المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

[2287]

عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ - يَعنِي: اللَّهَ تبارك وتعالى: لَا يَنبَغِي لِعَبدٍ لِي وفي رواية: لِعَبدِي - أَن يَقُولَ: أَنَا خَيرٌ مِن يُونُسَ بنِ مَتَّى.

رواه أحمد (2/ 405)، والبخاري (4631)، ومسلم (2376)، وأبو داود (4669).

ــ

مكان: الطريق. والطور: الجبل بالسريانية، وقال أيضًا في الرواية الأخرى: فما توارت يدك مكان: غطَّت يدك، وهو بمعناه. والتاء فيه زائدة، لأنَّ معناه: وارت، والله أعلم.

(33)

ومن باب ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

قوله: لا ينبغي لعبد أن يقول أنا خير من يونس بن متى أي لا يصلح، ولا يجوز. ولعبدٍ: منوَّن مُنكر، أي: لعبد من عباد الله، وفي الرواية الأخرى: لعبدي بإضافته إلى ياء المتكلم، وهو الله تعالى في هذه الرواية، فيحتمل أن يراد به النكرة (1)، فتكون إضافته غير محضة، كما قال الشاعر:

وسائلي بمعجزي (2) عن وطني

ما ضاقَ بي جنابُه ولا نبا

فأدخل ربَّ على سائلي مع أنه مضاف إلى ياء المتكلم، فدل على: أنه لم يرد به سائلًا واحدًا، فكأنه قال: ورب سائل، وكذلك الوطن في قوله: عن وطني،

(1) ما بين حاصرتين زيادة من (ع).

(2)

في (ع): بمزعجي.

ص: 223

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

لأن الجملة التي بعده صفة له، أي: عن وطن لم ينب بي جنابه، أي: غير ناب. ويصح أن تكون إضافة عبدي محضة ومعرفة، ويعني به: عبدي المكرم عندي، كما قال:{إِنَّ عِبَادِي لَيسَ لَكَ عَلَيهِم سُلطَانٌ} أي: عبادي المكرمون عندي، والمشرفون لدي، وقد شهد لهذا المعنى ما قد روي في كتاب أبي داود في هذا الحديث: لا ينبغي لنبي أن يقول: أنا خير من يونس (1)، كما قد روي أيضًا ما يشهد بتنكير عبد في كتاب مسلم: لا أقول: إن أحدًا أفضل من يونس (2)، وعلى هذا فيقيد مطلق الرواية الأولى بمقيد هذه الرواية، فيكون معناه: لا ينبغي لعبد نبي أن يقول: أنا خير من يونس. وهذا هو الأولى، لأنَّه من ليس بنبي لا يمكنه بوجه أن يقول: أنا أفضل من النبي، لأنه من المعلوم الضروري عند المتشرعين: أن درجة النبي لا يبلغها ولي، ولا غيره، وإنما يمكن ذلك في الأنبياء، لأنهم صلوات الله وسلامه عليهم قد تساووا في النبوة، وتفاضلوا فيما بينهم بما خصَّ به بعضهم دون بعض، فإنَّ منهم من اتخذه الله خليلًا، ومنهم من اتخذه حبيبًا، ومنهم أولو العزم، ومنهم من كلَّم الله على ما هو المعروف من أحوالهم، وقد قال الله تعالى:{تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ} فإن قيل: إذا كانوا متفاضلين في أنفسهم فكيف ينهي عن التفضيل؟ وكيف لا يقول من هو في درجة عليا: أنا خير من فلان، لمن هو دونه، على جهة الإخبار عن المعنى الصحيح؟ فالجواب: أن مقتضى هذا الحديث المنع من إطلاق ذلك اللفظ، لا المنع من اعتقاد معناه أدبًا مع يونس، وتحذيرًا من أن يفهم في يونس نقص من إطلاق ذلك اللفظ. وإنما خصَّ يونس عليه السلام بالذكر في هذا الحديث، لأنَّه لما دعا قومه للدخول في دينه، فأبطؤوا عليه ضجر، واستعجل بالدعاء عليهم، ووعدهم بالعذاب بعد

(1) رواه أبو داود (4670).

