الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم
[2360]
عن أبي عُثمَانَ، عَن سَلمَانَ قَالَ: لَا تَكُونَنَّ إِن
ــ
حيث مخالفة العادة المتقدِّمة، والله تعالى أعلم.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم كثر عليه الوحي في السنة التي توفي فيها حتى كمَّل الله من أمره ووحيه ما شاء أن يكمله.
(49)
ومن باب فضائل أم سلمة رضي الله عنها زوج النبي صلى الله عليه وسلم
واسمها هند بنت أبي أمية بن المغيرة بن عبد الله بن عمر بن مخزوم، واسم أبيها: حذيفة، يعرف بزاد الراكب، وكان أحد أجواد العرب المشهورين بالكرم، وكانت قبل النبي صلى الله عليه وسلم تحت أبي سلمة بن عبد الأسد، وأسلمت هي وزوجها، وكان أول من هاجر إلى أرض الحبشة، ويقال: إن أم سلمة أول ظعينة قدمت المدينة مهاجرة. قال أبو عمر: تزوج بها رسول الله صلى الله عليه وسلم بعد سنتين من الهجرة، بعد وقعة بدر، وعقد عليها في شوال، وابتنى بها في شوال. قال أبو محمد عبد الله بن علي الرَّشاطي:[هذا وَهمٌ شنيع](1)، وذلك: أن زوجها أبا سلمة شهد أحدًا، وكانت أحد في شوال سنة ثلاث، فجرح فيها جرحًا اندمل، ثم انتقض به فتوفي منه لثلاث خلون من جمادى الآخرة سنة أربع، وانقضت عدَّة أم سلمة منه في شوال سنة أربع، وبنى بها عند انقضائها. قال: وقد ذكر أبو عمر هذا في صدر الكتاب، وجاء به على الصواب. وتوفيت أم سلمة في أول خلافة يزيد بن معاوية سنة ستين. وقيل: توفيت في شهر رمضان، أو شوال سنة تسع وخمسين، وصلَّى عليها أبو هريرة، وقيل: سعيد بن زيد، ودفنت بالبقيع.
وأما زينب: فهي ابنة جحش بن رِئاب بن يعمر بن صَبِرة بن مرة بن كبير بن
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ز).
استَطَعتَ أَوَّلَ مَن يَدخُلُ السُّوقَ وَلَا آخِرَ مَن يَخرُجُ مِنهَا، فَإِنَّهَا مَعرَكَةُ
ــ
غنم بن دُودان بن أسد بن خزيمة، وهي التي كانت تسامي عائشة في المنزلة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم وقد أثنت عليها عائشة بأوصافها الحسنة المذكورة في باب عائشة (1)، وكانت تفخر على أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فتقول لهنَّ: أنكحكن أولياؤكن، وإن الله أنكحني بنبيه صلى الله عليه وسلم من فوق سبع سماوات، تعني بذلك قوله تعالى:{زَوَّجنَاكَهَا}
توفيت سنة عشرين في خلافة عمر رضي الله عنه، وفي هذا العام استفتحت مصر. وقيل: توفيت سنة إحدى وعشرين، وفيها فتحت الإسكندرية، وكانت زينب هذه أوَّل أزواجه اللائي توفي عنهنَّ لحاقًا به، وكان للنبي صلى الله عليه وسلم زوجة أخرى تسمَّى زينب بنت خزيمة الهلالية، وتدعى أم المساكين لحنوِّها عليهم، وهي من بني عامر، تزوجها النبي صلى الله عليه وسلم سنة ثلاث، ولم تلبث عنده إلا يسيرًا، شهرين أو ثلاثة، وتوفيت في حياة النبي صلى الله عليه وسلم وكانت قبله تحت عبد الله بن جحش، قتل عنها يوم أحد.
و(قول سلمان: لا تكونن إن استطعت أول من تدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنَّها معركة الشيطان). كذا روى مسلم هذا الحديث موقوفًا على سلمان من قوله. وقد رواه أبو بكر البزار مرفوعًا للنبي صلى الله عليه وسلم من طريق صحيح، وهو الذي يليق بمساق الخبر، لأنَّ معناه ليس مما يدرك بالرأي والقياس، وإنما يدرك بالوحي، وأخرجه الإمام أبو بكر البرقاني في كتابه مسندًا عن أبي محمد عبد الغني بن سعيد الحافظ من رواية عاصم بن أبي عثمان النَّهدي عن سلمان. قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تكن أوَّل من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، فإنَّها معركة الشيطان، فيها باض الشيطان وفرَّخ (2). والمعركة: موضع القتال، سُمِّي بذلك لتعارك الأبطال فيه، ومصارعة بعضهم بعضا، فشبه
(1) انظر الحديث في التلخيص (2456).
(2)
ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (4/ 77) وقال: رواه الطبراني في الكبير.
