الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه
-
[2292]
عن أبي بَكرٍ الصِّدِّيقَ قَالَ: نَظَرتُ إِلَى أَقدَامِ المُشرِكِينَ عَلَى رُؤوسِنَا، وَنَحنُ فِي الغَارِ فَقُلتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ! لَو أَنَّ أَحَدَهُم نَظَرَ إِلَى
ــ
(35)
ومن باب فضائل أبي بكر الصديق رضي الله عنه
واسمه عبد الله بن عثمان بن عامر بن عمر بن كعب بن سعد بن تيم بن مرَّة بن كعب بن لؤي. يجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم في مرَّة بن كعب، وسَمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالصِّدِّيق، رواه عنه علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وسَمَّاه بذلك لكثرة تصديقه. ويُسمَّى بعتيق، وفي تسميته بذلك ثلاثة أقوال:
أحدها: أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: من أراد أن ينظر إلى عتيق من النار فلينظر إلى أبي بكر (1) روته عائشة.
والثاني: أنه اسم سمَّته به أمُّه، قاله موسى بن طلحة.
والثالث: أنه سُمِّي به (2) لجمال وجهه، [قاله الليث بن سعد، وقال ابن قتيبة: لقبه النبي صلى الله عليه وسلم بذلك لجمال وجهه](3)،
(1) رواه الطبراني في الكبير (10)، وقال الهيثمي في مجمع الزوائد (9/ 41): رواه أبو يعلى، وفيه صالح بن موسى الطلحي، وهو ضعيف.
(2)
في (م 4): بذلك.
(3)
ما بين حاصرتين سقط من (ز) و (م 3).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وهو أول من أسلم من الرجال، وقد أسلم على يديه من العشرة المشهود لهم بالجنة خمسة: عثمان، وطلحة، والزبير، وعبد الرحمن بن عوف، وسعد بن أبي وقاص رضي الله عنهم.
قال الإمام الحافظ أبو الفرج الجوزي: جملة ما حفظ له من الحديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم مائة واثنان وأربعون حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين ثمانية عشر حديثًا.
قلت: ومن المعلوم القطعي، واليقين الضروري أنه حفظ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ما لم يحفظ أحدٌ من الصحابة، وحصل له (1) من العلم ما لم يحصل لأحد منهم، لأنَّه كان الخليل المباطن، والصَّفي الملازم، لم يفارقه سفرًا ولا حضرًا، ولا ليلًا ولا نهارًا، ولا شدَّة ولا رخاءً، وإنَّما لم يتفرغ للحديث، ولا للرواية، لأنَّه اشتغل بالأهم فالأهم، ولأن غيره قد قام عنه من الرواية بالمهم.
وإذا تقرر ذلك فاعلم: أن الفضائل جمع فضيلة، كرغائب جمع رغيبة، وكبائر جمع كبيرة، وهو كثير، وأصلها الخصلة الجميلة التي بها يحصل للإنسان شرف، وعلو منزلة وقدر، ثم ذلك الشَّرف، وذلك الفضل إما عند الخلق، وإما عند الخالق، فأمَّا الأول: فلا يلتفت إليه إن لم يوصل إلى الشرف المعتبر عند الخالق. فإذًا: الشرف المعتبر، والفضل المطلوب على التحقيق، إنما هو الذي هو شرف عند الله تعالى. وإذا تقرر هذا (2)، فإذا قلنا إن أحدًا من الصحابة رضي الله عنهم فاضل، فمعناه أن له منزلة شريفة عند الله تعالى، وهذا لا يتوصل إليه بالعقل قطعًا، فلا بدَّ أن يرجع ذلك إلى النقل، والنقل إنما يُتلقى من الرسول صلى الله عليه وسلم، فإذا أخبرنا
(1) في (ع): عنده.
