الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام
[2379]
عَن أَنَسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ سَيفًا يَومَ أُحُدٍ فَقَالَ: مَن يَأخُذُ مِنِّي هَذَا؟ فَبَسَطُوا أَيدِيَهُم كُلُّ إِنسَانٍ مِنهُم يَقُولُ: أَنَا، أَنَا! قَالَ: فَمَن يَأخُذُهُ بِحَقِّهِ؟ فَأَحجَمَ القَومُ، فَقَالَ سِمَاكُ بنُ خَرَشَةَ أَبُو دُجَانَةَ: أَنَا آخُذُهُ بِحَقِّهِ! قَالَ: فَأَخَذَهُ، فَفَلَقَ بِهِ هَامَ المُشرِكِينَ.
رواه مسلم (2470).
ــ
(56)
ومن باب: فضائل أبي دجانة رضي الله عنه
هو سماك بن خرشة بني لوذان الخزرجي الأنصاري، وهو مشهور بكنيته، شهد بدرًا وأُحُدًا، ودافع عن رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ هو ومصعب بن عمير، وكثرت فيه الجراحة، وقُتِل مصعب.
وكان أبو دُجانة أحد الشجعان، له المقامات المحمودة مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في مغازيه، استشهد يوم اليمامة، وقال أنس: رمى أبو دجانة بنفسه في الحديقة فانكسرت رجله، فقاتل حتى قُتل، وقيل: إنه شارك وحشيًّا في قتل مسيلمة. وقد قيل: إنه عاش حتى شهد مع علي صفِّين - والله تعالى أعلم. قال أبو عمر: إسناد حديثه في الحرز المنسوب إليه فيه ضعف.
وقوله صلى الله عليه وسلم من يأخذ مني هذا السَّيف بحقه؟ ، يعني بالحق هنا أنه يقاتل بذلك السيف إلى أن يفتح الله تعالى على المسلمين أو يموت، فلما سمعوا هذا أحجموا، أي: تأخروا، يقال: أحجم وأجحم بتقديم الحاء وتأخيرها. فأخذه أبو دجانة وقام بشرطه، ووَفَّى بحقه.
وهام المشركين مخففًا، يعني رؤوسهم، قال:
نضرب بالسُّيوف رؤوس قومٍ
…
أَزَلنا هامَهُنَّ عن المقيل
المقيل: أصول الأعناق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وأما جابر فهو عبد الله بن عمرو بن حرام بن ثعلبة بن كعب بن غنم (1) بن كعب بن سَلَمَة الأنصاري السلمي، وهو أحد النقباء، شهد العقبة وبدرًا، وقُتِل يوم أحُد وَمُثِّل به.
وروى بقي بن مَخلَد عن جابر رضي الله عنه قال: لقيني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا جابر، ما لي أراك منكسًا مهتمًا (2)؟ ، قلت: يا رسول الله، استشهد أبي وترك عيالًا، وعليه دين! قال: أفلا أبشرك بما لقي الله عز وجل به أباك؟ ، قلت: بلى يا رسول الله! قال: إن الله عز وجل أحيا أباك وكلمه كفاحًا، وما كلَّم أحدًا قط إلا من وراء حجاب، فقال له: يا عبدي، تَمَنَّ أعطك! قال: يا رب، تردّني إلى الدنيا فأُقتل فيك ثانية فأبلِّغ من ورائي، فأنزل الله تعالى:{وَلا تَحسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَموَاتًا بَل أَحيَاءٌ} الآية (3).
