المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

[2184]

عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: رَأَيتُ ذَاتَ لَيلَةٍ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ كَأَنَّا فِي دَارِ عُقبَةَ بنِ رَافِعٍ، فَأُتِينَا بِرُطَبٍ مِن رُطَبِ ابنِ طَابٍ، فَأَوَّلتُ الرِّفعَةَ لَنَا فِي الدُّنيَا وَالعَاقِبَةَ فِي الآخِرَةِ، وَأَنَّ دِينَنَا قَد طَابَ.

رواه مسلم (2270)(18).

ــ

(7)

ومن باب: ما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

حديث أنس رضي الله عنه هذا وتأويله دليل: على أن تعبير الرؤيا قد تؤخذ من اشتقاق كلماتها، فإنَّه صلى الله عليه وسلم أخذ من عقبة: حسن العاقبة، ومن رافع: الرفعة. ومن رطب بن طاب: لذاذة الدين وكماله. وقد قال علماء أهل العبارة أن لها أربعة طرق:

أحدها: ما يشتق من الأسماء كما ذكرناه آنفًا.

وثانيها: ما يعتبر مثاله، ويميز شكله كدلالة معلم الكتاب على القاضي، والسلطان، وصاحب السجن، ورأس السفينة، وعلى الوصي والوالد.

وثالثها: ما يعبره المعنى المقصود من ذلك الشيء المرئي، كدلالة فعل السَّفر على السَّفر، وفعل السوق على المعيشة، وفعل الدار على الزوجة والجارية.

ورابعها: التعبير بما تقدم له ذكر في القرآن والسُّنة أو الشعر، أو كلام العرب وأمثالها. وكلام الناس وأمثالهم، أو خبر معروف، أو كلمة حكمة، وذلك كنحو تعبير الخشب بالمنافق، لقوله تعالى:{كَأَنَّهُم خُشُبٌ مُسَنَّدَةٌ} وكتعبير الفأر بفاسق، لأنَّه صلى الله عليه وسلم سماه: فويسقًا. وكتعبير القارورة بالمرأة، لقوله صلى الله عليه وسلم: رفقًا بالقوارير (1)، يعني: ضعفة النساء، وتتبع أمثلة ما ذكر يطول.

(1) رواه الحميدي في مسنده (1209) بلفظ: "رفقًا قودًا بالقوارير".

ص: 34

[2185]

وعن عَبدَ اللَّهِ بن عُمَرَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أَرَانِي فِي المَنَامِ أَتَسَوَّكُ بِسِوَاكٍ، فَجَذَبَنِي رَجُلَانِ أَحَدُهُمَا أَكبَرُ مِن الآخَرِ، فَنَاوَلتُ السِّوَاكَ الأَصغَرَ مِنهُمَا فَقِيلَ لِي كَبِّر: فَدَفَعتُهُ إِلَى الأَكبَرِ.

رواه البخاريُّ (246)، ومسلم (2271)(19).

[2186]

وعَن أَبِي مُوسَى عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: رَأَيتُ فِي المَنَامِ أَنِّي أُهَاجِرُ مِن مَكَّةَ إِلَى أَرضٍ بِهَا نَخلٌ، فَذَهَبَ وَهلِي إِلَى أَنَّهَا اليَمَامَةُ أَو هَجَرُ، فَإِذَا هِيَ المَدِينَةُ يَثرِبُ،

ــ

و(قوله صلى الله عليه وسلم: أريت في المنام أني أهاجر إلى أرض بها نخل) هذا يدلُّ على أن هذه الرؤيا وقعت له وهو بمكة قبل الهجرة، وأن الله تعالى أطلعه بها على ما يكون من حاله وحال أصحابه يوم أحد، وبأنهم يصاب من صدورهم معه، وأن الله تعالى يثبتهم بعد ذلك، ويجمع كلمتهم، ويقيم أمرهم، ويعزُّ دينهم، وقد كمَّل الله تعالى له ذلك بعد بدر الثانية. وهي المرادة في هذا الحديث على ما يأتي بيانه إن شاء الله.