(2)
في (م 4): ذلك.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الرَّسول صلى الله عليه وسلم بشيء من ذلك تلقيناه بالقبول، فإنَّ كان قطعيًا حصل لنا العلم بذلك، وإن لم يكن قطعيًا كان ذلك كسبيل المجتهدات على ما تقدَّم، وعلى ما ذكرناه في الأصول، وإذا لم يكن لنا طريق إلى معرفة ذلك إلا بالخبر، فلا يقطع أحد بأن من صدرت منه أفعال دينية وخصال محمودة، بأن ذلك قد بلَّغه عند الله منزلة الفضل والشرف، فإنَّ ذلك أمر غيب، والأعمال بالخواتيم، والخاتمة مجهولة، والوقوف على المجهول مجهول، لكنَّا إذا رأينا من أعانه الله على الخير، ويسر له أسباب الخير رجونا له حصول تلك المنزلة عند الله تمسُّكًا بقوله صلى الله عليه وسلم: إذا أراد الله بعبد خيرًا استعمله في الخير، ووفقه لعمل صالح (1). وبما جاء في الشريعة من ذلك، ومن كان كذلك: فالظَّنُّ أنه لا يخيب، ولا يقطع على (2) المغيب، وإذا تقرر هذا فالمقطوع بفضله، وأفضليته بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم عند أهل السُّنَّة - وهو الذي يقطع به من الكتاب والسُّنَّة - أبو بكر الصِّدِّيق، ثم عمر الفاروق، ولم يختلف في ذلك أحدٌ من أئمة السَّلف، ولا الخلف، ولا مبالاة بأقوال أهل الشيع، ولا أهل البدع، فإنهم بين مُكفَّر تُضرب رقبته، وبين مبتدع مُفسَّق لا تُقبل كلمته، وتدحض حُجَّته.
وقد اختلف أئمة أهل السُّنَّة (3) في علي وعثمان رضي الله عنهما، فالجمهور منهم على تقديم عثمان، وقد روي عن مالك أنه توقف في ذلك، وروي عنه أنه رجع إلى ما عليه الجمهور، وهو الأصح إن شاء الله، والمسألة (4) اجتهادية لا قطعية، ومستندها الكلِّي أن هؤلاء الأربعة: هم الذين اختارهم الله تعالى لخلافة نبيَّه، ولإقامة دينه، فمراتبهم عنده بحسب ترتيبهم في الخلافة، إلى ما ينضافُ إلى
(1) رواه أحمد (4/ 135)، والترمذي (2142).
(2)
في (م 4): عن.
(3)
في (ع): السلف.
(4)
في (م 4): وهذه المسألة.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ذلك بما يشهد لكل واحدٍ منهم من شهادات النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك تأصيلًا وتفصيلًا، على ما يأتي إن شاء الله تعالى. وهذا الباب بحر لا يدرك قعره، ولا يُنزف غمره، وفيما ذكرناه كفاية، والله الموفق للهداية.
وقول أبي بكر رضي الله عنه: نظرت إلى أقدام المشركين على رؤوسنا ونحن في الغار كان من قصته: أن المشركين اجتمعوا لقتل رسول الله صلى الله عليه وسلم، فبيتوه في داره، فأمر عليًّا فرقد على فراشه، وقال له: إنهم لن يضروك، فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهم على بابه، فأخذ الله أبصارهم عنه، ولم يروه، ووضع على رأس كل واحد منهم ترابًا، وانصرف عنهم خارجًا إلى غار ثور، فاختفى (1) فيه، فأقاموا كذلك حتى أخبرهم مُخبِرٌ أنه قد خرج عليهم، وأنه وضع على رؤوسهم التراب، فمدُّوا أيديهم إلى رؤوسهم فوجدوا التراب، فدخلوا الدَّار، فوجدوا عليًّا على الفراش، فلم يتعرضوا له، ثم خرجوا في كل وجه يطلبون النبي صلى الله عليه وسلم ويقتصون أثره بقائف (2) كان معروفًا عندهم، إلى أن وصلوا إلى الغار، فوجدوه قد نسجت عليه العنكبوت من حينه، وفرَّخت فيه الحمام بقدرة الله تعالى، فلما رأوا ذلك قالوا: إن هذا الغار ما دخله أحدٌ، ثم إنهم صَعِدوا إلى (3) أعلى الغار، فحينئذ رأى أبو بكر رضي الله عنه أقدامهم، فقال بلسان مقاله مفصحًا عن ضعف حاله: لو نظر أحدهم إلى قدميه أبصرنا، فأجابه من تدلَّى فدنا بما يُذهب عنه الخوف والضَّنى بقوله:{لا تَحزَن إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} أي: بالحفظ والسلامة، والصَّون والكرامة. ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم أقام في الغار ثلاثة أيام حتى تجهَّز. ومنه هاجر
(1) في (م 4): فأخفي.
(2)
"القائف": مَن يعرف الآثار ويتتبعها. ومَن يعرف النَّسَب بفراسته ونظره إلى أعضاء المولود.
(3)
في (م 4): على.
قَدَمَيهِ أَبصَرَنَا تَحتَ قَدَمَيهِ، فَقَالَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: يَا أَبَا بَكرٍ مَا ظَنُّكَ بِاثنَينِ اللَّهُ ثَالِثُهُمَا.
