الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة
[2503]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَنبَغِي لِصِدِّيقٍ أَن يَكُونَ لَعَّانًا.
رواه مسلم (2597).
ــ
(20)
ومن باب قوله: لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا
قد تقدَّم: أن أصل اللعن: الطرد والبعد، وهو في الشرع: البعد عن رحمة الله تعالى وثوابه إلى نار الله وعقابه، وأن لعن المؤمن كبيرة من الكبائر؛ إذ قد قال صلى الله عليه وسلم: لعن المؤمن كقتله (1).
و(قوله: لا ينبغي لصديق أن يكون لعانا) صديق: فعيل: وهو الكثير الصدق والتصديق، كما قد تقرر في صفة أبي بكر رضي الله عنه واللعان: الكثير اللعن. ومعنى هذا الحديث: أن من كان صادقا في أقواله وأفعاله مصدقا بمعنى اللعنة الشرعية، لم تكن كثرة اللعن من خُلقه، لأنه إذا لعن من لا يستحق اللعنة الشرعية (2)، فقد دعا عليه بأن يُبعد من رحمة الله وجنته، ويدخل في ناره وسخطه. والإكثار من هذا يناقض أوصاف الصديقين، فإنَّ من أعظم صفاتهم الشفقة والرحمة للحيوان مطلقا، وخصوصا بني آدم، وخصوصا المؤمن؛ فإنَّ المؤمنين كالجسد الواحد، وكالبنيان لما تقدَّم، فكيف يليق أن يُدعى عليهم باللعنة التي معناها الهلاك والخلود في نار الآخرة. فمن كثر منه اللعن فقد سُلب منصب
(1) رواه البخاري (6105)، ومسلم (110).
(2)
ما بين حاصرتين ساقط من (ع).
[2504]
وعن أبي الدرداء قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَكُونُ اللَّعَّانُونَ شُفَعَاءَ، وَلَا شُهَدَاءَ يَومَ القِيَامَةِ.
رواه مسلم (2598)(85 - 86)، وأبو داود (4907).
[2505]
وعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ قَالَ: بَينَمَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعضِ أَسفَارِهِ، وَامرَأَةٌ مِن الأَنصَارِ عَلَى نَاقَةٍ، فَضَجِرَت، فَلَعَنَتهَا، فَسَمِعَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ: خُذُوا مَا عَلَيهَا، وَدَعُوهَا، فَإِنَّهَا مَلعُونَةٌ، قَالَ عِمرَانُ: فَكَأَنِّي أَرَاهَا الآنَ ناقة ورقاء تَمشِي فِي النَّاسِ مَا يَعرِضُ لَهَا أَحَدٌ.
رواه أحمد (4/ 429)، ومسلم (2595)(80 و 81)، وأبو داود (2561).
ــ
الصديقية، ومن سُلبه فقد سُلب منصب الشفاعة والشهادة الأخروية، كما قال: لا يكون اللعانون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة. وإنما خص اللعان بالذكر ولم يقل: اللاعن، لأن الصديق قد يلعن مَن أمره الشرع بلعنه، وقد يقع منه اللعن فلتة وندرة، ثم يراجع، وذلك لا يخرجه عن الصديقية، ولا يفهم من نسبتنا الصديقية لغير أبي بكر، مساواة غير أبي بكر لأبي بكر رضي الله عنه في صديقيته؛ فإنَّ ذلك باطل بما قد عُلم أن أبا بكر رضي الله عنه أفضل الناس بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم، على ما تقدَّم، لكن المؤمنون الذين ليسوا بلعانين لهم حظ من تلك الصديقية، ثم هم متفاوتون فيها على حسب ما قسم لهم منها، والله تعالى أعلم.
وقوله صلى الله عليه وسلم في الناقة المدعو عليها باللعنة: خذوا ما عليها فإنَّها ملعونة) حمله بعض الناس على ظاهره، فقال: أطلع الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم على أن هذه الناقة قد لعنها الله تعالى، وقد استُجيب لصاحبتها فيها؛ فإن أراد هذا القائل أن الله تعالى لعن هذه الناقة كما يلعن من استحق اللعنة من المكلفين، كان ذلك باطلا؛ إذ الناقة ليست بمكلفة، وأيضًا فإنَّ الناقة لم يصدر منها ما يوجب لعنها، وإن أراد
[2506]
وعَن أَبِي بَرزَةَ الأَسلَمِيِّ قَالَ: بَينَمَا جَارِيَةٌ عَلَى نَاقَةٍ عَلَيهَا بَعضُ مَتَاعِ القَومِ، إِذ بَصُرَت بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَتَضَايَقَ بِهِم الجَبَلُ، فَقَالَت: حَل! اللَّهُمَّ العَنهَا، قَالَ: فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لَا تُصَاحِبنَا نَاقَةٌ عَلَيهَا لَعنَةٌ.
وفي رواية: لا، ايم الله، لا تصاحبنا.
رواه أحمد (4/ 421)، ومسلم (2596)(82 و 83).
* * *
ــ
أن هذه اللعنة: إنما هي عبارة عن إبعاد هذه الناقة عن مالكتها، وعن استخدامها إياها، فتلك اللعنة إنما ترجع لصاحبتها؛ إذ قد حيل بينها وبين مالها، ومُنعت الانتفاع به، لا للناقة، لأنها قد استراحت من ثِقل الحمل وكد السير.
فإن قيل: فلعل معنى لعنة الله الناقة أن تترك ألا يتعرض لها أحد، فالجواب: أن معنى ترك الناس لها إنما هو أنهم لم يؤوها إلى رحالهم، ولا استعملوها في حمل أثقالهم، فأمَّا أن يتركوها في غير مرعى ومن غير علف حتى تهلك فليس في الحديث ما يدل عليه. ثم هو مخالف لقاعدة الشرع في الأمر بالرفق بالبهائم والنهي عن تعذيبها، وإنما كان هذا منه صلى الله عليه وسلم تأديبا لصاحبتها، وعقوبة لها فيما دعت عليها بما دعت به.
ويستفاد منه: جواز العقوبة في المال لمن جنى فيه بما يناسب ذلك، والله تعالى أعلم.
والورقاء: التي يخالط بياضها سواد، والذكر أورق.
و(قوله: فقالت: حل) هي كلمة تزجر بها الإبل، يقال: حل! حل! بسكون اللام، ويقال: حل! حل! بكسر اللام فيهما، منونة وغير منونة.
* * *