و(قوله: فذهب وَهَلي إلى أنها اليمامة، أو هجر، فإذا هي المدينة) أي: ذهب وهمي وظني. والوهل - بفتح الهاء -: ما يقع في خاطر الإنسان، ويهم به. وقد يكون في موضع آخر: الغلط، وليس مرادًا هنا بوجه، لأنَّه لم يجزم بأنها واحدة منهما، وإنما جوَّز ذلك، إذ ليس في المنام ما يدلّ على التعيين، وإنما أري أرضًا ذات نخل، فخطر له ذانك الموضعان، لكونهما من أكثر البلاد نخلًا، ثم إنه لما هاجر إلى المدينة تعيَّنت له تلك الأرض، فأخبر عنها بعد هجرته إليها بقوله: فإذا هي المدينة.

ففيه ما يدلّ: على أن الرؤيا قد تقع موافقة لظاهرها من غير تأويل. وأن الرؤيا قبل وقوعها لا يقطع الإنسان بتأويلها، وإنما هي: ظن وحدس، إلا فيما كان

ص: 35

وَرَأَيتُ فِي رُؤيَايَ هَذِهِ أَنِّي هَزَزتُ سَيفًا فَانقَطَعَ صَدرُهُ، فَإِذَا هُوَ مَا أُصِيبَ مِن المُؤمِنِينَ يَومَ أُحُدٍ،

ــ

منها وحيًا للأنبياء، كما وقع لإبراهيم عليه الصلاة والسلام في قوله لابنه:{إِنِّي أَرَى فِي المَنَامِ أَنِّي أَذبَحُكَ} فإنَّ ذلك لا يكون إلا عن يقين يحصل لهم قطعًا، خلافًا لمن قال من أهل البدع: إن ذلك كان منه ظنًّا وحسبانًا. وهو قول باطل، لأنَّه لم يكن ليقدم على معصوم الدم - قطعًا - محبوب شرعًا وطبعًا بمنام لا أصل له ولا تحقيق فيه.

و(قوله: ورأيت في رؤياي هذه: أني هززت سيفًا فانقطع صدره)، هذا نصٌّ في أن رؤيته لدار هجرته، ولهذه الحالة الدالة على قضية يوم أحد كانت منامًا واحدًا، وقد تأوَّل صلى الله عليه وسلم السيف هنا بالقوم الذين كانوا معه، الناصرين له أخذًا من معنى السيف لأنه به ينتصر (1)، ويعتضد في اللقاء، كما يعتضد بالأنصار والأولياء. وقد يُتأوَّل على وجوه متعددة في غير هذا الموضع، فقد يدلّ على الولد، والوالد، والعم، والعصبة، والزوجة، والسلطان، والحجَّة القاطعة، وذلك بحسب ما يظهر من أحوال الرائي والمرئي، ووقت الرؤيا. وإنما تأوَّل انقطاع صدر السيف [بقتل من قتل يوم أحد، لأنَّهم كانوا معظم صدر عسكره، إذ كان فيهم: عمه حمزة، وغيره من أشراف المهاجرين والأنصار، فاقتبس صدر القوم من صدر السيف](2) والقطع الذي رئي فيه قطع أعمار المقتولين. وهزِّه للسيف: هو حمله إياهم على الجهاد، وحثهم عليه. والرواية الصحيحة الفصيحة هي: هززته بزايين، وتاء مثناة من فوق. وقد قاله بعض الرواة بزاي واحدة مشدَّدة، وتاء مخففة، فيقول: هزَّتُه، وقيل: هي لغة بكر بن وائل.

(1) في (ز) و (م 3): يستنصر.

(2)

ما بين حاصرتين سقط من (ع).

ص: 36

ثُمَّ هَزَزتُهُ أُخرَى فَعَادَ أَحسَنَ مَا كَانَ، فَإِذَا هُوَ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِن الفَتحِ وَاجتِمَاعِ المُؤمِنِينَ، وَرَأَيتُ أَيضًا فيها بَقَرًا وَاللَّهُ خَيرٌ، فَإِذَا هُم النَّفَرُ مِن المُؤمِنِينَ يَومَ أُحُدٍ،

