الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد
[2340]
عن علي قال: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: خَيرُ نِسَائِهَا مَريَمُ بِنتُ عِمرَانَ، وَخَيرُ نِسَائِهَا خَدِيجَةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ.
رواه البخاريُّ (3815)، ومسلم (2430)، والترمذيّ (3877).
ــ
(45)
ومن باب: فضائل خديجة بنت خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي القرشية الأسدية رضي الله عنها
كانت تُدعى في الجاهلية: الطاهرة، تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم قبل النبوة ثيبًا بعد زوجين: أبي هالة، هند بن النباش التميمي، فولدت له هندًا، وعتيق بن عائذ المخزومي، ثم تزوَّجها رسول الله صلى الله عليه وسلم وهي بنت أربعين سنة، وأقامت معه أربعًا وعشرين سنة، وتوفيت وهي بنت أربع وستين سنة وستة أشهر، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذ تزوج خديجة ابن إحدى وعشرين سنة. وقيل: ابن خمس وعشرين سنة وهو الأكثر. وقيل: ابن ثلاثين. وأجمع أهل النقل: أنها ولدت له أربع بنات كلهن أدركن الإسلام، وأسلمن، وهاجرن: زينب، وفاطمة، ورقية، وأم كلثوم. وأجمعوا أنها ولدت له ابنًا يُسمَّى: القاسم، وبه كان يكنى، واختلفوا هل ولدت له ذكرًا غير القاسم؟ فقيل: لم تلد له ذكرًا غيره. وقيل: ولدت له ثلاثة ذكور: عبد الله، والطيب، والطاهر. وقيل: بل ولدت له: عبد الله، والطيب والطاهر اسمان له. والخلاف في ذلك كثير، والله تعالى أعلم.
ومات القاسم بمكة صغيرًا. قيل: إنه بلغ إلى أن مشى، وقيل: لم يعش إلا أيامًا يسيرة، ولم يكن للنبي صلى الله عليه وسلم ولد من غير خديجة إلا إبراهيم، ولدته مارية القبطية بالمدينة، وبها توفي وهو رضيع، ومات بنات النبي صلى الله عليه وسلم كلهن قبل موته إلا فاطمة، فإنَّها توفيت بعده بستة أشهر.
وكانت خديجة رضي الله عنها امرأة شريفة عاقلة فاضلة حازمة ذات
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
مال، وقد تقدَّم أنها أول من آمن بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأنه صلى الله عليه وسلم نُبِّئ يوم الإثنين فصلت آخر ذلك اليوم. وكانت عونًا للنبي صلى الله عليه وسلم على حاله كله، وردءًا له تثبِّتُه على أمره، وتصدقه فيما يقوله، وتصبِّره على ما يلقى من قومه من الأذى والتكذيب، وسلَّم عليها جبريل عليه السلام وبشرها بالجنة.
وروي من طرق صحيحة أنه صلى الله عليه وسلم قال فيما رواه عنه أبو هريرة رضي الله عنه: خير نساء العالمين أربع: مريم بنت عمران، وآسية ابنة مزاحم امرأة فرعون، وخديجة بنت خويلد، وفاطمة رضي الله عنهن (1).
ومن حديث ابن عباس رضي الله عنهما عن النبي صلى الله عليه وسلم: أفضل نساء أهل الجنة: خديجة بنت خويلد، وفاطمة بنت محمد، ومريم بنت عمران، وآسية بنت مزاحم امرأة فرعون (2).
وفي طريق آخر عنه: سيدة نساء أهل الجنة بعد مريم: فاطمة وخديجة (3). وكان النبي صلى الله عليه وسلم يحبها ويقول: رزقت حبها (4). ولم يتزوج عليها إلى أن ماتت. قيل: كانت وفاتها قبل مهاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة بسبع سنين. وقيل: بخمس سنين. وقيل: بأربع. وقيل: بثلاث، وهو أصحها، وأشهرها - إن شاء الله تعالى - وتوفيت هي وأبو طالب - عم رسول الله صلى الله عليه وسلم في سنة واحدة. قيل: كان بينهما ثلاثة أيام، وتوفيت في رمضان، ودفنت بالحجون.
