الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود
[2369]
عَن عَلقَمَةَ، عَن عَبدِ اللَّهِ قَالَ: لَمَّا نَزَلَت هَذِهِ الآيَةُ:
ــ
و(قوله صلى الله عليه وسلم: حدِّثني بأرجى عمل عملته) أي: بعمل يكون رجاؤك بثوابه أكثر، ونفسك به أوثق. وفيه تنبيه على: أن العامل لشيء من القرب ينبغي له أن يأتي بها على أكمل وجوهها ليعظم رجاؤه في قبولها، وفي فضل الله عليها، فيحسن ظنه بالله تعالى، فإنَّ الله تعالى عند ظن عبده به، ويتضح لك هذا بمثل - ولله المثل الأعلى - أن الإنسان إذا أراد أن يتقرب إلى بعض ملوك الدنيا بهدية أو تُحفة، فإنَّ أتى بها على أكمل وجوهها وأحسن حالاتها، قوي رجاؤه في قبولها، وحسن ظنه في إيصاله إلى ثوابها، لا سيما إذا كان المهدى له موصوفًا بالفضل والكرم، وإن انتقص شيء من ثوابها ضعف رجاؤه للثواب، وقد يتوقع الرد، لا سيما إذا علم أن المهدى له غني عنها، فأمَّا لو أتى بها واضحة النقصان، لكان ذلك من أوضح الخسران، إذ قد صار المهدى له كالمستصغر المهان.
(53)
ومن باب فضائل عبد الله بن مسعود رضي الله عنه
هو ابن غافل بن حبيب بن شمخ بن مازن بن مخزوم الهذلي، يُكنى: أبا عبد الرحمن، وأمه: أم عبد بنت عبد ودّ الهذلية أيضًا، أسلم قديمًا وكان سبب إسلامه: أنه كان يرعى غنمًا لعقبة بن أبي معيط، فمرَّ به رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا غلام! هل من لبن؟ قال: نعم! ولكني مؤتمن. قال: فهل من شاة حائل لم ينز عليها الفحل؟ فأتيتهُ بشاة شصوص (1)، فمسح ضرعها، فنزل اللبن، فحلب في إناء وشرب وسقى أبا بكر، ثم قال للضرع: اقلص فقلص، فقلت: يا رسول الله!
(1) أي: لا لبن لها.
{لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوا وَآمَنُوا} إلى آخر الآية، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قِيلَ لِي: أَنتَ مِنهُم.
رواه مسلم (2459)(109).
ــ
علمني من هذا القول. فقال: رحمك الله! إنك غُلَيِّمٌ معلَّمٌ (1) فأسلم، وضمَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه. فكان يلج عليه، ويلبسه نعله، ويمشي أمامه ومعه، ويستره إذا اغتسل، ويوقظه إذا نام، وقال له: إذنك علي أن يرفع الحجاب، وأن تسمع سِوَادي حتى أنهاك (2)، وكان يعرف في الصحابة بصاحب السِّرار، والسَّواد، والسِّواك، هاجر هجرتين إلى أرض الحبشة، ثم من مكة إلى المدينة، قاله الجوزي. وصلَّى القبلتين، وشهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم مشاهده كلها، وكان يشبه في هديه وسمته برسول الله صلى الله عليه وسلم، وشهد له رسول الله صلى الله عليه وسلم بالجنة، وشهد له كبراء أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم بأنه من أعلمهم بكتاب الله قراءة وعلمًا، وفضائله كثيرة.
توفي بالمدينة سنة ثنتين وثلاثين، ودفن بالبقيع، وصلَّى عليه عثمان، وقيل: بل صلَّى عليه عمَّار، وقيل: بل صلَّى عليه الزبير ليلًا بوصيته، ولم يعلم عثمان بذلك، فعاتب عثمان الزبير على ذلك، والله أعلم. روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ثمانمائة حديث، وثمانية وأربعين حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين: مائة وعشرون حديثًا.
