المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

[2457]

عَن أَبِي هُرَيرَةَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَم يَتَكَلَّم فِي المَهدِ إِلَّا ثَلَاثَةٌ عِيسَى ابنُ مَريَمَ وَصَاحِبُ جُرَيجٍ، وَكَانَ جُرَيجٌ رَجُلًا عَابِدًا فَاتَّخَذَ صَومَعَةً فَكَانَ فِيهَا، فَأَتَتهُ أُمُّهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَت: يَا جُرَيجُ فَقَالَ:

ــ

وأولاده، كما فعل المهاجرون الذين هم صفوة الله من عباده. وبر الوالدين واجب على الجملة بالكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وكذلك صلة الأرحام، وأما تفصيل ما يكون برا وصلة، وما لا يكون، فذلك يستدعي تفصيلا وتطويلا ليس هذا موضعه.

ومن باب: ما يتقى من دعاء الأم

(قوله: لم يتكلم في المهد إلا ثلاثة) المهد: أصله مصدر مهدت الشيء أمهده: إذا سويته وعدلته. فمهد الصبي: كل محل يسوى له ويوطأ، وقد يكون سريره، وقد يكون حجر أمه، كما قال قتادة: في قوله تعالى: {كَيفَ نُكَلِّمُ مَن كَانَ فِي المَهدِ صَبِيًّا} أي: في حجر أمه. وظاهر هذا الحصر يقتضي أن لا يوجد صغير تكلم في المهد إلا هؤلاء الثلاثة، وهم: عيسى، وصبي جريج، والصبي المتعوذ من الجبار. وقد جاء من حديث صهيب (1) المذكور في تفسير سورة البروج في قصة الأخدود: أن امرأة جيء بها لتلقى في النار على إيمانها ومعها صبي لها في - غير كتاب مسلم: يرضع (2) - فتقاعست أن تقع فيها، فقال لها

(1) رواه مسلم (3005)، والترمذي (3337).

(2)

رواه أحمد في المسند (1/ 310) من حديث ابن عباس، وفي الدر المنثور (8/ 470) عن صُهيب، ولم ترد لفظة "يرضع".

ص: 511

يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَأَقبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ فَانصَرَفَت، فَلَمَّا كَانَ مِن الغَدِ أَتَتهُ وَهُوَ يُصَلِّي فَقَالَت: يَا جُرَيجُ فَقَالَ: يَا رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَأَقبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ فَانصَرَفَت، فَلَمَّا كَانَ مِن الغَدِ أَتَتهُ فَقَالَت: يَا جُرَيجُ فَقَالَ: أَي رَبِّ أُمِّي وَصَلَاتِي فَأَقبَلَ عَلَى صَلَاتِهِ فَقَالَت: اللَّهُمَّ لَا تُمِتهُ حَتَّى يَنظُرَ إِلَى وُجُوهِ المُومِسَاتِ، فَتَذَاكَرَ بَنُو إِسرَائِيلَ جُرَيجًا وَعِبَادَتَهُ وَكَانَت امرَأَةٌ بَغِيٌّ يُتَمَثَّلُ بِحُسنِهَا فَقَالَت: إِن شِئتُم لَأَفتِنَنَّهُ لَكُم. قَالَ: فَتَعَرَّضَت لَهُ فَلَم يَلتَفِت إِلَيهَا، فَأَتَت رَاعِيًا كَانَ يَأوِي إِلَى صَومَعَتِهِ فَأَمكَنَتهُ مِن نَفسِهَا

ــ

الغلام: يا أمه! اصبري، فإنك على الحق. وقال ابن عباس رضي الله عنهما: إن شاهد يوسف كان صبيا في المهد، وقال الضحاك: تكلم في المهد ستة: شاهد يوسف، وصبي ماشطة امرأة فرعون وعيسى، ويحيى، وصاحب جريج، وصاحب الأخدود.

قلت: فأسقط الضحاك صبي الجبار، وذكر مكانه يحيى، وعلى هذا فيكون المتكلمون في المهد سبعة، فبطل الحصر بالثلاثة المذكورين في الحديث.

قلت: ويجاب عن ذلك: بأن الثلاثة المذكورين في الحديث هم الذين صح أنهم تكلموا في المهد، ولم يختلف فيهم فيما علمت، واختلف فيمن عداهم، فقيل: إنهم كانوا كبارا بحيث يتكلمون ويعقلون، وليس فيهم أصح من حديث صاحب الأخدود، ولم تسلم صحة الجميع، فيرتفع الإشكال بأن النبي صلى الله عليه وسلم أخبر بما كان في علمه مما أوحي عليه في تلك الحال، ثم بعد هذا أعلمه الله تعالى بأشياء من ذلك، فأخبرنا بذلك على ما في علمه.

