المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

[2182]

عَن سَمُرَةَ بنِ جُندَبٍ قَالَ: كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الصُّبحَ أَقبَلَ عَلَيهِم بِوَجهِهِ، فَقَالَ: هَل رَأَى أَحَدٌ مِنكُم البَارِحَةَ رُؤيَا؟ .

رواه أحمد (5/ 14)، والبخاري (1143)، ومسلم (2275)، والترمذيُّ (2295).

ــ

(6)

ومن باب: استدعاء العابر ما يعبر

(قوله: كان النبي صلى الله عليه وسلم إذا صلَّى الصبح أقبل علينا بوجهه) فيه دليل على أن الإمام لا يمكث في موضع صلاته إذا فرغ منها، وقد تقدَّم ذلك.

و(قوله: هل رأى منكم أحدٌ البارحة رؤيا؟ ) إنما كان النبي صلى الله عليه وسلم يسألهم عن ذلك لما كانوا عليه من الصلاح، والصدق، فكان قد علم أن رؤياهم صحيحة، وأنها يستفاد منها الاطلاع على كثير من علم الغيب، وليبين لهم بالفعل الاعتناء بالرؤيا، والتشوُّف لفوائدها، وليعلمهم كيفية التعبير، وليستكثر من الاطلاع على علم الغيب.

و(قوله: البارحة) يعني به: الليلة البارحة، أي: الذاهبة، اسم فاعل من برح الشيء: إذا ذهب. ومنه قولهم: برح الخفاء، أي: ذهب. وإذا دخل حرف النفي على برح صار من أخوات كان التي ترفع الاسم، وتنصب الخبر. ووقع هذا اللفظ في غير كتاب مسلم: هل رأى أحد منكم الليلة رؤيا (1) بدل: البارحة. واستدل بعض الناس على أن ما بعد طلوع الفجر إلى طلوع الشمس من الليل (2)، وليس بصحيح، لأنَّه: إنما أشار لليَّلة البارحة، لا للساعة الحاضرة بدليل هذه

(1) سبق تخريجه في التلخيص برقم (2890).

(2)

أي: هو من الليل.

ص: 29

[2183]

وعن ابن عباس: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان مما يقول لأصحابه:

ــ

الرواية الصحيحة التي قال فيها: البارحة. ومعناها: الماضية بالاتفاق، فكأنه قال: الليلة الماضية، أو المنصرمة. ولما كانت قريبة الانصرام أشار إليها، ولما كان هذا معلومًا اكتفي بذكر الليلة عن صفتها، ولما كانت البارحة صفة معلومة لليلة استعملها غير تابعة استعمال الأسماء، وكان الأصل الجمع بين التابع والمتبوع، فيقال: الليلة البارحة. لكن ذلك جاز لما ذكرناه.

و(قوله: كان مما يقول لأصحابه) قال القاضي أبو الفضل: معنى (مما) هاهنا عندهم: كثيرًا ما كان يفعل كذا. قال ثابت في مثل هذا: كأنه يقول: هذا من شأنه، ودأبه، فجعل (ما) كناية عن ذلك. يريد: ثم أدغم (من)(1) فقال: مما يقول. وقال غيره: معنى (ما) هاهنا: ربما، لأنَّ ربما تأتي للتكثير.

قلت: وهذا كلام جملي لم يحصل به بيان تفصيلي، فإنَّ هذا الكلام من السهل جملة الممتنع تفصيلًا. وبيانه بالإعراب، وذلك: أن اسم كان مستتر فيها يعود على النبي صلى الله عليه وسلم وخبرها في الجملة التي بعدها، وذلك: أن (ما) من (مما) بمعنى: الذي، وهي مجرورة بـ (من) وصلتها: يقول، والعائد محذوف. وهذا المجرور: خبر المبتدأ الذي هو: من رأى منكم رؤيا، فإنَّه كلام محكي معمول للقول، تقديره: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم من جملة القول الذي يقوله هذا القول. ويجوز أن تكون مصدرية، ويكون تقديرها: كان النبي صلى الله عليه وسلم من جملة قوله: من رأى منكم رؤيا ومَن في كلا الوجهين: استفهام محكي. والله تعالى أعلم. وأبعد ما قيل فيها: قول من قال: إن من بمعنى: ربما، إذ لا يساعده اللسان، ولا يلتئم مع تكلُّفه الكلام.