و(قوله: لما نزلت: {لَيسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ} . . . الآية، قد ذكرنا سبب نزول الآية، وتكلمنا على معناها في الأشربة.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: قيل لي: أنت منهم) الخطاب لابن مسعود، أي: أوحي إلي
(1) رواه أحمد (1/ 379).
(2)
رواه أحمد (1/ 404)، ومسلم (2169).
[2370]
وعن أبي موسى قال: قَدِمتُ أَنَا وَأَخِي مِن اليَمَنِ فَكُنَّا حِينًا وَمَا نُرَى ابنَ مَسعُودٍ وَأُمَّهُ إِلَّا مِن أَهلِ بَيتِ النبي صلى الله عليه وسلم مِن كَثرَةِ دُخُولِهِم وَلُزُومِهِم لَهُ.
رواه البخاري (3763)، ومسلم (2460)(110)، والترمذي (3808).
[2371]
وعَن أَبِي الأَحوَصِ قَالَ: كُنَّا فِي دَارِ أَبِي مُوسَى مَعَ نَفَرٍ مِن أَصحَابِ عَبدِ اللَّهِ وَهُم يَنظُرُونَ فِي مُصحَفٍ، فَقَامَ عَبدُ اللَّهِ، فَقَالُ أَبُو مَسعُودٍ: مَا أَعلَمُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تَرَكَ بَعدَهُ أَعلَمَ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ مِن هَذَا القَائِمِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى: أَمَا لَئِن قُلتَ ذَاكَ، لَقَد كَانَ يَشهَدُ إِذَا غِبنَا،
ــ
أنك يا بن مسعود من الذين آمنوا وعملوا الصالحات، وهذه تزكية عظيمة، ودرجة رفيعة، قلَّ من ظفر بمثلها.
و(قول أبي موسى: مكثنا حينا وما نرى ابن مسعود وأمه إلا من أهل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم) هذا يدلّ على صحَّة ما ذكرنا: من أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ضمَّه إليه، واختصَّه بخدمته (1) وملازمته، وذلك لما رأى من صلاحيته لقبول العلم وتحصيله له، ولذلك قال له أول ما لقيه: إنك غُلَيمٌ مُعَلَّم (2)، وفي رواية أخرى: لَقِنٌ مُفهَم، أي: أنت صالح لأن تُعَلَّم فتَعلم، وتُلَقن فتفهم، ولما رأى النبي صلى الله عليه وسلم ذلك ضمَّه لنفسه، وجعله في عداد أهل بيته فلازمه حضرًا وسفرًا، وليلًا ونهارًا ليتعلَّم منه، وينقل عنه.
و(قول أبي موسى: كان يشهد إذا غبنا) أي: يحضر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا غاب الناس عنه.
(1) في (ز): بحديثه.
(2)
رواه أحمد (1/ 462).
وَيُؤذَنُ لَهُ إِذَا حُجِبنَا.
رواه مسلم (2461)(113).
[2372]
وعَن عَبدِ اللَّهِ: أَنَّهُ قَالَ: {وَمَن يَغلُل يَأتِ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيَامَةِ}
ــ
و(قوله: ويؤذن له إذا حُجِبنا) يعني: أنه كان النبي صلى الله عليه وسلم يأذن له في الوقت الذي يحجب عنه الناس، وذلك في الوقت الذي كان فيه مشتغلًا بخاصته.