و(قوله: يا رب أمي وصلاتي) قول يدلّ على: أن جريجا رضي الله عنه كان عابدا، ولم يكن عالما؟ إذ بأدنى فكرة يدرك أن صلاته كانت ندبا، وإجابة أمه كانت عليه واجبة، فلا تعارض يوجب إشكالا، فكان يجب عليه تخفيف

ص: 512

فَوَقَعَ عَلَيهَا فَحَمَلَت، فَلَمَّا وَلَدَت قَالَت: هُوَ مِن جُرَيجٍ، فَأَتَوهُ فَاستَنزَلُوهُ وَهَدَمُوا صَومَعَتَهُ وَجَعَلُوا يَضرِبُونَهُ فَقَالَ: مَا شَأنُكُم؟ قَالُوا:

ــ

صلاته، أو قطعها، وإجابة أمه، لا سيما وقد تكرر مجيئها إليه، وتشوقها واحتياجها لمكالمته. وهذا كله يدلّ على تعين إجابته إياها، ألا ترى أنه أغضبها بإعراضه عنها، وإقباله على صلاته؟ ويبعد اختلاف الشرائع في وجوب بر الوالدين. وعند ذلك دعت عليه، فأجاب الله دعاءها تأديبا له، وإظهارا لكرامتها، والظاهر من هذا الدعاء أن هذه المرأة كانت فاضلة عالمة، ألا ترى كيف تحرزت في دعائها فقالت: اللهم لا تمته حتى ينظر إلى وجوه المومسات، فقالت: حتى ينظر، ولم تقل غير ذلك، وقد جاء في بعض طرق هذا الحديث: ولو دعت عليه أن يفتن لفتن. وهي أيضًا: لو كظمت غيظها وصبرت لكان ذلك الأولى بها، لكن لما علم الله تعالى صدق حالهما لطف بهما، وأظهر مكانتهما عنده بما أظهر من كرامتهما.

وفائدته: تأكد سعي الولد في إرضاء الأم، واجتناب ما يغير قلبها، واغتنام صالح دعوتها، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: الجنة تحت أقدام الأمهات (1) أي: من انتهى من التواضع لأمه بحيث لا يشق عليه أن يضع قدمها على خده استوجب بذلك الجنة، والأولى في هذا الحديث أن يقال: أنه خرج مخرج المثل الذي يقصد به الإغياء في المبرة والإكرام، وهو نحو من قوله صلى الله عليه وسلم: الجنة تحت ظلال السيوف (2).

والمومسات: جمع مومسة، وهي الزانية.

(1) ذكره العجلوني في كشف الخفاء (1/ 335) وقال: رواه الخطيب في جامعه، والقضاعي في مسنده عن أنس، ورواه الديلمي في مسند الفردوس (2611)، وابن عدي في الكامل (6/ 2347).

(2)

رواه البخاري (3025)، ومسلم (1742)، وأبو داود (2631).

ص: 513

زَنَيتَ بِهَذِهِ البَغِيِّ فَوَلَدَت مِنكَ، فَقَالَ: أَينَ الصَّبِيُّ؟ فَجَاؤوا بِهِ فَقَالَ: دَعُونِي حَتَّى أُصَلِّيَ، فَصَلَّى، فَلَمَّا انصَرَفَ أَتَى الصَّبِيَّ فَطَعَنَ فِي بَطنِهِ، فَقَالَ: يَا غُلَامُ مَن أَبُوكَ؟ قَالَ: فُلَانٌ الرَّاعِي، قَالَ: فَأَقبَلُوا عَلَى جُرَيجٍ يُقَبِّلُونَهُ وَيَتَمَسَّحُونَ بِهِ، وَقَالُوا: نَبنِي لَكَ صَومَعَتَكَ مِن ذَهَبٍ، قَالَ: لَا أَعِيدُوهَا مِن طِينٍ، كَمَا كَانَت، فَفَعَلُوا. وَبَينَا صَبِيٌّ يَرضَعُ مِن أُمِّهِ فَمَرَّ رَجُلٌ

