الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخبَرَهُ. فَقَالَ: يَا أَبَا بَكرٍ لَعَلَّكَ أَغضَبتَهُم، لَئِن كُنتَ أَغضَبتَهُم لَقَد أَغضَبتَ رَبَّكَ. فَأَتَاهُم فَقَالَ: يَا إِخوَتَاه أَغضَبتُكُم؟ قَالُوا: لَا، يَغفِرُ اللَّهُ لَكَ يَا أَخِي.
رواه مسلم (2504).
* * *
(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم
-
[2412]
عَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ، قَالَ: فِينَا نَزَلَت: {إِذ هَمَّت طَائِفَتَانِ مِنكُم أَن تَفشَلا وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} بَنُو سَلِمَةَ وَبَنُو حَارِثَةَ،
ــ
و(قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: لئن كنتَ أغضبتهم لقد أغضبتَ ربَّك، يدلُّ على رفعة منازل هؤلاء المذكورين عند الله تعالى، ويُستفاد منه احترامُ الصالحين، واتِّقاءُ ما يغضبهم، أو يُؤذيهم.
(70)
ومن باب: فضائل الأنصار رضي الله عنهم
(قوله تعالى: {إِذ هَمَّت طَائِفَتَانِ مِنكُم أَن تَفشَلا} يعني بذلك: يوم أحُدٍ، وذلك: أنه لمَّا خرج النبي صلى الله عليه وسلم للقاء المشركين رجع عنه عبد الله بن أبي بجمع كثيرٍ فشلًا عن الحرب ونكولًا، وإسلامًا للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه للعدو، وهمَّت بنو سلمة، وبنو حارثة بالرُّجوع، فحماهم اللهُ تعالى من ذلك، مما يضرُّهم من قبل ذلك، وعظيم إثمه، فلحقوا بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين إلى أن شاهدوا الحرب، وكان من أمر أحُد ما قد ذكر.
وَمَا نُحِبُّ أَنَّهَا لَم تَنزِل لِقَولِ اللَّهِ: {وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا}
رواه البخاريُّ (4558)، ومسلم (2505).
ــ
و(قول جابر: ما نحب ألا تنزل) إنما قال ذلك لما في آخرها من تولي الله تعالى لتينك الطَّائفتين مِن لُطفه بهما، وعصمته إياهما، مما حل بعبد الله بن أبي من الإثم، والعار، والذَم، وذلك قوله تعالى:{وَاللَّهُ وَلِيُّهُمَا} أي: متولي حِفظهما وناصرهما.
و(قوله: فقام متمثلًا (1)) يروى هكذا هنا، ويروى أيضًا مُمثلًا، وفيهما بُعد، لأن مثل: معناه: صور مثاله، وتمثل هو في نفسه، أي: تصوَّر، وكلاهما ليس له معنى هنا، وإنما الذي يُناسب هذا أن يكون ماثلًا. يقال: مثل بين يديه قائمًا، أي: انتصب قائمًا، فيعني به أنه قام منتصبَ القامة فعل المتبشبش بمن لقيه. وقد رواه البخاري فقال: فكان متمثلًا (1)، ممتنا من الامتنان، وهو وإن كان فيه بُعدٌ أنسب مما رواه مسلم، والله تعالى أعلم (2).
و(قوله صلى الله عليه وسلم: الأنصار كَرِشي وعيبتي) أي: جماعتي التي أنضمُّ إليها، وخاصتي التي أفضي بأسراري إليها. والكَرِش: لما يجترُ كالمعدة للإنسان، والحوصلة للطائر، والكرش مؤنثة، وفيها لغتان: كَرِش - بفتح الكاف، وكسر الراء -. وكِرش - بكسر الكاف وسكون الراء -: مثل: كَبِد وكِبد، وكرشُ الرجل:
(1) في (ز): ممتثلًا.
(2)
ورد في التلخيص الحديث الذي يرويه أنس رضي الله عنه وفيه: جاءت امرأةٌ من الأنصار إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فخلا بها رسولُ اللُّه صلى الله عليه وسلم. . . الخ الحديث. إلا أن الشيخ القرطبي رحمه الله لم يشرحْ في "المفهم" هذا الحديث، ولعله لم يجد فيه إشكالًا.
