المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

[2461]

عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ الخَلقَ حَتَّى إِذَا فَرَغَ مِنهُم قَامَت الرَّحِمُ، فَقَالَت: هَذَا مَقَامُ العَائِذِ بك مِن القَطِيعَةِ قَالَ: نَعَم، أَمَا تَرضَينَ أَن أَصِلَ مَن وَصَلَكِ، وَأَقطَعَ مَن قَطَعَكِ؟

ــ

(5)

ومن باب: وجوب صلة الرحم

(قوله: إن الله خلق الخلق حتى إذا فرغ منهم) خلق هنا: بمعنى اخترع، وأصله: التقدير، كما تقدَّم. والخلق هنا: بمعنى المخلوق، وأصله مصدر، يقال: خلق يخلق خلقا: إذا قدر، وإذا اخترع. قال زهير:

ولأنت تفري ما خلقت وبعـ

ـض القوم يخلق ثمَّ لا يفري

أي: تقطع ما قدرت. وقال الله تعالى: {هَذَا خَلقُ اللَّهِ} أي: مخلوقه. ومعنى فرغ منهم: أي كمل خلقهم، لا أنه اشتغل بهم، ثم فرغ من شغله بهم، إذ ليس فعله بمباشرة، ولا بمناولة، ولا خلقه بآلة، ولا محاولة، تعالى عما يتوهمه المتوهمون، وسبحانه إذا أراد شيئا، فإنما يقول له: كن فيكون.

و(قوله: قامت الرحم فقالت: هذا مقام العائذ بك من القطيعة) هذا الكلام من المجاز المستعمل، والاتساع المشهور، إذ الرحم عبارة عن قرابات الرجل من جهة طرفي آبائه وإن علوا، وأبنائه وإن نزلوا، وما يتصل بالطرفين من الأعمام والعمات، والأخوال والخالات، والإخوة والأخوات، ومن يتصل بهم من أولادهم برحم جامعة. والقرابة إذا نسبة من النسب، كالأبوة، والأخوة، والعمومة، وما كان كذلك استحال حقيقة القيام والكلام، فيحمل هذا الكلام على التوسع، ويمكن حمله على أحد وجهين:

ص: 524

قَالَت: بَلَى، قَالَ: فَذَاكِ لَكِ. ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقرَؤوا إِن شِئتُم فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُم اللَّهُ فَأَصَمَّهُم وَأَعمَى أَبصَارَهُم أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ القُرآنَ أَم عَلَى قُلُوبٍ أَقفَالُهَا.

رواه البخاريُّ (5987)، ومسلم (2554).

ــ

أحدهما: أن يكون الله تعالى أقام من يتكلم عن الرحم من الملائكة، فيقول ذلك، وكأنه وكل بهذه العبادة من يناضل عنها، ويكتب ثواب من وصلها، ووزر من قطعها، كما قد وكل الله بسائر الأعمال كراما كاتبين، وبمشاهدة أوقات الصلوات ملائكة متعاقبين.

وثانيهما: أن ذلك على وجه التقدير والتمثيل المفهم للإغياء، وشدة الاعتناء، فكأنه قال: لو كانت الرحم ممن يعقل ويتكلم لقالت هذا الكلام، كما قال تعالى:{لَو أَنزَلنَا هَذَا القُرآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِن خَشيَةِ اللَّهِ} ثم قال: {وَتِلكَ الأَمثَالُ نَضرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُم يَتَفَكَّرُونَ}

وعلى التقديرين فمقصود هذا الكلام: الإخبار بتأكد أمر صلة الرحم؟ وأنه تعالى قد نزلها منزلة من قد استجار به فأجاره، وأدخله في ذمته وخفارته، وإذا كان كذلك فجار الله تعالى غير مخذول، وعهده غير منقوض؛ ولذلك قال مخاطبا للرحم: أما ترضين أن أصل من وصلك، وأقطع من قطعك؟ ! وهذا كما قال صلى الله عليه وسلم: من صلى الصبح فهو في ذمة الله، فلا يطلبنكم الله من ذمته بشيء، فإنَّه من يطلبه من ذمته بشيء يدركه، ثم يكبه على وجهه في النار (1).