رواه أحمد (1/ 4)، والبخاريُّ (3653)، ومسلم (2381)، والترمذيُّ (3096).
[2293]
وعَن أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَلَسَ عَلَى المِنبَرِ فَقَالَ: عَبدٌ خَيَّرَهُ اللَّهُ بَينَ أَن يُؤتِيَهُ زَهرَةَ الدُّنيَا، وَبَينَ مَا عِندَهُ فَاختَارَ مَا عِندَهُ فَبَكَى أَبُو بَكرٍ وَبَكَى فَقَالَ: فَدَينَاكَ بِآبَائِنَا وَأُمَّهَاتِنَا! قَالَ: فَكَانَ
ــ
إلى المدينة، وكل ذلك من النبي صلى الله عليه وسلم ثقة بوعد الله تعالى، وتوكل، ودليل على خصوصيَّة أبي بكر من الخلَّة، وملازمة الصُّحبة في أوقات الشدة بما لم (1) يسبق إليه.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: عبدٌ خيَّره الله تعالى بين أن يؤتيه زهرة الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عنده) هذا قول فيه إبهام، قصد به النبي صلى الله عليه وسلم اختبار أفهام أصحابه، وكيفية تعلق قلوبهم به، فظهر أن أبا بكر كان عنده من ذلك ما لم يكن عند أحد منهم، ولما فهم من ذلك ما لم يفهموا بادر بقوله: فديناك بآبائنا وأمهاتنا، ولذلك قالوا: فكان أبو بكر أعلمنا. وهذا يدلّ من أبي بكر رضي الله عنه على أن قلبه ممتلئ من محبة رسول الله صلى الله عليه وسلم ومستغرق عنه، وشديد الاعتناء بأموره كلِّها من أقواله وأحواله بحيث لا يشاركه أحدٌ منهم (2) في ذلك. ولما علم النبي صلى الله عليه وسلم ذلك منه، وصدر منه في ذلك الوقت ذلك الفهم عنه اختصَّه بالخصوصيَّة العظمى التي لم يظفر بمثلها بشري في الأولى ولا في الآخرة. فقال: إن أَمَنَّ الناس عليَّ في صحبته وماله أبو بكر، ولو كنت متخذًا خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا، فقد تضمن
(1) في (م 4): ليس.
(2)
من (م 4).
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ المُخَيَّرُ، وَكَانَ أَبُو بَكرٍ أَعلَمَنَا بِهِ. وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ أَمَنَّ النَّاسِ عَلَيَّ فِي مَالِهِ وَصُحبَتِهِ أَبُو بَكرٍ، وَلَو كُنتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذتُ أَبَا بَكرٍ خَلِيلًا، وَلَكِن أُخُوَّةُ الإِسلَامِ لَا تُبقَيَنَّ فِي المَسجِدِ خَوخَةٌ إِلَّا خَوخَةَ أَبِي بَكرٍ.
رواه أحمد (3/ 18)، والبخاريُّ (466)، ومسلم (2382).
ــ
هذا الكلام: أن لأبي بكر من الفضائل، والحقوق ما لا يشاركه فيها مخلوق. ووزن أمَنَّ: أفعل، من المنَّة بمعنى الامتنان، أي: أكثر منَّة، ومعناه: أن أبا بكر رضي الله عنه له من الحقوق ما لو كانت لغيره لامتن بها، وذلك: أنه رضي الله عنه بادر النبي صلى الله عليه وسلم بالتَّصديق، والناس كلهم مكذبون، وبنفقة الأموال العظيمة، والناس يبخلون، وبالملازمة والمصاحبة، والناس ينفرون، وهو مع ذلك بانشراح صدره، ورسوخ علمه يعلم: أن لله ولرسوله الفضل والإحسان، والمنة والامتنان، لكن النبي صلى الله عليه وسلم بكرم خُلقه، وجميل معاشرته اعترف بالفضل لمن صدر عنه، وشكر الصنيعة لمن وجدت منه، عملًا بشكر المنعم، ليسن، وليعلم، وهذا مثل ما جرى له يوم حنين مع الأنصار، حيث جمعهم فذكَّرهم بما له عليهم من المنن، ثم اعترف لهم بما لهم من الفضل الجميل الحسن، وقد تقدم في الزكاة. وقد ذكر الترمذي من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما لأحد عندنا يد إلا وقد كافأناه عليها ما خلا أبا بكر، فإنَّ له عندنا يدًا يكافئه الله تعالى بها يوم القيامة، وما نفعني مال أحد كما نفعني مال أبي بكر. . .، (1) وذكر الحديث، وقال: هو حسن غريب.