و(قوله: خير نسائها: مريم ابنة عمران) هذا الضمير عائد على غير مذكور، لكنه تفسره الحال والمشاهدة، يعني به: الدنيا، وفي رواية: وأشار وكيع
(1) رواه ابن حبان (2222/ موارد)، وأحمد في فضائل الصحابة (1325)، والترمذي (3888) من حديث أنس.
(2)
رواه أحمد (1/ 293)، والحاكم (3/ 160)، وانظر الهيثمي في المجمع (9/ 223).
(3)
كذا ورد في الأصول: (سيدة) بالإفراد، وذكر بعد مريم: فاطمة وخديجة. وفي سير أعلام النبلاء للذهبي (2/ 117)، والاستيعاب على هامش الإصابة (4/ 286) وَرَد ذِكْر ثالثة هي: امرأة فرعون.
(4)
انظر: صحيح مسلم (2430)(69).
[2341]
وعن أبي هُرَيرَةَ قَالَ: أَتَى جِبرِيلُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ هَذِهِ خَدِيجَةُ قَد أَتَتكَ مَعَهَا إِنَاءٌ فِيهِ إِدَامٌ أَو طَعَامٌ أَو شَرَابٌ،
ــ
إلى السماء والأرض - يريد الدُّنيا - كأنه يفسر ذلك الضمير، فكأنه قال: خير نساء الدنيا: مريم بنت عمران. وهذا نحو حديث ابن عباس المتقدِّم، الذي قال فيه: خير نساء العالمين: مريم. ويشهد لهذه الأحاديث في تفضيل مريم: قول الله تعالى حكاية عن قول الملائكة لها: {إِنَّ اللَّهَ اصطَفَاكِ وَطَهَّرَكِ وَاصطَفَاكِ عَلَى نِسَاءِ العَالَمِينَ}
فظاهر القرآن والأحاديث يقتضي: أن مريم أفضل من جميع نساء العالم، من حواء إلى آخر امرأة تقوم عليها الساعة، ويعتضد هذا الظاهر: بأنها صديقة ونبية بلَّغتها الملائكةُ الوحي عن الله تعالى بالتكليف، والإخبار، والبشارة، وغير ذلك، كما بلَّغته سائر الأنبياء، فهي إذًا نبيَّة، وهذا أولى من قول من قال: إنها غير نبيَّة، وإذا ثبت ذلك، ولم يسمع في الصحيح أن في النساء نبية غيرها فهي أفضل من كل النساء الأولين والآخرين، إذ النبي أفضل من الولي بالإجماع، وعلى هذا فهي أفضل مطلقًا، ثم بعدها في الفضيلة فاطمة، ثم خديجة، ثم آسية، وكذلك رواه موسى بن عقبة عن كريب عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيدة نساء العالمين: مريم، وفاطمة، ثم خديجة، ثم آسية (1) وهذا حديث حسن، رافع لإشكال هذه الأحاديث، فأمَّا من يرى: أن مريم صديقة وليست بنبيَّة فلهم في تأويل هذه الأحاديث طريقان:
أحدهما: أن معناها أن كل واحدة من أولئك النساء الأربع خير عالم زمانها، وسيدة وقتها.
وثانيهما: أن هؤلاء النسوة الأربع هن أفضل نساء العالم، وإن كنَّ في
(1) رواه الطبراني في الأوسط والكبير بنحوه. انظر: مجمع الزوائد (9/ 201).
فَإِذَا هِيَ أَتَتكَ فَاقرَأ عليها السلام مِن رَبِّهَا عز وجل وَمِنِّي، وَبَشِّرهَا بِبَيتٍ فِي الجَنَّةِ مِن قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.
رواه البخاري (3820)، ومسلم (2432).
[2342]
وعن عَبدِ اللَّهِ بنِ أَبِي أَوفَى، عن النبي صلى الله عليه وسلم: أنه بَشَّرَ خَدِيجَةَ بِبَيتٍ فِي الجَنَّةِ مِن قَصَبٍ لَا صَخَبَ فِيهِ وَلَا نَصَبَ.
رواه البخاريُّ (3819)، ومسلم (2433).
ــ
أنفسهن على مزايا متفاوتة، ورتب متفاضلة، وما ذكرناه: أوضح وأسلم. والله أعلم.
و(قوله: بشر خديجة ببيت في الجنة من قصب، لا صخب فيه، ولا نصب) قال الهروي وغيره: القصب - هنا -: اللؤلؤ المجوَّف المستطيل، والبيت: هو القصر.
