الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار
[2542]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى: أَنَا أَغنَى الشُّرَكَاءِ عَن الشِّركِ، مَن عَمِلَ عَمَلًا أَشرَكَ فِيهِ مَعِي غَيرِي تَرَكتُهُ وَشريكَهُ.
رواه أحمد (2/ 301)، ومسلم (2985)، وابن ماجه (4202).
ــ
(32)
ومن باب: التحذير من الرياء والسمعة
قوله تعالى: أنا أغنى الشركاء عن الشرك) أصل الشرك المحرم: اعتقاد شريك لله تعالى في إلهيته، وهو الشرك الأعظم، وهو شرك الجاهلية، ويليه في الرتبة اعتقاد شريك لله تعالى (1)، في الفعل، وهو قول من قال: إن موجودا ما غير الله تعالى يستقل بإحداث فعل وإيجاده، وإن لم يعتقد كونه إلها، ويلي هذا في الرتبة الإشراك في العبادة، وهو الرياء. وهو أن يفعل شيئا من العبادات التي أمر الله تعالى بفعلها له لغير الله، وهذا هو الذي سيق الحديث لبيان تحريمه، وأنه مبطل للأعمال (2)، لهذا أشار بقوله: من عمل عملا أشرك معي فيه غيري، تركته وشريكه وهذا هو المسمى بالرياء، وهو على الجملة مبطل للأعمال، وضده الإخلاص، وهو من شرط صحَّة العبادات، والقرب. وقد نبهنا على معاقدهما، واستيفاء ما يتعلق بهما مذكور في الرقائق.
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).
(2)
ما بين حاصرتين سقط من (م 4).
[2543]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن سَمَّعَ سَمَّعَ اللَّهُ بِهِ، وَمَن رَاءَى رَاءَى اللَّهُ بِهِ.
رواه مسلم (2986).
[2544]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قال: إِنَّ العَبدَ لَيَتَكَلَّمُ بِالكَلِمَةِ ما يتبين ما فيها يَهوي بِهَا فِي النَّارِ أَبعَدَ مَا بَينَ المَشرِقِ وَالمَغرِبِ.
رواه أحمد (2/ 378 - 379)، والبخاريُّ (6477)، ومسلم (2988)(49 و 50).
ــ
و(قوله: من سمع سمع الله به) أي: من يحدث بعمله رياء ليسمع الناس، فضحه الله يوم القيامة، وشهره على رؤوس الأشهاد، كما جاء في غير كتاب مسلم: يسمع الله به سامع خلقه يوم القيامة أي: كل من يسمع. وقيل: إن معنى ذلك أن من أذاع على مسلم عيبا، وشنّعه عليه، أظهر الله عيوبه يوم القيامة (1).
و(قوله: ومن راءى راءى الله به) أي: من راءى بعمله، فعمل شيئا من القرب لغير الله، قابله الله يوم القيامة بعقوبة ذلك. فسمى العقوبة رياء على جهة المقابلة، كما قال:{وَمَكَرُوا وَمَكَرَ اللَّهُ}
و(قوله: إن العبد ليتكلم بالكلمة ما يتبين ما فيها) أي: من الإثم والعقاب، وذلك لجهله بذلك، أو لترك التثبت، أو للتساهل. وفي غير كتاب مسلم: إن الرجل ليتكلم بالكلمة من سخط الله ما يلقي لها بالا، يهوي بها في النار سبعين خريفا (2). وفيه من الفقه: وجوب التثبت عند الأقوال والأفعال، وتحريم التساهل في شيء من الصغائر، وملازمة الخوف والحذر عند كل قول وفعل،
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ع).
(2)
رواه أحمد (2/ 334)، والبخاري (6478)، والترمذي (2314)، وابن ماجه (3970).
