر عظيم، فلما رأى النبي صلى الله عليه وسلم شدة ذلك عليهم سكنهم وأرشدهم وبشرهم، فقال: قاربوا وسددوا أي: قاربوا في أفهامكم وسددوا في أعمالكم، ولا تقلوا، ولا تشددوا على أنفسكم، بل بشروا واستبشروا بأن الله تعالى بلطفه قد جعل المصائب التي لا ينفك عنها أحد في هذه الدار سببا لكفارة الخطايا والأوزار، حتى يرد عليه المؤمن يوم القيامة وقد خلصه من تلك الأكدار، وطهره من أذى تلك الأقذار، فضلا من الله ونعمة، ولطفا ورحمة.
و(قوله: حتى الهم يهمه) يجوز في الهم الخفض على العطف على لفظ ما قبله، والرفع على موضعه؛ فإنَّ من زائدة، ويجوز رفعه على الابتداء وما بعده خبره.
فأمَّا (قوله: حتى النكبة ينكبها، والشوكة يشاكها) فيجوز فيه الوجهان، كذلك قيدهما المحققون، غير أن رفع الشوكة لا يجوز إلا على الابتداء خاصة، لأنَّ ما قبلها لا موضع رفع له فتأمله، وقيده القاضي: يهمه بضم الياء وفتح الهاء على ما لم يسم فاعله، وكذا وجدته مقيدا بخط شيخي أبي الصبر أيوب، والذي أذكر أني قرأت به على من أثق به؛ بفتح يهمه -بفتح الياء وضم الهاء مبنيا للفاعل -، ووجهه واضح إذ معناه: حتى الهم يصيبه، أو يطرأ عليه. والنكبة بالباء: العثرة والسقطة، وينكبها - بضم الياء وفتح الكاف -: مبنيا للمفعول.
السَّائِبِ - أَو أُمِّ المُسَيَّبِ - فَقَالَ: مَا لَكِ يَا أُمَّ السَّائِبِ - أَو يَا أُمَّ المُسَيَّبِ - تُزَفزِفِينَ؟ قَالَت: الحُمَّى! لَا بَارَكَ اللَّهُ فِيهَا، فَقَالَ: لَا تَسُبِّي الحُمَّى فَإِنَّهَا تُذهِبُ خَطَايَا بَنِي آدَمَ، كَمَا يُذهِبُ الكِيرُ خَبَثَ الحَدِيدِ.
رواه مسلم (2575).
ــ
و(قوله: ما لك يا أم السائب! تزفزفين) جميع رواة مسلم روى هذه الكلمة بالزاي والفاء فيهما، ويقال بضم التاء وفتحها من الزفزفة، وهي صوت حفيف الريح. يقال: زفزفت الريح الحشيش: أي حركته، وزفزف النعام في طيرانه: أي: حرك جناحيه، وقد رواه بعض الرواة بالقاف والراء، قال أبو مروان بن سراج: يقال: بالقاف وبالفاء بمعنى واحد، بمعنى ترعدين (1).
قلت: ورواية الفاء أعرف رواية، وأصح معنى، وذلك أن الحمى تكون معها حركة ضعيفة، وحس صوت يشبه الزفزفة التي هي حركة الريح وصوتها في الشجر. وقالوا: ريح زفزافة وزفزف. وأما الرقرقة بالراء والقاف: في التلألؤ واللمعان. ومنه: رقراق السراب، ورقراق الماء: ما ظهر من لمعانه، غير أنه لا يظهر لمعانه إلا إذا تحرك وجاء وذهب، فلهذا حسن أن يقال: مكان الرقراقة، لكن تفارق الزفزفة الرقرقة بأن الزفزفة معها صوت، وليس ذلك مع الرقرقة، فانفصلا.
و(قوله: لا تسبي الحمى) مع أنها لم تصرح بسب الحمى، وإنما دعت عليها بألا يبارك فيها، غير أن مثل هذا الدعاء تضمن تنقيص المدعو عليه وذمه، فصار ذلك كالتصريح بالذم والسب، ففيه ما يدلّ على أن التعريض والتضمين كالتصريح في الدلالة، فيحد كل من يفهم عنه القذف من لفظه؛ وإن لم يصرح به، وهو مذهب مالك كما تقدَّم.
و(قوله: فإنَّها تذهب خطايا بني آدم) هذا تعليل لمنع سب الحمى لما
(1) من الرَّعدة، رهي: رِعْشة في الجسم تكون من فزع أو مرض.