المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

[2507]

عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قِيلَ لرَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: ادعُ عَلَى المُشرِكِينَ، قَالَ: إِنِّي لَم أُبعَث لَعَّانًا، وَإِنَّمَا بُعِثتُ رَحمَةً.

رواه مسلم (2599).

ــ

(21)

ومن باب: لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا، وإنما بُعث رحمة (1)

قوله صلى الله عليه وسلم: إني لم أبعث لعانا، وإنما بُعثت رحمة) كان هذا منه صلى الله عليه وسلم بعد دعائه على رعل وذكوان وعصية، الذين قتلوا أصحابه ببئر معونة، فأقام النبي صلى الله عليه وسلم شهرا يدعو عليهم، ويلعنهم في آخر كل صلاة من الصلوات الخمس، يقنت بذلك، حتى نزل عليه جبريل فقال: إن الله تعالى لم يبعثك لعانا ولا سبابا، وإنما بعثك رحمة ولم يبعثك عذابا ثم أنزل الله تعالى:{لَيسَ لَكَ مِنَ الأَمرِ شَيءٌ أَو يَتُوبَ عَلَيهِم أَو يُعَذِّبَهُم فَإِنَّهُم ظَالِمُونَ} على ما خرجه أبو داود في مراسيله (2) من حديث خالد بن أبي عمران، وفي الصحيحين ما يؤيد ذلك ويشهد بصحته.

و(قوله: إنما بعثت رحمة) هذا كقوله تعالى: {وَمَا أَرسَلنَاكَ إِلا رَحمَةً لِلعَالَمِينَ} أي: بالرسالة العامة، والإرشاد للهداية، والاجتهاد في التبليغ، والمبالغة في النصح، والحرص على إيمان الجميع، وبالصبر على جفائهم، وترك الدعاء عليهم، إذ لو دعا عليهم لهلكوا. وهذه الرحمة يشترك فيها

(1) هذا العنوان لم يرد في نسخ المفهم جميعها، واستدركناه من التلخيص.

(2)

رواه أبو داود في المراسيل رقم (89)، والبيهقي (2/ 210).

ص: 582

[2508]

وعَن عَائِشَةَ قَالَت: دَخَلَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلَانِ، فَكَلَّمَاهُ بِشَيءٍ لَا أَدرِي مَا هُوَ، وَأَغضَبَاهُ، فَلَعَنَهُمَا وَسَبَّهُمَا، فَلَمَّا خَرَجَا قُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لمَن أَصَابَ مِن الخَيرِ شَيئًا مَا أَصَابَهُ هَذَانِ! قَالَ: وَمَا ذَاكِ؟ قَالَت: قُلتُ: لَعَنتَهُمَا وَسَبَبتَهُمَا! قَالَ: أَوَمَا عَلِمتِ مَا شَارَطتُ عَلَيهِ رَبِّي؟ قُلتُ: اللَّهُمَّ! إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ المُسلِمِينَ لَعَنتُهُ أَو سَبَبتُهُ فَاجعَلهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجرًا.

رواه مسلم (2600)(88).

ــ

المؤمن والكافر، أما رحمته الخاصة فلمن هداه الله تعالى، ونور قلبه بالإيمان، وزين جوارحه بالطاعة، كما قال تعالى:{بِالمُؤمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} فهذا هو المغمور برحمة الله، المعدود في زمرة الكائنين معه في مستقر كرامته، جعلنا الله منهم، ولا حال بيننا وبينهم.

و(قوله: لمن أصاب من الخير شيئا ما أصابه هذان) هذا الكلام من السهل الممتنع، وذلك أن معناه أن هذين الرجلين ما أصابا منك خيرا، وإن كان غيرهما قد أصابه، لكن تنزيل هذا المعنى على أفراد ذلك الكلام فيه صعوبة، ووجه التنزيل يتبين بالإعراب، وهو أن اللام في: لمن، هي لام الابتداء، وهي متضمنة للقسم، ومن: موصولة في موضع رفع بالابتداء، وصلتها: أصاب، وعائدها: المضمر في أصاب، وما بعدها متعلق به، وخبره محذوف، تقديره: والله لرجل أصاب منك خيرا: فائز أو ناج. ثم نفى عن هذين الرجلين إصابة ذلك الخير بقوله: ما أصابه هذان، ولا يصح أن يكون (ما أصابه) خبرا لـ (من) المبتدأ، لخلوها عن عائد يعود على نفس المبتدأ، وأما الضمير في (أصابه) فهو للخير، لا لمن، فتأمله يصح لك ما قلناه، والله تعالى أعلم.