ــ

و(قوله: يا غلام من أبوك؟ قال: فلان الراعي) يتمسك به من قال: إن الزنى يحرم كما يحرم الوطء الحلال، فلا تحل أم المزني بها، ولا بناتها للزاني، ولا تحل المزني بها لآباء الزاني، ولا لأولاده. وهي رواية ابن القاسم عن مالك في المدونة، وفي الموطأ: أن الزنى لا يحرم حلالا. ويستدل به أيضًا: أن المخلوقة من ماء الزاني لا تحل للزاني بأمها، وهو المشهور، وقد قال عبد الملك بن الماجشون: أنها تحل، ووجه التمسك على تينك المسألتين: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد حكى عن جريج أنه نسب ابن الزنى للزاني، وصدق الله نسبته بما خرق له من العادة في نطق الصبي بالشهادة له بذلك، فقد صدق الله جريجا في تلك النسبة وأخبر بها النبي صلى الله عليه وسلم عن جريج في معرض المدح لجريج وإظهار كرامته، [فكانت تلك النسبة صحيحة بتصديق الله وبإخبار النبي صلى الله عليه وسلم عن ذلك فثبتت البنوة] (1) وأحكامها. لا يقال: فيلزم على هذا أن تجري بسببهما أحكام البنوة والأبوة من التوارث، والولايات، وغير ذلك، وقد اتفق المسلمون على: أنه لا توارث بينهما، فلم تصح تلك النسبة، لأنَّا نجيب عن ذلك بأن ذلك موجب ما ذكرناه، وقد ظهر ذلك في الأم من الزنى؟ فإنَّ أحكام البنوة والأمومة جارية عليهما، فما انعقد الإجماع عليه من الأحكام: أنه لا يجري بينهما استثنيناه، وبقي الباقي على أصل ذلك الدليل. وفيها مباحث تستوفى في غير هذا الموضع - إن شاء الله تعالى -.

و(قوله: نبني صومعتك من ذهب. قال: لا! إلا من طين كما كانت) يدل

(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).

ص: 514

رَاكِبٌ عَلَى دَابَّةٍ فَارِهَةٍ وَشَارَةٍ حَسَنَةٍ، فَقَالَت أُمُّهُ: اللَّهُمَّ اجعَل ابنِي مِثلَ هَذَا، فَتَرَكَ الثَّديَ وَأَقبَلَ إِلَيهِ فَنَظَرَ إِلَيهِ فَقَال: اللَّهُمَّ لَا تَجعَلنِي مِثلَهُ، ثُمَّ أَقبَلَ عَلَى ثَديِهِ فَجَعَلَ يَرتَضِعُ، فَكَأَنِّي أَنظُرُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَحكِي ارتِضَاعَهُ بِإِصبَعِهِ السَّبَّابَةِ فِي فَمِهِ، فَجَعَلَ يَمُصُّهَا، قَالَ: وَمَرُّوا بِجَارِيَةٍ وَهُم يَضرِبُونَهَا وَيَقُولُونَ: زَنَيتِ سَرَقتِ وَهِيَ تَقُولُ: حَسبِيَ اللَّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ، فَقَالَت أُمُّهُ: اللَّهُمَّ لَا تَجعَل ابنِي مِثلَهَا، فَتَرَكَ الرَّضَاعَ، وَنَظَرَ إِلَيهَا فَقَالَ: اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِثلَهَا، فَهُنَاكَ تَرَاجَعَا الحَدِيثَ. فَقَالَت: حَلقَى مَرَّ رَجُلٌ حَسَنُ الهَيئَةِ فَقُلتُ: اللَّهُمَّ اجعَل ابنِي مِثلَهُ فَقُلتَ: اللَّهُمَّ لَا تَجعَلنِي مِثلَهُ، وَمَرُّوا بِهَذِهِ الأَمَةِ وَهُم يَضرِبُونَهَا، وَيَقُولُونَ: زَنَيتِ سَرَقتِ فَقُلتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجعَل ابنِي مِثلَهَا فَقُلتَ: اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِثلَهَا، قَالَ: إِنَّ ذَاكَ الرَّجُلَ كَانَ جَبَّارًا فَقُلتُ: اللَّهُمَّ لَا تَجعَلنِي مِثلَهُ، وَإِنَّ هَذِهِ يَقُولُونَ لَهَا: زَنَيتِ وَلَم تَزنِ، سَرَقتِ وَلَم تَسرِق فَقُلتُ: اللَّهُمَّ اجعَلنِي مِثلَهَا.

ــ

على أن: من تعدى على جدار أو دار وجب عليه أن يعيده على حالته، إذا انضبطت صفته، وتمكنت مماثلته، ولا تلزم قيمة ما تعدى عليه، وقد بوب البخاري على حديث جريج هذا: من هدم حائطا بنى مثله، وهو تصريح بما ذكرناه، وهو مقتضى قوله تعالى:{فَمَنِ اعتَدَى عَلَيكُم فَاعتَدُوا عَلَيهِ بِمِثلِ مَا اعتَدَى عَلَيكُم} فإن تعذرت المماثلة فالمرجع إلى القيمة، وهو مذهب الكوفيين والشافعي، وأبي ثور في الحائط، وفي العتبية عن مالك مثله، ومذهب أهل الظاهر في كل متلف هذا. ومشهور مذهب مالك وأصحابه، وجماعة من العلماء: أن فيه وفي سائر المتلفات المضمونات القيمة؟ إلا ما يرجع إلى الكيل والوزن؟ بناء منهم على أنه: لا تتحقق المماثلة إلا فيهما.