قلت: وهذا نحو قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: إن في الجنة لخيمة من لؤلؤة مجوَّفة عرضها ستون ميلًا (1)، [وفي لفظ آخر: من درَّة بيضاء طولها ستون ميلًا] (2) وسيأتي - إن شاء الله تعالى -. والصخب: اختلاط الأصوات، ويقال: بالسين والصاد، والنصب: التعب والمشقة. ويقال: نُصبٌ، ونَصَبٌ، كحُزن وحَزَن، أي: لا يصيبها ذلك، لأنَّ الجنة منزهة عن ذلك، كما قال تعالى:{لا يَمَسُّهُم فِيهَا نَصَبٌ وَمَا هُم مِنهَا بِمُخرَجِينَ} وقيل: معناه أن هذا البيت خالص لها، لا تنازع فيه فيصخب عليها فيه، وذلك من فضل الله تعالى عليها لا بنصبها في العبادة، ولا اجتهادها في ذلك.
وإبلاغ الملك لها: أن الله يقرأ عليها السلام، فضيلة عظيمة، وخصوصية شريفة لم يُسمع بمثلها لمن ليس بنبي إلا لعائشة رضي الله عنها على ما يأتي.
(1) رواه أحمد (4/ 411)، والبخاري (4879)، ومسلم (2848)(24).
(2)
ما بين حاصرتين سقط من (ز).
[2343]
وعَن عَائِشَةَ قَالَت: مَا غِرتُ عَلَى امرَأَةٍ مَا غِرتُ عَلَى خَدِيجَةَ، وَلَقَد هَلَكَت قَبلَ أَن يَتَزَوَّجَنِي بِثَلَاثِ سِنِينَ لِمَا كُنتُ أَسمَعُهُ يَذكُرُهَا، وَلَقَد أَمَرَهُ رَبُّهُ عز وجل أَن يُبَشِّرَهَا بِبَيتٍ مِن قَصَبٍ فِي الجَنَّةِ، وَإِن كَانَ لَيَذبَحُ الشَّاة، ثُمَّ يُهدِيهَا إِلَى خَلَائِلِهَا.
زاد في أخرى: قَالَت عائشة: فَأَغضَبتُهُ يَومًا فَقُلتُ: خَدِيجَةَ؟ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي رُزِقتُ حُبَّهَا.
رواه أحمد (6/ 279)، والبخاريُّ (3816)، ومسلم (2435)(74 و 75)، والترمذيُّ (3885 و 3886)، وابن ماجه (1997).
[2344]
وعنها قالت: استَأذَنَت هَالَةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ أُختُ خَدِيجَةَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَرَفَ استِئذَانَ خَدِيجَةَ، فَارتَاحَ لِذَلِكَ فَقَالَ: اللَّهُمَّ هَالَةُ بِنتُ خُوَيلِدٍ! فَغِرتُ
ــ
و(قول عائشة رضي الله عنها: ما غِرتُ على امرأة ما غِرت على خديجة، لِمَا كنت أسمعه يذكرها) أي: يمدحها ويثني عليها، ويذكر فضائلها، وذلك لفرط محبته إياها، ولِما اتصل له من الخير بسببها، وفي بيتها، ومن أحبَّ شيئًا أكثر من ذكره، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: إني رزقت حبها، وكونه صلى الله عليه وسلم يُهدي لخلائل خديجة: دليل على كرم خلقه، وحسن عهده، ولذلك كان يرتاح لهالة بنت خويلد إذا رآها، وينهض (1) إكرامًا لها، وسرورًا بها.
و(قولها: فعرف استئذان خديجة) أي تذكر - عند استئذان هالة - خديجة، وكأن نَغمةَ هالة كانت تشبه نَغمةَ خديجة، وأصلُ هذا كله: أن من أحب محبوبًا أحبَّ محبوباته، وما يتعلق به وما يشبهه.
و(قوله: اللهم! هالة) يجوز في هالة الرفع على خبر الابتداء، أي: هذه
(1) في (ع): يهشُّ.
فَقُلتُ: وَمَا تَذكُرُ مِن عَجُوزٍ مِن عَجَائِزِ قُرَيشٍ، حَمرَاءِ الشِّدقَينِ، هَلَكَت فِي الدَّهرِ، فَأَبدَلَكَ اللَّهُ خَيرًا مِنهَا! .
