الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[2572]
وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ - وَرَفَعَ الحَدِيثَ - أَنَّهُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عز وجل قَد وَكَّلَ بِالرَّحِمِ مَلَكًا فَيَقُولُ: أَي رَبِّ! نُطفَةٌ؛ أَي رَبِّ! عَلَقَةٌ؛ أَي رَبِّ! مُضغَةٌ؛ فَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ أَن يَقضِيَ خَلقًا قَالَ: قَالَ المَلَكُ: أَي رَبِّ! ذَكَرٌ أَم أُنثَى؛ شَقِيٌّ أَو سَعِيدٌ؛ فَمَا الرِّزقُ؛ فَمَا الأَجَلُ؛ فَيُكتَبُ كَذَلِكَ فِي بَطنِ أُمِّهِ.
رواه أحمد (3/ 148)، ومسلم (2646).
* * *
(3) باب كل ميسر لما خلق له
[2573]
عَن عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: كُنَّا فِي جَنَازَةٍ فِي بَقِيعِ الغَرقَدِ، فَأَتَانَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَعَدَ وَقَعَدنَا حَولَهُ، وَمَعَهُ مِخصَرَةٌ فَنَكَّسَ فَجَعَلَ يَنكُتُ بِمِخصَرَتِهِ ثُمَّ قَالَ: مَا مِنكُم مِن أَحَدٍ مَا مِن نَفسٍ مَنفُوسَةٍ،
ــ
وأيسر من النطق بلفظة، كيف لا وقد سمع السامعون قوله:{إِنَّمَا قَولُنَا لِشَيءٍ إِذَا أَرَدنَاهُ أَن نَقُولَ لَهُ كُن فَيَكُونُ}
(3)
ومن باب: قوله صلى الله عليه وسلم: كل ميسر لما خلق له
بقيع الغرقد: مدفن أهل المدينة، وقد تقدَّم ذكره. والمخصرة: قضيب كان يمسكه بيده في بعض الأحوال على عادة رؤساء العرب؛ فإنَّهم يمسكونها ويشيرون بها، ويصلون بها كلامهم. وجمعها مخاصر، والفعل منها: تخصر. حكاه ابن قتيبة. والنكت بها في الأرض: تحريك الأرض بها، وهذا فعل المتفكر المعتبر.
إِلَّا وَقَد كَتَبَ اللَّهُ مَكَانَهَا مِن الجَنَّةِ وَالنَّارِ، إِلَّا وَقَد كُتِبَت شَقِيَّةً أَو سَعِيدَةً. قَالَ: فَقَالَ رَجَلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَفَلَا نَمكُثُ عَلَى كِتَابِنَا وَنَدَعُ العَمَلَ؛ فَقَالَ: مَن كَانَ مِن أَهلِ السَّعَادَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهلِ السَّعَادَةِ، وَمَن كَانَ مِن أَهلِ الشَّقَاوَةِ فَسَيَصِيرُ إِلَى عَمَلِ أَهلِ الشَّقَاوَةِ فَقَالَ: اعمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ، أَمَّا أَهلُ السَّعَادَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهلِ السَّعَادَةِ، وَأَمَّا أَهلُ الشَّقَاوَةِ فَيُيَسَّرُونَ لِعَمَلِ أَهلِ الشَّقَاوَةِ، ثُمَّ قَرَأَ:{فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالحُسنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِليُسرَى * وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاستَغنَى * وَكَذَّبَ بِالحُسنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلعُسرَى}
ــ
و(قوله: أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل، وفي الرواية الأخرى: أفلا نتكل على كتابنا) حاصل هذا السؤال أنه إذا وجبت السعادة والشقاوة بالقضاء الأزلي، والقدر الإلهي، فلا فائدة للتكليف، ولا حاجة بنا إلى العمل، فنتركه، وهذه أعظم شبه النافين للقدر. وقد أجابهم النبي صلى الله عليه وسلم بما لا يبقى معه إشكال، فقال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له ثم قرأ: {فَأَمَّا مَن أَعطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالحُسنَى} الآيات، ووجه الانفصال: أن الله تعالى أمرنا بالعمل، فلا بد من امتثال أمره، وغيب عنا المقادير لقيام حجته وزجره. ونصب الأعمال علامة على ما سبق في مشيئته وحكمته، وعزه {لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ} لا يبقى معها لقائل مقول، وقهر {وَهُم يُسأَلُونَ} يخضع له المتكبرون. وقد بينا فيما تقدَّم أن مورد التكليف: فعل الاختيار، وأن ذلك ليس مناقضا لما سبقت به الأقدار.