و(قوله: ولو كنت متخذًا خليلًا، لاتخذت أبا بكر خليلًا) متخذًا: اسم فاعل من اتَّخذ، وهو فعل يتعدَّى إلى مفعولين، أحدهما بحرف الجر، فيكون
(1) رواه الترمذي (3661).
[2294]
وعن عَبدَ اللَّهِ بنَ مَسعُودٍ، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: لَو كُنتُ مُتَّخِذًا خَلِيلًا لَاتَّخَذتُ أَبَا بَكرٍ خَلِيلًا، وَلَكِن أَخِي وَصَاحِبِي، وَقَد اتَّخَذَ اللَّهُ عز وجل صَاحِبَكُم خَلِيلًا.
ــ
بمعنى: اختار واصطفى، كما قال:{وَاتَّخَذَ قَومُ مُوسَى مِن بَعدِهِ مِن حُلِيِّهِم عِجلا جَسَدًا لَهُ خُوَارٌ} وقد سكت هنا عن أحد مفعوليها، وهو الذي دخل عليه حرف الجر، فكأنه قال: لو كنت متخذًا من النَّاس خليلًا لاتخذت منهم أبا بكر. ولبسط الكلام في ذلك علم النحو، وحاصله: أن اتَّخذ استعملت على ثلاثة أنحاء:
أحدها: تتعدى لمفعولين بنفسها.
وثانيها: تتعدى لأحدهما بحرف الجر.
وثالثها: تتعدى لمفعول واحد، وكل ذلك موجود في القرآن.
ومعنى هذا الحديث: أن أبا بكر رضي الله عنه كان قد تأهل لأن يتخذه النبي صلى الله عليه وسلم خليلًا، لولا المانع الذي منع النبي صلى الله عليه وسلم وهو أنه لما امتلأ قلبه بما تخلله من معرفة الله تعالى، ومحبته، ومراقبته، حتى كأنه مزجت أجزاء قلبه بذلك، لم يتسع قلبه لخليل آخر يكون كذلك فيه، وعلى هذا فلا يكون الخليل إلا واحدًا، ومن لم ينته إلى ذلك ممن تعلَّق القلب به فهو حبيب، ولذلك أثبت لأبي بكر وعائشة رضي الله عنهما أنهما أحب الناس إليه، ونفى عنهما الخلَّة، وعلى هذا فالخلَّة فوق المحبة، وقد اختلف أرباب القلوب في ذلك، فذهب الجمهور: إلى أن الخلَّة أعلى، تمسُّكًا بما ذكرناه، وهو متمسَّك قوي ظاهر، وذهب أبو بكر بن فورك (1) إلى أن المحبة أعلى، واستدل على ذلك: بأن الاسم الخاص بمحمد صلى الله عليه وسلم: الحبيب، وبإبراهيم: الخليل. ودرجة نبينا صلى الله عليه وسلم أرفع، فالمحبة أرفع. وقد ذكر القاضي عياض هذه المسألة في كتاب الشفا (2)، واستوفى فيها البحث، فلتنظر
(1) هو محمد بن الحسن بن فُورَك، أبو بكر: واعظ، عالم بالأصول والكلام، من فقهاء الشافعية. من كتبه:"مشكل الحديث وغريبه". توفي سنة (406 هـ).
(2)
انظر: الشفا (1/ 409 وما بعدها).
وفي رواية: أَلَا إِنِّي أَبرَأُ إِلَى كُلِّ خليل مِن خِلِّهِ، وَلَو كُنتُ
…
وذكر نحوه.
رواه أحمد (1/ 377)، ومسلم (2383)(3 و 7)، والترمذيُّ (3655)، وابن ماجه (93).
ــ
هناك، وقد ذكرنا اختلاف الناس في الخلة في كتاب الإيمان.
و(قوله: إلا إني أبرأ إلى كل خليل من خلّته) الرواية المعروفة: بكسر الخاء من خِلَّة. قال القاضي: والصواب - إن شاء الله - فتحها، والخلَّة، والخلُّ، والمخاللة، والمخالَّة، والخلالة، والخلولة: الإخاء والصَّداقة.
قلت: يعني: أن خَلَّة في الأصل: هي مصدر، ومصادر هذا الباب: هي التي ذكروها، وليس فيها ما يقال: بكسر الخاء، فتعين الفتح فيها، ومعنى هذا الكلام: قد جاء بلفظ آخر يفسره فقال: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل. . وهذا واضح.
