الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر
[2386]
عَن ابنِ عَبَّاسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَتَى الخَلَاءَ، فَوَضَعتُ لَهُ
ــ
ذكرها، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم بهدمها كلها وتحريقها فكان ذلك، ومحا الله الباطل، وأحق الحق بكلماته.
(60)
ومن باب: فضائل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما
ابن عبد المطلب بن هاشم، يُكنى أبا العباس، ولد بالشعب وبنو هاشم محصورون فيه قبل خروجهم منه بيسير، وذلك قبل الهجرة بثلاث سنين. واختلف في سِنِّه يوم (1) موت النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقيل: عشر سنين، وقيل: خمس عشرة - رواه سعيد بن جبير عنه، وقيل: كان ابن ثلاث عشرة سنة، وقال ابن عباس: إنه كان في حجَّة الوداع قد ناهز الاحتلام، ومات عبد الله بالطائف سنة ثمان وستين في أيام ابن الزبير لأنَّه أخرجه من مكة، وتوفي ابن عباس وهو ابن سبعين سنة، وقيل: ابن إحدى وسبعين، وقيل: ابن أربع وسبعين - وصلى عليه محمد ابن الحنفية، وقال: اليوم مات رباني هذه الأمة! وضرب على قبره فسطاطا، ويروى عن مجاهد عنه أنه قال: رأيت جبريل عند النبي صلى الله عليه وسلم مرتين، ودعا لي رسول الله صلى الله عليه وسلم بالحكمة مرتين. وقال ابن مسعود رضي الله عنه فيه: نعم ترجمان القرآن ابن عباس! وكان عمر رضي الله عنه يقول: فتى الكهول، لسان سؤول، وقلب عقول. وقال مسروق: كنت إذا رأيت ابن عباس قلت: أجمل الناس! وإذا تكلَّم قلت: أفصح الناس! وإذا تحدَّث قلت: أعلم الناس! وكان يُسمى البحر لغزارة علمه، والحبر لاتساع حفظه ونفوذ فهمه، وكان عمر رضي الله عنه يقربه ويدنيه لجودة فهمه
(1) في (ز): وقت، وفي (م 4): قبل.
وَضُوءًا، فَلَمَّا خَرَجَ قَالَ: مَن وَضَعَ هَذَا؟ قالوا: ابن عباس. قال: اللهم فقهه.
رواه أحمد (1/ 327)، والبخاري (143)، ومسلم (2477).
ــ
وحسن تأتِّيه، وجملة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألف حديث وستمائة وستين، أخرج له في الصحيحين مائتا حديث وأربعة وثلاثون حديثًا.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: اللهم فقهه)، هنا انتهى حديث مسلم، وقال البخاري: اللهم فقهه في الدين، وفي رواية قال: ضمني رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: اللهم علمه الكتاب (1)، قال أبو عمر: وفي بعض الروايات اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل (2). قال: وفي حديث آخر اللهم بارك فيه وانشر منه، واجعله من عبادك الصالحين (3)، وفي حديث آخر: اللهم زده علمًا وفقهًا (4). قال: وكلها حديث صحيح.
قلت: وقد ظهرت عليه بركات هذه الدَّعوات فاشتهرت علومه وفضائله، وعمَّت خيراته وفواضله، فارتحل طلاب العلم إليه، وازدحموا عليه، ورجعوا عند اختلافهم لقوله، وعوَّلوا على نظره ورأيه. قال يزيد بن الأصم: خرج معاوية حاجًّا معه ابن عباس، فكان لمعاوية موكب ولابن عباس موكب ممن يطلب العلم. وقال عمرو بن دينار: ما رأيت مجلسًا أجمع لكل خير من مجلس ابن عباس؛ الحلال، والحرام، والعربية، والأنساب، والشعر. وقال عبيد الله بن عبد الله: ما رأيت أحدًا كان أعلم بالسنة ولا أجل رأيًا ولا أثقب نظرًا من ابن عباس
(1) رواه البخاري (75).