ــ

و(قوله: ثم هززته أخرى فعاد أحسن ما كان، فإذا هو ما جاء الله به من الفتح، واجتماع المؤمنين) يعني به - والله أعلم - ما صنع الله لهم بعد أحد، وذلك: أنهم لم ينكلوا عن الجهاد، ولا ضعفوا، ولا استكانوا لما أصابهم يوم أحد، لكن جدَّدوا نياتهم، وقوَّوا إيمانهم وعزماتهم، واجتمعت على ذلك جماعاتهم، وصحَّت في ذلك رغباتهم، فخرجوا على ما بهم من الضعف والجراح فغزوا غزوة حمراء الأسد مستظهرين على عدوهم بالقوة والجلد، ثم فتح الله تعالى عليهم، ونصرهم في غزوة بني النضير، ثم في غزوة ذات الرِّقاع، ثم لم يزل الله تعالى يجمع المؤمنين، ويكثرهم، ويفتح عليهم إلى بدر الثانية، وكانت في شعبان من السنة الرابعة من الهجرة، وبعد تسعة أشهر ونصف شهر من أحد، فما فتح الله عليه به في هذه المدة هو المراد هنا كما يأتي.

و(قوله: ورأيت فيها أيضًا بقرًا، والله خيرٌ) الضمير في فيها عائد على الرؤيا المذكورة. والرواية المشهورة برفع الله - و- خير على الابتداء والخبر، أي: ثواب الله خيرٌ للنفر المقتولين بالشهادة، ولمن أصيب بهم بأجر المصيبة، وقيل: في الكلام تقديم وتأخير، تقديره: ورأيت والله بقرًا تنحر. على إعمال رأيت في بقرًا) وعلى خفض اسم الله تعالى على القسم. وهكذا روى الخبر ابن هشام. وسمِّي ذلك خيرًا على جهة التفاؤل.

قلت: والأول أوضح، وأبعد من الاعتراض.

و(قوله: فإذا هم النفر من المؤمنين يوم أحد) يحتمل أن يكون أخذ النفر من لفظ: بقر- مصحفًا - إذ لفظهما واحد، وليس بينهما إلا اختلاف النقط، فيكون هذا تنبيهًا على طريق خامس في طريق العبارة المتقدِّمة. ويحتمل أن يكون

ص: 37

وَإِذَا الخَيرُ مَا جَاءَ اللَّهُ بِهِ مِن الخَيرِ بَعدُ، وَثَوَابُ الصِّدقِ الَّذِي آتَانَا اللَّهُ بَعدَ يَومِ بَدرٍ.

رواه مسلم (2272)(20)، وابن ماجه (3921).

ــ

أخذ ذلك من أن الرجال المقاتلة في الحرب يشبهون لما معها من أسلحتها التي هي قرونها، ولمدافعتها بها، ومناطحتها بعضها لبعضٍ بها، وقد كانت العرب تستعمل القرون في الرماح عند عدم الأسنة. والله تعالى أعلم، وكأن هؤلاء المؤمنين الذين عبر عنهم بالنفر غير المؤمنين بصدر السيف. فكأن أولئك صدر الكتيبة، وهؤلاء مقاتلتها، والكل من خير الشهداء، وأفضل الفضلاء.

و(قوله: فإذا هو ما جاء الله به من الخير بعد (1)) هكذا صحَّت الرواية بضم بعد على قطعه عن الإضافة. ويعني به ما أصيبوا به يوم أحد. والعامل فيه جاء والخير: هو الذي ذكرناه آنفًا.

و(قوله: وثواب الصِّدق الذي آتانا الله بعد يوم بدر) كذا صحت الرواية: بعد منصوبًا على الظرف المعرب المضاف إلى يوم بدر، [والعامل فيه: آتانا. فهذان أمران مختلفان أوتيهما في وقتين مختلفين. أحدهما: بعد أحد، والثاني: بعد بدر] (2)، مع أنهما مرتبان على ما جرى في أحد، فيستحيل أن يكون يوم بدر هنا هو يوم غزوة بدر الكبرى، لتقدُّم بدر الكبرى على أحد بزمان طويل، لأنَّه صلى الله عليه وسلم خرج إلى بدر الأولى في شهر رمضان في السَّنة الثانية من الهجرة. وكانت أحد في السنة الثالثة في النصف من شوَّالها، ولذلك قال علماؤنا: إن يوم بدر في هذا الحديث هو يوم بدر الثاني، وكان من أمرها: أن قريشًا لما أصابت في أحد من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم ما أصابت، وأخذوا في الرُّجوع نادى أبو سفيان يُسمِعُ النبي صلى الله عليه وسلم

(1) في التلخيص: وإذا الخير ما جاء الله به من الخير بعد.

(2)

ما بين حاصرتين سقط من (ع).