ونثبت -هنا- ما جاء في شرح النووي على صحيح مسلم من إيضاح لمعنى الخلو بها.
قال: هذه المرأة إما محرمٌ له كأمِّ سليم وأختها، وإمَّا المراد بالخلوة: أنها ساله سؤالًا خفيًا بحضرة أناس، ولم تكن خلوة مطلقة، وهي الخلوة المنهي عنها.
[2413]
وعَن زَيدِ بنِ أَرقَمَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ اغفِر لِلأَنصَارِ وَلِأَبنَاءِ الأَنصَارِ وَأَبنَاءِ أَبنَاءِ الأَنصَارِ.
رواه أحمد (4/ 369)، والبخاريُّ (4906)، ومسلم (2506)، والترمذيُّ (3902).
[2414]
وعن أنس: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم استَغفَرَ لِلأَنصَارِ قَالَ: - وَأَحسِبُهُ قَالَ -: وَلِذَرَارِيِّ الأَنصَارِ وَلِمَوَالِي الأَنصَارِ لَا أَشُكُّ فِيهِ.
رواه مسلم (2507).
[2415]
وعنه أنه قال: إن النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى صِبيَانًا وَنِسَاءً مُقبِلِينَ مِن عُرسٍ، فَقَامَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُتمثِلًا، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أَنتُم مِن أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ، اللَّهُمَّ أَنتُم مِن أَحَبِّ النَّاسِ إِلَيَّ - يَعنِي الأَنصَارَ -.
رواه أحمد (3/ 175 - 176)، والبخاريُّ (3785)، ومسلم (2508).
[2416]
وعنه قال: جَاءَت امرَأَةٌ مِن الأَنصَارِ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: فَخَلَا بِهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَقَالَ: وَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، إِنَّكُم لَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ - ثَلَاثَ مرات.
رواه البخاريُّ (3786)، ومسلم (2509).
ــ
عيالُه وصغارُ ولده، والكرش: الجماعة، وهي المعنيةُ بالحديث. وأصلُ العيبة: ما تُجعل فيه الثياب الرفيعة، والجمع عِيَب، كَبَدرَةِ وبِدَر، وتُجمع أيضًا: عِيابًا وعَيبات.
و(قوله: اللهم اغفر للأنصار، وأبناء الأنصار، وأبناء أبناء الأنصار) ظاهره
[2417]
وعنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الأَنصَارَ كَرِشِي وَعَيبَتِي، وَإِنَّ النَّاسَ سَيَكثُرُونَ وَيَقِلُّونَ فَاقبَلُوا مِن مُحسِنِهِم، وَاعفُوا عَن مُسِيئِهِم.
رواه أحمد (3/ 176)، والبخاري (3801)، ومسلم (2510)، والترمذيُّ (3907)، والنسائي في الكبرى (8325).
[2418]
وعنه قَالَ: خَرَجتُ مَعَ جَرِيرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ البَجَلِيِّ فِي سَفَرٍ، فَكَانَ يَخدُمُنِي فَقُلتُ لَهُ: لَا تَفعَل. فَقَالَ: إِنِّي قَد رَأَيتُ الأَنصَارَ تَصنَعُ بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيئًا آلَيتُ أَن لَا أَصحَبَ أَحَدًا مِنهُم إِلَّا خَدَمتُهُ - وَكَانَ جَرِيرٌ أَسن مِن أَنَسٍ -.
رواه البخاريُّ (2888)، ومسلم (2513).
* * *
ــ
الانتهاءُ بالاستغفار إلى البطن الثالث، فيمكن أن يكون ذلك، لأنهم من القرون التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: خيرُ أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم (1)، ويمكن أن تشملَ بركةُ هذا الاستغفار المؤمنين من نسل الأنصار إلى يوم القيامة مبالغة في إكرام الأنصار، لا سيما إذا كانت نية الأولاد فعل مثال ما سبق إليه الأجداد، ويُؤيد ذلك قوله في الرواية الأخرى: ولذراري الأنصار.
* * *
(1) رواه أحمد (4/ 427 و 436)، والبخاري (2651)، ومسلم (2535)(214)، وأبو داود (4657)، والترمذي (2222)، والنسائي (7/ 17 - 18).