(2)
رواه أحمد (1/ 328 و 335).
(3)
رواه الحاكم (1/ 400)، وأبو نعيم في الحلية (1/ 315).
(4)
انظر: سير أعلام النبلاء (3/ 338)، والحلية (1/ 314 و 315).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
رضي الله عنه.
ولقد كان عمر رضي الله عنه يعده للمعضلات مع اجتهاد عمر ونظره للمسلمين، وكان قد عمي في آخر عمره، فأنشد في ذلك:
إن يأخذ الله من عينيَّ نُورَهما
…
ففي لساني وقلبي منهما نورُ
قَلبي ذَكِيٌّ وعقلي غير ذي دَخَلٍ
…
وفي فمي صارمٌ كالسَّيفِ مأثُورُ
وروي أن طائرًا (1) أبيض خرج من قبره، فتأوَّلوه علمه خرج إلى الناس، ويقال: بل دخل قبره طائرٌ أبيض، فقيل: إنه بصره في التأويل. وقال أبو الزبير: مات ابن عباس بالطائف، فجاء طائرٌ أبيض فدخل في نعشه حين حمل، فما رؤي خارجًا منه!
وفضائله أكثر من أن تحصى.
وأما عبد الله بن عمر بن الخطاب رضي الله عنهما ويُكنى أبا عبد الرحمن - فإنَّه أسلم صغيرًا لم يبلغ الحلم مع أبيه، وهاجر إلى المدينة قبل أبيه، وأول مشاهده الخندق، لم يشهد بدرًا ولا أحدًا لصغره؛ فإنَّه عرض على رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد وهو ابن أربع عشرة سنة فلم يجزه، وأجازه يوم الخندق، وهذا هو الصحيح إن شاء الله تعالى. وشهد الحديبية، وبايع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقيل: إنه أول من بايع، وكان من أهل العلم والورع، وكان كثير الاتباع لرسول الله صلى الله عليه وسلم شديد التحري والاحتياط والتوقي في فتواه، وكان لا يتخلَّف عن السرايا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم كان بعد موته صلى الله عليه وسلم مُولِعًا بالحج، وكان من أعلم الناس بمناسكه، وكان قد أشكلت عليه حروب عليٍّ لورعه فقعد عنه، وندم على ذلك حين حضرته الوفاة، روي عنه من أوجه أنه قال: ما آسى (2) على شيء فاتني إلا تركي لقتال الفئة الباغية مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
وقال جابر بن عبد الله رضي الله عنهما: ما منا أحدٌ إلا مالت له الدنيا ومال إليها ما خلا عمر.
(1) ليست في (ز).
(2)
في (ز): أسفي.
[2387]
وعَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: رَأَيتُ فِي المَنَامِ كَأَنَّ فِي يَدِي قِطعَةَ إِستَبرَقٍ، وَلَيسَ مَكَانٌ أُرِيدُ مِن الجَنَّةِ إِلَّا طَارَت إِلَيهِ. قَالَ: فَقَصَصتُهُ عَلَى حَفصَةَ، فَقَصَّتهُ حَفصَةُ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: أَرَى عَبدَ اللَّهِ رَجُلًا صَالِحًا.
رواه مسلم (2478).
ــ
وابنه عبد الله.
وقال ميمون بن مهران: ما رأينا أورع من ابن عمر، ولا أعلم من ابن عباس. وروى ابن وهب عن مالك قال: بلغ عبد الله بن عمر ستًّا وثمانين سنة، وأفتى في الإسلام ستين سنة، ونشر نافع عنه علمًا جمًّا. وروى ابن الماجشون أن مروان بن الحكم دخل في نفر على عبد الله بن عمر بعدما قتل عثمان رضي الله عنه فعزموا عليه أن يبايعوه. قال: كيف لي بالناس؟ قال: تقاتلهم! فقال: والله لو اجتمع عليَّ أهل الأرض إلا أهل فدك ما قاتلتهم! قال: فخرجوا من عنده ومروان يقول:
إني أرى فِتنَةً تَغلي مَرَاجِلُها
…
والمُلكُ بَعدَ أَبي لَيلَى (1) لِمَن غَلَبا
مات ابن عمر بمكة سنة ثلاث وسبعين، وذلك بعد قتل ابن الزبير بثلاثة أشهر أو نحوها، وقيل: ستة أشهر - ودفن بذي طوى في مقبرة المهاجرين، وكان سبب موته أن الحجاج أمر رجلًا فسمَّ زُجَّ رُمحِهِ فزحمه، فوضع الزجَّ في ظهر قدمه فمرض منها فمات رحمه الله حكاه أبو عمر.