ص: 38

[2187]

وعَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَدِمَ مُسَيلِمَةُ الكَذَّابُ عَلَى عَهدِ رسول الله صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ فَجَعَلَ يَقُولُ: إِن جَعَلَ لِي مُحَمَّدٌ الأَمرَ مِن بَعدِهِ تَبِعتُهُ فَقَدِمَهَا فِي بَشَرٍ كَثِيرٍ مِن قَومِهِ، فَأَقبَلَ إِلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَمَعَهُ ثَابِتُ بنُ

ــ

فقال: موعدكم يوم بدر في العام المقبل. فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بعض أصحابه أن يجيبه بنعم، فلمَّا كان العام المقبل - وهي السنة الرابعة من الهجرة -، خرج في شعبانها إلى بدر الثانية، فوصل إلى بدر، وأقام هناك ينتظر أبا سفيان، وخرج أبو سفيان في أهل مكة حتى بلغ عسفان. ثمَّ: إنهم غلبهم الخوف، فرجعوا، واعتذروا بأن العام عام جدب. وكان عذرًا محتاجًا إلى عذر، فأخزى الله المشركين، ونصر المؤمنين. ثمَّ إن النبي صلى الله عليه وسلم لم يزل منصورًا، وبما يفتح الله عليه مسرورًا، إلى أن أظهر الله تعالى دينه على الأديان، وأخمد كلمة الكفر والطغيان.

و(قول ابن عباس رضي الله عنهما: قدم مسيلمة الكذاب على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة، فجعل يقول: إن جعل لي محمدٌ الأمر من بعده تبعته). مسيلمة هذا هو: ابن ثمامة بن كثير بن حبيب بن الحارث بن عبد الحارث بن عثمان بن الحارث بن ذُهل بن الدول بن حنيفة. قال ابن إسحاق: وكان من شأنه: أنه تنبأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة عشر، وكان يشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدًا عبده ورسوله، ويزعم أنَّه شريك معه في نبوَّته. وقال سعيد بن المسيب: إنه كان قد تسمَّى بالرحمن قبل أن يولد عبد الله بن عبد المطلب - أبو النبي- صلى الله عليه وسلم وأنَّه قتل وهو ابن خمسين ومائة سنة. قال سعيد بن جبير: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا قال: (بسم الله الرحمن الرحيم) قالت قريش: إنما يعني: مسيلمة. قال ابن إسحاق: وإنَّه تسارع إليه بنو حنيفة، وإنَّه بعث برجلين من قومه بكتاب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم: من مسيلمة رسول الله إلى محمد رسول الله، سلام عليك، أما بعد: فإني أُشركت معك في الأمر، فلي نصف الأرض، ولك نصفها، ولكن قريش قومٌ لا يعدلون. فلمَّا قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم الكتاب، قال للرَّسولين: ما تقولان

ص: 39

قَيسِ بنِ شَمَّاسٍ وَفِي يَدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قِطعَةُ جَرِيدَةٍ حَتَّى وَقَفَ عَلَى مُسَيلِمَةَ

ــ

أنتما؟ قالا: نقول ما قال صاحبنا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لولا أن الرُّسل لا تُقتل لقتلتكما، ثم كتب رسول الله صلى الله عليه وسلم: بسم الله الرحمن الرحيم، من محمد رسول الله إلى مسيلمة الكذاب، سلام على من اتَّبع الهدى، أما بعد فـ:{إِنَّ الأَرضَ لِلَّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِن عِبَادِهِ وَالعَاقِبَةُ لِلمُتَّقِينَ} ، فلما انتهى الكتاب إليه انكسر بعض الانكسار، وقالت بنو حنيفة: لا نرى محمدًا أقرَّ بشركة صاحبنا في الأمر (1).