رواه مسلم (2437)(78).
ــ
هالة فأكرمها وأحسن إليها. والنَّصب على إضمار فعل، أي: أَكرِم هالة واحفظها، وما أشبه ذلك من التقدير الذي يليقُ بالمعنى.
و(قول عائشة رضي الله عنها: وما تذكر من عجوز من عجائز قريش. . . الحديث، قولٌ أخرجه من عائشة فرط الغيرة، وخِفَّة الشباب، والدَّلال، ولذلك لم ينكر عليها النبي صلى الله عليه وسلم شيئًا مما قالت، وقد أخذ بعض العلماء من هذا الحديث: أن الغَيرى لا تُؤاخذ بما يصدرُ عنها في حال غيرتها، وليس ذلك أخذًا صحيحًا، لأنَّ الغيرة هنا جزءُ السَّبب، لا كل السَّبب، وذلك أن عائشة رضي الله عنها اجتمع فيها تلك الأمور الثلاثة: الغيرة والشباب - ولعل ذلك كان قبل بلوغها - والدَّلال، وذلك أنها: كانت أحب نسائه إليه بعد خديجة، فإحالة الصَّفح عنها على بعض هذه الأمور تحكُّم، لا يقال: إنما يصحُّ إسناد الصَّفح إلى الغيرة، لأنَّها هي التي نصَّت عليها عائشة فقالت: فغرت، لأنَّا نقول: لو سلمنا أن غيرتها وحدها أخرجت منها ذلك القول لما لزم أن تكون غيرتها وحدها هي الموجبة للصفح عنها، بل يحتمل: أن تكون الغيرة وحدها، ويحتمل أن تعتبر باقي الأوصاف، لا سيما ولم ينص النبي صلى الله عليه وسلم على المسقط ما هو، فبقي الأمر محتملًا للأمرين، فلا تكون فيه حجَّة على ذلك، والله تعالى أعلم.
و(قولها: حمراء الشِّدقين) قيل معناه: أنها بيضاء الشدقين، والعرب تسمي الأبيض: أحمر، كراهة في اسم البياض، لأنَّه يشبه البرص، وهذا كما قاله النبي صلى الله عليه وسلم لعائشة: يا حميراء! لا تأكلي الطين فإنَّه يذهب بهاء الوجه (1) يعني: يا بيضاء.
(1) ذكره ابن الجوزي في الموضوعات (3/ 33). وفيه يحيى بن هاشم. قال يحيى: هو =
[2345]
وعنها قالت: لَم يَتَزَوَّج النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَلَى خَدِيجَةَ حَتَّى مَاتَت.
رواه مسلم (2436)(77).
* * *
ــ
قلت: وهذا فيه بُعدٌ في هذا الموضع، فلو كان الأمر كذلك لقالت عائشة بدل: حمراء الشدقين: بيضاء الشدقين، فإنه كان يكون أبلغ في التقبيح، وعائشة إنما ذكرت هذا الكلام تقبيحًا لمحاسن خديجة وتزهيدًا فيها، وإنَّما معنى هذا عندي - والله أعلم - أنها نسبتها إلى حمراء الشدقين من الكِبَر، وذلك: أن من جاوز سن الكهولة، ولحق سن الشيخوخة، وكان قويًّا في بدنه صحيحًا غلب على لونه الحمرة المائلة إلى السُّمرة، والله تعالى أعلم.
و(قولها: قد أبدلك الله خيرًا منها) تعني بخير: أجمل وأشب - وتعني نفسها -، لا أنها خير منها عند الله، وعند رسوله؛ لما تقدَّم من الأحاديث التي ذكرناها في صدر الكلام، وكونه صلى الله عليه وسلم لم يتزوج على خديجة إلى أن ماتت: يدلّ على عظيم قدرها عنده، ومحبته لها، وعلى فضل خديجة أيضًا، لأنها اختصَّت برسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم يشاركها فيه أحد، صيانة لقلبها من التَّغيير والغَيرة، ومن مناكدة (1) الضرة.
* * *
= دجَّال هذه الأمة. وقال ابن عدي: كان يضع الحديث. قال العقيلي: ليس لهذا الحديث أصل، ولا يُحفظ من وجه يثبت.
(1)
في (ز): مكابدة.