الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما
-
[2411]
عَن عَائِذِ بنِ عَمرٍو أَنَّ أَبَا سُفيَانَ أَتَى عَلَى سَلمَانَ،
ــ
نفوسهم أعظم قدرًا، ولا أكثر أجرًا، مما تضمنَّه هذا القول، لأنَّ أصل أفعل أن تضاف إلى جنسها، وأعراض الدنيا ليست من جنس ثواب الآخرة، فتعين ذلك التأويل، والله تعالى أعلم.
(69)
ومن باب: فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما
أما سلمان، فيكنى: أبا عبد الله، وكان ينتسب إلى الإسلام، فيقول: أنا سلمان ابن الإسلام، ويُعَدُّ من موالي رسول الله صلى الله عليه وسلم، لأنَّه أعانه بما كوتب عليه، فكان سبب عتقه، وكان يُعرف بسلمان الخير، وقد نسبه النبي صلى الله عليه وسلم إلى أهل بيته، فقال: سلمان منا أهل البيت (1). وأصله فارسي من رام هرمز، من قرية يقال لها: جَي (2). ويقال: بل من أصبهان، وكان أبوه مجوسيًّا من قوم مجوس، فنبهه الله لقبح ما كان عليه أبوه وقومه، وجعل في قلبه التشوُّف إلى طلب الحق، فهرب بنفسه، وفرَّ من أرضه إلى أن وصل إلى الشام، فلم يزل يجول في البلدان، ويختبر الأديان، ويستكشف الأحبار والرُّهبان، إلى أن دُلَّ على راهب الوجود، فوصل إلى المقصود، وذلك بعد مكابدة عظيم المشقات، والصبر على مكاره الحالات، من: الرق، والإذلال، والأسر، والأغلال، كما هو منقول في إسلامه في كتب السِّير وغيرها.
(1) رواه الحاكم (3/ 598)، والطبراني في الكبير (6/ 261). وانظر: مجمع الزوائد (6/ 130).
(2)
جاء في حاشية أسد الغابة (2/ 417): جَيّ: اسم مدينة أصبهان القديم.
وَصُهَيبٍ وَبِلَالٍ فِي نَفَرٍ، فَقَالُوا: مَا أَخَذَت سُيُوفُ اللَّهِ مِن عُنُقِ عَدُوِّ اللَّهِ
ــ
وروى أبو عثمان النَّهدي عن سلمان أنه قال: تداوله في ذلك بضة عشر ربًّا، من ربٍّ إلى ربٍّ حتى أفضى إلى النبي صلى الله عليه وسلم.
قال غيره: فاشتراه رسول الله صلى الله عليه وسلم للعتق من قوم من اليهود بكذا وكذا درهمًا، وعلى أن يغرس لهم كذا وكذا من النخل، يعمل فيها سلمان حتى تدرك، فغرس رسول الله صلى الله عليه وسلم النخل كلها بيده، فأطعمت النخل من عامها.
وأوَّل مشاهده مع رسول الله صلى الله عليه وسلم الخندق، ولم يَفُته بعد ذلك مشهد معه. وقد قيل: إنه شهد بدرًا وأحدًا، والأوَّل أعرف. وكان خيِّرًا فاضلًا حَبرًا عالِمًا زاهدًا متقشفًا. روي عن الحسن أنه قال: كان عطاء سلمان خمسة آلاف، وكان إذا خرج عطاؤه تصدق به، ويأكل من عمل يده، وكانت له عباءة يفترش بعضها ويلبس بعضها.
وذكر ابن وهب، وابن نافع عن مالك قال: كان سلمان يعمل الخوص بيده فيعيش منه، ولا يقبل من أحد شيئًا، قال: ولم يكن له بيت، إنما كان يستظل بالجدر والشجر، وإن رجلًا قال له: ألا أبني لك بيتًا تسكن فيه؟ فقال: ما لي به حاجة، فما زال به الرجل حتى قال له: إني أعرف البيت الذي يوافقك، قال: فصفه لي. فقال: أبني لك بيتًا إذا أنت قمت فيه أصاب رأسك سقفه، وإذا أنت مددت رجليك أصابك الجدار. قال: نعم، فبني له.
وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: لو كان الدين في الثريا لناله سلمان (1). وفي رواية: رجال من الفرس (2). وقالت عائشة رضي الله عنها: كان لسلمان
(1) رواه أحمد (2/ 417)، والبخاري (4898)، ومسلم (2546)(231)، والترمذي (3310).
(2)
رواه أحمد (2/ 296 - 297).