وقوله صلى الله عليه وسلم: اقرؤوا إن شئتم: {فَهَل عَسَيتُم إِن تَوَلَّيتُم أَن تُفسِدُوا فِي الأَرضِ وَتُقَطِّعُوا أَرحَامَكُم} عسى: من أفعال المقاربة، ويكون رجاء وتحقيقا، قال الجوهري: عسى من الله واجبة في جميع القرآن إلا قوله تعالى:

(1) رواه مسلم (657)، والترمذي (222).

ص: 525

[2462]

وعَن عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: الرَّحِمُ مُعَلَّقَةٌ بِالعَرشِ تَقُولُ: مَن وَصَلَنِي وَصَلَهُ اللَّهُ، وَمَن قَطَعَنِي قَطَعَهُ اللَّهُ.

رواه أحمد (6/ 62)، والبخاريُّ (5989)، ومسلم (2555).

[2463]

وعن جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَا يَدخُلُ الجَنَّةَ قَاطِعٌ. قَالَ سُفيَانُ: يَعنِي: قَاطِعَ الرَحِمٍ.

ــ

{عَسَى رَبُّهُ إِن طَلَّقَكُنَّ أَن يُبدِلَهُ أَزوَاجًا خَيرًا مِنكُنَّ} وإذا اتصل بعسى ضمير فاعل كان فيها لغتان، فتح السين وكسرها، وقرئ بهما، وظاهر الآية: أنه خطاب لجميع الكفار. قال قتادة: معنى الآية: فلعلكم - أو يخاف عليكم - إن أعرضتم عن الإيمان أن تعودوا إلى الفساد في الأرض بسفك الدماء.

قلت: وعلى هذا فتكون الرحم المذكورة هنا رحم دين الإسلام والإيمان التي قد سماها الله إخوة بقوله: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ} وقال الفراء: نزلت هذه الآية في بني هاشم وبني أمية. وعلى هذا فتكون رحم القرابة، وعلى هذا فالرحم المحرم قطعها، المأمور بصلتها على وجهين؛ عامة وخاصة.

فالعامة: رحم الدين، وتجب مواصلتها بملازمة الإيمان، والمحبة لأهله ونصرتهم، والنصيحة لهم، وترك مضارتهم، والعدل بينهم، والنصفة في معاملتهم، والقيام بحقوقهم الواجبة كتمريض المرضى، وحقوق الموتى: من غسلهم، والصلاة عليهم، ودفنهم، وغير ذلك من الحقوق المترتبة لهم.

وأما الرحم الخاصة: فتجب لهم الحقوق العامة، وزيادة عليها كالنفقة على القرابة القريبة، وتفقد أحوالهم، وترك التغافل عن تعاهدهم في أوقات ضروراتهم، وتتأكد في حقهم حقوق الرحم العامة، حتى إذا تزاحمت الحقوق بدئ بالأقرب فالأقرب كما تقدَّم.

و(قوله: لا يدخل الجنة قاطع) قال سفيان يعني: قاطع رحم. هذا التفسير

ص: 526

رواه أحمد (4/ 84)، والبخاريُّ (5984)، ومسلم (556)، وأبو داود (1696)، والترمذي (1909).

ــ

صحيح لكثرة مجيء لفظ قاطع في الشرع مضافا إلى الرحم، فإذا ورد عريا عن الإضافة حمل على ذلك الغالب. والكلام في كون القاطع لا يدخل الجنة قد تقدَّم في الإيمان؛ وأنه يصح أن يحمل على المستحل لقطع الرحم، فيكون القاطع كافرا، أو يخاف أن يفسد قلبه بسبب تلك المعصية فيختم عليه بالكفر، فلا يدخل الجنة، أو لا يدخل الجنة في الوقت الذي يدخلها الواصل لرحمه، لأنَّ القاطع يحبس في النار بمعصيته، ثم بعد ذلك يخلص منها بتوحيده، كل ذلك محتمل، والله ورسوله أعلم بعين المقصود.

