الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وفي رواية: وَقَالَ اللَّهُ: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِم قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُم قَالُوا الحَقَّ}
رواه مسلم (2229)(124).
* * *
ــ
ورواه يونس يُرَقَّون بضم الياء وفتح الراء وتشديد القاف، وفي بعض النسخ يَرقُون بفتح الياء وتسكين الراء وتخفيف القاف؛ أي يتقوَّلون، يقال: رقي فلان على الباطل؛ أي: تقوَّله - بكسر القاف، وهو من الرقي وهو الصعود؛ أي: إنهم يقولون فوق ما سمعوا - قاله القاضي عياض.
وقوله: {حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِم قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُم قَالُوا الحَقَّ} ، قرأه ابن عامر ويعقوب فَزَّعَ عَن قُلُوبِهِم مبنيًا للفاعل، ويكون فيه ضمير يعود على الله تعالى؛ أي: أزال عن قلوبهم الفزع، وهذا على نحو قولهم: مرَّضتُ المريض - إذا عالجته فأزلتُ مرضه. وقرأه الجماعة فُزِّعَ بضم الفاء مبنيًا للمفعول الذي لم يسم فاعله؛ أي: أزيل عن قلوبهم الفزع، وهو الذعر على كلتا القراءتين.
قال كعب (1): إذا تكلَّم الله بلا كيف ضربت الملائكة بأجنحتها وخرَّت فزعًا، ثم قالوا فيما بينهم:{مَاذَا قَالَ رَبُّكُم} ؟
وقوله: {قَالُوا الحَقَّ} بالنصب على أنه نعت لمصدر محذوف؛ أي: قال القول الحق، وهو مفعول مطلق لا مفعول به؛ لأنَّ القول لا يتعدَّى إلا إلى الجمل في أكثر قول النحويين.
وقوله: {وَهُوَ العَلِيُّ الكَبِيرُ} ؛ أي: العلي شأنه، الكبير سلطانه.
قلت: وهذا التفسير هو الموافق لهذا الحديث، فتعيَّن أن يكون هو المراد من الآية، وللمفسرين أقوال أخر بعيدة عن معنى الحديث أضربت عنها لذلك، فمن أرادها وجدها في كتبهم.
* * *
(1) في النسخ: (ثعلب) والمثبت من (ج 2).
(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم
[2560]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَمُوتُ لِأَحَدٍ مِن المُسلِمِينَ ثَلَاثَةٌ مِن الوَلَدِ، فَتَمَسَّهُ النَّارُ إِلَّا تَحِلَّةَ القَسَمِ.
ــ
(40)
ومن باب: من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم (1)
(قوله: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فتمسه النار. . .) الولد: يقال على الذكر والأنثى بخلاف الابن، فإنَّه يقال على الذكر: ابن، وعلى الأنثى: ابنة، وقد تقيد مطلق هذه الرواية، بقوله في الرواية الأخرى: لم يبلغوا الحنث كما تقيد مطلق حديث أبي هريرة بحديث أبي النضر السلمي؛ فإنَّه قال فيه: لا يموت لأحد من المسلمين ثلاثة من الولد فيحتسبهم. فقوله: لم يبلغوا الحنث أي: التكليف. والحنث: الإثم. وإنما خصه بهذا الحد، لأنَّ الصغير حبه أشد، والشفقة عليه أعظم، وقيده بالاحتساب لما قررناه غير مرة: أن الأجور على المصائب لا تحصل إلا بالصبر والاحتساب، وإنما خص الولد بثلاثة، لأنَّ الثلاثة أول مراتب الكثرة، فتعظم المصائب، فتكثر الأجور؛ فأمَّا إذا زاد على الثلاثة فقد يخف أمر المصيبة الزائدة لأنها كأنها صارت عادة وديدنا، كما قال المتنبي:
أنكرت طارقة الحوادث مرة
…
ثمَّ اعترفت بها فصارت ديدنا
وقال آخر:
روعت بالبين حتى ما أراع له
…
وبالمصائب في أهلي وجيراني
ويحتمل أن يقال: إنما لم يذكر ما بعد الثلاثة، لأنَّه من باب الأحرى والأولى؛ إذ من المعلوم أن من كثرت مصائبه كثر ثوابه، فاكتفي بذلك عن ذكره،
(1) هذا العنوان ليس في نسخ المفهم، واستدركناه من التلخيص.
وفي رواية: لم يبلغوا الحنث إلا تحلة القسم.
رواه أحمد (2/ 239)، والبخاري (1251)، ومسلم (2632)(150) و (2634)، والترمذيّ (1060)، والنسائي (4/ 25)، وابن ماجه (1603).
ــ
والله تعالى أعلم.
