المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

[2336]

عَن ابن عمر أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: مَا كُنَّا نَدعُو زَيدَ بنَ حَارِثَةَ إِلَّا زَيدَ بنَ مُحَمَّدٍ، حَتَّى نَزَلَ فِي القُرآنِ:{ادعُوهُم لآبَائِهِم هُوَ أَقسَطُ عِندَ اللَّهِ}

ــ

(43)

ومن باب: فضائل زيد بن حارثة بن شرحبيل بن كعب الكلبي مولى رسول الله صلى الله عليه وسلم

ويكنى: أبا أسامة بابنه أسامة بن زيد، وكان أصابه سباءٌ في الجاهلية فاشتراه حكيم بن حزام لخديجة بنت خويلد رضي الله عنها، فوهبته للنبي صلى الله عليه وسلم، وذلك قبل النبوَّة بمكة، وزيد ابن ثماني سنين، فأعتقه، وتبناه النبي صلى الله عليه وسلم فكان يطوف به على حلق قريش ويقول: هذا ابني وارثًا، وموروثًا (1) - يُشهدهم على ذلك -. وذكر عن الزهري: أنَّه قال: ما علمت أحدًا أسلم قبل زيد. وروي عن الزهري من وجوه: أن أوَّل من أسلم خديجة. وقُتِل زيد بمؤتة من أرض الشام سنة ثمان من الهجرة، وكان النبي صلى الله عليه وسلم أمَّره في تلك الغزاة، وقال: إن قُتِل زيدٌ فجعفر، فإنَّ قُتِل جعفر فعبد الله بن رواحة (2) فقُتِل الثلاثة في تلك الغزاة، ولما أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم نعي زيد، وجعفر بكى، وقال: أخواي، ومؤنساي، ومحدثاي (3).

و(قوله: ما كنَّا ندعو زيد بن حارثة إلا زيد ابن محمَّد) كان التبنِّي معمولًا به في الجاهلية والإسلام، يُتوارث به، ويُتناصر، إلى أن نسخ الله ذلك كله بقوله:{ادعُوهُم لآبَائِهِم هُوَ أَقسَطُ عِندَ اللَّهِ} أي: أعدلُ. فرفع الله تعالى

(1) انظر: الإصابة (3/ 25).

(2)

رواه أبو داود (2627).

(3)

ذكره ابن الأثير في الاستيعاب (2/ 284).

ص: 306

رواه أحمد (2/ 77)، والبخاريُّ (4782)، ومسلم (2425)، والترمذي (3209).

ــ

حكم التبني، ومنع من إطلاق لفظه، وأرشد بقوله إلى الأولى والأعدل أن يُنسب الرَّجل إلى أبيه نسبًا، ولو نسب إلى أبيه من التبني، فإنَّ كان على جهة الخطأ - وهو أن يسبق اللسان إلى ذلك من غير قصد - فلا إثم، ولا مؤاخذة، لقوله تعالى:{وَلَيسَ عَلَيكُم جُنَاحٌ فِيمَا أَخطَأتُم بِهِ} ، أي: لا إثم فيه، ولا يجري هذا المجرى إطلاق ما غلب عليه اسم التبني، كالحال في المقداد بن عمرو، فإنَّه قد غلب عليه نسب التبني، فلا يكاد يعرف إلا بالمقداد بن الأسود، فإنَّ الأسود بن عبد يغوث كان قد تبناه في الجاهلية، وعرف به، فلما نزلت الآية قال المقداد: أنا ابن عمرو، ومع ذلك فبقي ذلك الإطلاق عليه، ولم يسمع فيمن مضى من عصَّى (1) مُطلِق ذلك عليه، وإن كان متعمدًا. وليس (2) كذلك الحال في زيد بن حارثة، فإنَّه لا يجوز أن يقال فيه: زيد بن محمَّد، فإن قاله أحدٌ متعمِّدًا عَصَى، لقوله تعالى:{وَلَكِن مَا تَعَمَّدَت قُلُوبُكُم} أي: فعليكم فيه الجناح. والله تعالى أعلم. ولذلك قال بعده: {وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا} أي: غفورًا للعمد ورحيمًا برفع إثم الخطأ.

