الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه
[2399]
عن أبي هُرَيرَةَ قَالَ: كُنتُ أَدعُو أُمِّي إِلَى الإِسلَامِ وَهِيَ مُشرِكَةٌ، فَدَعَوتُهَا يَومًا فَأَسمَعَتنِي فِي رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَكرَهُ، فَأَتَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَنَا أَبكِي، فقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنِّي كُنتُ أَدعُو أُمِّي إِلَى الإِسلَامِ فَتَأبَى عَلَيَّ، فَدَعَوتُهَا اليَومَ فَأَسمَعَتنِي فِيكَ مَا أَكرَهُ، فَادعُ اللَّهَ أَن يَهدِيَ أُمَّ أَبِي هُرَيرَةَ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ اهدِ أُمَّ أَبِي هُرَيرَةَ! فَخَرَجتُ مُستَبشِرًا بِدَعوَةِ نَبِيِّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَلَمَّا جِئتُ فَصِرتُ إِلَى البَابِ فَإِذَا هُوَ مُجَافٌ، فَسَمِعَت أُمِّي خَشفَ قَدَمَيَّ فَقَالَت: مَكَانَكَ يَا أَبَا هُرَيرَةَ! وَسَمِعتُ خَضخَضَةَ المَاءِ. قَالَ: فَاغتَسَلَت، وَلَبِسَت دِرعَهَا، وَعَجِلَت عَن خِمَارِهَا فَفَتَحَت البَابَ، ثُمَّ قَالَت: يَا أَبَا هُرَيرَةَ، أَشهَدُ أَن لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَشهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبدُهُ وَرَسُولُهُ! قَالَ: فَرَجَعتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَتَيتُهُ
ــ
(64)
ومن باب: فضائل أبي هريرة رضي الله عنه
اختلف في اسم أبي هريرة واسم أبيه اختلافًا كثيرًا، انتهت أقوال النقلة في ذلك إلى ثمانية عشر قولًا، وأشبه ما فيها أن يقال إنه كان له في الجاهلية اسمان: عبد شمس، وعبد عمرو - وفي الإسلام: عبد الله، وعبد الرحمن بن صخر. وقد اشتهر بكنيته حتى كأنه ما له اسم غيرها، فهي أولى به، وكنِّي بأبي هريرة لأنَّه وجد هرَّة صغيرة فحملها في كمِّه، فكُنِّي بها وغلب ذلك عليه، وقيل: إن الرسول صلى الله عليه وسلم كناه بذلك عندما رآه يحملها.
أسلم أبو هريرة عام خيبر، وشهدها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم لازمه وواظب عليه رغبة في العلم راضيًا بشبع بطنه، فكانت يده مع يد رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكان يدور معه حيثما دار، فكان يحضر ما لا يحضره غيره، ثم اتفق له أن حصلت له بركة دعوة النبي صلى الله عليه وسلم في الثوب الذي ضمَّه إلى
وَأَنَا أَبكِي مِن الفَرَحِ، قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَبشِر! قَد استَجَابَ اللَّهُ دَعوَتَكَ وَهَدَى أُمَّ أَبِي هُرَيرَةَ - فَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ خَيرًا. قَالَ: قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ادعُ اللَّهَ أَن يُحَبِّبَنِي أَنَا وَأُمِّي إِلَى عِبَادِهِ المُؤمِنِينَ وَيُحَبِّبَهُم إِلَينَا! قَالَ: فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ حَبِّب عُبَيدَكَ هَذَا - يَعنِي أَبَا هُرَيرَةَ - وَأُمَّهُ إِلَى عِبَادِكَ المُؤمِنِينَ وَحَبِّب إِلَيهِم المُؤمِنِينَ! فَمَا خُلِقَ مُؤمِنٌ يَسمَعُ بِي وَلَا يَرَانِي إِلَّا أَحَبَّنِي.
رواه أحمد (2/ 320)، ومسلم (2491).
ــ
صدره، فكان يحفظ ما سمعه ولا ينساه، فلا جرم حفظ له من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يحفظ لأحد من الصحابة رضي الله عنهم، وذلك خمسة آلاف حديث وثلاثمائة وأربعة وسبعون حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين ستمائة وتسعة أحاديث، قال البخاري: روى عنه أكثر من ثمانمائة رجل من بين صحابي وتابعي. قال أبو عمر: استعمله عمر على البحرين ثم عزله، ثم أراده على العمل فأبى عليه، ولم يزل يسكن المدينة، وبها كانت وفاته سنة سبع وخمسين، وقيل: سنة ثمان، وقيل: سنة تسع، وقيل: توفي بالعقيق - وصلَّى عليه الوليد بن عتبة بن أبي سفيان وكان أميرًا يومئذ على المدينة ومروان معزول، وكان رضي الله عنه من علماء الصحابة وفضلائها ناشرًا للعلم شديد التواضع والعبادة، عارفًا لنعم الله شاكرًا لها، مجتهدًا في العبادة. كان هو وامرأته وخادمه يعتقبون الليل أثلاثًا؛ يصلِّي هذا ثم يوقظ هذا، ويصلي هذا ثم يوقظ هذا، وكان يقول: نشأت يتيمًا، وهاجرت مسكينًا، وكنت أجيرًا لبسرة بنت غزوان بطعام بطني وعقبة رحلي، فكنت أخدم إذا نزلوا، وأحدو إذا ركبوا، فزوَّجنيها الله، فالحمد لله الذي جعل الدين قوامًا وجعل أبا هريرة إمامًا.
حديث إسلام أمه ليس فيه شيء يشكل.