وجملة ما روى عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ألفا حديث وستمائة وثلاثون حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين مائة حديث وثمانون.
و(قوله: رأيت في المنام كأن في يدي قطعة إستبرق)، قد تقدَّم الكلام أن الإستبرق ما غلظ من الدِّيباج، وكأن هذه القطعة مثال لعمل صالح يعمله يتقرَّب
(1)"أبو ليلى": هو معاوية بن يزيد بن معاوية. تاريخ الطبري (5/ 500).
[2388]
وعنه قال: كَانَ الرَّجُلُ فِي حَيَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا رَأَى رُؤيَا قَصَّهَا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَتَمَنَّيتُ أَن أَرَى رُؤيَا أَقُصُّهَا عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. قَالَ: وَكُنتُ غُلَامًا شَابًّا عَزَبًا، وَكُنتُ أَنَامُ فِي المَسجِدِ عَلَى عَهدِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَرَأَيتُ فِي النَّومِ كَأَنَّ مَلَكَينِ أَخَذَانِي فَذَهَبَا بِي إِلَى النَّارِ، فَإِذَا هِيَ مَطوِيَّةٌ كَطَيِّ البِئرِ، وَإِذَا لَهَا قَرنَانِ كَقَرنَي البِئرِ، وَإِذَا فِيهَا نَاسٌ قَد عَرَفتُهُم، فَجَعَلتُ أَقُولُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِن النَّارِ! أَعُوذُ بِاللَّهِ مِن النَّارِ! أَعُوذُ بِاللَّهِ مِن النَّارِ! قَالَ: فَلَقِيَهُمَا مَلَكٌ فَقَالَ لِي: لَم تُرَع! فَقَصَصتُهَا عَلَى حَفصَةَ، فَقَصَّتهَا حَفصَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: نِعمَ الرَّجُلُ عَبدُ اللَّهِ لَو كَانَ يقوم مِن اللَّيلِ! فَكَانَ عَبدُ اللَّهِ بَعدَ ذَلِكَ لَا يَنَامُ مِن اللَّيلِ إِلَّا قَلِيلًا.
رواه أحمد (2/ 146)، والبخاريُّ (1121)، ومسلم (2479)، وابن ماجه (3919).
* * *
ــ
به إلى الله تعالى، ويقدِّمه بين يديه: يرشده ثوابه إلى أي موضع شاء من الجنة، ولذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: أرى عبد الله رجلًا صالحًا، وهذه شهادة من النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بالصَّلاح. ووجدت بخط شيخنا أبي الصبر أيوب مقيدًا أرى بفتح الراء والهمزة، فيكون مبنيًا للفاعل، ويكون من رؤية القلب فيكون علمًا، ويجوز أن يكون همزته مضمومة فتكون ظنًّا صادقًا؛ لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم معصوم في ظنه كما هو في علمه.
و(قوله: وكنت شابًا عزبًا أنام في المسجد) دليل على جواز في المسجد لمن احتاج إلى ذلك، والقرنان: منارتان تبنيان على جانبي البئر يجعل عليها الخشبة التي تعلق عليها البكرة. والبئر: المطوية بالحجارة، وهي الرس أيضًا، فإنَّ لم تُطو فهي القليب والركي. ولم ترع: أي لم تفزع، والروع: الفزع، وإنَّما