و(قوله: اللهم إني بشر أغضب كما يغضب البشر، فأي المسلمين لعنته أو سببته أو جلدته، فاجعل ذلك له كفارة ورحمة) ظاهر هذا أنه خاف أن

ص: 583

[2509]

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَتَّخِذُ عِندَكَ عَهدًا لَن تُخلِفَنِيهِ، فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ، فَأَيُّ المُؤمِنِينَ آذَيتُهُ، شَتَمتُهُ، لَعَنتُهُ، جَلَدتُهُ، فَاجعَلهَا لَهُ صَلَاةً وَزَكَاةً.

ــ

يصدر عنه في حال غضبه شيء من تلك الأمور، فيتعلق به حق مسلم، فدعا الله تعالى، ورغب إليه في أنه: إن وقع منه شيء من ذلك لغير مستحق في ألا يفعل بالمدعو عليه مقتضى ظاهر ذلك الدعاء، وأن يعوضه من ذلك مغفرة لذنوبه ورفعة في درجاته، فأجاب الله تعالى طلبة نبيه صلى الله عليه وسلم ووعده بذلك، فلزم ذلك بوعده الصدق وقوله الحق، وعن هذا عبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: شارطت ربي، وشرط علي ربي، واتخذت عنده عهدا لن يخلفنيه لا أن الله تعالى يُشترط عليه شرط، ولا يجب عليه لأحد حق، بل ذلك كله بمقتضى فضله وكرمه على حسب ما سبق في علمه.

فإن قيل: فكيف يجوز أن يصدر من النبي صلى الله عليه وسلم لعن أو سب، أو جلد لغير مستحقه، وهو معصوم من مثل ذلك في الغضب والرضا؛ لأنَّ كل ذلك محرم وكبيرة، والأنبياء معصومون عن الكبائر، إما بدليل العقل، أو بدليل الإجماع، كما تقدَّم.

قلت: قد أشكل هذا على العلماء، وراموا التخلص من ذلك بأوجه متعددة، أوضحها وجه واحد، وهو: أن النبي صلى الله عليه وسلم إنما يغضب لما يرى من المغضوب عليه من مخالفة الشرع، فغضبه لله تعالى لا لنفسه، فإنَّه ما كان يغضب لنفسه ولا ينتقم لها، وقد قررنا في الأصول: أن الظاهر من غضبه تحريم الفعل المغضوب من أجله. وعلى هذا فيجوز له أن يؤدب المخالف له باللعن والسب والجلد والدعاء عليه بالمكروه، وذلك بحسب مخالفة المخالف، غير أن ذلك المخالف قد يكون ما صدر منه فلتة أوجبتها غفلة، أو غلبة نفس، أو شيطان، وله فيما بينه وبين الله تعالى عمل خالص، وحال صادق، يدفع الله عنه بسبب ذلك أثر ما صدر عن النبي صلى الله عليه وسلم له من ذلك القول أو الفعل. وعن هذا عبر النبي صلى الله عليه وسلم بقوله: فأيما أحد دعوت عليه من أمتي بدعوة ليس لها بأهل، أن تجعلها له طهورا،

ص: 584

وفي رواية: ورحمة وقربة تقربه بها إليك يوم القيامة.

وفي رواية: اللَّهُمَّ إِنَّمَا مُحَمَّدٌ بَشَرٌ يَغضَبُ كَمَا يَغضَبُ البَشَرُ، وفيها: فَاجعَلهَا لَهُ كَفَّارَةً، وَقُربَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا، وذكره. قال أبو الزناد: جلده لغة أبي هريرة.

رواه أحمد (2/ 316)، والبخاريُّ (6361)، ومسلم (2601)(89 و 90 و 91).

[2510]

وعن أَنَسُ بنُ مَالِكٍ قَالَ: كَانَت عِندَ أُمِّ سُلَيمٍ يَتِيمَةٌ - وَهِيَ أُمُّ أَنَسٍ - فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اليَتِيمَةَ فَقَالَ: آنتِ هِيَه؟ لَقَد كَبِرتِ لَا كَبِرَ سِنُّكِ، فَرَجَعَت اليَتِيمَةُ إِلَى أُمِّ سُلَيمٍ تَبكِي، فَقَالَت أُمُّ سُلَيمٍ: مَا لَكِ يَا بُنَيَّةُ؟

ــ

وزكاة، وقربة تقربه بها يوم القيامة أي: عوضه من تلك الدعوة بذلك، والله تعالى أعلم.