ومعنى قوله تعالى: {ادعُوهُم لآبَائِهِم} أي: انسبوهم إليهم، ولذلك عدَّاه باللام، ولو كان الدُّعاء بمعنى: النداء لعدَّاه بالباء.

وقوله: {فَإِن لَم تَعلَمُوا آبَاءَهُم فَإِخوَانُكُم فِي الدِّينِ وَمَوَالِيكُم} فانسبوهم إليكم نسبة الأخوة الدينية التي قال الله فيها: {إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ} والمولويَّة التي قال فيها: {وَالمُؤمِنُونَ وَالمُؤمِنَاتُ بَعضُهُم أَولِيَاءُ بَعضٍ} وقد تقدَّم: أنَّه يقال: مولى على المُعتِق، والمُعتَق، وابن العم، والناصر.

(1)"عصى": اعتبره عاصيًا لله.

(2)

ساقطة من (ع) و (م 4).

ص: 307

[2337]

وعنه قال: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعثًا، وَأَمَّرَ عَلَيهِم أُسَامَةَ بنَ زَيدٍ، فَطَعَنَ النَّاسُ فِي إِمرَتِهِ، فَقَامَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِن تَطعَنُوا فِي إِمرَتِهِ فَقَد كُنتُم تَطعَنُونَ فِي إِمرَةِ أَبِيهِ مِن قَبلُ، وَايمُ اللَّهِ! إِن كَانَ لَخَلِيقًا

ــ

و(قوله: بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم بعثًا، وأمَّر عليهم أسامة بن زيد رضي الله عنهما هذا البعث - والله تعالى أعلم - هو الذي جهَّزه رسول الله صلى الله عليه وسلم مع أسامة، وأمره عليهم، وأمره أن يغزو أُبنى، وهي القرية التي هي عند مؤتة - الموضع الذي قتل فيه زيد أبو أسامة -، فأمره أن يأخذ بثأر أبيه. وطعن من في قلبه ريبٌ في إمارته، من حيث: إنه من الموالي، ومن حيث: إنه كان صغير السِّن، لأنَّه كان إذ ذاك ابن ثماني عشرة سنة، فمات النبي صلى الله عليه وسلم وقد برز هذا البعث عن المدينة، ولم ينفصل بعد عنها، فنفَّذَه أبو بكر رضي الله عنه بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم.

و(قوله: إن تطعنوا في إمرته، فقد كنتم طعنتم في إمرة أبيه قبل) هذا خطاب منه صلى الله عليه وسلم لمن وقع له ذلك الطعن، لكنه على كريم خلقه لم يعيِّنهم سترًا لهم، إذ مَعتبتُه كانت كذلك، كما تقدَّم، وكان الطعن في إمارة زيد من حيث إنه كان مولًى، فشهد النبي صلى الله عليه وسلم لأسامة وأبيه رضي الله عنهما بأنَّهما صالحان للإمارة، لما يعلم من أهليتهما لها، وأن كونهما موليين لا يغضُّ من مناصبهما، ولا يقدح في أهليتهما للإمارة.

ولا خلاف أعلم في جواز المولى والمفضول، وقد تقدَّم القول في استخلاف المفضول.

والإمرة رويناها بالكسر بمعنى: الولاية، وقال أبو عبيد: يُقال: لك عليَّ أمرةٌ مطاعة - بفتح الهمزة -، وكذلك حكاه القتبي، وهي واحدة الأمر.

قلت: وهذا على قياس: جَلسة، وجِلسة - بالفتح للمصدر والكسر للهيئة -.

والخليق، والحريُّ، والقَمِنُ، والحقيقُ: كلُّها بمعنى واحد.

ص: 308

لِلإِمرَةِ، وَإِن كَانَ لَمِن أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، وَإِنَّ هَذَا لَمِن أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ بَعدَهُ.

ــ

و(قوله: وإن كان لمن أحبِّ الناس إليَّ) إن عند البصريين مخففة من الثقيلة، واللام الداخلة بعدها هي المفرقة بين إن المخففة وبين إن الشرطية. وعند الكوفيين: إن نافية، واللام بمعنى: إلا. وهذا نحو قوله (1):

شَلَّت (2) يَمِينُك إن قَتَلتَ لَمُسلِمًا

حَلَّت عَلَيك عقوبةُ المُتَعَمِّدِ

تقديرها عند البصريين: إنك قتلت مسلمًا. وعند الكوفيين: ما قتلت إلا مسلمًا.