و(قول عبد الله: {وَمَن يَغلُل يَأتِ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيَامَةِ} الحديث إلى آخره). قال القاضي أبو الفضل: هذا الحديث في الأم مختصر مبتور، إنما ذكر منه أطرافًا لا تشرح مقصد الحديث، وبيانه في سياق آخر، ذكره ابن أبي خيثمة بسنده إلى أبي وائل، وهو شقيق راوي الحديث في الأم، قال: لما أمر في المصاحف بما أمر، يعني: أمر عثمان بتحريقها ما عدا المصحف المجتمع عليه، الذي وجَّه منه النسخ إلى الآفاق، ورأى هو والصحابة رضي الله عنهم: أن بقاء تلك المصاحف يدخل اللبس والاختلاف، ذكر ابن مسعود الغلول، وتلا الآية، ثم قال: غلُّوا المصاحف إني غالٌّ مصحفي، فمن استطاع أن يَغلَّ مصحفه فليفعل، فإنَّ الله تعالى يقول:{وَمَن يَغلُل يَأتِ بِمَا غَلَّ يَومَ القِيَامَةِ} ثم قال: على قراءة من تأمرني أن أقرأ؟ على قراءة زيد بن ثابت؟ لقد أخذت القرآن من في رسول الله صلى الله عليه وسلم بضعًا وسبعين سورة، وزيد بن ثابت له ذؤابتان يلعب مع الغلمان، وفي أخرى: صبي من الصبيان (1)، فتمام هذا الحديث يظهر كلام عبد الله.
قلت: و (قوله: غلوا مصاحفكم. . . إلى آخره)، أي: اكتموها ولا تسلموها، والتزموها إلى أن تلقوا الله تعالى بها، كما يفعل من غل شيئًا فإنه يأتي به يوم
(1) ذكره ابن أبي داود في كتاب المصاحف (ص 22).
ثُمَّ قَالَ: عَلَى قِرَاءَةِ مَن تَأمُرُونِي أَن أَقرَأَ؟ فَلَقَد قَرَأتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِضعًا وَسَبعِينَ سُورَةً،
ــ
القيامة، ويحمله، وكان هذا رأيًا منه انفرد به عن الصحابة رضي الله عنهم ولم يوافقه أحد منهم عليه، فإنَّه كتم مصحفه، ولم يظهره، ولم يقدر عثمان ولا غيره عليه أن يظهره، وانتشرت المصاحف التي كتبها عثمان، واجتمع عليها الصحابة في الآفاق، وقرأ المسلمون عليها، وترك مصحف عبد الله، وخفي إلى أن وجد في خزائن بني عبيد بمصر عند انقراض دولتهم، وابتداء دولة المعز، فأمر بإحراقه قاضي القضاة بها صدر الدين، على ما سمعناه من بعض مشايخنا، فأحرق.
و(قوله: على قراءة من تأمرني أن أقرأ؟ ) إنكار منه على من يأمره بترك قراءته، ورجوعه إلى قراءة زيد مع أنه سابق له إلى حفظ القرآن، وإلى أخذه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فصعب عليه أن يترك قراءة قرأها على رسول الله صلى الله عليه وسلم ويقرأ بما قرأه زيد أو غيره، فتمسك بمصحفه وقراءته، وخفي عليه الوجه الذي ظهر لجميع الصحابة رضي الله عنهم من المصلحة التي هي من أعظم ما حفظ الله بها القرآن عن الاختلاف المخل به، والتغيير بالزيادة والنقصان. وقد تقدَّم القول في الأحرف السبعة، وفي كيفية الأمر بذلك، وكان من أعظم الأمور على عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: أن الصحابة رضي الله عنهم لما عزموا على كتب المصحف بِلُغَةِ قريش عيَّنوا لذلك أربعة لم يكن منهم ابن مسعود، فكتبوه على لغة قريش، ولم يُعَرِّجوا على ابن مسعود مع أنه أسبقهم لحفظ القرآن، ومن أعلمهم به، كما شهدوا له بذلك، غير أنه رضي الله عنه كان هُذليًا كما تقدم، وكانت قراءته على لغتهم، وبينها وبين لغة قريش تباين عظيم، فلذلك لم يدخلوه معهم، والله تعالى أعلم.