[2545]
وعنه؛ قال: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: كُلُّ أُمَّتِي مُعَافَى إِلَّا المُجَاهِرِينَ، وَإِنَّ مِن الجهَارِ أَن يَعمَلَ العَبدُ عَمَلًا بِاللَّيلِ، ثُمَّ
ــ
والبحث عما مضى من الأقوال والأفعال، واستحضار ما مضى من ذلك وتذكره من أول زمان تكليفه؛ لإمكان أن يكون صدر من المكلف شيء لم يتثبته، يستحق به هذا الوعيد الشديد، فإذا تذكر واستعان بالله، فإن ذكر شيئا من ذلك تاب منه، واستغفر، وإن لم يتذكر وجب عليه أن يتوب جملة بجملة عما علم وعما لم يعلم، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: أستغفرك عما تعلم ولا أعلم (1). فمن فعل ذلك وصدقت نيته قُبلت بفضل الله تعالى توبته.
و(قوله: من سخط الله (2)) أي: مما يسخط الله، وذلك بأن يكون كذبة، أو غيبة، أو نميمة، أو بهتانا، أو بخسا، أو باطلا يضحك به الناس، كما قد جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: ويل للذي يتكلم بالكلمة من الكذب ليضحك الناس، ويل له، ويل له (3).
و(قوله: كل أمتي معافى إلا المجاهرين) كذا رواية أكثر الرواة بتقديم الجيم على الهاء منصوبا على الاستثناء، وهو جمع مجاهر، اسم فاعل من جاهره بالقول وبالعداوة: إذا ناداه وفاجأه بذلك. ووقع في نسخة شيخنا أبي الصبر: إلا المجاهرون بالواو، رفعا، وهو جائز، على أن تحمل (إلا) على (غير) كما قد أنشده النحويون:
وكل أخ مفارقه أخوه
…
لعمر أبيك إلا الفرقدان
أي: غير الفرقدين، وهو قليل، والوجه الأول الكثير الفصيح.
و(قوله: وإن من الجهار) هذه رواية زهير، وهي رواية حسنة، لأنَّه
(1) رواه أحمد (4/ 123 و 125)، والترمذي (3407)، والنسائي (3/ 54).
(2)
هذه العبارة ليست عند مسلم. انظر: تخريج الحديث قبل السابق.
(3)
رواه أحمد (5/ 5 و 7)، وأبو داود (4990).
يُصبِحُ وقَد سَتَرَهُ رَبُّهُ فَيَقُولُ: يَا فُلَانُ، عَمِلتُ البَارِحَةَ كَذَا وَكَذَا، وَقَد بَاتَ يَستُرُهُ رَبُّهُ، وَيُصبِحُ يَكشِفُ سِترَ اللَّهِ عَنهُ.
رواه البخاريُّ (6069)، ومسلم (2990).
* * *
ــ
مصدر: جاهر، الذي اسم الفاعل منه مجاهر، فيتناسب صدر الكلام وعجزه. ورواه أكثر رواة مسلم: وإن من الإجهار فيكون مصدر: أجهر، أي: أعلن. قال الجوهري: إجهار الرجل: إعلانه، وعند الفارسي: وإن من الإهجار، بتقديم الهاء على الجيم، وهو الإفحاش في القول. قاله الجوهري.
قلت: وهذه الروايات، وإن اختلفت ألفاظها، هي راجعة إلى معنى واحد قد فسره في الحديث، وهو أن يعمل الرجل معصية في خفية وخلوة، ثم يخرج يتحدث بها مع الناس، ويجهر بها ويعلنها، وهذا من أكبر الكبائر وأفحش الفواحش. وذلك أن هذا لا يصدر إلا من جاهل بقدر المعصية، أو مستهين مستهزئ بها، مصر عليها، غير تائب منها، مظهر للمنكر. والواحد من هذه الأمور كبيرة، فكيف إذا اجتمعت؟ ! فلذلك كان فاعل هذه الأشياء أشد الناس بلاء في الدنيا، وعقوبة في الآخرة، لأنَّه تجتمع عليه عقوبة تلك الأمور كلها، وسائر الناس ممن ليس على مثل حاله، وإن كان مرتكب كبيرة فأمره أخف، وعقوبته - إن عوقب - أهون، ورجوعه عنها أقرب من الأول، لأنَّ ذلك المجاهر قلّ أن يتوب، أو يرجع عما اعتاده من المعصية، وسهل عليه منها. فيكون كل العصاة بالنسبة إليه إما معافى مطلقا إن تاب، وإما معافى بالنسبة إليه إن عوقب، والله تعالى أعلم.
* * *