وهذا الحديث يدلّ دلالة واضحة على وجوب صلة الرحم على الجملة، وعلى تحريم قطعها، وأنه كبيرة. ولا خلاف فيه. لكن الصلة درجات بعضها أرفع من بعض، فأدناها ترك المهاجرة، وأدنى صلتها بالسلام (1). كما قال صلى الله عليه وسلم: صلوا أرحامكم ولو بالسلام (2) وهذا بحسب القدرة عليها، والحاجة إليها، فمنها ما يتعين ويلزم، ومنها ما يستحب ويرغب فيه، وليس من لم يبلغ أقصى الصلات يسمى قاطعا، ولا من قصر عما ينبغي له، ويقدر عليه يسمى واصلا. قال القاضي: وقد اختلف في الرحم التي تجب صلتها، فقال بعض أهل العلم: هي كل رحم محرم، وعلى هذا فلا تجب في بني الأعمام وبني الأخوال، وقيل: بل هذا في كل رحم ممن ينطلق عليه ذلك من ذوي الأرحام في المواريث محرما كان، أو غير محرم.

(1) كذا في جميع نسخ المفهم، وما وردَ في "إكمال إكمال المعلم" أوضح في بيان المقصود. قال الأُبيُّ: والصِّلة درجات بعضها فوق بعض، وأدناه تركُ المهاجرة، والكلام ولو بالسلام. إكمال إكمال المعلم (7/ 12).

(2)

ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (8/ 152) وقال: رواه البزار، وفيه يزيد بن عبد الله بن البراء الغنوي، وهو ضعيف.

ص: 527

[2464]

عن أَنَسُ بنُ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَن سره أَن يُبسَطَ لَهُ فِي رِزقِهِ وَيُنسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَليَصِل رَحِمَهُ.

رواه أحمد (3/ 229)، والبخاري (5986)، ومسلم (2557)(20)، وأبو داود (1693).

[2465]

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي قَرَابَةً أَصِلُهُم وَيَقطَعُونِي، وَأُحسِنُ إِلَيهِم وَيُسِيئُونَ إِلَيَّ، وَأَحلُمُ عَنهُم وهم يَجهَلُونَ عَلَيَّ،

ــ

قلت: فيخرج من هذا: أن رحم الأم التي لا يتوارث بها لا تجب صلتهم، ولا يحرم قطعهم، وهذا ليس بصحيح، والصواب ما ذكرناه قبل هذا من التعميم والتقسيم.

و(قوله: من سره أن يبسط له في رزقه، وينسأ له في أثره فليصل رحمه) بسط الرزق: سعته وتكثيره والبركة فيه. والنسء: التأخير، والأثر: الأجل، سمي بذلك، لأنَّه تابع الحياة. ومعنى التأخير هنا في الأجل - وإن كانت الآجال مقدرة في علم الله لا يزاد فيها ولا ينقص -: أنه يبقى بعده ثناء جميل، وذكر حميد، وأجر متكرر، فكأنه لم يمت، وقيل معناه: يؤخر أجله المكتوب في اللوح المحفوظ، والذي في علم الله ثابت لا تبديل له، كما قال تعالى:{يَمحُو اللَّهُ مَا يَشَاءُ وَيُثبِتُ وَعِندَهُ أُمُّ الكِتَابِ} أي: أصل المكتوب في اللوح المحفوظ، هو علم الله تعالى الذي لا يقبل المحو ولا التغيير، حكي معناه عن عمر رضي الله عنه في الآية.

و(قوله: إن لي قرابة أصلهم ويقطعوني، وأحسن إليهم ويسيئون إلي، وأحلم عنهم ويجهلون علي) أحلم - بضم اللام -: أصفح. ويجهلون: يقولون قول الجهال من السب والتقبيح.

ص: 528

فَقَالَ: لَئِن كُنتَ كَمَا قُلتَ فَكَأَنَّمَا تُسِفُّهُم المَلَّ، وَلَا يَزَالُ مَعَكَ مِن اللَّهِ ظَهِيرٌ عَلَيهِم مَا دُمتَ عَلَى ذَلِكَ.

رواه أحمد (2/ 300)، ومسلم (2558).