مَأخَذَهَا. قَالَ: فَقَالَ أَبُو بَكرٍ: تَقُولُونَ هَذَا لِشَيخِ قُرَيشٍ وَسَيِّدِهِم؟ فَأَتَى
ــ
مجلسٌ من رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفردُ به بالليل حتى كاد يغلبنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: إن الله أمرني أن أحب أربعة، وأخبرني أنه يحبهم: علي، وأبو ذر، والمقداد، وسلمان (1). وقال أبو هريرة: سلمانُ صاحب الكتابين، وقال عليٌّ: سلمان عَلِمَ العلمَ الأول والآخر، بحر لا ينزف، هو منَّا أهل البيت. وقال عليٌّ رضي الله عنه أيضًا: سلمان الفارسي مثل لقمان الحكيم. وله أخبار حِسان، وفضائلُ جَمَّة. توفي سلمان رضي الله عنه في آخر خلافة عثمان رضي الله عنه سنة خمس وثلاثين، وقيل: مات بل سَنةَ ستٍّ في أولها، وقد قيل: توفي في خلافة عمر، والأوَّلُ أكثر. قال الشعبيُّ: توفي بالمدائن، وكان من المعمرين، أدرك وصيَّ (2) عيسى ابن مريم، وعاش مائتين وخمسين سنة، وقيل: ثلاثمائة وخمسين سنة. قال أبو الفرج: والأول أصح، وجملةُ ما حُفِظ له عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ستون حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين سبعة.
وأما صُهيب، فهو ابنُ سنان بن خالد بن ع د عمرو - من العرب - بن النمر بن ساقط، كان أبوه عاملًا لكسرى على الأُبُلَّة، وكانت منازلُهم بأرض الموصل في قرية على شطِّ الفرات، مما يلي الجزيرة والموصل، فأغارت الروم على تلك الناحية فسبت صُهيبًا، وهو غلام صغير، فنشأ صهيب بالروم، فصار ألكن، فابتاعته منه كلب، ثم قدمت به مكة، فاشتراه عبد الله بن جُدعان، فأعتقه، فأقام بمكة حتى هلك ابن جُدعان، وبُعِث النبي صلى الله عليه وسلم وأسلم هو وعمار بن ياسر في يوم واحدٍ بعد بضعة وثلاثين رجلًا، فلما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة لحقه صُهيب، فقالت له قريش حين خرج يريدُ الهجرة: أتفجعنا بنفسك ومالك؟ فدلَّهم على ماله، فتركوه، فلما رآه النبيُّ صلى الله عليه وسلم قال له: ربح البيعُ أبا يحيى. فأنزل الله عز وجل في أمره:
(1) رواه الترمذي (3718)، وابن ماجه (149).
(2)
انظر: قصة إسلام سلمان في أسد الغابة لابن الأثير (2/ 417).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
{وَمِنَ النَّاسِ مَن يَشرِي نَفسَهُ ابتِغَاءَ مَرضَاتِ اللَّهِ} الآية (1).
وروي عنه أنه قال: صحبتُ النبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يُوحى إليه.
ورُوي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من كان يؤمن بالله واليوم الآَخر فليحبَّ صهيبًا حُبَّ الوالدة ولدَها (2).
وقال صلى الله عليه وسلم: صهيب سابقُ الروم، وسلمان سابقُ فارس، وبلال سابقُ الحبشة (3). وإنما نسبه النبيُّ صلى الله عليه وسلم للروم لما ذكر أنه نشأ فيهم صغيرًا، وتلقَّف لسانهم.
وقد تقدَّم ذِكرُ نسبه.
وقال له عمر: ما لك يا صهيب تُكنى أبا يحيى، وليس لك ولد، وتزعم أنك من العرب، وتطعم الطعام الكثير، وذلك سرف؟ فقال: إن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم كنَّاني بأبي يحيى، وإني من النمر بن قاسط من أنفسهم، ولكني سُبيت صغيرًا أعقل أهلي وقومي، ولو انفلقت عني روثة لانتميتُ إليها، وأما إطعام الطعام؟ فإن رسولَ الله صلى الله عليه وسلم قال: خيارُكم مَن أطعم الطعام، وردَّ (4) السلام (5).
توفي صهيب بالمدينة سنة ثمانٍ وثلاثين في شوّالها، وقيل: سنة تسع، وهو ابن ثلاث وسبعين سنة، ودُفِن بالبقيع.
(1) رواه الحاكم (3/ 398)، وابن حبان (7082). وانظر: جامع الأصول (2/ 37).
(2)
رواه ابن عدي في (الكامل في الضعفاء 7/ 2626).
(3)
رواه ابن أبي شيبة (12/ 148 و 152)، وعبد الرزاق في مصنفه (11/ 242). وانظر: مجمع الزوائد (9/ 305).
(4)
في (ز): أفشى.
(5)
رواه أبو نعيم في الحلية (1/ 153)، والأصبهاني في الترغيب والترهيب (392)، وأبو الشيخ كما في الترغيب والترهيب للمنذري (1381).