و(قوله: وقد اتَّخذ الله صاحبكم خليلًا) في غير كتاب مسلم: كما اتخذ إبراهيم خليلًا) وهذا يدلّ على أن الله تعالى بلغ درجة نبينا صلى الله عليه وسلم في الخلة بإبراهيم عليه السلام غير أنَّه مكَّنه فيها ما لم يمكَّن إبراهيم فيها، بدليل قول إبراهيم: إنما كنت خليلًا من وراء وراء (1) كما تقدَّم في الإيمان.
و(قوله: لا تُبقَيَن في المسجد خوخة إلا خوخة أبي بكر) الخوخة - بفتح الخاء المعجمة -: باب صغير بين مسكنين، وكان أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم قد فتحوا بين مساكنهم وبين المسجد خوخات اغتنامًا لملازمة المسجد، وللكون فيه مع النبي صلى الله عليه وسلم إذ كان فيه غالبًا، إلا أنه لما كان ذلك يؤدي إلى اتخاذ المسجد طريقًا، أمر النبي صلى الله عليه وسلم بسدِّ كل خوخة كانت هنالك، واستثنى خوخة أبي بكر ـ رضي الله
(1) رواه مسلم (195)(329).
[2295]
وعن عَمرُو بنُ العَاصِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعَثَهُ عَلَى جَيشِ ذَاتِ السَّلَاسِلِ فَأَتَيتُهُ فَقُلتُ: أَيُّ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيكَ؟ قَالَ: عَائِشَةُ، قُلتُ: مِن الرِّجَالِ؟ قَالَ: أَبُوهَا. قُلتُ: ثُمَّ مَن؟ قَالَ: عُمَرُ. فَعَدَّ رِجَالًا.
رواه أحمد (4/ 203)، والبخاري (3662)، ومسلم (2384)، والترمذيُّ (3885).
[2296]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن أَصبَحَ مِنكُم اليَومَ صَائِمًا؟ قَالَ أَبُو بَكرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَن تَبِعَ مِنكُم اليَومَ جَنَازَةً؟
ــ
عنه ـ إكرامًا له، وخصوصية به، لأنَّهما كانا لا يفترقان غالبًا، وقد استدل بهذا الحديث على صحَّة إمامته، واستخلافه للصلاة، وعلى خلافته بعده.
و(قوله: من أحبُّ الناس إليك (1)؟ هذا السُّؤال: أخرجه الحرص على معرفة الأحب إليه، ليقتدي به في ذلك، فيحب ما أحب، فإنَّ المرء مع من أحب.
و(قوله في الجواب: عائشة) يدلّ على جواز ذكر مثل ذلك، وأنه لا يعاب على من ذكره إذا كان المقول له من أهل الخير والدِّين، ويقصد بذلك مقاصد الصَّالحين، وإنَّما بدأ النبي صلى الله عليه وسلم بذكر محبة عائشة أولًا، لأنَّها محبة جبلية ودينية، وغيرها دينية لا جبلية، فسبق الأصلي على الطَّارئ.
و(قوله: ثم أبو بكر (2)، ثم عمر) يدلّ على: تفاوت ما بينهما في الرتبة والفضيلة، وهو يدلّ على صحَّة ما ذهب إليه أهل السُّنَّة.
و(قوله: من أصبح منكم اليوم صائمًا؟ قال أبو بكر: أنا. . . الحديث يدلّ
(1) في مسلم والتلخيص: أيّ الناس أحب إليك؟ .
(2)
في مسلم والتلخيص: أبوها.
قَالَ أَبُو بَكرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَن أَطعَمَ مِنكُم اليَومَ مِسكِينًا؟ قَالَ أَبُو بَكرٍ: أَنَا، قَالَ: فَمَن عَادَ مِنكُم اليَومَ مَرِيضًا؟ قَالَ أَبُو بَكرٍ: أَنَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا اجتَمَعنَ فِي امرِئٍ إِلَّا دَخَلَ الجَنَّةَ.
رواه مسلم (1028) في الفضائل (12).
[2297]
وعنه قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَينَمَا رَجُلٌ يَسُوقُ بَقَرَةً لَهُ قَد حَمَلَ عَلَيهَا؛ التَفَتَت إِلَيهِ البَقَرَةُ فَقَالَت: إِنِّي لَم أُخلَق لِهَذَا، وَلَكِنِّي إِنَّمَا خُلِقتُ لِلحَرثِ، فَقَالَ النَّاسُ: سُبحَانَ اللَّهِ - تَعَجُّبًا وَفَزَعًا - أَبَقَرَةٌ تَكَلَّمُ؟ !