قال ابن إسحاق: تنبأ على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم مسيلمة، وصاحب صنعاء: الأسود بن عزة العنسي، وطليحة، وسجاح التميمية جاءت إلى مسيلمة فقالت له: ما أوحي إليك؟ قال: أوحي إلي: ألم تر إلى ربِّك كيف خلق الحُبلى، أخرج منها نسمةً تسعى بين صفاقٍ وحشًا. قالت: وماذا؟ فقال: ألم تر أن الله خلق [للنساء أفراجًا](2) وخلق الرجال لهن أزواجًا، فيولج فيهنَّ قَعسًا إيلاجًا، ثمَّ يخرجه إذا استمنى ((3) إخراجًا. فقالت: أشهد أنَّك نبي! قال: هل لك أن أتزوَّجك، فآكل بقومي وقومك العرب؟ فتزوَّجته، فنادى مناديها: ألا إنَّا أصبنا الدِّين في بني حنيفة. ونادى منادي بني حنيفة: ألا إن نبيَّنا تزوج نبيتكم. وقالت له: يا أبا ثمامة! ضع عن قومي هاتين الطويلتين، صلاة الفجر، وصلاة العشاء الآخرة. فخرج مناديه فنادى بذلك. فقال شيخ من بني تميم: جزى الله أبا ثمامة عنا خيرًا، فوالله: لقد كاد ثقلهما علينا يوتغنا (4) عن ديننا.

(1) رواه أحمد (3/ 487)، وأبو داود (2761).

(2)

كذا في (م 3) و (ز)، والطبري (3/ 273). وفي (ع) و (ج 2) و (م 2): النساء أفواجًا.

(3)

في (ع): شاء.

(4)

"الوتَّغُ": الإثم وفساد الدِّين.

ص: 40

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قال غير ابن إسحاق: ولما استفحل أمر مسيلمة قدم المدينة في بشر كثير، ونزل على عبد الله بن أُبي، فجاءه النبي صلى الله عليه وسلم كما ذكر ابن عباس، وفي غير حديث ابن عباس: أن مسيلمة جاء إلى (1) النبي صلى الله عليه وسلم وفي حديث آخر: أن مسيلمة كان في ظهر القوم، وأن النبي صلى الله عليه وسلم سأل عنه.

قلت: فيحتمل أن يكون هذا اختلاف أحوال في قَدمةٍ واحدة قِدِمها مسيلمة المدينة، وعند بلوغ قدومه للنبي صلى الله عليه وسلم سأل عنه، ثمَّ بعد ذلك جاء كل واحد منهما إلى الآخر، فاجتمعا بموضع غير موضعيهما. وهذا الاحتمال أقرب من احتمال أن يكون مسيلمة قدم على النبي صلى الله عليه وسلم ثلاث مرات.

ثم إن مسيلمة رجع إلى اليمامة على حالته تلك، إلى أن توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم فعظم أمر مسيلمة، وأطبق أهل اليمامة عليه، وارتدُّوا عن الإسلام، وانضاف إليهم بشرٌ كثير من أهل الردَّة، وقويت شوكتهم، فكاتبهم أبو بكر الصديق رضي الله عنه كُتبًا كثيرة يعظهم، ويذكرهم، ويحذرهم، وينذرهم إلى أن بعث لهم كتابًا مع حبيب بن عبد الله الأنصاري، فقتله مسيلمة، فعند ذلك عزم أبو بكر رضي الله عنه على قتالهم والمسلمون، فأمر أبو بكر خالد بن الوليد رضي الله عنهما، وتجهز الناس، وعقد الراية لخالد، وصاروا إلى اليمامة، فاجتمع لمسيلمة جيش عظيم، وخرج إلى المسلمين، فالتقوا، وكانت بينهم حروب عظيمة لم يسمع بمثلها، واستشهد فيها من قرَّاء القرآن خلق كثير، حتى خاف أبو بكر، وعمر رضي الله عنهما أن يذهب من القرآن شيء لكثرة من قتل هناك من القراء، ثم إن الله تعالى ثبَّت المسلمين، وقتل الله تعالى مسيلمة اللعين على يدي وحشي قاتل حمزة، ورماه بالحربة التي قتل بها حمزة، ثم دفَّف (2) عليه رجل من الأنصار،

(1) ليست في (ج 2).

(2)

أي: جرحه جرحًا مميتًا وأجهز عليه.

ص: 41

أَصحَابه، قَالَ: لَو سَأَلتَنِي هَذِهِ القِطعَةَ مَا أَعطَيتُكَهَا وَلَن أَتَعَدَّى أَمرَ اللَّهِ فِيكَ، وَلَئِن أَدبَرتَ لَيَعقِرَنَّكَ اللَّهُ، وَإِنِّي لَأُرَاكَ الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا أُرِيتُ،