وهذا من رسول الله صلى الله عليه وسلم خبر عن محبته [لزيد رضي الله عنه، ثمَّ أخبر عن محبته](3) لأسامة فقال: وإن هذا لمن أحب الناس إلي بعده. فكان أسامة الحبُّ ابن الحبِّ. وبذلك كان يُدعى. ورضي الله عن عمر بن الخطاب، لقد قام بالحق، وعرفَه لأهله، وذلك: أنَّه فرض لأسامةَ في العطاء خمسة آلاف، ولابنه عبد الله ألفين. فقال له عبد الله: فضلت عليَّ أسامة، وقد شهدت ما لم يشهد؟ ! فقال رضي الله عنه: إن أسامة كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم منك، وأبوه كان أحب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من أبيك. ففضل محبوب رسول الله صلى الله عليه وسلم على محبوبه، وهكذا يجب أن يحب ما أحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ويبغض ما أبغض، وقد قابل مروان هذا الحب الواجب بنقيضه، وذلك: أنَّه مرَّ بأسامة بن زيد وهو يصلي عند باب بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال له مروان: إنَّما أردت أن يُرى مكانك فقد رأينا مكانك، فعل الله بك وفعل - قولًا قبيحًا - فقال له أسامة: إنَّك آذيتني، وإنَّك فاحش متفحش،

(1) البيت لعاتكة بنت زيد بن عمرو بن نفيل القرشية العدوية، ترثي زوجها الزبير بن العَوَّام رضي الله عنه، وتدعو على عمرو بن جرموز قاتله.

(2)

شلَّت: بفتح الشين، وأصل الفعل شلِلَت، ومن يقوله بضم الشين فقد أخطأ.

(3)

ما بين حاصرتين ساقط من (م 4).

ص: 309

زاد في أخرى: فأوصيكم به فإنه من صالحيكم.

رواه أحمد (2/ 110)، والبخاريُّ (6627)، ومسلم (2426)(63 و 64)، والترمذيُّ بإثر حديث (3816).

* * *

ــ

وإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله يبغض الفاحش المتفحش (1). فانظر ما بين الفعلين، وقس ما بين الرَّجلين، فلقد آذى بنو أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحبابه، وناقضوه في مَحابِّه.

تنبيه: روى موسى بن عقبة عن سالم، عن ابن عمر رضي الله عنهما: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: أحبُّ الناس إليَّ أسامة فما حاشا فاطمة ولا غيرها. وهذا يعارضه ما تقدَّم من قوله صلى الله عليه وسلم إن أحبَّ الناس إليه عائشة، ومن الرِّجال أبوها (2)، ويرتفع التعارض من وجهين:

أحدهما: أن الأحاديث الصحيحة المشهورة إنما جاءت في حبِّه لأسامة بـ من التي للتبعيض، كما قد نصَّ عليه بقوله صلى الله عليه وسلم: إنه لمن أحب الناس إلي.

وقد رواه هشام بن عروة، عن أبيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن أسامة بن زيد أحب الناس إليَّ أو من أحب الناس إلي (3) فعلى هذا يحتمل أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قال: إن من أحب الناس إلي أسامة فأسقطها بعض الرواة.

والوجه الثاني: على تسليم أن صحيح الرواية بغير من فيرتفع التعارض بأن كل واحد من هؤلاء أحب بالنسبة إلى عالمه.

وبيان ذلك: أنه صلى الله عليه وسلم ما كان يحب هؤلاء من حيث الصورة الظاهرة، فإنَّ أسامة كان أسود أفطس، وإنَّما كان يحبهم من حيث المعاني، والخصائص التي كانوا موصوفين بها.

فكان أبو بكر ـ رضي الله

(1) رواه أحمد (5/ 202)، وابن حبان (5694) الإحسان.

(2)

تقدم تخريجه في التلخيص برقم (2702).

(3)

ذكره ابن الأثير في "أسد الغابة"(1/ 79) عن ابن عمر.

ص: 310