الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم
[2444]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَسُبُّوا أَصحَابِي، لَا تَسُبُّوا أَصحَابِي، فَوَالَّذِي نَفسِي بِيَدِهِ، لَو أَنَّ أَحَدَكُم أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدرَكَ مُدَّ أَحَدِهِم، وَلَا نَصِيفَهُ.
رواه مسلم (2540)(221)، وابن ماجه (161).
ــ
قلت: وعلى ما حكاه أبو زيد يكون الصواب في وهل الذي في هذا الحديث: كسر الهاء، لأنَّه هو الذي يتعدى بـ (في)، ويشهد له المعنى، وأما وهل بالفتح فيتعدى بـ (إلى)، والمعنيان متقاربان، ويمكن أن يقال: إن وهل في الشيء فيه لغتان: الفتح والكسر. والله أعلم.
(81)
ومن باب: وجوب احترام أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم
من المعلوم الذي لا يشك فيه: أن الله تعالى اختار أصحاب نبيه لنبيه صلى الله عليه وسلم، ولإقامة دينه، فجميع ما نحن فيه من العلوم، والأعمال، والفضائل، والأحوال، والمتملكات، والأموال، والعز، والسلطان، والدين، والإيمان، وغير ذلك من النعم التي لا يحصيها لسان، ولا يتسع لتقديرها (1) زمان إنما كان بسببهم. ولما كان ذلك وجب علينا الاعتراف بحقوقهم والشكر لهم على عظيم أياديهم، قيامًا بما أوجبه الله تعالى من شكر المنعم، واجتنابًا لما حرمه من كفران حقه، هذا مع ما تحققناه من ثناء الله تعالى عليهم، وتشريفه لهم، ورضاه عنهم، كقوله تعالى:{لَقَد رَضِيَ اللَّهُ عَنِ المُؤمِنِينَ إِذ يُبَايِعُونَكَ تَحتَ الشَّجَرَةِ}
…
إلى قوله:
(1) في (ز): لتعديدها.
[2445]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: كَانَ بَينَ خَالِدِ بنِ الوَلِيدِ وَبَينَ عَبدِ
ــ
{مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ} وقوله: {وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ المُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ} وقوله: {لِلفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ} إلى غير ذلك، وكقوله صلى الله عليه وسلم: إن الله اختار أصحابي على العالمين سوى النبيين والمرسلين (1)، إلى غير ذلك من الأحاديث المتضمنة للثناء عليهم رضي الله عنهم أجمعين. وعلى هذا فمن تعرض لسبهم، وجحد عظيم حقهم، فقد انسلخ من الإيمان، وقابل الشكر بالكفران، ويكفي في هذا الباب ما رواه الترمذي من حديث عبد الله بن مغفل رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الله! الله! في أصحابي، لا تتخذوهم غرضًا بعدي، فمن أحبهم فبحبي أحبهم، ومن أبغضهم فببغضي أبغضهم، ومن آذاهم فقد آذاني، ومن آذاني فقد آذى الله، ومن آذى الله يوشك أن يأخذه (2). فقال: هذا حديث غريب. وهذا الحديث، وإن كان غريب السند فهو صحيح المتن، لأنَّه معضود بما قدمناه من الكتاب وصحيح السنة وبالمعلوم من دين الأمة، إذ لا خلاف في وجوب احترامهم، وتحريم سبهم، ولا يختلف في أن من قال: إنَّهم كانوا على كفر أو ضلال كافر يقتل، لأنَّه أنكر معلومًا ضروريًا من الشرع، فقد كذب الله ورسوله فيما أخبرا به عنهم. وكذلك الحكم فيمن كفر أحد الخلفاء الأربعة، أو ضللهم. وهل حكمه حكم المرتد فيستتاب؟ أو حُكم الزنديق فلا يستتاب ويقتل على كل حال؟ هذا مِمَّا يختلف فيه، فأمَّا من سبهم بغير ذلك، فإنَّ كان سبًّا يوجب حدًّا كالقذف حُدَّ حدَّه، ثم ينكل التنكيل الشديد من الحبس، والتخليد فيه، والإهانة ما خلا عائشة رضي الله عنها، فإنَّ قاذفها يقتل، لأنَّه مكذِّبٌ لما جاء في الكتاب والسنة من براءتها. قاله مالك وغيره. واختلف في غيرها من أزواج النبي صلى الله عليه وسلم فقيل: يقتل قاذفها، لأنَّ ذلك أذى للنبي صلى الله عليه وسلم،
(1) ذكره الهيثمي في مجمع الزوائد (10/ 16).
(2)
رواه الترمذي (3862).
الرَّحمَنِ بنِ عَوفٍ شَيءٌ، فَسَبَّهُ خَالِدٌ. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا تَسُبُّوا أَحَدًا مِن أَصحَابِي فَإِنَّ أَحَدَكُم لَو أَنفَقَ مِثلَ أُحُدٍ ذَهَبًا مَا أَدرَكَ مُدَّ أَحَدِهِم وَلَا نَصِيفَهُ.
رواه أحمد (3/ 11)، والبخاري (3673)، ومسلم (2541)، وأبو داود (4658)، والترمذي (3861).
* * *
ــ
وقيل: يُحد ويُنكل، كما ذكرناه على قولين. وأما من سبَّهم بغير القذف، فإنه يجلد الجلد الموجع، ويُنكل التنكيل الشديد، قال ابن حبيب: ويخلد سجنه إلى أن يموت. وقد روي عن مالك: من سبَّ عائشة قتل مطلقًا، ويمكن حمله على السَّب بالقذف، والله تعالى أعلم.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: لا تسبُّوا أصحابي. . . إلخ. رواه أبو هريرة مجردًا عن سببه، وقد رواه أبو سعيد الخدري، وذكر أن سبب ذلك القول هو أنه كان بين خالد بن الوليد وبين عبد الرحمن بن عوف شيء، أي: منازعة، فسبَّه خالد، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ذلك القول، فأظهر ذلك السبب أن مقصود هذا الخبر زجر خالد، ومن كان على مثل حاله ممن سبق بالإسلام، وإظهار خصوصية السابق بالنبي صلى الله عليه وسلم، وأن السابقين لا يلحقهم أحد في درجتهم، وإن كان أكثر نفقة وعملا منهم، وهذا نحو قوله تعالى: {لا يَستَوِي مِنكُم مَن أَنفَقَ مِن قَبلِ الفَتحِ وَقَاتَلَ} ويدل على صحة هذا المقصود: أن خالدًا وإن كان من الصحابة رضي الله عنهم، لكنَّه متأخر الإسلام. قيل: أسلم سنة خمس، وقيل: سنة ثمان. لكنه صلى الله عليه وسلم لما عدل عن غير خالد وعبد الرحمن إلى التعميم دلَّ ذلك على أنه قصد [مع ذلك] (1) تقعيد قاعدة تغليظ تحريم سب الصحابة مطلقًا، فيحرم ذلك من صحابي وغيره، لأنَّه إذا
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ز).