قلت: قد تقدَّم أن أصل البضع ما بين الثلاثة إلى التسعة، وذكر اشتقاقه، والخلاف فيه. والحلق: بفتح الحاء واللام: جمع حلقة بفتح الحاء واللام على
وَلَقَد عَلِمَ أَصحَابُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنِّي أَعلَمُهُم بِكِتَابِ اللَّهِ، وَلَو أَعلَمُ أَنَّ أَحَدًا أَعلَمُ مِنِّي لَرَحَلتُ إِلَيهِ. قَالَ شَقِيقٌ: فَجَلَستُ فِي حَلَقِ أَصحَابِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، فَمَا سَمِعتُ أَحَدًا يَرُدُّ ذَلِكَ عَلَيهِ، وَلَا يَعِيبُهُ.
رواه مسلم (2462)(114).
[2373]
وعنه قال: وَالَّذِي لَا إِلَهَ غَيرُهُ مَا مِن كِتَابِ اللَّهِ سُورَةٌ إِلَّا أَنَا أَعلَمُ حَيثُ نَزَلَت، وَمَا مِن آيَةٍ إِلَّا أَنَا أَعلَمُ فِيمَا أُنزِلَت، وَلَو أَعلَمُ أَحَدًا هُوَ أَعلَمُ بِكِتَابِ اللَّهِ مِنِّي تَبلُغُهُ الإِبِلُ لَرَكِبتُ إِلَيهِ.
رواه مسلم (2463)(115).
[2374]
وعن مَسرُوقٍ قَالَ: كُنَّا نَأتِي عَبدَ اللَّهِ بنَ عَمرٍو فَنَتَحَدَّثُ إِلَيهِ، فَذَكَرنَا يَومًا عَبدَ اللَّهِ بنَ مَسعُودٍ، فَقَالَ: لَقَد ذَكَرتُم رَجُلًا لَا أَزَالُ أُحِبُّهُ
ــ
ما حكاه يونس عن أبي عمرو بن العلاء، وقال أبو عمرو الشيباني: ليس في الكلام حلقة بالتحريك إلا في قولهم: هؤلاء قوم حلقة، للذين يحلقون الشعر، جمع حالق، وقال الجوهري: الحلقة للدروع - بالسكون - وكذلك حلقة الباب، وحلقة القوم، والجمع: الحلق على غير قياس.
و(قوله: لقد علم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أني أعلمهم بكتاب الله) يعني: أنه أعلمهم بأسباب نزوله، ومواقع أحكامه، بدليل قوله في الرواية الأخرى: ما من كتاب الله سورة إلا وأنا أعلم حيث نزلت، وما من آية إلا وأعلم فيما أُنزلت، وسَبَبُ ذلك: ملازمته للنبي صلى الله عليه وسلم ومباطنته إيَّاه سفرًا وحضرًا، كما قدَّمنا. وأما في القراءة فأُبيٌّ أقرأ منه، بدليل قول النبي صلى الله عليه وسلم: أقرؤكم أُبَيّ) (1)، والخطابُ للصحابة كلُّهم.
(1) رواه أحمد (3/ 184)، والترمذي (3790)، وابن ماجه (155).
بَعدَ شَيءٍ سَمِعتُهُ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: خُذُوا القُرآنَ مِن أَربَعَة نفر: مِن ابنِ أُمِّ عَبدٍ - فَبَدَأَ بِهِ - وَمُعَاذِ بنِ جَبَلٍ، وَأُبَيِّ بنِ كَعبٍ، وَسَالِمٍ مَولَى أَبِي حُذَيفَةَ.
ــ
وقوله صلى الله عليه وسلم: خذوا القرآن من أربعة: من ابن أم عبد) - فبدأ به - ليس فيه دليل على أنه أقرأ من أُبي، فإنَّه قد بيَّن صلى الله عليه وسلم بالنص الجلي: أن أبيًّا أقرأ منه ومن غيره، فيحتمل أن يقال: إن الموجب لابتدائه اختصاصه به، وملازمته إياه، وحضوره في ذهنه، لا أنه أقرأ الأربعة. والله تعالى أعلم.
