الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل
[2474]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ تعالى يَقُولُ يَومَ القِيَامَةِ: أَينَ المُتَحَابُّونَ بِجَلَالِي؟
ــ
لتنقل من صحف الكرام الكاتبين إلى محل آخر، ولعله اللوح المحفوظ. كما قال الله تعالى:{إِنَّا كُنَّا نَستَنسِخُ مَا كُنتُم تَعمَلُونَ} قال الحسن: إن الخزنة تستنسخ الحفظة من صحائف الأعمال. وقد يكون هذا العرض في هذين اليومين للأعمال الصالحة مباهاة بصالح أعمال بني آدم على الملائكة، كما يباهي الله الملائكة بأهل عرفة، وقد يكون هذا العرض (1) لتعلم الملائكة المقبول من الأعمال من المردود، كما جاء الحديث الآخر: إن الملائكة تصعد بصحائف الأعمال، فتعرضها على الله، فيقول الله تعالى: ضعوا هذا واقبلوا هذا، فتقول الملائكة: وعزتك يا ربنا ما رأينا إلا خيرا! فيقول الله تعالى: إن هذا كان لغيري، ولا أقبل من العمل إلا ما ابتغي به وجهي (2) والله تعالى أعلم بحقيقة ذلك.
(9)
ومن باب: ثواب التحابب والتزاور في الله تعالى
(قوله: أين المتحابون بجلالي) هذا نداء تنويه وإكرام، ويجوز أن يخرج هذا الكلام مخرج الأمر لمن يحضرهم مكرمين منوها بهم. و (لجلالي) روي باللام وبالباء، ومعناهما متقارب، لأن المقصود بهما هنا: السببية، أي: لعظيم حقي وحرمة طاعتي، لا لغرض من أغراض الدنيا.
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).
(2)
رواه ابن المبارك في كتاب الزهد والرقائق بنحوه (452).
اليَومَ أُظِلُّهُم فِي ظِلِّي يَومَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلِّي.
رواه أحمد (2/ 237)، ومسلم (2566)(37).
ــ
و(قوله: اليوم أظلهم في ظلي يوم لا ظل إلا ظلي) قيل: هذه الإضافة إضافة تشريف وإكرام؛ إذ الظلال كلها ملكه وخلقه.
قلت: وأولى من هذا التأويل: أنه يعني به: ظل العرش؟ كما قد جاء في رواية أخرى. فيعني - والله تعالى أعلم -: أن في القيامة ظلالا بحسب الأعمال الصالحة تقي صاحبها من وهج الشمس (1) ولفح النار، وأنفاس الخلق، كما قال صلى الله عليه وسلم: الرجل في ظل صدقته حتى يقضى بين الناس (2)، ولكن ظل العرش أعظم الظلال وأشرفها، فيخص الله به من يشاء من صالح عباده، ومن جملتهم المتحابون لجلال الله. فإنَّ قيل: كيف يقال: في القيامة ظلال بحسب الأعمال؟ وقد قال صلى الله عليه وسلم: سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله (3)، وهو ظل العرش المذكور في الحديث؟ قلنا: يمكن أن يقال: كل ظل في القيامة إنما هو له، لأنَّه بخلقه واختراعه بحسب ما يريده تعالى من إكرام من يخصه به؛ فعلى هذا يكون كل واحد من هؤلاء السبعة في ظل يخصه، وكلها ظل الله، لا ظل غيره؛ إذ ليس لغيره هنالك ظل، ولا يقدر له على سبب. ويحتمل أن يقال: إنَّه ليس هنالك إلا ظل واحد، وبه يستظل المؤمنون، لكن لما كان الاستظلال بذلك الظل لا ينال إلا بالأعمال الصالحات نسب لكل عمل ظل؛ لأنه به وصل إليه. والله تعالى أعلم. وهذا كله بناء على أن الظلال حقيقة لا مجاز، وهو قول جمهور العلماء. وقال
(1) في (ع) و (م 4): الشهيق.
(2)
رواه أحمد (4/ 147 - 148)، وأبو يعلى (1766)، وابن خزيمة (2431)، وابن حبان (3310)، والحاكم (1/ 416).
(3)
رواه أحمد (2/ 439)، والبخاري (660)، والترمذي بعد حديث (2391)، والنسائي (8/ 222 - 223).
[2475]
وعنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: أَنَّ رَجُلًا زَارَ أَخًا لَهُ فِي قَريَةٍ أُخرَى، فَأَرصَدَ اللَّهُ عَلَى مَدرَجَتِهِ مَلَكًا، فَلَمَّا أَتَى عَلَيهِ قَالَ: أَينَ تُرِيدُ؟ قَالَ: أُرِيدُ أَخًا لِي فِي هَذِهِ القَريَةِ، قَالَ: هَل لَكَ عَلَيهِ مِن نِعمَةٍ تَرُبُّهَا؟ قَالَ: لَا، غَيرَ أَنِّي أَحبَبتُهُ فِي اللَّهِ، قَالَ: فَإِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيكَ بِأَنَّ اللَّهَ قَد أَحَبَّكَ كَمَا أَحبَبتَهُ فِيهِ.
رواه أحمد (2/ 292)، ومسلم (2567)(38).
* * *
ــ
عيسى بن دينار: إن معناه: يكنهم من المكاره، ويجعلهم في كنفه وستره، كما يقول: أنا في ظلك. أي: في ذراك وسترك.
و(قوله: فأرصد الله على مدرجته) أي: جعل الله ملكا على طريقه يرصده، أي: يرتقبه، وينتظره ليبشره. والمرصد: موضع الرصد. و (المدرجة) بفتح الميم: موضع الدرج، وهو المشي.
و(قوله: هل لك عليه من نعمة تربها؟ ) أي: تقوم بها وتصلحها، فتتعاهده بسببها؟ (فقال: لا، غير أني أحببته في الله) أي: لم أزره لغرض من أغراض الدنيا، ثمَّ أخبر بأنه إنما زاره من أجل أنه أحبه في الله تعالى (1). فبشره الملك بأن الله تعالى قد أحبه بسبب ذلك. وقد تقدَّم القول في محبة الله تعالى للعبد، وأن ذلك راجع إلى إكرامه إياه، وبره به. ومحبة الله للطاعة: قبولها، وثوابه عليها.
وفي هذه الأحاديث ما يدلّ: على أن الحب في الله والتزاور فيه من أفضل الأعمال، وأعظم القرب إذا تجرد ذلك عن أغراض الدنيا وأهواء النفوس، وقد قال صلى الله عليه وسلم: من أحب لله، وأبغض لله، وأعطى لله، ومنع لله فقد استكمل الإيمان (2).
(1) ما بين حاصرتين سقط من (م 4).
(2)
رواه أحمد (3/ 438 و 440)، وأبو داود (4681).