المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

(35) كتاب القدر

(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

[2570]

عَن عَبدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: حَدَّثَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ

ــ

(35)

كتاب القدر

قد تقدم في كتاب الإيمان القول في لفظ القدر ومعناه، واختلاف الناس فيه

(1)

ومن باب: في كيفية خلق ابن آدم (1)

(قوله: إن أحدكم يُجمع خلقه في بطن أمه أربعين يوما) يعني - والله تعالى أعلم - أن المني يقع في الرحم حين انزعاجه بالقوة الشهوانية الدافعة مبثوثا

(1) لم يردْ هذا العنوان في نسخ المفهم جميعها، واستدركناه من التلخيص. وقد شرح المؤلِّفُ رحمه الله في المفهم، في هذا الموضع، ما أشكل في أحاديث بابَيْن من التلخيص، هذا أحدهما، والثاني هو: باب: السعيد سعيد في بطن أمِّه، والشقي شقي في بطن أمِّه.

ص: 649

الصَّادِقُ المَصدُوقُ: إِنَّ أَحَدَكُم يُجمَعُ خَلقُهُ فِي بَطنِ أُمِّهِ أَربَعِينَ يَومًا، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ عَلَقَةً مِثلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يَكُونُ فِي ذَلِكَ مُضغَةً مِثلَ ذَلِكَ، ثُمَّ يُرسَلُ الله المَلَك فَيَنفُخُ فِيهِ الرُّوحَ،

ــ

متفرقا، فيجمعه الله تعالى في محل الولادة من الرحم في هذه المدة. وقد جاء في بعض الحديث عن ابن مسعود رضي الله عنه تفسير: يُجمع في بطن أمه: أن النطفة إذا وقعت في الرحم، فأراد الله تعالى أن يخلق منها بشرا، طارت في بشر المرأة تحت كل ظفر وشعر، ثم تمكث أربعين ليلة، ثم تصير دما في الرحم، فذلك جمعها، وهذا وقت كونها علقة، والعلق: الدم (1).

و(قوله: ثم يكون في ذلك علقة مثل ذلك) وذلك الأول إشارة إلى المحل الذي اجتمعت فيه النطفة، وصارت علقة، وذلك الثاني إشارة إلى الزمان الذي هو الأربعون، وكذلك القول في قوله: ثم يكون في ذلك مضغة مثل ذلك والمضغة: قدر ما يمضغه الماضغ من لحم أو غيره.

و(قوله: ثم يرسل الله الملك فينفخ فيه الروح) يعني: الملك الموكل بالرحم، كما قال في حديث أنس رضي الله عنه: إن الله قد وكل بالرحم ملكا (2). وظاهر هذا السياق أن الملك عند مجيئه ينفخ الروح في المضغة، وليس الأمر كذلك؛ بل إنما ينفخ الروح فيها بعد أن تتشكل تلك المضغة بشكل ابن آدم، وتتصور بصورته، كما قال تعالى:{فَخَلَقنَا المُضغَةَ عِظَامًا فَكَسَونَا العِظَامَ لَحمًا} وكما قال في الآية الأخرى: {مِن مُضغَةٍ مُخَلَّقَةٍ وَغَيرِ

(1) انظر في فتح الباري (11/ 480) كلامًا طويلًا حول هذا الموضوع، وكلّ ما قيل تفسيرًا لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم هو من الاجتهادات الشخصية في وقتٍ لم يكن العلم قد قال الكلمة الفصل في هذا الموضوع.

(2)

رواه مسلم (2646).

