الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه
[2224]
عن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيئًا قَطُّ فَقَالَ: لَا.
رواه البخاريُّ (6034)، ومسلم (2311)(56).
[2225]
وعن أنس، قَالَ: مَا سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإِسلَامِ شَيئًا إِلَّا أَعطَاهُ، قَالَ: فَجَاءَهُ رَجُلٌ فَأَعطَاهُ غَنَمًا بَينَ جَبَلَينِ، فَرَجَعَ إِلَى قَومِهِ فَقَالَ: يَا قَومِ أَسلِمُوا فَإِنَّ مُحَمَّدًا يُعطِي عَطَاءً لَا يَخشَى الفَاقَةَ.
قَالَ أَنَسٌ: إِن كَانَ الرَّجُلُ لَيُسلِمُ مَا يُرِيدُ إِلَّا الدُّنيَا، فَمَا يُسلِمُ حَتَّى يَكُونَ الإِسلَامُ أَحَبَّ إِلَيهِ مِن الدُّنيَا وَمَا عَلَيهَا.
رواه مسلم (2312)(57 و 58).
ــ
خدمته له: تسع سنين. وقيل: قدم النبي صلى الله عليه وسلم وأنس ابن ثماني سنين.
و(قوله: فأعطاه غنمًا بين جبلين) يعني: ملء ما بين جبلين كانا هنالك، وكان هذا - والله أعلم - يوم حنين لكثرة ما كان هنالك من غنائم الإبل، والبقر، والغنم، والذراري، ولأن هذا الذي أعطي هذا القدر كان من المؤلفة قلوبهم، ألا ترى أنه رجع إلى قومه فدعاهم إلى الإسلام لأجل العطاء.
و(قوله: إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا) يعني: أنهم كان منهم من ينقادُ فيدخلُ في الإسلام لكثرة ما كان يعطي النبي صلى الله عليه وسلم من يتألفه على الدخول فيه، فيكون قصده بالدخول فيه الدنيا، وهذا كان حال الطلقاء يوم حنين على ما مرَّ.
و(قوله: فما يسلم حتى يكون الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما عليها) ظاهر
[2226]
عَن ابنِ شِهَابٍ قَالَ: غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَزوَةَ الفَتحِ - فَتحِ مَكَّةَ - ثُمَّ خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِمَن مَعَهُ مِن المُسلِمِينَ، فَاقتَتَلُوا بِحُنَينٍ، فَنَصَرَ اللَّهُ دِينَهُ وَالمُسلِمِينَ، وَأَعطَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومَئِذٍ صَفوَانَ بنَ أُمَيَّةَ مِائَةً مِن النَّعَمِ، ثُمَّ مِائَةً، ثُمَّ مِائَةً.
قَالَ ابنُ شِهَابٍ: حَدَّثَنِي سَعِيدُ بنُ المُسَيَّبِ أَنَّ صَفوَانَ قَالَ: وَاللَّهِ لَقَد أَعطَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا أَعطَانِي، وَإِنَّهُ لَأَبغَضُ النَّاسِ إِلَيَّ، فَمَا بَرِحَ يُعطِينِي حَتَّى إِنَّهُ لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ.
رواه مسلم (2313)(59).
[2227]
وعن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَو قَد جَاءَنَا مَالُ البَحرَينِ لَقَد أَعطَيتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، وَقَالَ بِيَدَيهِ
ــ
مساق هذا الكلام أن إسلامه الأول لم يكن إسلامًا صحيحًا، لأنَّه كان يبتغي به الدنيا، وإنما يصحُّ له الإسلام إذا استقر الإسلام بقلبه، فكان آثر عنده، وأحبّ إليه من الدنيا وما عليها، كما قال تعالى:{قُل إِن كَانَ آبَاؤُكُم وَأَبنَاؤُكُم وَإِخوَانُكُم وَأَزوَاجُكُم وَعَشِيرَتُكُم وَأَموَالٌ اقتَرَفتُمُوهَا وَتِجَارَةٌ تَخشَونَ كَسَادَهَا وَمَسَاكِنُ تَرضَونَهَا أَحَبَّ إِلَيكُم مِنَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ وَجِهَادٍ فِي سَبِيلِهِ فَتَرَبَّصُوا} وهذا معنى صحيح، ولكنه ليس بمقصود الحديث، وإنما مقصود أنس من الحديث: أن الرجل كان يدخل في دين الإسلام رغبة في كثرة العطاء، فلا يزال يُعطى حتى ينشرح صدره للإسلام، ويستقر فيه، ويتنور بأنواره، حتى يكون الإسلام أحبَّ إليه من الدنيا وما فيها، كما صرَّح بذلك صفوان حيث قال: والله لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني، وإنه لأبغض الناس إليَّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحبُّ الناس إليَّ. وهكذا اتفق لمعظم المؤلفة قلوبهم.
وقوله صلى الله عليه وسلم لجابر: لو قد جاءنا مال البحرين لأعطيتك هكذا، وهكذا،
جَمِيعًا، فَقُبِضَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَبلَ أَن يَجِيءَ مَالُ البَحرَينِ، فَقَدِمَ عَلَى أَبِي بَكرٍ بَعدَهُ، فَأَمَرَ مُنَادِيًا فَنَادَى: مَن كَانَت لَهُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عِدَةٌ أَو دَينٌ فَليَأتِ، فَقُمتُ فَقُلتُ: إِنَّ نبي الله صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَو جَاءَنَا مَالُ البَحرَينِ أَعطَيتُكَ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا، فَحَثَى أَبُو بَكرٍ مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ لِي: عُدَّهَا، فَعَدَدتُهَا فَإِذَا هِيَ خَمسُ مِائَةٍ، فَقَالَ: خُذ مِثلَيهَا.
رواه أحمد (3/ 307)، والبخاريُّ (2598)، ومسلم (2314)(60).
* * *
ــ
وهكذا وقال بيديه جميعًا، هذا يدلّ على سخاوة نفس النبي صلى الله عليه وسلم بالمال، وأنه ما كان لنفسه به تعلق، فإنَّه كان لا يعدُّه بعدد، ولا يقدره بمقدار، لا عند أخذه، ولا عند بذله. وهذا منه صلى الله عليه وسلم كان وعدًا لجابر رضي الله عنه، وكان المعلوم من خلقه الوفاء بالوعد، ولذلك نفذه له أبو بكر رضي الله عنه بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم. وهكذا كان خلق أبي بكر، وخلق الخلفاء الأربعة رضي الله عنهم، ألا ترى أبا بكر كيف نفذ عدة رسول الله صلى الله عليه وسلم لجابر بقول جابر، ثم إنه دفعها له على نحو ما قال من غير تقدير؟ ! وأخبارهم في ذلك معروفة، وأحوالهم موصوفة، وكفى بذلك ما سار مسير المثل (1) الذي لم يزل يجري على قول علي رضي الله عنه: يا صفراء ويا بيضاء غري غيري.
* * *
(1) في (ز) و (م 3): ما صار مصير.