الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده
[2516]
عن سُلَيمَانُ بنُ صُرَدٍ قَالَ: استَبَّ رَجُلَانِ عِندَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، فَجَعَلَ أَحَدُهُمَا يَغضَبُ وَيَحمَرُّ وَجهُهُ، وتنتفخ أوداجه، فَنَظَرَ إِلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: إِنِّي لَأَعلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِن الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ. فَقَامَ إِلَى الرَّجُلِ رَجُلٌ سَمِعَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَتَدرِي مَا قَالَ
ــ
(24)
ومن باب: ما يقال عند الغضب والنهي عن ضرب الوجه
(قوله صلى الله عليه وسلم للغضبان: إني لأعرف كلمة لو قالها لذهب عنه: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم) يدلّ على أن الشيطان له تأثير في تهييج الغضب وزيادته، حتى يحمله على البطش بالمغضوب عليه، أو إتلافه، أو إتلاف نفسه، أو شر يفعله يستحق به العقوبة في الدنيا والآخرة، فإذا تعوذ الغضبان بالله من الشيطان الرجيم، وصح قصده لذلك، فقد التجأ إلى الله تعالى وقصده واستجار به، والله تعالى أكرم من أن يخذل من استجار به، ولما جهل ذلك الرجل ذلك المعنى، وظن أن الذي يحتاج إلى التعوذ إنما هو المجنون، فقال: أمجنونا تراني؟ منكرا على من نبهه على ما يصلحه، ورادا لما ينفعه، وهذا من أقبح الجنون، والجنون فنون (1)، وكأن هذا الرجل كان من جفاة الأعراب الذين قلوبهم من الفقه والفهم خراب.
و(قوله: أتدرون ما تعدون الرقوب فيكم؟ قال: قلنا: الذي لا يولد له) الرقوب: فعول، وهو الكثير المراقبة، كضروب، وقتول، لكنه صار في عُرف استعمالهم عبارة عن المرأة التي لا يعيش لها ولد، كما قال عبيد بن الأبرص:
(1) هذه الجملة ليست في (ز).
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم آنِفًا؟ قَالَ: إِنِّي لَأَعلَمُ كَلِمَةً لَو قَالَهَا لَذَهَبَ ذَا عَنهُ: أَعُوذُ بِاللَّهِ مِن الشَّيطَانِ الرَّجِيمِ، فَقَالَ لَهُ الرَّجُلُ: أَمَجنُونًا تَرَانِي؟ ! .
رواه أحمد (6/ 394)، والبخاريُّ (3282)، ومسلم (2610)(109 و 110)، وأبو داود (4781).
ــ
. . . . . . . . . . . . .
…
. . . . كأنها شيخة رقوب (1)
قلت: هذا نقل أهل اللغة، ولم يذكروا أن الرقوب يقال على من لا يولد له، مع أنه قد كان معروفا عند الصحابة رضي الله عنهم ولذلك أجابوا به رسول الله صلى الله عليه وسلم. والقياس يقتضيه؛ لأنَّ الذي لا يولد له يكثر ارتقابه للولد، وانتظاره له، ويطمع فيه إذا كان ممن يرتجي ذلك، كما يقال على المرأة التي ترقب موت زوجها: رقوب. وللناقة التي ترقب الحوض فتنفر منه، ولا تقربه: رقوب.
قلت: ويحتمل أن يُحمل قولهم في الرقوب: إنه الذي لا يولد له بعد فقد أولاده؛ لوصوله من الكبر إلى حال لا يولد له، فتجتمع عليه مصيبة الفقد ومصيبة اليأس، وهذا هو الأليق بمساق الحديث. ألا ترى قوله: ليس ذلك الرقوب، ولكنه الرجل الذي لا يقدم من ولده شيئًا) أي: هو أحق باسم الرقوب من ذلك، لأنَّ هذا الذي أصيب بفقد أولاده في الدنيا ينجبر في الآخرة بما يعوض على ذلك من الثواب، وأما من لم يمت له ولد فيفقد في الآخرة ثواب فقد الولد، فهو أحق باسم الرقوب من الأول، وقد صدر هذا الأسلوب من النبي صلى الله عليه وسلم كثيرا، كقوله: ليس المسكين بالطواف عليكم (2) وليس الشديد بالصرعة وليس الواصل بالمكافئ (3) ومثله كثير. ولم يرد بهذا السلب سلب الأصل. لكن سلب الأولى
(1) هذا عجز بيت، وصدره: باتَتْ على إرَمٍ عذوبًا.
(2)
رواه أحمد (2/ 457)، والبخاري (1476)، ومسلم (1039)(102)، وأبو داود (1631)، والنسائي (5/ 84 - 85).
(3)
رواه البخاري (5991)، وأبو داود (1697)، والترمذي (1909).
[2517]
وعَن أَنَسٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَمَّا صَوَّرَ اللَّهُ آدَمَ فِي الجَنَّةِ تَرَكَهُ مَا شَاءَ اللَّهُ أَن يَترُكَهُ، فَجَعَلَ إِبلِيسُ يُطِيفُ بِهِ يَنظُرُ مَا هُوَ! فَلَمَّا رَآهُ أَجوَفَ؛ عَرَفَ أَنَّهُ خُلِقَ خَلقًا لَا يَتَمَالَكُ.
رواه أحمد (3/ 152)، ومسلم (2611).
[2518]
وعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ مَسعُودٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا تَعُدُّونَ الرَّقُوبَ فِيكُم؟ قَالَ: قُلنَا: الَّذِي لَا يُولَدُ لَهُ. قَالَ: لَيسَ ذَاكَ بِالرَّقُوبِ، وَلَكِنَّهُ الرَّجُلُ الَّذِي لَم يُقَدِّم مِن وَلَدِهِ شَيئًا، قَالَ: مَا تَعُدُّونَ الصُّرَعَةَ فِيكُم؟ قَالَ: قُلنَا: الَّذِي لَا يَصرَعُهُ الرِّجَالُ. قَالَ: لَيسَ بِذَلِكَ، وَلَكِنَّهُ الَّذِي يَملِكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَبِ.
رواه أحمد (1/ 382)، ومسلم (2608)، وأبو داود (4779).
[2519]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَيسَ الشَّدِيدُ بِالصُّرَعَةِ، إِنَّمَا الشَّدِيدُ الَّذِي يَملِكُ نَفسَهُ عِندَ الغَضَبِ.
رواه أحمد (2/ 236)، والبخاريُّ (6114)، ومسلم (2609)(107).
* * *
ــ
والأحق، والصرعة، بفتح الراء: هو الذي يصرع الناس كثيرا، وبالسكون هو الذي يصرعه الناس، وكذلك: هزَأة وهزءة، وسخَرَة وسخرَة، وقد تقدَّم.
و(قوله: لما صور الله تعالى آدم في الجنة تركه ما شاء الله أن يتركه) يعني: أن الله تعالى لما صور طينة آدم، وشكلها بشكله على ما سبق في علمه، فلما رآها إبليس أطاف بها، أي: دار حولها، وجعل ينظر في كيفيتها وأمرها، فلما رآها