قلت: وقد يدخل في قوله: أيما أحد من أمتي دعوت عليه: الدعوات الجارية على اللسان من غير قصد للوقوع، كقوله: تربت يمينك (1) وعقرى حلقى (2). ومن هذا النوع قوله لليتيمة: لا كبر سنك، فإنَّ هذه لم تكن عن غضب، وهذه عادة غالبة في العرب يصلون كلامهم بهذه الدعوات، ويجعلونها دعاما لكلامهم من غير قصد منهم لمعانيها، وقد قدمنا في كتاب الطهارة في هذا كلاما للبديع، وهو من القول البديع. وبما ذكرناه يرتفع الإشكال ويحصل الانفصال.

ووجه لغة أبي هريرة في: جلده (3): أنه قلب التاء دالا لقرب

(1) رواه أحمد (3/ 80)، والبزار (1403)، والحاكم (2/ 161)، وأبو يعلى (1012).

(2)

رواه البخاري (1561)، ومسلم (1211)(387).

(3)

هي رواية في صحيح مسلم بإثر حديث (2601)(90).

ص: 585

قَالَت الجَارِيَةُ: دَعَا عَلَيَّ رسول اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَن لَا يَكبَرَ سِنِّي، فَالآنَ لَا يَكبَرُ سِنِّي أَبَدًا - أَو قَالَت: قَرنِي - فَخَرَجَت أُمُّ سُلَيمٍ مُستَعجِلَةً تَلُوثُ خِمَارَهَا حَتَّى لَقِيَت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا لَكِ يَا أُمَّ سُلَيمٍ؟ فَقَالَت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ، أَدَعَوتَ عَلَى يَتِيمَتِي؟ قَالَ: وَمَا ذَاكِ يَا أُمَّ سُلَيمٍ؟ قَالَت: زَعَمَت أَنَّكَ دَعَوتَ ألَا يَكبَرَ سِنُّهَا، وَلَا يَكبَرَ قَرنُهَا، قَالَ: فَضَحِكَ

ــ

مخرجهما، ثم أدغم التاء في الدال، وهي على عكس اللغة المشهورة، فإنهم فيها قلبوا الدال تاء، وأدغموا الدال في التاء، وهو الأولى.

و(قوله صلى الله عليه وسلم ليتيمة أم سليم: آنت هيه؟ لقد كبرت، لا كبر سنك) الهاء في: هيه، للوقف، فإذا وصلت حذفتها، وهذا الاستفهام على جهة التعجب، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان قد رآها صغيرة، ثم غابت عنه مدة فرآها قد طالت وعبلت (1)، فتعجب من سرعة ذلك فقال لها ذلك القول متعجبا، فوصل كلامه بقوله: لا كبر سنك، على ما قلناه من إطلاق ذلك القول من غير إرادة معناه، وهذا واضح هنا: ويحتمل أن يقال: إنما دعا عليها بأن لا يكبر سنها كبرا تعود به إلى أرذل العمر، كما كان النبي صلى الله عليه وسلم يتعوذ من أن يرد إلى أرذل العمر، والمعنى الأول أظهر من مساق بقية الحديث في اعتذاره صلى الله عليه وسلم، عن ذلك.

و(قول اليتيمة: لا يكبر سني، أو قالت: قرني) هو بفتح القاف، وتعني به السن، وهو شك عرض لبعض الرواة، وأصله أن من ساوى آخر في سنه كان قرن رأسه محاذيا لقرنه، وقرن الرأس جانبه الأعلى، وهذا يدل على أن إجابة دعوات رسول الله صلى الله عليه وسلم كانت معلومة بالمشاهدة عند كبارهم وصغارهم، لكثرة ما كانوا يشاهدون من ذلك، ولعلمهم بمكانته صلى الله عليه وسلم.

وتلوث خمارها: تديره على رأسها وعنقها، والطهور هنا هي الطهارة من الذنوب، وقد سماها في الرواية

(1)"عَبُلت": ضخمت وابيضَّت، فهي عَبْلة. والعَبْلة من النساء: التامَّةُ الخَلْق.

ص: 586

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: يَا أُمَّ سُلَيمٍ، أَمَا تَعلَمِينَ شَرطِي عَلَى رَبِّي: أَنِّي اشتَرَطتُ عَلَى رَبِّي فَقُلتُ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرضَى كَمَا يَرضَى البَشَرُ، وَأَغضَبُ كَمَا يَغضَبُ البَشَرُ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوتُ عَلَيهِ مِن أُمَّتِي بِدَعوَةٍ لَيسَ لَهَا بِأَهلٍ أَن تَجعَلَهَا لَهُ طَهُورًا، وَزَكَاةً، وَقُربَةً تُقَرِّبُهُ بِهَا مِنهُ يَومَ القِيَامَةِ.