[2400]
وعن عُروَةَ بنَ الزُّبَيرِ حَدَّثَهُ أَنَّ عَائِشَةَ قَالَت: أَلَا يُعجِبُكَ أَبُو هُرَيرَةَ؟ جَاءَ فَجَلَسَ جَنبِ حُجرَتِي يُحَدِّثُ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُسمِعُنِي ذَلِكَ، وَكُنتُ أُسَبِّحُ، فَقَامَ قَبلَ أَن أَقضِيَ سُبحَتِي، وَلَو أَدرَكتُهُ لَرَدَدتُ عَلَيهِ؛ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَم يَكُن يَسرُدُ الحَدِيثَ كَسَردِكُم.
رواه أحمد (6/ 118)، ومسلم (2493)، وأبو داود (3655)، والترمذيُّ (3639).
[2401]
وَقَالَ ابنُ المُسَيَّبِ: إِنَّ أَبَا هُرَيرَةَ قَالَ: يَقُولُونَ إِنَّ
ــ
و(قول عائشة رضي الله عنها ألا يعجبك) هو بضم الياء وفتح العين وكسر الجيم مشددة، ومعناه: ألا يحملك على التعجب النظر في أمره؟ قالت هذا منكرة عليه إكثاره من الأحاديث في المجلس الواحد، ولذلك قالت في غير هذه الرواية: إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يُحدِّثُ حديثًا لو عدَّه العادُّ لأحصاه، تعني أنه كان يحدِّث حديثًا قليلًا، ويحتمل أن تريد بذلك أنه كان يحدِّث حديثًا واضحًا مبينًا بحيث لو عُدَّت كلماته أحصيت لقلِّتها وبيانها، ويدلّ على صحة هذا التأويل قولها ما كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يسرد الحديث سردكم هذا.
والصَّفق بالأسواق: التجارة فيها، وقد تقدَّم أنهم كانوا يتواجبون بالأيدي فيصفق أحدهما في كف الآخر، فإذا فعلوا ذلك وجب البيع، فسمِّي البيع صفقًا بذلك، وقد تقدم هذا.
والسُّبحة: النافلة، وأُسَبِّح: أُصَلِّي - مأخوذ من التسبيح.
و(قول أبي هريرة رضي الله عنه: يقولون قد أكثر أبو هريرة والله الموعد، أي: الرجوع إلى الله بحكم الوعد الصَّادق، فيجازي كُلاًّ على قوله (1) وفعله.
(1) في (ز): صدقه.
أَبَا هُرَيرَةَ قَد أَكثَرَ! وَاللَّهُ المَوعِدُ، وَيَقُولُونَ: مَا بَالُ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ لَا يَتَحَدَّثُونَ مِثلَ أَحَادِيثِهِ! وَسَأُخبِرُكُم عَن ذَلِكَ؛ إِنَّ إِخوَانِي مِن الأَنصَارِ كَانَ يَشغَلُهُم عَمَلُ أَرَضِيهِم، وَإِنَّ إِخوَانِي مِن المُهَاجِرِينَ كَانَ يَشغَلُهُم الصَّفقُ بِالأَسوَاقِ، وَكُنتُ أَلزَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مِلءِ بَطنِي، فَأَشهَدُ إِذَا غَابُوا، وَأَحفَظُ إِذَا نَسُوا، وَلَقَد قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومًا: أَيُّكُم يَبسُطُ ثَوبَهُ فَيَأخُذُ مِن حَدِيثِي هَذَا ثُمَّ يَجمَعُهُ إِلَى صَدرِهِ فَإِنَّهُ لَم يَنسَ شَيئًا سَمِعَهُ؟ فَبَسَطتُ بُردَةً عَلَيَّ حَتَّى فَرَغَ مِن حَدِيثِهِ، ثُمَّ جَمَعتُهَا إِلَى صَدرِي، فَمَا نَسِيتُ بَعدَ ذَلِكَ شَيئًا حَدَّثَنِي بِهِ، وَلَولَا آيَتَانِ أَنزَلَهُمَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ مَا حَدَّثتُ شَيئًا أَبَدًا:{إِنَّ الَّذِينَ يَكتُمُونَ مَا أَنزَلنَا مِنَ البَيِّنَاتِ وَالهُدَى} إِلَى آخِرِ الآيَتَينِ.
ــ
و(قوله يقولون ما بال المهاجرين والأنصار لا يتحدثون مثل أحاديثه)، هذا الإنكار خلاف إنكار عائشة رضي الله عنها، فإنَّها إنما أنكرت سرد الحديث، وهؤلاء أنكروا على أبي هريرة أن يكون أكثر الصحابة حديثًا، وهذا إنكار استبعادٍ وتعجب لا إنكار تهمة ولا تكذيب لما يعلم من حفظه وعلمه وفضله، ولما يعلم أيضًا من فضلهم ومعرفتهم بحاله، ولذلك بيَّن لهم الموجب لكثرة حديثه، وبيَّن أنه شيئان؛
أحدهما: أنه لازم النبي صلى الله عليه وسلم ما لم يلازموا، فحضر ما لم يحضروا.
والثاني: بركة امتثال ما أرشد إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم من بسط ثوبه وضمِّه إلى صدره، فكان ذلك سبب حفظه وعدم نسيانه، فقد حصلت لأبي هريرة ولأمه من بركات رسول الله صلى الله عليه وسلم وخصائص دعواته ما لم يحصل لغيره، ثم إن أبا هريرة رضي الله عنه لما حفظ علمًا كثيرًا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم وتحقق أنه وجب عليه أن يبلغه غيره ووجد من يقبل عنه ومن له رغبة في ذلك تفرَّغ لذلك مخافة