الشَّيطَانِ وَبِهَا يَنصِبُ رَايَتَهُ، قَالَ: وَأُنبِئتُ أَنَّ جِبرِيلَ عليه السلام أَتَى نَبِيَّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعِندَهُ أُمُّ سَلَمَةَ، قَالَ: فَجَعَلَ يَتَحَدَّثُ، ثُمَّ قَامَ فَقَالَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِأُمِّ سَلَمَةَ: مَن هَذَا؟ أَو كَمَا قَالَ. قَالَت: هَذَا دِحيَةُ، قَالَ: فَقَالَت أُمُّ سَلَمَةَ: ايمُ اللَّهِ مَا حَسِبتُهُ إِلَّا إِيَّاهُ حَتَّى سَمِعتُ خُطبَةَ النَبِيِّ صلى الله عليه وسلم يُخبِرُ خَبَرَنَا، أَو كَمَا قَالَ. قَالَ: فَقُلتُ لِأَبِي عُثمَانَ: مِمَّن سَمِعتَ هَذَا؟ قَالَ: مِن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ.
رواه مسلم (2451).
ــ
السوقَ، وفعل الشيطان بأهلها ونيله منهم بما يحملهم عليه من المكر، والخديعة، والتساهل في البيوع الفاسدة والكذب، والأيمان الكاذبة، واختلاط الأصوات، وغير ذلك بمعركة الحرب، وبمن يصرع فيها.
و(قوله: وبها ينصب رايته) إعلام بإقامته في الأسواق، وجمع أعوانه إليه فيها.
ويفيد هذا الحديث: أن الأسواق إذا كانت موطن الشياطين ومواضع لهلاك الناس، فينبغي للإنسان ألا يدخلها إلا بحكم الضرورة، ولذلك قال: لا تكونن إن استطعت أول من يدخل السوق، ولا آخر من يخرج منها، ولأن من كان أول داخل فيها أو آخر خارج منها كان ممن استحوذ عليه الشيطان، وصرفه عن أمور دينه، وجعل همَّه السوق، وما يُعمل فيها فأهلكه. فحق من ابتلاه الله بالسوق أن يخطر بباله: أنه قد دخل محل الشيطان، ومحل جنوده، وأنه إن أقام هنالك هلك، ومن كانت هذه حاله اقتصر منه على قدر ضرورته، وتحرز من سوء عاقبته، وبليته. وقد تقدَّم القول في تمثل الملائكة والجن في الصور المختلفة، وأن لهم في أنفسهم صورًا خلقهم الله تعالى عليها، وأن الإيمان بذلك كله واجب، لما دل عليه من السمع الصادق، وكان دحية بن خليفة رجلًا حسن الصورة، فلذلك تمثل بصورته جبريل عليه السلام وهو دحية بن خليفة بن فروة الكلبي، وكان من كبار
[2361]
وعن عَائِشَةَ أُمِّ المُؤمِنِينَ قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَسرَعُكُنَّ لَحَاقًا بِي أَطوَلُكُنَّ يَدًا، قَالَت: فَكُنَّ يَتَطَاوَلنَ أَيَّتُهُنَّ أَطوَلُ يَدًا. قَالَت: فَكَانَت أَطوَلَنَا يَدًا زَينَبُ؛ لِأَنَّهَا كَانَت تَعمَلُ بِيَدِيهَا، وَتَصَدَّقُ.
رواه أحمد (6/ 121)، والبخاريُّ (1420)، ومسلم (2452)، والنسائي (5/ 66).
* * *
ــ
الصحابة، لم يشهد بدرًا، شهد أحدًا وما بعدها، وبقي إلى خلافة معاوية، وأرسله رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيصر في سنة ست من الهجرة فآمن قيصر، وأبت بطارقته أن تؤمن، فأخبر دحية بذلك النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ثبت ملكه (1).
و(قوله صلى الله عليه وسلم: أسرعكن لحاقًا بي أطولكن يدًا) هذا خطاب منه لزوجاته - خاصة، ألا ترى أنه قال لفاطمة رضي الله عنها: أنت أوَّل أهل بيتي لحوقًا بي (2)، وكانت زينب أوَّل أزواجه وفاة بعده، وفاطمة أوَّل أهل بيته وفاة، ولم يرد باللحاق به الموت فقط، بل: الموت والكون معه في الجنة والكرامة.
وتطاول أزواجه بأيديهنَّ مقايسة أيديهن بعضهن ببعض، لأنَّهن حملن الطول على أصله وحقيقته، ولم يكن مقصود النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، وإنَّما كان مقصوده: طول اليد بإعطاء الصدقات، وفعل المعروف، وبيَّن ذلك أنه: لما كانت زينب أكثر أزواجه فعلًا للمعروف والصدقات كانت أولهن موتًا، فظهر صدقه، وصح قوله صلى الله عليه وسلم.
* * *
(1) رواه البيهقي في الدلائل (6/ 325).
(2)
انظر الحديث في التلخيص (2465).