ــ

فاحتزَّ رأسه، وهزم اللهُ جيشَه، وأهلكهم، وفتح اللهُ اليمامة، فدخلها خالد رضي الله عنه واستولى على جميع ما حوته من النساء، والولدان، والأموال، وأظهر الله الدين، وجعل العاقبة للمتقين، فالحمد لله الذي صدقنا وعده، وأعز جنده، وهزم الأحزاب وحده، فلا شيءَ بعده، وإنما جاء النبي صلى الله عليه وسلم إلى مسيلمة ليبلغه الدعوة، وليسمع قولَه بالمشافهة.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: ولن أتعدَّى أمر الله فيك) كذا في جميع نسخ كتاب مسلم، وفي البخاري (1): ولن تعدوَ أمر الله فيك، وكلاهما صحيح. ومعنى الأول: أن الله تعالى أمر نبيَّه صلى الله عليه وسلم أن يغلِّظ القولَ لمسيلمة، وأن يُصرِّح بتكذيبه، وأن يخبره بأنه لا يبلغ أمله فيما (2) يريده من التشريك في الرسالة، ولا في الأرض، فلم يتعدَّ النبيُّ صلى الله عليه وسلم ذلك، إذ قد فعل كل ذلك. ويحتمل أنه يريدُ بالأمر: ما كتب الله [عليه من الشِّقوة، وما وسمه عليه (3) من الكذب والتكذيب، والأفعال القبيحة، أي: لا أقدر أن أردَّ ما (4) كتب الله](5) عليك من ذلك، غير أن هذا المعنى أظهر من لفظ البخاري منه من لفظ كتاب مسلم.

و(قوله: ولئن أدبرتَ ليعقرنك الله) أي: لَيُهلِكَنَّك الله بالعقر - وهو القتل - إن لم تتَّبعني. وكذلك كان كما ذكرناه. فكان هذا من دلائل نبوة محمد نبيِّنا صلى الله عليه وسلم وصحة رسالته.

(1) رواه البخاري (7461).

(2)

في (ع) و (ج 2): مما.

(3)

في (ج 2): به.

(4)

في (م 2) و (ج 2): شيئًا.

(5)

ما بين حاصرتين سقط من (ع).

ص: 42

وَهَذَا ثَابِتٌ يُجِيبُكَ عَنِّي، ثُمَّ انصَرَفَ عَنهُ. فَقَالَ ابنُ عَبَّاسٍ: فَسَأَلتُ عَن قَولِ رسول الله صلى الله عليه وسلم: إِنَّكَ أَرَى الَّذِي أُرِيتُ فِيكَ مَا رأيتُ، فَأَخبَرَنِي أَبُو هُرَيرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَينَما أَنَا نَائِمٌ رَأَيتُ فِي يَدَيَّ سِوَارَينِ مِن ذَهَبٍ فَأَهَمَّنِي شَأنُهُمَا، فَأُوحِيَ إِلَيَّ فِي المَنَامِ أَن انفُخهُمَا فَنَفَختُهُمَا فَطَارَا

ــ

و(قوله صلى الله عليه وسلم: وهذا ثابث يجيبك عني) يعني: ثابت بن قيس بن شماس، خطيب رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكأن النبي صلى الله عليه وسلم وجد على مسيلمة في نفسه، فأعرض عنه إعراض المحتقر له، المصغر لشأنه، وأحال على ثابت لعلمه بأنه يقوم عنه بجواب كل ما يسألونه عنه، إذ كان من أفضل الناس، وأكملهم عقلًا، وأفصحهم لسانًا، وكان مع ذلك جهوري الصوت، حسن النغمة، فكان يقوم بالحجة، ويبالغ في إيراد الخطبة.

و(قوله: إني لأراك الذي أريت فيه ما أريت) الرواية أراك بضم الهمزة، بمعنى أظنك، على ما قد حصل لهذه الصيغة من غلبة عرف الاستعمال، وقد قررنا: أن أصل أُرى من رأى بمعنى: علم، أو أبصر، أدخلت عليه همزة التعدية، وبنيت لما لم يسم فاعله، وعلى هذا فيصح أن تكون هنا بمعنى العلم. فيكون معناه: إني لأعلم أنك الذي أريت فيه ما أريت، وهذا أولى بحال النبي صلى الله عليه وسلم فإنَّ رؤياه حق، وتأويله لا يجوز عليه الغلط، بخلاف غيره، والله تعالى أعلم.