وفي رواية: يتيمة - بالتصغير - في المواضع الثلاثة.

رواه مسلم (2603).

[2511]

عَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: كُنتُ أَلعَبُ مَعَ الصِّبيَانِ، فَجَاءَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَتَوَارَيتُ خَلفَ بَابٍ، قَالَ: فَجَاءَ فَحَطَأَنِي حَطأَةً، وَقَالَ:

ــ

الأخرى: كفارة. والصلاة من الله تعالى: الرحمة، كما قد عبر عنها في الرواية الأخرى. والزكاة: الزيادة في الأجر، كما قد عبر عنها في الرواية الأخرى بالأجر. والقربة: ما يقرب إلى الله تعالى وإلى رضوانه. وفيه ما يدلّ على تأكد الشفقة على اليتيم، والذب عنه، والحنو عليه.

و(قول ابن عباس رضي الله عنهما: كنت ألعب مع الصبيان) دليل على جواز تخلية الصغير للعب لتنشط نفسه، وتتقوى أعضاؤه، وتتوقح رجلاه، أي: تتصلب.

و(قوله: فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فتواريت خلف باب) أي: اختفيت بالباب، وكأنه استحى من النبي صلى الله عليه وسلم، وهابه.

و(قوله: فحطأني حطأة) فسره أمية بن خالد بقفدني قفدة، وكلاهما يحتاج إلى تفسير، فأمَّا حطأني: فهو بالحاء المهملة، وبالهمزة على قول شمر، وهو المحكي في الصحاح، وهكذا قيده أهل الإتقان والضبط، وهو أن تضرب بيدك مبسوطة في القفا، أو بين الكتفين، وجاء به الهروي غير مهموز في باب الحاء،

ص: 587

اذهَب ادعُ لِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَجِئتُ فَقُلتُ: هُوَ يَأكُلُ. قَالَ: ثُمَّ قَالَ لِيَ: اذهَب فَادعُ لِي مُعَاوِيَةَ، قَالَ: فَجِئتُ فَقُلتُ: هُوَ يَأكُلُ. فَقَالَ: لَا أَشبَعَ اللَّهُ بَطنَهُ.

قَالَ ابنُ المُثَنَّى: قُلتُ لِأُمَيَّةَ: مَا حَطَأَنِي؟ قَالَ: قَفَدَنِي قَفدَةً.

رواه أحمد (1/ 335)، ومسلم (2604)(96).

* * *

ــ

والطاء والواو، وقال ابن الأعرابي: الحطو: تحريك الشيء متزعزعا. وأما القفد - بتقديم القاف على الفاء - فالمعروف عند اللغويين أنه: المشي على صدور القدمين من قِبل الأصابع، ولا تبلغ عقباه الأرض. يقال: رجل أقفد، وامرأة قفداء، هو القفد، بفتح القاف والفاء.

قلت: ولم أجد قفدني بمعنى حطأني إلا في تفسير أمية هذا. وهذا الضرب من النبي صلى الله عليه وسلم لابن عباس تأديب له، ولعله لأجل اختفائه منه؛ إذ كان حقه أن يجيء إليه، ولا يفر منه. ويحتمل أن يكون هذا الضرب بعد أن أمره أن يدعو له معاوية، فلم يؤكد على معاوية الدعوة، وتراخى في ذلك، ألا ترى قوله في المرتين: هو يأكل، ولم يزد على ذلك، وكان حقه في المرة الثانية ألا يفارقه حتى يأتي به، والله تعالى أعلم.

ففيه تأديب الصغار بالضرب الخفيف الذي يليق بهم، وبحسب ما يصدر عنه.

و(قوله: ادع لي معاوية) فيه استعمال الصغير فيما يليق بهم من الأعمال.

و(قوله: لا أشبع الله بطنه) يحتمل أن يكون من نوع: لا كبر سنك كما قلناه، على تقدير أن يكون معاوية من الأكل في أمر كان معذورا به من شدة الجوع، أو مخافة فساد الطعام، أو غير ذلك، وهذا المعنى تأول من أدخل هذا الحديث في مناقب معاوية، فكأنه كنى به عن أنه دعا عليه بسبب أمر كان معذورا

ص: 588