الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر
[2586]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا مِن مَولُودٍ إِلَّا يُولَدُ عَلَى الفِطرَةِ - وفي رواية: على هذه الملة - أَبَوَاهُ يُهَوِّدَانِهِ وَيُنَصِّرَانِهِ وَيُمَجِّسَانِهِ، كَمَا تُنتَجُ البَهِيمَةُ بَهِيمَةً جَمعَاءَ هَل تُحِسُّونَ فِيهَا مِن جَدعَاءَ؛ ثُمَّ يَقُولُ أَبُو هُرَيرَةَ: وَاقرَؤُوا إِن شِئتُم: {فِطرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيهَا لا تَبدِيلَ لِخَلقِ اللَّهِ}
ــ
زنا تلك الأعضاء، وثبت إثمه، وإن لم يحصل ذلك واجتنب كفر زنا تلك الأعضاء، كما قال تعالى:{إِن تَجتَنِبُوا كَبَائِرَ مَا تُنهَونَ عَنهُ نُكَفِّر عَنكُم سَيِّئَاتِكُم}
(9)
ومن باب: كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم وفي الغلام الذي قتله الخضر (1)
(قوله: كل مولود يولد على الفطرة) قد تقدَّم: أن أصل الفطرة: الخلقة المبتدأة، وقد اختلف الناس في الفطرة المذكورة في هذا الحديث وفي الآية، فقيل: هي سابقة السعادة والشقاوة، وهذا إنما يليق بالفطرة المذكورة في القرآن، لأنَّ الله تعالى قال:{لا تَبدِيلَ لِخَلقِ اللَّهِ} وأما في الحديث فلا، لأنَّه
(1) هذا العنوان لم يردْ في نسخ المفهم، واستدركناه من التلخيص.
وفي رواية: حَتَّى تَكُونُوا أَنتُم تَجدَعُونَهَا. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ
ــ
قد أخبر في بقية الحديث: بأنها تبدل وتغير، وقيل: هي ما أُخذ عليهم من الميثاق وهم في أصلاب آبائهم. وهذا إنما يليق بالرواية التي جاء فيها: كل مولود يولد على الفطرة ويبعد في رواية من رواه: على هذه الملة وهي إشارة إلى ملة الإسلام.
وقال بظاهر هذه الآية طائفة من المتأولين، وهذا القول أحسن ما قيل في ذلك - إن شاء الله تعالى - لصحَّة هذه الرواية، ولأنها مبينة لرواية من قال: على الفطرة. ومعنى الحديث: إن الله تعالى خلق قلوب بني آدم مؤهلة لقبول الحق، كما خلق أعينهم وأسماعهم قابلة للمرئيات والمسموعات، فما دامت باقية على ذلك القبول، وعلى تلك الأهلية أدركت الحق. ودين الإسلام هو الدين الحق، وقد جاء ذلك صريحا في الصحيح: جبل الله الخلق على معرفته، فاجتالتهم الشياطين (1) وقد تقدَّم هذا المعنى، وقد دل على صحة هذا المعنى بقية الخبر، حيث قال: كما تُنتَج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء يعني: أن البهيمة تلد ولدها كامل الخلق، سليما من الآفات، فلو نزل على أصل تلك الخلقة لبقي كاملا بريئا من العيوب، لكن يُتصرف فيه، فتجدع أذنه، ويوسم وجهه، فتطرأ عليه الآفات والنقائص، فيخرج عن الأصل، وكذلك الإنسان، وهو تشبيه واقع، ووجهه واضح. والرواية تُنتج بضم التاء الأولى، وفتح الثانية، مبنيا لما لم يُسمَّ فاعله. يقال ذلك إذا ولدت، ومصدرها نتاجا، وقد نتجها أهلها نَتجا، بفتح النون والتاء، مبنيا للفاعل. وهم ناتجوها: إذا ولدت عندهم وتولوا نتاجها. وحكى الأخفش فيه أنه يقال: أنتجت الناقة، رباعيا. ويقال: أنتجت الفرس والناقة: حان نتاجهما. وقال يعقوب: إذا استبان حملها، فهي نتوج، ولا يقال: منتج (2)، وأتت
(1) رواه مسلم (2865) بنحوه.
(2)
في (ز). نتيج. والمثبت من (ع) و (ز) والصحاح مادة (نتج).
أَفَرَأَيتَ مَن يَمُوتُ صَغِيرًا؛ قَالَ: اللَّهُ أَعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ.
وفي أخرى: لَيسَ مِن مَولُودٍ يُولَدُ إِلَّا عَلَى هَذِهِ الفِطرَةِ حَتَّى يُعَبِّرَ عَنهُ لِسَانُهُ.
وفي أخرى: كُلُّ إِنسَانٍ تَلِدُهُ أُمُّهُ يَلكُزُ الشَّيطَانُ فِي حِضنَيهِ، إِلَّا مَريَمَ وَابنَهَا.
رواه أحمد (2/ 346)، والبخاريُّ (4775)، ومسلم (2658)(22 - 23، 25)، وأبو داود (4714)، والترمذي (2139).
ــ
الناقة على منتجها - بكسر الجيم - أي: الوقت الذي تنتج فيه. ونصب (جمعاء) على الحال، وبهيمة: منصوبة على التوطئة لتلك الحال. والجذع: القطع. وتحسون: تدركون بحسكم وحواسكم.