وقد استشكل بعض الناس قوله صلى الله عليه وسلم: لا يموت لإحداكن ثلاثة من الولد إلا كانوا لها حجابا من النار. ثم لما سئل عن اثنين، قال: واثنين. ووجهه: أنه إذا كان حكم الاثنين حكم الثلاثة، فلا فائدة لذكر الثلاثة أولا، وهذا إنما يصدر عمن يعتقد أن دلالة المفهوم نص كدلالة المنطوق (*)، وليس الأمر كذلك، بل هي عند القائلين بها من أضعف جهات دلالات الألفاظ، وسائر وجوه الدلالات مرجحة عليها، كما بيناه في الأصول، هذا إن قلنا: إن أسماء الأعداد لها مفهوم؛ فإنَّه قد اختلف في ذلك القائلون بالمفهوم، وألحقوا هذا النوع باللقب الذي لا مفهوم له باتفاق المحققين، ثم إن الرافع لهذا الإشكال أن يقال: إن الثواب على الأعمال إنما يُعلم بالوحي، فيكون الله تعالى قد أوحى إلى نبيه بذلك في الثلاثة، ثم إنه لما سئل عن الاثنين أوحى الله إليه في الاثنين بمثل ما أوحى إليه بالثلاثة، ولو سئل عن الواحد لأجاب بمثل ذلك كما قد دلت عليه الأحاديث المذكورة في ذلك، ويحتمل أن يقال: إن ذلك بحسب شدة وجد الوالدة، وقوة صبرها، فقد لا يبعد أن تكون من فقدت واحدا أو اثنين أشد ممن فقدت ثلاثة أو مساوية لها، فتلحق بها في درجتها، والله تعالى أعلم.
و(قوله: إلا تحلة القسم) أي: ما يحلل به القسم، وهو اليمين. وقد اختلف في هذا القسم، هل هو قسم معين، أم لا؟ فالجمهور على أنه قسم بعينه، فمنهم من قال: هو قوله تعالى: {فَوَرَبِّكَ لَنَحشُرَنَّهُم وَالشَّيَاطِينَ} وقيل: هو قوله: {وَإِن مِنكُم إِلا وَارِدُهَا} وقيل: هو قوله: {كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتمًا مَقضِيًّا} ، أي: قسما واجبا؛ كذلك فسره ابن مسعود
(*) قال مُعِدُّ الكتاب للشاملة: في النسخة المصورة [المنظوم]، وصححت بخط اليد فوقها إلى [المنطوق]
[2562]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ قَالَ: جَاءَت امرَأَةٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ، ذَهَبَ الرِّجَالُ بِحَدِيثِكَ، فَاجعَل لَنَا مِن نَفسِكَ يَومًا نَأتِيكَ فِيهِ، تُعَلِّمُنَا مِمَّا عَلَّمَكَ اللَّهُ. قَالَ: اجتَمِعنَ يَومَ كَذَا وَكَذَا، فَاجتَمَعنَ، فَأَتَاهُنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَعَلَّمَهُنَّ مِمَّا عَلَّمَهُ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: مَا مِنكُنَّ مِن امرَأَةٍ تُقَدِّمُ بَينَ يَدَيهَا مِن وَلَدِهَا ثَلَاثَةً إِلَّا كَانُوا لَهَا حِجَابًا مِن النَّارِ. فَقَالَت امرَأَةٌ منهن: وَاثنَينِ، وَاثنَينِ، وَاثنَينِ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَاثنَينِ، وَاثنَينِ، وَاثنَينِ.
رواه أحمد (3/ 34)، والبخاريُّ (101)، ومسلم (2633).
[2563]
وعَن أَبِي حَسَّانَ قَالَ: قُلتُ لِأَبِي هُرَيرَةَ: قَد مَاتَ لِيَ ابنَانِ، فَمَا أَنتَ مُحَدِّثِي عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِحَدِيثٍ تُطَيِّبُ أَنفُسَنَا عَن مَوتَانَا؟
ــ
والحسن. وأما من قال: لم يعين به قسم بعينه، فهو ابن قتيبة. قال: معناه: التقليل لأمر ورودها. وتحلة القسم: تستعمل في هذا في كلام العرب، وقيل: معناه: لا تمسه النار قليلا، ولا تحلة القسم، كما قيل في قوله:
وكل أخ مفارقه أخوه
…
لعمر أبيك إلا الفرقدان
أي: والفرقدان، على أحد الأقوال فيه.
قلت: والأشبه: قول أبي عبيد، ولبيان وجه ذلك موضع آخر.