ــ
على ما كان النبي صلى الله عليه وسلم عليه من التفقد لأحوال أصحابه، وإرشادهم إلى فعل الخير على اختلاف أنواعه، وعلى ما كان عليه أبو بكر من الحرص على فعل جميع أنواع الطاعات، وتتبعه أبوابها، واغتنام أوقاتها، وكأنه ما كان له هم إلا في طلب ذلك، والسَّعي في تحصيل ثوابه.
و(قوله: ما اجتمعن في امرئ إلا دخل الجنة) ظاهره: أن من اجتمع له فعل هذه الأبواب في يومٍ واحد دخل الجنة، فإنَّه قال فيها كلها: اليوم، اليوم، ولما أخبره أبو بكر رضي الله عنه أنه فعل تلك الأمور كلها في ذلك اليوم بشَّره بأنه من أهل الجنة لأجل تلك الأمور، والمرجو من كرم الله تعالى أن من اجتمعت له تلك الأعمال في عمره، وإن لم تجتمع في يوم واحد أن يدخله الله الجنَّة بفضله، ووعده الصَّادق.
و(قول البقرة للذي حمل عليها: إني لم أخلق لهذا، إنما خلقت للحرث) دليل: على أن البقرة لا يحمل عليها ولا تركب، وإنَّما هي للحرث، وللأكل، والنسل، والرَّسلِ (1). وفيه ما يدلّ على وقوع خرق العوائد، على جهة الكرامة، أو
(1) أى: اللَّبن.
فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِنِّي أُومِنُ بِهِ وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ، فقَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَينَا رَاعٍ فِي غَنَمِهِ عَدَا عَلَيهِ الذِّئبُ، فَأَخَذَ مِنهَا شَاةً، فَطَلَبَهُ الرَّاعِي حَتَّى استَنقَذَهَا مِنهُ، فَالتَفَتَ إِلَيهِ الذِّئبُ، فَقَالَ لَهُ: مَن لَهَا يَومَ السَّبُعِ يَومَ لَيسَ لَهَا رَاعٍ غَيرِي؟ فَقَالَ النَّاسُ: سُبحَانَ اللَّهِ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: فَإِنِّي أُومِنُ بِذَلِكَ أَنَا وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ.
رواه أحمد (2/ 245 - 246)، والبخاريُّ (3471)، ومسلم (2388).
ــ
على جهة التنبيه لمن أراد الله به الاستقامة، وفيه ما يدلّ على علم النبي صلى الله عليه وسلم بصحَّة إيمان أبي بكر وعمر، ويقينهما، وأنه كان ينزلهما منزلة نفسه، ويقطع على يقينهما، وهذه خصوصية عظيمة، ودرجة (1) رفيعة.
و(قول الذئب: من لها يوم السَّبُع) الرواية الصحيحة التي قرأناها وقيدناها على مشايخنا بضم الباء لا غير، ومعناه مفسَّر بباقي الحديث، إذ قال فيه: يوم ليس لها راعٍ غيري فإنه أبدل يوم ليس لها راع من يوم السَّبُع وكأنه قال: من يستنقذ هذه الشاة يوم ينفرد السَّبُع بها، ولا يكون معها راع، ولا يمنعها منه؟ ! وكأنه - والله أعلم - يشير إلى نحو مما تقدَّم في الحج من حديث أبي هريرة مرفوعًا. قال: يتركون المدينة على خير ما كانت، لا يغشاها إلا العوافي - يريد السِّباع والطير -، ثم يخرج راعيان من مزينة يريدان المدينة، فينعقان بغنمهما، فيجدانها وحشًا، حتى إذا بلغا ثنية الوداع خرَّا على وجوههما (2). فحاصل هذا: أن أهل المدينة ينجلون عنها، فلا يبقى فيها إلا السِّباع، ويهلك من حولها من الرُّعاة فتبقى الغنم متوحشة منفردة، فتأكلُ الذئابُ ما شاءت، وتترك ما شاءت، وهذا لم يُسمع
(1) في (م 4): منزلة.
(2)
رواه أحمد (2/ 234)، والبخاري (1874)، ومسلم (1389)(499).
[2298]
وعن عَائِشَةَ وَسُئِلَت: مَن كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مُستَخلِفًا لَو استَخلَفَ؟ قَالَت: أَبُو بَكرٍ،
ــ
أنَّه وقع، ولا بدَّ من وقوعه.
