الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة
؟
[2467]
عَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا تَبَاغَضُوا، وَلَا تَحَاسَدُوا، وَلَا تَدَابَرُوا،
ــ
تَعمَلُونَ} ومع هذا فلولا فضل الله بالهداية للطرق الموصلة إليها والمعونة على الأخذ فيها وبأن جعل أعمالنا التي لا قيمة لها ولا خطر لها، ولا منفعة له فيها سببا لنيل الجنة؟ لما كنا نصل إلى شيء من ذلك، ولا نستحق ذرة مما هنالك.
ومن باب: النهي عن التحاسد والتدابر
(قوله: لا تباغضوا، أي: لا تتعاطوا أسباب البغض، لأنَّ الحب والبغض معان قلبية لا قدرة للإنسان على اكتسابها، ولا يملك التصرف فيها، كما قال صلى الله عليه وسلم: اللهم! هذا قسمي فيما أملك، فلا تلمني فيما تملك ولا أملك (1) يعني: الحب والبغض.
و(قوله: لا تدابروا) أي: لا تفعلوا فعل المتباغضين اللذين يدبر كل واحد منهما عن الآخر، أي: يوليه دبره فعل المعرض.
و(قوله: ولا تقاطعوا) أي: لا تقاطعه فلا تكلمه، ولا تعامله، وهو معنى: لا تهاجروا، وهي رواية ابن ماهان، وهي: من الهجران، وعن الجلودي: ولا تهجروا. وعن أبي بحر: تهجروا بكسر التاء والهاء والجيم. قال القاضي:
(1) رواه أحمد (6/ 144)، وأبو داود (2134)، والنسائي (7/ 64)، وابن ما جه (1971).
وَكُونُوا عِبَادَ اللَّهِ إِخوَانًا، وَلَا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلَاثٍ.
وفي رواية: ولا تقاطعوا بدل ولا تدابروا وزاد: كما أمركم الله.
ــ
معنى الكلمة: لا تهتجروا، وتكون: تفتعلون: يعني تهاجروا، أو من هجر الكلام: وهو الفحش فيه، أي: لا تتسابوا وتتفاحشوا.
قلت: والرواية الأولى أوضح وأولى.
و(قوله: ولا تحاسدوا) أي: لا يحسد بعضكم بعضا، والحسد في اللغة: أن تتمنى زوال نعمة المحسود وعودها إليك. يقال: حسده يحسده حسودا. قال الأخفش: وبعضهم يقول: يحسد -بالكسر (1) - والمصدر حسدا بالتحريك، وحسادة، وحسدتك على الشيء، وحسدتك الشيء: بمعنى واحد. فأمَّا الغبطة فهي أن تتمنى مثل حال المغبوط من غير أن تريد زوالها عنه. تقول منه: غبطته بما نال غبطا وغبطة. وقد يوضع الحسد موضع الغبطة لتقاربهما، كما قال صلى الله عليه وسلم: لا حسد إلا في اثنتين (2) أي: لا غبطة أعظم ولا أحق من الغبطة بهاتين الخصلتين.
و(قوله: وكونوا عباد الله إخوانا) أي: كونوا كإخوان النسب في الشفقة، والرحمة، والمودة، والمواساة، والمعاونة، والنصيحة.
و(قوله: كما أمركم الله) يحتمل أن يريد به هذا الأمر الذي هو قوله: كونوا إخوانا، لأنَّ أمره صلى الله عليه وسلم هو أمر الله، وهو مبلغ له، ويحتمل: أن يريد بذلك قوله تعالى: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ} فإنَّه خبر عن المشروعية التي ينبغي للمؤمنين أن يكونوا عليها، ففيها معنى الأمر.
و(قوله: لا يحل لمسلم أن يهجر أخاه فوق ثلاث) دليل خطابه: أن الهجرة دون الثلاث معفو عنها، وسببه: أن البشر لا بد له غالبًا من سوء خلق
(1) في (ز): بالخفض.
(2)
رواه أحمد (2/ 36)، والبخاري (7529)، ومسلم (815).
رواه أحمد (3/ 110)، والبخاريُّ (6065)، ومسلم (2559)(23 و 24)، وأبو داود (4910)، والترمذيُّ (1935).
[2468]
وعَن أَبِي أَيُّوبَ الأَنصَارِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَحِلُّ لِمُسلِمٍ أَن يَهجُرَ أَخَاهُ فَوقَ ثَلَاثِ لَيَالٍ يَلتَقِيَانِ فَيُعرِضُ هَذَا، وَيُعرِضُ هَذَا، وَخَيرُهُمَا الَّذِي يَبدَأُ بِالسَّلَامِ.
رواه أحمد (5/ 422)، والبخاريُّ (6077)، ومسلم (2560)، والترمذيُّ (1932).
[2469]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا هِجرَةَ بَعدَ ثَلَاثٍ.
رواه مسلم (2562).
* * *
ــ
وغضب، فسامحه الشرع في هذه المدة، لأنَّ الغضب فيها لا يكاد الإنسان ينفك عنه؟ ولأنه لا يمكنه رد الغضب في تلك الحالة غالبًا، وبعد ذلك يضعف فيمكن رده، بل: قد يمحى أثره.
وظاهر هذا الحديث تحريم الهجرة فوق ثلاث، وقد أكد هذا المعنى قوله: لا هجرة بعد ثلاث، وكون المتهاجرين لا يغفر لهما حتى يصطلحا.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: خيرهما الذي يبدأ صاحبه بالسلام)، يدلّ على أن مجرد السلام يخرج عن الهجرة وإن لم يكلمه، وهو قول مالك وغيره. وقال أحمد وابن القاسم: إن كان يؤذيه فلا يقطع السلام هجرته. وعندنا: أنه إن اعتزل كلامه لم تقبل شهادته عليه، ومعناه: أن الذي يبادر بقطع الهجرة فيسبق صاحبه بالسلام أحسن خلقا وأعظم أجرا. وما ذكرناه من جواز الهجران في الثلاث هو مذهب