و(قوله صلى الله عليه وسلم للنساء: اجتمعن في يوم كذا) يدلّ على أن الإمام ينبغي له أن يعلم النساء ما يحتجن إليه من أمر أديانهن، وأن يخصهن بيوم مخصوص لذلك، لكن في المسجد أو فيما كان في معناه، حتى تؤمن الخلوة بهن، فإن تمكن الإمام من ذلك بنفسه فعل، وإلا استنهض الإمام شيخا يوثق بعلمه ودينه لذلك، حتى يقوم بهذه الوظيفة، وفي هذا الحديث ما يدل على فضل نساء ذلك الوقت، وما كانوا
قَالَ: نَعَم، صِغَارُهُم دَعَامِيصُ الجَنَّةِ، فيَلَقَّى أَحَدُهُم أَبَاهُ، أَو قَالَ: أَبَوَيهِ، فَيَأخُذُ بِثَوبِهِ. أَو قَالَ: بِيَدِهِ، كَمَا آخُذُ أَنَا بِصَنِفَةِ ثَوبِكَ هَذَا،
ــ
عليه من الحرص على العلم والحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، وكما قالت عائشة رضي الله عنها: نعم النساء نساء الأنصار، لم يكن يمنعهن الحياء أن يتفقهن في الدين (1).
و(قوله: صغارهم دعاميص الجنة) هي جمع دعموص، وهو دويبة تغوص في الماء، والجمع دعاميص، ودعامص. قال الأعشى:
فما ذنبنا إن جاش بحر ابن عمكم
…
وبحرك ساج لا يواري الدعامصا
ودعيميص الرمل: اسم رجل كان داهيا، يضرب به المثل؛ يقال: هو دعيميص هذا الأمر؛ أي: عالم به.
قلت: هذا الذي وجدته في كتب اللغة، وأصحاب الغريب: أن الدعموص دويبة تغوص في الماء، ولا يليق هذا المعنى بالدعاميص المذكورين في هذا الحديث؛ إلا على معنى تشبيه صغار الجنة بتلك الدويبة في صغرها، أو في غوصهم في نعيم الجنة، وكل ذلك فيه بُعد. وقد سمعت من بعض من لقيته: أن الدعموص يراد به الآذن على الملك، المتصرف بين يديه. وأنشد لأمية بن أبي الصلت:
دعموص أبواب الملو
…
ك وجائب للخرق فاتح
قلت: وهذا يناسب ما ذكره في هذا الحديث.
و(قوله: كما آخذ أنا بصنفة ثوبك) هو بكسر النون. قال الجوهري: صنفة الإزار - بكسر النون -: طرته، وهو جانبه الذي لا هدب له، ويقال: هي حاشية
(1) رواه مسلم (332)(61).
فَلَا يَتَنَاهَى، أَو قَالَ: فَلَا يَنتَهِي، حَتَّى يُدخِلَهُ اللَّهُ وَأَبَويه الجَنَّةَ.
رواه مسلم (2635).
[2564]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: أَتَت امرَأَةٌ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِصَبِيٍّ لَهَا فَقَالَت: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ادعُ اللَّهَ لَهُ، فَلَقَد دَفَنتُ ثَلَاثَةً! قَالَ: دَفَنتِ ثَلَاثَةً؟ ! قَالَت: نَعَم. قَالَ: لَقَد احتَظَرتِ بِحِظَارٍ شَدِيدٍ مِن النَّارِ.
رواه مسلم (2636)(155).
* * *
ــ
الثوب أي جانب كان، وقال غيره: صنفة الثوب وصنيفته: طرفه.
و(قوله: فلا يتناهى، أو قال: ينتهي حتى يدخله الله وأبويه الجنة) أي: ما يترك ذلك. يقال: انتهى وتناهى وأنهى، بمعنى ترك، وهكذا الرواية المشهورة: أبويه بالتثنية. وعند ابن ماهان: أباه بالباء بواحدة. وعند عبد الغافر: وإياه بالياء من تحتها، وكل له وجه واضح.
وفي هذا الحديث ما يدلّ على أن صغار أولاد المؤمنين في الجنة، وهو قول أكثر أهل العلم، وهو الذي تدل عليه أخبار صحيحة كثيرة، وظاهر قوله تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتهُم ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلحَقنَا بِهِم ذُرِّيَّتَهُم} وقد أنكر بعض العلماء الخلاف فيهم، وهذا فيما عدا أولاد الأنبياء، فإنَّه قد تقرر الإجماع على أنهم في الجنة، حكاه أبو عبد الله المازري، وإنما الخلاف في أولاد المشركين على ما يأتي إن شاء الله تعالى.
و(قوله: لقد احتظرت بحظار شديد من النار) أي: امتنعت، وأصل الحظر: المنع. والحظار: ما يدار بالبستان من عيدان وقصب، سُمي بذلك لأنه يمنع من يريد الدخول. والحظيرة والمحظور منه، والحظار هنا: هو الحجاب المذكور في الحديث الآخر.