وقد قيده بعض اللغويين بسكون الباء، وليست برواية صحيحة، ولكن اختلف في معنى ذلك على أقوال يطول ذكرها، ولا معنى لأكثرها، وأشبه ما قيل في ذلك، ما حكاه الحربي: أن سكون الباء لغة فيه، وقرأ الحسن:(وما أكل السَّبعُ) بسكونها.
و(قول السائل لعائشة رضي الله عنها: من كان رسول الله صلى الله عليه وسلم مستخلفًا لو استخلف؟ ) يدلّ على: أن من المعلوم عندهم أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يستخلف أحدًا، وكذلك قال عمر رضي الله عنه لما طعن، وقيل له: ألا تستخلف؟ فقال: إن أتركهم؛ فقد تركهم رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإن أستخلف فقد استخلف أبو بكر رضي الله عنه، وهذا بمحضر من الصحابة، وعلي والعباس رضي الله عنهم ولم ينكر أحدٌ منهم على عمر، ولا ذكر أحدٌ من الناس نصًّا باستخلاف (1) على أحد، فكان ذلك دليلًا على كذب من ادَّعى شيئًا من ذلك، إذ العادات تحيل أن يكون عندهم نصٌّ على أحد في ذلك الأمر العظيم المهم، فيكتموه، مع تَصَلُّبِهم (2) في الدِّين، وعدم تقيَّتهم، فإنَّهم كانوا لا تأخذهم في الله لومة لائم، وكذلك اتفق لهم عند موت النبي صلى الله عليه وسلم فإنَّهم اجتمعوا لذلك، وتفاوضوا فيه مفاوضة من لا يتقي شيئًا، ولا يخاف أحدًا، حتى قالت الأنصار: منا أمير، ومنكم أمير، ولم يذكر أحدٌ منهم نصًّا، ولا ادَّعى أحدٌ منهم أنه نصَّ عليه، ولو كان عندهم من ذلك شيء لكانوا هم أحق بمعرفته، ونقله، ولَمَا اختلفوا في شيء من ذلك. ومن العجب ألا يكون عند أحدٍ من هؤلاء نصٌّ على ذلك، ولا يذكره مع قرب العهد، وتوفر الدِّين والجدّ، ودعاء الحاجة الشديدة إلى ذلك، ويأتي بعدهم بأزمان متطاولة، وأوقات
(1) في (ع) و (م 4): لاستخلاف.
(2)
في (م 4): فضلهم.
فَقِيلَ لَهَا: ثُمَّ مَن بَعدَ أَبِي بَكرٍ؟ قَالَت: عُمَرُ، ثُمَّ قِيلَ لَهَا: مَن بَعدَ عُمَرَ؟ قَالَت: أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ.
رواه مسلم (2385).
[2299]
وعن جُبَيرِ بنِ مُطعِمٍ، أَنَّ امرَأَةً سَأَلَت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم شَيئًا، فَأَمَرَهَا أَن تَرجِعَ إِلَيهِ، فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَرَأَيتَ إِن جِئتُ فَلَم أَجِدكَ؟ قَالَ أَبِي: كَأَنَّهَا تَعنِي المَوتَ، قَالَ: فَإِن لَم تَجِدِينِي فَائتِي أَبَا بَكرٍ.
رواه أحمد (4/ 82)، والبخاريُّ (3659)، ومسلم (2386).
ــ
مختلفة، وقلة علم، وعدم فهم من يدَّعي: أن عنده من العلم بالنصِّ على واحد معين ما لم يكن عند أولئك الملأ الكرام، ولا سمع منهم. هذا محض الكذب الذي لا يقبله سليم العقل، لكن غلبة التعصُّب والأهواء تورِّط صاحبها في الظلماء، وقد ذهبت الشيعة على اختلاف فرقها إلى: أنه نصَّ على خلافة علي رضي الله عنه وذهبت الراوندية إلى أنه نصَّ على خلافة العباس رضي الله عنه واختلق كل واحد منهما من الكذب، والزور، والبهتان ما لا يرضى به من في قلبه حبة خردل من الإيمان، وما ذكرناه من عدم النَّص على واحد بعينه هو مذهب جمهور أهل السُّنَّة من السَّلف والخلف، لا على أبي بكر، ولا غيره، غير أنهم استندوا في استحقاق أبي بكر رضي الله عنه للخلافة إلى أصول كليِّة، وقرائن خالية، ومجموع ظواهر جليِّة حصلت لهم العلم بأنه أحق بالخلافة، وأولى بالإمامة، يعلم ذلك من استقرأ أخباره، وخصائصه، وسيقع التنبيه على بعضها إن شاء الله تعالى.