ص: 650

وَيُؤمَرُ بِأَربَعِ كَلِمَاتٍ: بِكَتبِ رِزقِهِ وَأَجَلِهِ وَعَمَلِهِ، وَشَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ،

ــ

مُخَلَّقَةٍ} فالمخلقة: المصورة، وغير المخلقة: السقط. قال أبو العالية وغيره: وهذا التخليق والتصوير يكون في مدة أربعين يوما، وحينئذ ينفخ فيه الروح، وهو المعني بقوله تعالى:{ثُمَّ أَنشَأنَاهُ خَلقًا آخَرَ} في قول الحسن والكلبي من المفسرين. قال القاضي: ولم يختلف أن نفخ الروح فيه بعد مائة وعشرين يوما، وذلك تمام أربعة أشهر، ودخوله في الخامس، وهذا موجود بالمشاهدة، وعليه يعول فيما يحتاج إليه من الأحكام في الاستلحاق عند التنازع، وفي وجوب النفقات على حمل المطلقات، وذلك لتيقنه بحركة الجنين في الجوف. وقد قيل: إنه في عدة المرأة من الوفاة بأربعة أشهر وعشر. وهذا الدخول في الخامسة يحقق براءة الرحم ببلوغ هذه المدة إذا لم يظهر حمل. ونفخ الملك في الصورة سبب يخلق الله عنده بها الروح والحياة، لأنَّ النفخ المتعارف إنَّما هو إخراج ريح من النافخ يتصل بالمنفوخ فيه، ولا يلزم منه عقلا ولا عادة في حقنا تأثير في المنفوخ فيه؛ فإن قدر حدوث شيء عند ذلك النفخ، فذلك بإحداث الله تعالى لا بالنفخ، وغاية النفخ: أن يكون معدا عاديا لا موجبا عقليا، وكذلك القول في سائر الأسباب المعتادة، فتأمل هذا الأصل وتمسك به، فبه النجاة من مذاهب أهل الضلال من أهل الطبائع وغيرهم.

و(قوله: ويؤمر بأربع كلمات: بكتب رزقه، وأجله، وعمله، وشقي أو سعيد) ظاهر هذا اللفظ: أن الملك يؤمر بكتب هذه الأربعة ابتداء، وليس كذلك، بل إنما يؤمر بذلك بعد أن يسأل عن ذلك فيقول: يا رب! ما الرزق؛ ما الأجل؛ ما العمل؛ وهل شقي أو سعيد؛ كما تضمنته الأحاديث الآتية بعد، بل قد روى يحيى بن زكريا بن أبي زائدة قال: حدثنا داود، عن عامر، عن علقمة، عن ابن مسعود، وعن ابن عمر: إن النطفة إذا استقرت في الرحم أخذها ملك بكفه، وقال: أي رب، أذكر أم أنثى؛ شقي أم سعيد؛ ما الأجل؛ ما الأثر؛ بأي أرض تموت؛ فيقال له: انطلق إلى أم الكتاب؛ فإنك تجد قصة هذه النطفة، فينطلق فيجد

ص: 651

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قصتها في أم الكتاب؛ فتلحق؛ فتأكل رزقها، وتطأ أثرها، فإذا جاء أجلها قبضت فدفنت في المكان الذي قدر لها (1). وزاد في بعض روايات حديث ابن مسعود: إن الملك يقول: يا رب! مخلقة أو غير مخلقة؛ فإن كانت غير مخلقة قذفتها الأرحام دما، وإن قيل: مخلقة قال: أي رب! ذكر أم أنثى (2). وذكر نحو ما تقدَّم.

فقوله: إن النطفة إذا استقرت في الرحم يعني بهذا الاستقرار: صيرورة النطفة علقة ومضغة، لأنَّ النطفة قبل ذلك غير مجتمعة كما تقدَّم، فإذا اجتمعت وصارت ماء واحدا علقة أو مضغة، أمكن حينئذ أن تؤخذ بالكف، وسماها نطفة في حال كونها علقة أو مضغة باسم مبدئها، والله تعالى أعلم.

