الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[2513]
وعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ قَالَ: إِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَلَا أُنَبِّئُكُم مَا العَضهُ؟ هِيَ النَّمِيمَةُ، القَالَةُ بَينَ النَّاسِ. وَإِنَّ مُحَمَّدًا صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الرَّجُلَ يَصدُقُ حَتَّى يُكتَبَ صِدِّيقًا، وَيَكذِبُ حَتَّى يُكتَبَ كَذَّابًا.
رواه مسلم (2606)(102).
* * *
(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه
[2514]
عَن عَبدِ اللَّهِ بن مسعود قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَيكُم بِالصِّدقِ، فَإِنَّ الصِّدقَ يَهدِي إِلَى البِرِّ، وَإِنَّ البِرَّ يَهدِي إِلَى الجَنَّةِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدقَ حَتَّى يُكتَبَ عِندَ اللَّهِ صِدِّيقًا، وَإِيَّاكُم وَالكَذِبَ؛
ــ
و(قوله: ألا أنبئكم ما العضه؟ ) هكذا أذكر أني قرأته بفتح العين وإسكان الضاد والهاء، وهذا عند الجياني، وهو مصدر عضهه يعضهه عضها: إذا رماه بكذب وبهتان، وقد رواه أكثر الشيوخ: ما العِضة، بكسر العين وفتح الضاد والتاء المنقلبة في الوقف هاء، وهي أصوب، لأنَّ العضة اسم، والنميمة اسم، فصح تفسير الاسم بالاسم، والعضه مصدره، ولا يحسن تفسير المصدر بالاسم. فالرواية الثانية أولى، والذي يبين لك أن العضه اسم، ما قاله الكسائي، قال: العضه: الكذب والبهتان، وجمعها عضون، مثل: عزه وعزين، وقد بينا أن العضة: المصدر، فصح ما قلناه، وقد تقدَّم القول في حكم ذي الوجهين والنمام، وقد فسر النبي صلى الله عليه وسلم العضة بالنميمة، لأنَّ النميمة لا تنفك عن الكذب والبهتان غالبًا.
و(قوله: عليكم بالصدق، فإنَّ الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة، وإياكم والكذب. . . الحديث) يهدي: يرشد ويوصل، والبر: العمل
فَإِنَّ الكَذِبَ يَهدِي إِلَى الفُجُورِ، وَإِنَّ الفُجُورَ يَهدِي إِلَى النَّارِ، وَمَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكذِبُ وَيَتَحَرَّى الكَذِبَ حَتَّى يُكتَبَ عِندَ اللَّهِ كَذَّابًا.
رواه أحمد (3/ 19)، والبخاري (6094)، وممسلم (2607)(105)، والترمذيُّ (2191)، وابن ماجه (4007).
[2515]
وعن أُمَّ كُلثُومٍ بِنتَ عُقبَةَ بنِ أَبِي مُعَيطٍ - وَكَانَت مِن المُهَاجِرَاتِ الأُوَلِ اللَّاتِي بَايَعنَ رسول الله صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا سَمِعَت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ: لَيسَ الكَذَّابُ الَّذِي يُصلِحُ بَينَ النَّاسِ خيرا وَيَقُولُ خَيرًا وَيَنمِي خَيرًا.
وفي رواية: قالت: وَلَم أَسمَعه يُرَخَّصُ فِي شَيءٍ مِمَّا يَقُولُ النَّاسُ
ــ
الصالح أو الجنة، كما قدمناه. والفجور: الأعمال السيئة. و (عليكم) من ألفاظ الإغراء، المصرحة بالإلزام، فحق على كل من فهم عن الله تعالى أن يلازم الصدق في الأقوال، والإخلاص في الأعمال، والصفاء في الأحوال، فمن كان كذلك لحق بالأبرار ووصل إلى رضا الغفار. وقد أرشد الله تعالى إلى ذلك كله بقوله عند ذكر أحوال الثلاثة التائبين (1) فقال:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} والقول في الكذب المحذر عنه على الضد من القول في الصدق، وقد تقدَّم القول في البر والفجور والهدى.