و(قوله: بينا أنا نائم رأيت في يدي سوارين من ذهب، فأهمني شأنهما) السوار: ما تجعله المرأة في ذراعها مما تتحلَّى به من الذهب والفضة، وفيه ثلاث لغات: كسر السين، وضمها، وبهمزة مضمومة، فيقال: أُسوار ويجمع أساورة، فأمَّا أساورة الفُرسِ فقُوَّادهم. وإنَّما أهمَّه شأنهما، أعني: السوارين، لأنهما من حلية النساء، ومما يحرم على الرجال.

و(قوله: فأوحي إلي: أن انفخهما. فنفختُهما، فطارا) ظاهره: أن هذا

ص: 43

فَأَوَّلتُهُمَا كَذَّابَينِ يَخرُجَانِ بَعدِي، فَكَانَ أَحَدُهُمَا: العَنسِيَّ صَاحِبَ صَنعَاءَ، وَالآخَرُ مُسَيلِمَةَ صَاحِبَ اليَمَامَةِ.

رواه البخاريُّ (4373)، ومسلم (2273 و 2274)(21).

[2188]

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَينَما أَنَا نَائِمٌ أُتِيتُ خَزَائِنِ الأَرضِ فَوُضِعَ فِي يَدَيَّ أُسوَارَينِ مِن ذَهَبٍ فَكَبُرَا عَلَيَّ

ــ

وحي من جهة الملك على غالب عادته. ويحتمل أن يكون ذلك إلهامًا.

و(قوله: فأوَّلتهما: كذَّابَين يخرجان بعدي) أي: يظهران ويغلبان بعد موتي، وإلا فقد كانا موجودين في حياة النبي صلى الله عليه وسلم متبعين، وقد دلَّ على هذا قوله في الرواية الأخرى: فأوَّلتهما الكذَّابَين اللذين أنا بينهما. ووجه مناسبة هذا التأويل لهذه الرؤيا: أن أهل صنعاء وأهل اليمامة كانا قد أسلما، وكانا كالسَّاعدين للإسلام، فلما ظهر فيهما هذان الكذَّابان، وتبهرجا لهما بترَّهاتهما، وزخرفا أقوالهما، فانخدع الفريقان بتلك البهرجة، فكان البلدان للنبي صلى الله عليه وسلم بمنزلة يديه، لأنَّه كان يعتضد بهما. والسِّواران فيهما هما: مسيلمة، وصاحب صنعاء بما زخرفا من أقوالهما. ونفخ النبي صلى الله عليه وسلم: هو أن الله أهلكهما على أيدي أهل دينه، كما ذكرناه في شأن مسيلمة. وأما صاحب صنعاء فهو الأسود بن كعب، ويلقب بذي حمار، وسبب هذا اللقب -على ما قاله ابن إسحاق -: أنه لقيه حمار، فعثر، فسقط لوجهه، فقال: سجد لي الحمار. فارتد عن الإسلام، وادَّعى النبوة، ومخرق على الجهُّال فاتبعوه، وغلب على صنعاء، وأخرج منها المهاجر بن أسد المخزومي، وكان عاملًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم عليها، وانتشر أمره، وغلب على امرأة مُسلمة من الأساورة، فتزوجها فدسَّت إلى قوم من الأساورة: أني قد صنعت سربًا يوصل منه إلى مرقد الأسود فدلتهم على ذلك، فدخل منه قوم، منهم فيروز الديلمي، وقيس بن مكشوح، فقتلوه، وجاءوا برأسه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما قاله ابن إسحاق -.

ص: 44

وَأَهَمَّانِي، فَأُوحِيَ إِلَيَّ أَن انفُخهُمَا فَنَفَختُهُمَا، فَذَهَبَا فَأَوَّلتُهُمَا الكَذَّابَينِ اللَّذَينِ أَنَا بَينَهُمَا صَاحِبَ صَنعَاءَ، وَصَاحِبَ اليَمَامَةِ.

رواه البخاري (4375)، ومسلم (2274)(22).

* * *

ــ

وقال وثيمة (1): ومنهم من يقول: كان ذلك في خلافة أبي بكر رضي الله عنه.

قلت: وهذا هو الصحيح - إن شاء الله تعالى - لقوله صلى الله عليه وسلم: يخرجان بعدي، أي: بعد وفاتي، والله أعلم.

* * *

(1) هو وثيمة بن موسى بن الفرات المعروف بالوشاء. مؤرِّخ، له كتاب في "أخبار الردة". توفي سنة (237 هـ).

ص: 45