ويستفاد من جملة ما ذكرناه أن المرأة إذا ألقت نطفة لم يتعلق بها حكم، إذ لم تجتمع في الرحم، فتبين أنها كانت حاملا، إذ الرحم قد يدفع النطفة قبل استقرارها فيه، فإذا طرحته علقة تحققنا أن النطفة قد استقرت واجتمعت واستحالت إلى أول أحوال ما يتحقق به أنه ولد. وعلى هذا: فيكون وضع العلقة فما فوقها من المضغة، وضع حمل يبرأ به الرحم، وتنقضي به العدة، ويثبت لها به حكم أم الولد، وهذا مذهب مالك وأصحابه. وقال الشافعي: لا اعتبار بإسقاط العلقة، وإنَّما الاعتبار بظهور الصورة والتخطيط؛ فإن خفي التخطيط وكان لحما فقولان بالنقل والتخريج، وعمدة أصحابنا: التمسك بالحديث المتقدم، وبأن مسقطة العلقة، أو المضغة يصدق على المرأة إذا ألقتها أنها كانت حاملا وضعت ما استقر في رحمها، فشملها قوله تعالى:{وَأُولاتُ الأَحمَالِ أَجَلُهُنَّ أَن يَضَعنَ حَملَهُنَّ} ويصدق عليها قوله صلى الله عليه وسلم لسبيعة الأسلمية: قد وضعت فانكحي من شئت (3)؛ ولأنها وضعت مبدأ

(1) رواه أحمد (1/ 374)، وانظر: مجمع الزوائد (7/ 192 - 193).

(2)

رواه ابن أبي حاتم كما في جامع العلوم والحكم ص (47 - 48).

(3)

رواه الترمذي (1193)، وابن ماجه (2027).

ص: 652

فَوَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيرُهُ إِنَّ أَحَدَكُم لَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ الجَنَّةِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَينَهُ وَبَينَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ النَّارِ فَيَدخُلُهَا، وَإِنَّ أَحَدَكُم لَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ النَّارِ حَتَّى مَا يَكُونُ بَينَهُ وَبَينَهَا إِلَّا ذِرَاعٌ، فَيَسبِقُ عَلَيهِ الكِتَابُ فَيَعمَلُ بِعَمَلِ أَهلِ الجَنَّةِ فَيَدخُلُهَا.

وفي رواية: أربعين ليلة (بدل) يوما.

رواه أحمد (1/ 382)، والبخاريُّ (7454)، ومسلم (2643)، وأبو داود (4708)، والترمذيّ (2137)، وابن ماجه (76).

* * *

ــ

الولد عن نطفة متجسدا كالمخطط. واستيفاء ما يتعلق به سؤالا وجوابا في الخلاف.

و(قوله: إن أحدكم ليعمل بعمل أهل الجنة، حتى ما يكون بينه وبينها إلا ذراع، فيسبق عليه الكتاب، فيعمل بعمل أهل النار فيدخلها. . . الحديث إلى آخره) ظاهر هذا الحديث: أن هذا العامل كان عمله صحيحا؛ وأنه قرب من الجنة بسبب عمله، حتى أشرف على دخولها، وإنما منعه من دخولها سابق القدر الذي يظهر عند الخاتمة، وعلى هذا فالخوف - على التحقيق - إنما هو مما سبق؛ إذ لا تبديل له ولا تغيير، فإذًا: الأعمال بالسوابق، لكن لما كانت السوابق مستورة عنا، والخاتمة ظاهرة لنا، قال صلى الله عليه وسلم: إنما الأعمال بالخواتيم (1) أي: عندنا، وبالنسبة إلى اطلاعنا في بعض الأشخاص، وفي بعض الأحوال. وأما العامل المذكور في حديث سهل المتقدم في الإيمان؛ فإنَّه لم يكن عمله صحيحا في نفسه، وإنما كان رياء وسمعة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: إن الرجل ليعمل عمل أهل الجنة فيما يبدو

(1) رواه ابن حبان (340) من حديث عائشة. ورواه ابن ماجه (4199)، وابن حبان (339) من حديث معاوية.

ص: 653