قلت: وقد تضمَّن هذا الحديث فضيلة عظيمة لعبد الله لم يُسمَع بمثلها لغيره، وهي: أن الله تعالى كلَّمه مشافهة بغير حجاب حجبه به ولا واسطة قبل يوم القيامة، ولم يفعل الله تعالى ذلك مع غيره في هذه الدَّار، كما قال تعالى:{وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلا وَحيًا أَو مِن وَرَاءِ حِجَابٍ أَو يُرسِلَ رَسُولا} وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: وما كلَّم الله أحدًا قط إلا من وراء حجاب، وظاهر هذه الآية وهذا الحديث أن الله تعالى لم يفعل هذا في هذه الدَّار لحيٍّ ولا لميت إلا لعبد الله هذا خاصَّة، فيلزم على هذا العموم أنه قد خُصَّ من ذلك بما لم يُخَصّ به أحدٌ من الأنبياء، وهذا مشكل بالمعلوم من ضرورة الشرع ومن إجماع المسلمين على أن درجة الأنبياء وفضيلتهم أعظم من درجة الشهداء والأولياء كما تقدم، فوجه التَّلفيق أن
(1) في (ع): عثمان، وهو خطأ، انظر: أسد الغابة (1/ 307).
(2)
في (ز): مغتمًا.
(3)
رواه الترمذي (3010)، وابن ماجه (2800).
[2380]
وعن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قالُ: لَمَّا كَانَ يَومُ أُحُدٍ جِيءَ بِأَبِي مُسَجًّى وَقَد مُثِلَ بِهِ. قَالَ: فَأَرَدتُ أَن أَرفَعَ الثَّوبَ فَنَهَانِي قَومِي، ثُمَّ أَرَدتُ أَن أَرفَعَ الثَّوبَ فَنَهَانِي قَومِي، فَرَفَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَو أَمَرَ بِهِ فَرُفِعَ - فَسَمِعَ صَوتَ بَاكِيَةٍ أَو صَائِحَةٍ، فَقَالَ: مَن هَذِهِ؟ فَقَالُوا: ابِنة عَمرٍو - أَو أُختُ عَمرٍو. فَقَالَ: وَلِمَ تَبكِي؟ فَمَا زَالَت المَلَائِكَةُ تُظِلُّهُ بِأَجنِحَتِهَا حَتَّى رُفِعَ!
ــ
قوله صلى الله عليه وسلم وما كلَّم الله أحدًا إلا من وراء حجاب إنما يعني به - والله أعلم - أنه ما كلَّم أحدًا من الشهداء وممن ليس بنبي بعد موته - وقيل يوم القيامة - إلا عبد الله، ولم يرد به الأنبياء ولا أراد بعد يوم القيامة لما قد علم أيضًا من الكتاب والسنة وإجماع أهل السُّنَّة من أن يرون الله تعالى في الجنة ويُكلِّمهم بغير حجاب ولا واسطة.
وأما الآية فإنما مقصودها حَصر أنواع الوحي الواصل إلى الأنبياء من الله تعالى، فمنه ما يقذفهُ الله تعالى في قلب النبيِّ وروعه، ومنه ما يُسمعه الله تعالى للنبي مع كون ذلك النبي محجوبًا عن رؤية الله تعالى، ومنه ما يبلغه له الملك، وحاصلها الإعلام بأن الله تعالى لم يره أحدٌ من البشر في هذه الدَّار نبيًا كان أو غير نبي، ويشهد لهذا قوله صلى الله عليه وسلم في الصحيح: اعلموا أنه لا يرى أحدٌ ربَّه حتى يموت (1).
وقد تقدَّم الخلاف في رؤية نبينا محمد صلى الله عليه وسلم لربِّه، والصحيح أنه لم يأت قاطع بذلك، والأصل بقاء ما ذكرناه على ما أصَّلناه، والله تعالى أعلم.
وقوله وجيء بأبي مُسجًّى، وقد مُثِّل به؛ أي: مُغطى بثوب ومُثِّل به، أي جُدِع أنفه وأذناه، فعل ذلك به المشركون.
وقوله ولِمَ تبكي؟ ، كذا صحَّت الرواية بـ لم التي للاستفهام، تبكي
(1) ذكره الحافظ في فتح الباري (1/ 120).