(2)

رواه مسلم (2373).

ص: 224

[2288]

وعن ابنَ عَبَّاسٍ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَا يَنبَغِي لِعَبدٍ أَن يَقُولَ: أَنَا خَيرٌ مِن يُونُسَ بنِ مَتَّى. وَنَسَبَهُ إِلَى أَبِيهِ.

رواه أحمد (1/ 242)، والبخاري (3413)، ومسلم (2377).

ــ

ثلاث، وفرَّ منهم، فرأى قومه دخانًا، ومقدمات العذاب الذي وعدهم به، فآمنوا به، وصدَّقوه، وتابوا إلى الله تعالى، فردُّوا المظالم حتى ردُّوا حجارة مغصوبة كانوا بنوها، ثم إنهم فرقوا بين الأمهات وأولادهم، ودعوا الله تعالى، وضجُّوا بالبكاء والعويل، وخرجوا طالبين يونس فلم يجدوه، فلم يزالوا كذلك حتى كشف الله عنهم العذاب، ومتعهم إلى حين، وهم أهل نينوى من بلاد الموصل على شاطئ دجلة، ثم إن يونس ركب في سفينة فسكنت ولم تجر، فقال أهلها: فيكم آبق. فقال: أنا هو. فأبوا أن يكون هو الآبق فقارعهم، فخرجت القرعة عليه، فرمي في البحر، فالتقمه حوت كبير، فأقام في بطنه ما شاء الله، وقد اختلف في عدد ذلك من يوم إلى أربعين، وهو في تلك المدة يدعو الله تعالى، ويسبحه إلى أن عفا الله عنه، فلفظه الحوت في ساحل لا نبات فيه، وهو كالفرخ، فأنبت الله تعالى عليه من حينه شجرة اليقطين، فسترته بورقها. وحكى أهل التفسير: أن الله تعالى قيض له أروية (1) ترضعه إلى أن قوي، فيبست الشجرة، فاغتم لها وتألم، فقيل له: أتغتم وتحزن لهلاك شجرة، ولم تغتم على هلاك مائة ألف أو يزيدون؟ وقد دلَّ على صحَّة ما ذكر قوله تعالى:{وَإِنَّ يُونُسَ لَمِنَ المُرسَلِينَ * إِذ أَبَقَ إِلَى الفُلكِ المَشحُونِ} الآيات إلى آخرها، وقد روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: إن للنبوة أثقالًا، وإن يونس تفسخ تحتها تفسُّخَ الرُّبَع (2) أو كما قال.

قلت: ولما جرى هذا ليونس عليه السلام، وأطلق الله تعالى عليه: أنه

(1) الأنثى من الوعول.

(2)

رواه الحاكم (2/ 584). وانظر: الشفا للقاضي عياض (1/ 442 - 443).

"تفسخ": لم يطق مشاقّ الرسالة. "والرُّبَع": ولد الناقة.

ص: 225

[2289]

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَن أَكرَمُ النَّاسِ؟ قَالَ: أَتقَاهُم، قَالُوا: لَيسَ عَن هَذَا نَسأَلُكَ. قَالَ: فَيُوسُفُ نَبِيُّ اللَّهِ ابنُ نَبِيِّ اللَّهِ ابنِ نَبِيِّ اللَّهِ ابنِ خَلِيلِ اللَّهِ، قَالُوا: لَيسَ عَن هَذَا نَسأَلُكَ قَالَ: فَعَن مَعَادِنِ العَرَبِ تَسأَلُونِي؟ خِيَارُهُم فِي الجَاهِلِيَّةِ خِيَارُهُم فِي الإِسلَامِ إِذَا فَقُهُوا.

رواه أحمد (2/ 257)، والبخاريُّ (3353)، ومسلم (2378)(168).