وهذا كله بناء على أن المقدَّم من المعطوفات له مزيَّة على المتأخر، وفيه نظر قد تقدَّم في الطهارة وفي الحج. وتخصيص هؤلاء الأربعة بالذكر دون غيرهم ممن حفظ القرآن من الصحابة رضي الله عنهم وهم عدد كثير كما يأتي، لأنَّ هؤلاء الأربعة هم الذين تفرغوا لإقراء القرآن وتعليمه دون غيرهم ممن اشتغل بغير ذلك من العلوم، أو العبادات، أو الجهاد، وغير ذلك، ويحتمل أن يكون ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم لأنه علم أنهم هم الذين ينتصبون لتعليم الناس القرآن بعده، وليؤخذ عنهم، فأحال عليهم لما علم من مآل أمرهم، كما قد أظهر الموجود من حالهم، إذ هم أئمة القرَّاء، وإليهم تنتهي في الغالب أسانيد الفضلاء، والله أعلم.
ومعاذ المذكور في الحديث: هو معاذ بن جبل بن أوس الأنصاري الخزرجي، يُكنى: أبا عبد الرحمن، قيل: بولد كان له كبر إلى أن قاتل مع أبيه في اليرموك، ومات بالطاعون قبل أبيه بأيام، على ما ذكره محمد بن عبد الله الأزدي البصري في فتوح الشام وغيره. وقال الواقدي: إنه لم يولد لمعاذ قط، وقاله المدائني. أسلم معاذ وهو ابن ثماني عشرة سنة، وشهد العقبة مع السبعين، وشهد بدرًا، وجميع المشاهد، وولَاّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على عمل من أعمال اليمن، وخرج معه النبي صلى الله عليه وسلم مودِّعًا ماشيًا، ومعاذ راكبًا، منعه من أن ينزل، وقال فيه صلى الله عليه وسلم:
وفي رواية: ثنى بأبي وأخر معاذا.
رواه أحمد (2/ 190)، والبخاري (3808)، ومسلم (2464)(116 و 117)، والترمذيُّ (3810).
* * *
ــ
أعلمكم بالحلال والحرام معاذ (1). وقال: إنه يسبق العلماء يوم القيامة رتوة (2) بحجر (3)، وقال فيه ابن مسعود: إنه كان أمة قانتًا لله، وقال: الأمة: هو الذي يعلم الناس الخير، والقانت: هو المطيع لله عز وجل، وكان عابدًا، مجتهدًا، وَرِعًا، محققًا، كان له امرأتان، فإذا كان يوم إحداهما: لم يشرب من بيت الأخرى، وماتتا بالطاعون في وقت واحد، فحفر لهما حفرة فأسهم بينهما أيتهما يُقدَّم في القبر، وكان مجاب الدعوة، ولما كان طاعون عمواس - وعمواس قرية من قرى الشام، وكأنها إنما نسب الطاعون إليها، لأنَّه أول ما نزل فيها - فقال بعض الناس: هذا عذابٌ، فبلغ ذلك معاذًا فأنكر ذلك، وخطب فقال: أيها الناس! إن هذا الوجع رحمةُ بكم ودعوة نبيكم، وموت الصالحين قبلكم. اللهم آت آل معاذ من هذه الرحمة النصيب الأوفى. فما أمسى حتى طُعِن ابنه عبد الرحمن، وماتت زوجتاه، ثم طُعِن من الغد من دفن ولده، فاشتد وجعه فمات منه، وذلك في سنة سبع عشرة، وقيل: سنة ثمان عشرة، وسنُّه يومئذ ثمان وثلاثون سنة، وقيل: ثلاث وثلاثون سنة، روي عنه من الحديث: مائة حديث، وسبعة وخمسون حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين ستة أحاديث.
وسالم المذكور في الحديث، هو سالم بن معقل، مولى أبي حذيفة بن عتبة بن ربيعة، يُكنى سالم: أبا عبد الله، وكان من أهل فارس من إصطخر، وكان من
(1) هو الحديث السابق.
(2)
"الرتوة": الرمية.
(3)
رواه أحمد (1/ 18). وانظر: أسد الغابة (5/ 196).