و(قوله: {فَأَمَّا مَن أَعطَى} أي: الفضل من ماله. ابن عباس: حق الله تعالى. الحسن: الصدق من قلبه. {وَاتَّقَى} أي: ربه. ابن عباس وقتادة: محارمه. مجاهد: البخل. {وَصَدَّقَ بِالحُسنَى} أي: الكلمة الحسنى؛ وهي التوحيد. الضحاك: بموعود الله. قتادة: بالصلاة والزكاة والصوم. زيد بن أسلم
وفي رواية: أفلا نتكل (مكان) نمكث؛ قال: اعملوا فكل ميسر لما خلق له. ثم قرأ الآية.
رواه أحمد (1/ 82)، والبخاريُّ (4947)، ومسلم (2647)(6 و 7)، والترمذي (2136)، وابن ماجه (78).
[2574]
وعَن جَابِرٍ قَالَ: جَاءَ سُرَاقَةُ بنُ مَالِكِ بنِ جُعشُمٍ قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، بَيِّن لَنَا دِينَنَا كَأَنَّا خُلِقنَا الآنَ فِيمَ العَمَلُ اليَومَ؛ أَفِيمَا جَفَّت بِهِ الأَقلَامُ، وَجَرَت بِهِ المَقَادِيرُ، أَم فِيمَا يستَقبلُ؛ قَالَ: لَا، بَل فِيمَا جَفَّت بِهِ الأَقلَامُ، وَجَرَت بِهِ المَقَادِيرُ. قَالَ: فَفِيمَ العَمَلُ؛ فَقَالَ: اعمَلُوا فَكُلٌّ مُيَسَّرٌ؛
وفي أخرى فقال: كل عامل ميسر لعمله.
رواه أحمد (3/ 292)، ومسلم (2648)(8).
ــ
{فَسَنُيَسِّرُهُ} ، أي: نهون عليه ونهيئه {لِليُسرَى} أي: للحالة اليسرى من العمل الصالح والخير الراجح. وقيل: للجنة. {وَأَمَّا مَن بَخِلَ} أي: بماله، ابن عباس. وقال قتادة: بحق الله. {وَاستَغنَى} بماله، عن الحسن. ابن عباس: عن ربه. {وَكَذَّبَ بِالحُسنَى} أي: بالجنة. والعسرى: نقيض ما تقدم في اليسرى. و {تَرَدَّى} هلك بالجهل والكفر، وفي الآخرة بعذاب الله.
و(قول سراقة: بين لنا ديننا كأنا خُلقنا الآن) أي: بين لنا أصل ديننا، أي: ما نعتقده وندين به من حال أعمالنا، هل سبق بها قدر أم لا، وقوله: كأنا خُلقنا الآن، يعني أنهم غير عالمين بهذه المسألة، فكأنهم خُلقوا الآن بالنسبة إلى علمها، وفائدته: استدعاء أوضح البيان.
و(قوله: فيم العمل اليوم؟ ) أي: فيما جفت به الأقلام، هكذا صحيح
[2575]
وعَن عِمرَانَ بنِ حُصَينٍ قَالَ: قِيلَ لرَسُول اللَّهِ أَعُلِمَ أَهلُ الجَنَّةِ مَن أَهلِ النَّارِ؛ قَالَ فَقَالَ: نَعَم. قَالَ: فَفِيمَ يَعمَلُ العَامِلُونَ؛ قَالَ: كُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ.
رواه أحمد (4/ 431)، والبخاري (6596)، ومسلم (2649)(9)، وأبو داود (4709).
* * *
ــ
الرواية. (فيم) الأول بغير ألف، لأنَّها استفهامية. والثانية: بألف، لأنها خبرية. وقد وقع في بعض النسخ بالعكس، والأول الصواب. ومقتضى هذا السؤال أن ما يصدر عنا من الأعمال، وما يترتب عليها من الثواب والعقاب، هل سبق علم الله تعالى بوقوعه، فنفذت به مشيئته؛ أو ليس كذلك، وإنما أفعالنا صادرة عنا بقدرتنا ومشيئتنا، والثواب والعقاب مرتب عليها بحسبها؛ وهذا القسم الثاني هو مذهب القدرية، وقد أبطل النبي صلى الله عليه وسلم هذا القسم بقوله: لا، بل فيما جفت به الأقلام، وجرت به المقادير. أي: ليس الأمر مستأنفا، بل قد سبق به علم الله، ونفذت به مشيئته، وجفت به أقلام الكتبة في اللوح المحفوظ وفي صحف الملائكة المكتوبة في البطن، بل قد نُص على هذا في حديث عمران بن حصين المذكور بعد هذا. وأنص من هذا كله ما خرجه الترمذي من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما قال: خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وفي يده كتابان، فقال للذي في يده اليمنى: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل الجنة وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أُجمل (1) على آخرهم، فلا يُزاد فيهم، ولا ينقص منهم أبدا. ثم قال للذي في يده اليسرى: هذا كتاب من رب العالمين، فيه أسماء أهل النار وأسماء آبائهم وقبائلهم، ثم أُجمل على آخرهم، فلا يُزاد
(1)"أجملت الحساب": إذا جمعت آحاده، وكملت أفراده، أي: أحصوا وجمعوا.