ــ

مليم، أي: أتى بما يلام عليه. قال الله تعالى على لسان نبيه صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي لعبد أن يقول: أنا خير من يونس؛ لأن ذلك يوهم نقصًا في نبوته، وقدحًا في درجته، وقد بيَّنَّا أن لعبد هنا بمعنى لنبي، وقد قيل: إنه محمول على غير الأنبياء، ويكون معناه: لا يظن أحد ممن ليس بنبي - وإن بلغ من العلم والفضل والمنازل الرفيعة، والمقامات الشريفة الغاية القصوى - أنه يبلغ مرتبة يونس عليه السلام، لأنَّ أقل مراتب النبوة لا يلحقها من ليس من الأنبيا، وهذا المعنى صحيح، والذي صدرنا به الكلام أحسن منه، والله تعالى أعلم.

وقول السائل: من أكرم الناس؟ معناه: من أولى بهذا الاسم، ولذلك أجابه النبي صلى الله عليه وسلم بجواب كُلِّي، فقال: أتقاهم، وهذا منتزع من قوله تعالى:{إِنَّ أَكرَمَكُم عِندَ اللَّهِ أَتقَاكُم} فلما قالوا: ليس عن هذا نسألك، نزل عن ذلك إلى ما يقابله، وهو الخصوص بشخص معين، فقال: يوسف بن يعقوب بن إسحاق بن إبراهيم، لأنَّه نبي بن نبي بن نبي بن نبي (1)، فإنَّ هذا لم يجتمع لغيره من ولد آدم، فهو أحق الناس المعنيين بهذا الاسم. فلما قالوا: ليس عن هذا نسألك تبين له: أنهم سألوه عمن هو أحق بهذا الاسم من العرب، فأجابهم

(1) ما بين حاصرتين سقط من (م 3).

ص: 226

[2290]

وعنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ زَكَرِيَّاءُ نَجَّارًا.

رواه أحمد (2/ 296)، ومسلم (2379)، وابن ماجه (2150).

* * *

ــ

بقوله: فعن معادن العرب تسألوني؟ أي: عن أكرم أصولها، وقبائلها، وقد تقدَّم أن المعدن هو مأخوذ من عَدَن، أي: أقام، والعَدن: الإقامة، ولما كانت أصول قبائل العرب ثابتة سميت معادن. ثم قال: خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، فمعنى هذا: أن من اجتمع له خصال شرف زمن الجاهلية من: شرف الآباء، ومكارم الأخلاق، وصنائع المعروف، مع شرف دين الإسلام، والتفقه فيه، فهو الأحق بهذا الاسم، وقد تقدَّم أن الكرم: كثرة الخير والنفع، ولما كان تقوى الله تعالى هو الذي حصل به خير الدنيا والآخرة مطلقًا كان المتصف به أحق، فإنَّه أكرم الناس، لكن هذه قضية عامة، فلما نظر النبي صلى الله عليه وسلم فيمن تعين في الوجود بهذه الصفة، ظهر له أن الأنبياء أحق بهذا المعنى، إذ لا يبلغ أحد درجتهم، وإن أحقَّهم بذلك من كان مُعرِقًا في النبوة، وليس ذلك إلا ليوسف، كما ذكر. ويخرج منه الرد على من قال: إن إخوة يوسف كانوا أنبياء، إذ لو كانوا كذلك لشاركوا يوسف في ذلك المعنى، ثم إنه لما نظر النبي صلى الله عليه وسلم بين الأعم والأخص ظهر أن الأحق بذلك المعنى: نوع من الأنواع المتوسطة بين الجنس الأعم، والنوع الأخص، وظهر له أنهم أشراف العرب، ورؤساؤهم إذا تفقهوا في الدين، وعلموا وعملوا، فحازوا كل الرتب الفاخرة، إذ اجتمع لهم شرف الدنيا والآخرة.

وفيه ما يدلّ على شرف الفقه في الدين، وأن العالم يجوز له أن يجيب بحسب ما يظهر له، ولا يلزمه أن يستفصل السائل عن تعيين الاحتمالات، إلا إن خاف على السائل غلطًا، أو سوء فهم، فيستفصله، كما قررناه في الأصول.

و(قوله: كان زكريا نجارًا) يدل: على شرف النجارة، وعلى أن التحرُّف بالصناعات لا يغض من مناصب أهل الفضائل، بل نقول: إن الحرف والصناعات

ص: 227