(1) في الأبي (6/ 87): قال ثابت: معنى (مما) ها هنا: كثير، أي: كثيرًا ما كان يقول، أي: شأنه ودأبه، فجُعلت (ما) كناية عن ذلك، وأدغم فيها (ن) مِن، فقال: مما.

ص: 30

من رأى منكم رؤيا فليقصها أعبرها؟ قال فجاء رجل فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ رأيت ظُلَّةً تَنطِفُ السَّمنَ وَالعَسَلَ، فَإذا النَّاس يَتَكَفَّفُونَ مِنهَا بِأَيدِيهِم، فَالمُستَكثِرُ وَالمُستَقِلُّ، وَأَرَى سَبَبًا وَاصِلًا مِن السَّمَاءِ إِلَى الأَرضِ، فَأَرَاكَ أَخَذتَ بِهِ فَعَلَوتَ، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ مِن بَعدِكَ فَعَلَا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَعَلَا، ثُمَّ أَخَذَ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَانقَطَعَ بِهِ، ثُمَّ وُصِلَ لَهُ فَعَلَا. قَالَ أَبُو بَكرٍ: يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنتَ وأمي وَاللَّهِ لَتَدَعَنِّي فَلَأَعبُرَهَا، قَالَ

ــ

و(قوله: فليقصَّها أَعبُرها) أي: ليذكر قصتها وليتتبع جزئياتها حتى لا يترك منها شيئًا، مأخوذ من: قصصت الأثر: إذا تتبعته. وأعبرها، أي: أعتبرها وأفسرها. ومنه قوله تعالى: {إِن كُنتُم لِلرُّؤيَا تَعبُرُونَ} وأصله من عبرت النهر: إذا جُزتُ من إحدى عُدوتيه إلى الأخرى.

والظُّلة: السَّحابة التي تظلل من تحتها. وتنطف: تقطر. والنطفة: القطرة من المائع. ويتكففون: يأخذون بأكفهم، ويحتمل أن يكون معناه: يأخذون من ذلك كفايتهم. وهذا أليق بقوله: فالمستكثر من ذلك والمستقل. والسبب: الحبل.

و(قوله: بأبي أنت وأمي) أي: مَفدِيٌّ من المكاره والمساوئ.

و(قوله: والله لتدعني فلأعبرها) هذه الفاء: زائدة. وأعبرها منصوب بلام كي، ويصح أن تكون لام الأمر فتجزم، ولا تكون لام القسم لما يلزم من فتحها، ومن دخول النون في فعلها.

وفيه من الفقه: جواز الحلف على الغير، وإبرار الحالف، فإنَّه صلى الله عليه وسلم أجاب طَلِبَتَه، وأبرَّ قسمه، فقال له: اعبُر. ويدل على تمكُّن أبي بكر من علم عبارة الرؤيا.

ووجه عبارة أبي بكر لهذه الرؤيا واضحة، ومناسباتها واقعة، غير أن

ص: 31

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اعبُرهَا، قَالَ أَبُو بَكرٍ: أَمَّا الظُّلَّةُ فَظُلَّةُ الإِسلَامِ، وَأَمَّا الَّذِي يَنطِفُ مِن السَّمنِ وَالعَسَلِ فَالقُرآنُ حَلَاوَتُهُ وَلِينُهُ، وَأَمَّا مَا يَتَكَفَّفُ النَّاسُ مِن ذَلِكَ فَالمُستَكثِرُ مِن القُرآنِ وَالمُستَقِلُّ، وَأَمَّا السَّبَبُ الوَاصِلُ مِن السَّمَاءِ إِلَى الأَرضِ، فَالحَقُّ الَّذِي أَنتَ عَلَيهِ تَأخُذُ بِهِ فَيُعلِيكَ اللَّهُ، ثُمَّ يَأخُذُ بِهِ رَجُلٌ مِن بَعدِكَ فَيَعلُو بِهِ، ثُمَّ يَأخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَعلُو بِهِ، ثُمَّ يَأخُذُ بِهِ رَجُلٌ آخَرُ فَيَنقَطِعُ بِهِ، ثُمَّ يُوصَلُ لَهُ فَيَعلُو بِهِ، فَأَخبِرنِي يَا رَسُولَ اللَّهِ بِأَبِي أَنتَ أَخطَأتُ أم أَصَبتُ؟

قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: أَصَبتَ بَعضًا وَأَخطَأتَ

ــ

النبي صلى الله عليه وسلم لما قال له: أصبت بعضًا، وأخطأت بعضًا، ولم يبيِّن له ما الذي أخطأ فيه. اختلف الناس فيه، فقيل: معناه: أنه قصَّر في ترك بعض أجزاء الرؤيا غير مفسَّرة، وذلك أنه ردَّ شيئين لشيءٍ واحد، فإنَّه ردَّ السَّمن والعسل للقرآن، ولو ردَّ الحلاوة للقرآن والسَّمن للسُّنَّة، لكان أليق، وأنسب. وإلى هذا أشار الطحاوي.

قلت: وفي هذا بُعد، ويرد عليه مؤاخذات يطول تتبعها.

وقال بعضهم: إن المنام يدلّ على خلع عثمان، لأنه الثالث الذي أخذ بالسبب فانقطع به، غير أنه لم يُوصل له بِعَودِ الخلافة، فإنَّه قتل، وإنما وصل لغيره، وهو علي رضي الله عنهما.

قلت: وهذا إنما يصحُّ إذا لم يرو في الحديث: له من وصل له على ما نبَّه عليه القاضي فإنَّه قال: ليس فيها له. وإنما هو: وصل فقط. وعلى هذا يمكن أن ينسب الخطأ إلى هذا المعنى، لأنَّه تأوَّل الوصل له وهو لغيره، لكن الرواية الصحيحة والموجود في الأصول التي وقفت عليها ثبوت له، وعلى هذا فإنما وصل له بالشهادة والكرامة التي أعدَّها الله تعالى له في الدار الآخرة، وتأوَّلها أبو بكر رضي الله عنه على الخلافة. والله تعالى أعلم. وبعد هذا فأقول: إن تكلُّف إبداء ذلك الخطأ الذي سكت عنه النبي صلى الله عليه وسلم ولم يعلمه أبو بكر، ولا من كان

ص: 32

بَعضًا، قَالَ: فَوَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَتُحَدِّثَنِّي بالَّذِي أَخطَأتُ، قَالَ: لَا تُقسِم.

رواه البخاريُّ (7046)، ومسلم (2269)، وأبو داود (4632)، والترمذيُّ (2294)، وابن ماجه (3918).

* * *

ــ

هناك من أكابر الصحابة وعلمائهم رضي الله عنهم جرأة نستغفر الله تعالى منها، وإنما لم يعيِّن ذلك النبي صلى الله عليه وسلم أنه ليس من الأحكام التي أمر بتبليغها، ولا أرهقت إليه حاجة، ولعلَّه لو عيَّن ما أخطأ فيه لأفضى ذلك إلى الكلام في الخلافة، ومن تتم له، ومن لا تتم له، فتنفر لذلك نفوس، وتتألم قلوبٌ، وتطرأ منه مفاسد، فسدَّ النبي صلى الله عليه وسلم ذلك الباب. والله تعالى أعلم بالصواب.

و(قوله صلى الله عليه وسلم لأبي بكر رضي الله عنه: لا تُقسم) مع أنه قد أقسم. معناه: لا تعد للقسم. ففيه: ما يدلّ على أن أمر النبي صلى الله عليه وسلم بإبرار المقسم (1) ليس بواجب، وإنما هو مندوب إليه إذا لم يعارضه ما هو أولى منه.

* * *

(1) في هذا إشارة إلى الحديث الوارد في صحيح مسلم برقم (2069)(3)، وفيه:"وإبرار القسم أو المُقْسِمِ".

ص: 33