[2466]

وعن أبي أَيُّوبَ أَنَّ أَعرَابِيًّا عَرَضَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي سَفَرٍ، فَأَخَذَ بِخِطَامِ نَاقَتِهِ - أَو بِزِمَامِهَا - ثُمَّ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! - أَو

ــ

و(قوله: لئن كنت كما قلت فكأنما تسفهم المل) الرواية: بضم تاء تسفهم، وكسر السين، وضم الفاء، أي: تجعلهم يسفونه من السف، وهو شرب كل دواء يؤخذ غير ملتوت، تقول: سففت الدواء وغيره مما يؤخذ غير معجون، وأسففته غيري، أي: جعلته يسفه. والمل: الرماد الحار. يقال: أطعمنا خبز ملة، ومعنى ذلك: أن إحسانك إليهم مع إساءتهم لك، يتنزل في قلوبهم منزلة النار المحرقة، لما يجدون من ألم الخزي، والفضيحة، والعار الناشئ في قلب من قابل الإحسان بالإساءة.

و(قوله: ولا يزال معك من الله ظهير ما دمت على ذلك) الظهير: المعين، ومعناه: أن الله تعالى يؤيدك بالصبر على جفائهم، وحسن الخلق معهم، ويعليك عليهم في الدنيا والآخرة مدة دوامك على معاملتك لهم بما ذكرت.

و(قوله: إن أعرابيا عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم في سفر أخذ بخطام ناقته، أو بزمامها) هذا يدلّ على تواضع النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه كان لا يصرف الناس بين يديه، ولا يمنع أحد منه، والخطام، والزمام، والمقود كلها بمعنى واحد! - وإن كانت في أصول اشتقاقها مختلفة- فسمي خطاما من حيث إنه يجعل على الخطم، وهو الأنف، ويسمى: زماما، لأنَّه يزم به، ومقودا، لأنَّه يقاد به، وهذا شك من الراوي في أي اللفظين قال.

ص: 529

يَا مُحَمَّدُ - أَخبِرنِي بِمَا يُقَرِّبُنِي مِن الجَنَّةِ وَمَا يُبَاعِدُنِي مِن النَّارِ! قَالَ: فَكَفَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَظَرَ فِي أَصحَابِهِ ثُمَّ قَالَ: لَقَد وُفِّقَ - أَو لَقَد هُدِيَ - قَالَ: كَيفَ قُلتَ؟ قَالَ: فَأَعَادَ. فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: تَعبُدُ اللَّهَ لَا تُشرِكُ بِهِ شَيئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤتِي الزَّكَاةَ، وَتَصِلُ الرَّحِمَ. دَع النَّاقَةَ.

وفي رواية: وتصل ذا رحمك فلما أدبر، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن تمسك بما أمر به دخل الجنة.

رواه أحمد (5/ 417)، والبخاريُّ (5983)، ومسلم (13) في الإيمان (12 و 14)، والنسائيُّ (1/ 234).

* * *

ــ

و(قوله: فكف ثم نظر في أصحابه ثم قال: لقد وفق، أو لقد هدي) يعني: أنه كف الناقة عن سيرها، ونظر إلى أصحابه مستحسنا لهذا السؤال، ومستحضرا لأفهام أصحابه، ومنوها بالسائل، ثم شهد له بالتوفيق والهداية لما ينبغي أن يسأل عنه، لأنَّ مثل هذا السؤال لا يصدر إلا عن قلب منور بالعلم بالله تعالى، وبما يقرب إليه، عازم على العمل بما يفنى به، فأجابه النبي صلى الله عليه وسلم بما يتعين عليه في تلك الحال، فقال: تعبد الله لا تشرك به شيئًا، أي: توحده في إلهيته، وتخلص له في عبادته. وتقيم الصلاة، أي: تفعلها على أوقاتها وبأحكامها. وتؤتي الزكاة: أي تعطيها من استحقها على شروطها. وتصل رحمك، أي: تفعل في حقهم ما يكون صلة لهم، وتجتنب ما يكون قطعا لهم على ما بيناه. ولم يذكر له النبي صلى الله عليه وسلم الصوم ولا الحج ولا الجهاد، لأنَّه لم يكن تعين عليه في تلك الحال شيء سوى ما ذكر له، أو لأن بعض تلك العبادات لم تكن فرضت بعد. والله تعالى أعلم.

و(قوله: إن تمسك بما أمرته دخل الجنة) يدلّ على: أن دخول الجنة لا بد فيه من الأعمال، كما قال تعالى: {وَتِلكَ الجَنَّةُ الَّتِي أُورِثتُمُوهَا بِمَا كُنتُم

ص: 530