و(قول أم كلثوم: ولم أسمعه يرخص في شيء مما يقوله الناس إلا في ثلاث) تعني بذلك: أنه لم يرخص في شيء مما يكذب الناس فيه، إلا في هذه الثلاث، وقد جاء لفظ الكذب نصا في كتاب الترمذي، من حديث أسماء بنت
(1) هم كعب بن مالك ومرارة بن ربيعة وهلال بن أمية الواقفي. وكلُهم من الأنصار.
وانظر قصتهم في تفسير القرطبي (8/ 282).
كَذِبٌ إِلَّا فِي ثَلَاثٍ؛ الحَربُ، وَالإِصلَاحُ بَينَ النَّاسِ، وَحَدِيثُ الرَّجُلِ امرَأَتَهُ، وَحَدِيثُ المَرأَةِ زَوجَهَا.
وقد روى مسلم هذا من كلام ابن شهاب.
ــ
يزيد، قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يحل الكذب إلا في ثلاث: يحدث الرجل امرأته ليرضيها، والكذب في الحرب، والكذب ليصلح بين الناس (1). فهذه الأحاديث قد أفادت أن الكذب كله محرم لا يحل منه شيء إلا هذه الثلاثة، فإنَّه رخص فيها لما يحصل بذلك من المصالح، ويندفع به من المفاسد، والأولى ألا يكذب في هذه الثلاثة، إذا وجد عنه مندوحة؛ فإن لم توجد المندوحة أعملت الرخصة. وقد يجب ذلك بحسب الحاجة إلى تلك المصلحة، والضرورة إلى دفع تلك المفسدة، وما ذكرته هو - إن شاء الله - مذهب أكثر العلماء، وقد ذهب الطبري إلى أنه لا يجوز الكذب الصريح بشيء من الأشياء، لا في هذه الثلاثة، ولا في غيرها، متمسِّكًا بالقاعدة الكلية في تحريمه، وتأول هذه الأحاديث على التورية والتعريض، وهو تأويل لا يعضده دليل، ولا تعارض بين العموم والخصوص كما هو عن العلماء منصوص. وأما كذبة تنجي ميتا، أو وليا، أو أمما، أو مظلوما ممن يريد ظلمه، فذلك لا تختلف في وجوبه أمة من الأمم، لا العرب ولا العجم.
و(قوله: إن الرجل لا يزال يصدق، ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا) يتحرى الصدق: يقصد إليه ويتوخاه، ويجتنب نقيضه الذي هو الكذب، حتى يكون الصدق غالب حاله، فيكتب من جملة الصديقين، ويثبت في ديوانهم، وكذلك القول في الكذب. وأصل الكتب: الضم والجمع، ومنه: كتبت البغلة: إذا جمعت بين شفريها بحلقة.
(1) رواه الترمذي (1939).
رواه أحمد (6/ 403)، والبخاريُّ (2692)، ومسلم (2605)، وأبو داود (2920 و 2921)، والترمذيُّ (1938).
* * *
ــ
و(قوله: {كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الإِيمَانَ} جمعه وثبته، و:{كَتَبَ اللَّهُ لأَغلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي} أي: حكم وأوجب، فكأنه جمع ما حكم به في المحكوم عليه، وكتبت الكتاب: جمعت فيه المكتوب وثبتّه، وقد تقدَّم القول في الصديق. وخرج أبو مسعود الدمشقي حديث عبد الله بن مسعود هذا، وزاد فيه: وإن شر الروايا روايا الكذب، وإن الكذب لا يصلح فيه جد ولا هزل، ولا يعِد الرجل صاحبه فيخلفه. وذكر أبو مسعود أن مسلما خرج هذه الزيادة، ولم تقع لنا هذه الزيادة، ولا لأحد من أشياخنا فيما علمناه، وقال أبو عبد الله الحميدي: وليست عندنا. والروايا: جمع راوية، يعني به: حامل الكذب وراويه، والهاء فيه للمبالغة، كعلامة ونسابة، أو يكون استعارة، شبه حامل الكذب لحمله إياه بالراوية الحاملة للماء. وفيه حجَّة للطبري في تحريمه الكذب مطلقا وعموما. وفيه ما يدل على وجوب الوفاء بالوعد، ولو كان بالشيء الحقير مع الصبي الصغير.
* * *