و(قوله: ما من مولود إلا يولد) كذا لكلهم غير السمرقندي، فعنده (تلد) بتاء باثنتين من فوقها مضمومة، وبكسر اللام على وزن: ولد، وضرب، وتخرج على ما ذكر الهجري في نوادره. قال: يقال وُلد وتلد بمعنى، ويكون على إبدال الواو تاء لانضمامهما.
و(قوله: كل ابن آدم يلكز الشيطان في حضنيه) كذا لجميعهم. والحضن: الجنب. وقيل: الخاصرة، غير أن ابن ماهان رواه: خصييه، تثنية خصية، وهو وهم وتصحيف، بدليل قوله: إلا مريم وابنها.
و(قوله: أرأيت من يموت صغيرا) هذا السؤال إنما كان عن أولاد المشركين، كما جاء مفسرا من حديث ابن عباس: فأمَّا أولاد المؤمنين فقد تقدم الاستدلال على أنهم في الجنة، وأما أطفال المشركين فاختُلف فيهم على ثلاثة أقوال: فقيل: في النار مع آبائهم، وقيل: في الجنة، وقيل: تؤجج لهم نار
[2587]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَن أَطفَالِ المُشرِكِينَ فقَالَ: اللَّهُ أَعلَمُ بِمَا كَانُوا عَامِلِينَ إِذ خَلَقَهُم.
ــ
ويؤمرون بدخولها، فمن أطاع منهم دخل الجنة، ومن عصى منهم دخل النار. وذهب قوم - وأحسبهم من غير أهل السنة - فقالوا: يكونون في برزخ. وسبب اختلاف الثلاثة الأقوال: اختلاف الآثار في ذلك، ومخالفة بعضها لظاهر قوله تعالى:{وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبعَثَ رَسُولا} والصبي والمجنون لا يفهمون ولا يخاطبون، فهم كالبهائم، فلم يبعث إليهم رسول، فلا يعذبون. والحاصل من مجموع ذلك - وهو القول الحق الجاري على أصول أهل الحق - أن العذاب المترتب على التكليف لا يعذبه من لم يكلف. ثم لله تعالى أن يعذب من شاء ابتداء من غير تكليف من صبي أو مجنون، أو غير ذلك بحكم المالكية، وأنه لا حجر عليه، ولا حكم، فلا يكون ظالما بشيء من ذلك إن فعله، كما قررناه في الباب قبل هذا. وعلى هذا يدلّ قوله صلى الله عليه وسلم في حديث عائشة رضي الله عنها: إن الله خلق للجنة أهلا، وهم في أصلاب آبائهم، وخلق للنار أهلا، وهم في أصلاب آبائهم. قد قدمنا: أن الأعمال معرفات لا موجبات.
و(قوله: الله أعلم بما كانوا عاملين إذ خلقهم) معناه: الله أعلم بما جبلهم عليه، وطبعهم عليه، فمن خلقه الله تعالى على جبلة المطيعين كان من أهل الجنة، ومن خلقه الله على جبلة الكفار من القسوة والمخالفة، كان من أهل النار. وهذا كما قال في غلام الخضر: طُبع يوم طبع كافرا. وهذا الثواب والعقاب ليس مرتبا على تكليف ولا مرتبطا به، وإنما هو بحكم علمه ومشيئته. وأما من قال: إنهم في النار مع آبائهم، فمعتمده قوله صلى الله عليه وسلم: هم من آبائهم (1). ولا حجَّة فيه لوجهين:
(1) رواه أحمد (4/ 38 و 71)، ومسلم (1745)(28)، وأبو داود (4712)، والترمذي (1570).
رواه البخاريُّ (1383)، ومسلم (2660)، وأبو داود (4711)، والنسائي (4/ 59).
[2588]
وعنه؛ عَن أُبَيِّ بنِ كَعبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ الغُلَامَ الَّذِي قَتَلَهُ الخَضِرُ طُبِعَ يوم طبع كَافِرًا، وَلَو عَاشَ لَأَرهَقَ أَبَوَيهِ طُغيَانًا وَكُفرًا.
رواه أحمد (5/ 121)، ومسلم (2661)، وأبو داود (4705 و 4706)، والترمذيُّ (3150).
[2589]
وعَن عَائِشَةَ قَالَت: دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِلَى جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِن الأَنصَارِ فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ طُوبَى لِهَذَا عُصفُورٌ مِن عَصَافِيرِ الجَنَّةِ لَم يَعمَل السُّوءَ، وَلَم يُدرِكهُ قَالَ: أَوَ غَيرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلجَنَّةِ
ــ
أحدهما: أن المسألة علمية، وهذا خبر واحد، وليس نصا في الفرض.
وثانيهما: سلمناه، لكنا نقول ذلك في أحكام الدنيا، وعنها سئل، وعليها خرج الحديث، وذلك أنهم قالوا: يا رسول الله إنا نُبيّت أهل الدار من المشركين، وفيهم الذراري. فقال: هم من آبائهم، يعني في جواز القتل في حال التبييت، وفي غير ذلك من أحكام آبائهم الدنيوية، والله تعالى أعلم.
و(قول عائشة رضي الله عنها في الصبي الأنصاري المتوفى: عصفور من عصافير الجنة) إنما قالت هذا عائشة، لأنَّها بنت على أن كل مولود يولد على فطرة الإسلام، وأن الله تعالى لا يعذب حتى يبعث رسولا، فحكمت بذلك، فأجابها النبي صلى الله عليه وسلم بما ذكر.