والدابة الفارهة: الحسنة النجيبة، والشارة: الهيئة المزينة التي يشار إليها من

ص: 515

وفي رواية: فَوَصَفَ أبو هُرَيرَةَ صِفَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أُمّ جريج حِينَ دَعَتهُ كَيفَ جَعَلَت كَفَّهَا فَوقَ حَاجِبِهَا، ثُمَّ رَفَعَت رَأسَهَا إِلَيهِ تَدعُوهُ، فَقَالَت: يَا جُرَيجُ أَنَا أُمُّكَ كَلِّمنِي فَصَادَفَتهُ يُصَلِّي، فَقَالَ: اللَّهُمَّ أُمِّي وَصَلَاتِي، فَاختَارَ صَلَاتَهُ، فَقَالَت في الثالثة: اللَّهُمَّ إِنَّ هَذَا جُرَيجٌ وَهُوَ

ــ

حسنها. وحلقى - غير مصروف -، لأنَّ ألفه للتأنيث كسكرى، وهي كلمة جرت في كلامهم مجرى المثل، وأصلها فيمن أصيب حلقها بوجع، وقد تقدَّم: أن عقرى وحلقى: من الكلمات التي جرت على ألسنتهم في معرض الدعاء غير المقصود.

وأم هذا الصبي الرضيع نظرت إلى الصورة الظاهرة فاستحسنت صورة الرجل وهيأته، فدعت لابنها بمثل هذا، واستقبحت صورة الأمة وحالتها، فدعت ألا يجعل ابنها في مثل حالتها، فأراد الله تعالى بلطفه تنبيهها بأن أنطق لها ابنها الرضيع بما تجب مراعاته من الأحوال الباطنة، والصفات القلبية. وهذا كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: إن الله لا ينظر إلى صوركم وأموالكم، ولكن ينظر إلى قلوبكم وأعمالكم (1)، وكما قال بعض حكماء الشعراء:

ليس الجمال بمئزر

فاعلم وإن رديت بردا

إن الجمال معادن

ومناقب أورثن مجدا

وهذا الصبي ظاهره أن الله تعالى خلق فيه عقلا وإدراكا كما يخلقه في الكبار عادة، ففهم كما يفهمون، ويكون خرق العادة في كونه خلق له ذلك قبل أوانه، ويحتمل أن يكون أجرى الله ذلك الكلام على لسانه وهو لا يعقله، كما خلق في الذراع والحصى كلاما له معنى صحيح، مع مشاهدة تلك الأمور باقية على جمادتها، كل ذلك ممكن، والقدرة صالحة، والله تعالى أعلم بالواقع منهما.

(1) رواه أحمد (2/ 539)، ومسلم (2564)(34)، وابن ماجه (4143).

ص: 516

ابنِي وَإِنِّي كَلَّمتُهُ، فَأَبَى أَن يُكَلِّمَنِي، اللَّهُمَّ فَلَا تُمِتهُ حَتَّى تُرِيَهُ وجه المُومِسَاتِ، قَالَ: وَلَو دَعَت عَلَيهِ أَن يُفتَتنَ لَفُتِنَ، وذكر نحو قصة جريج لا غير.

رواه أحمد (2/ 307)، والبخاريُّ (2482)، ومسلم (2550)(7 و 8).

* * *

ــ

فأمَّا عيسى عليه السلام فخلق الله له في مهده ما خلق للعقلاء والأنبياء، في حال كمالهم من العقل الكامل، والفهم الثاقب، كما شهد له بذلك القرآن. وفي هذا الحديث ما يدلّ على صحة وقوع كرامات الأولياء، وهذا قول جمهور - أهل السنة والعلماء، وقد نسب لبعض العلماء إنكارها، والظن بهم: أنهم ما أنكروا أصلها، لتجويز العقل لها، ولما وقع في الكتاب والسنة وأخبار صالحي هذه الأمة مما يدل على وقوعها، وإنَّما محل الإنكار ادعاء وقوعها ممن ليس موصوفا بشروطها، ولا هو أهل لها، وادعاء كثرة وقوع ذلك دائما متكررا حتى يلزم عليه أن يرجع خرق العادة عادة، وذلك إبطال لسنة الله، وحسم السبل الموصلة إلى معرفة نبوة أنبياء الله تعالى.

* * *

ص: 517