و(قول عائشة رضي الله عنها في جواب السَّائل: أبو بكر، ثم عمر، ثم أبو عبيدة) هذا قالته عن نظرها، وظنها، لا أن ذلك كان بنصٍّ عندها عن النبي صلى الله عليه وسلم، ولعلها استندت في عمر وأبي عبيدة لقول أبي بكر يوم السقيفة: رضيت
[2300]
وعَن عَائِشَةَ قَالَت: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَرَضِهِ: ادعِي لِي أَبَا بَكرٍ أَبَاكِ وَأَخَاكِ حَتَّى أَكتُبَ كِتَابًا، فَإِنِّي أَخَافُ أَن يَتَمَنَّى
ــ
لكم أحد هذين الرَّجُلَين عمر وأبي عبيدة. وفي حق أبي عبيدة شهادة النبي صلى الله عليه وسلم بأنه أمين هذه الأمة، ولذلك قال عمر رضي الله عنه حين جعل الأمر شورى: لو أن أبا عبيدة حيٌّ لما تخالجني فيه شك، فلو سألني ربي عنه قلت: سمعت نبيك يقول: لكل أمة أمين، وأميننا - أيتها الأمة - أبو عبيدة بن الجراح (1)، ويفهم من قول عمر وعائشة: جواز انعقاد الخلافة للفاضل مع وجود الأفضل، فإنَّ عثمان وعليًّا رضي الله عنهما أفضل من أبي عبيدة رضي الله عنه بالاتفاق، ومع ذلك فقد حكما بصحَّة إمامته عليهما - أن لو كان حيًّا -.
وقد اختلف العلماء في هذه المسألة، ومذهب الجمهور: أنها تنعقد له - أعني للمفضول - وخالف في ذلك: عباد بن سلمان، والجاحظ، فقالا: لا ينعقد للمفضول على الفاضل، ولا يعتد بخلافهما لما ذكرنا في الأصول، والصحيح: ما ذهب إليه الجمهور.
و(قوله صلى الله عليه وسلم للمرأة: إن لم تجديني فائتي أبا بكر) زعم من لا تحقيق عنده من المتأخرين: أن هذا نصٌّ على خلافة أبي بكر رضي الله عنه وليس كذلك، وإنَّما يتضمن الخبر عن أنَّه يكون هو الخليفة بعده، لكن بأي طريق تنعقد له؟ هل بالنصِّ عليه، أو بالاجتهاد؟ هذا هو المطلوب، ولم ينص عليه في الحديث، وكذلك قوله صلى الله عليه وسلم: ادعي لي أبا بكر أباك، وأخاك حتى أكتب كتابًا. . . الحديث إلى قوله: يأبى الله والمؤمنون: إلا أبا بكر ليس نصًّا في استخلافه، وإنما يدل على إرادة استخلافه، ولم ينص عليه، ألا ترى أنه لم يكتب، ولم ينص.
والحاصل: أن هذه الأحاديث ليست نصوصًا في ذلك، لكنها ظواهر قوية إذا انضاف إليها استقراء ما في الشريعة مِمَّا يدلّ على ذلك المعنى علم استحقاقه
(1) رواه أحمد (3/ 133)، والبخاري (7255)، ومسلم (2419)(53).
مُتَمَنٍّ، وَيَقُولُ قَائِلٌ: أَنَا أَولَى، وَيَأبَى اللَّهُ وَالمُؤمِنُونَ إِلَّا أَبَا بَكرٍ.
رواه أحمد (6/ 144)، والبخاريُّ (5666)، ومسلم (2387).
* * *
ــ
للخلافة، وانعقادها له ضرورة شرعية، والقادح في خلافته مقطوع بخطئه، وتفسيقه. وهل يكفر أم لا؟ مختلف فيه، والأظهر: تكفيره لمن استقرأ ما في الشريعة، مما يدلّ على استحقاقه لها، وأنه: أحق وأولى بها، سيما وقد انعقد إجماع الصحابة على ذلك، ولم يبق منهم مخالف في شيء مِمَّا جرى هنالك.
وكانت وفاة أبي بكر رضي الله عنه على ما قاله ابن إسحاق: يوم الجمعة لسبع ليالٍ (1) بقين من جمادى الآخرة سنة ثلاث عشرة. وقال غيره: إنه مات عشية يوم الاثنين. وقيل: عشية يوم الثلاثاء لثمان بقين من جمادى الآخرة. هذا قول أكثرهم. قال ابن إسحاق: وتوفي على رأس سنتين وثلاثة أشهر واثنتي عشرة ليلة من متوفى رسول الله صلى الله عليه وسلم. وقال غيره: وعشرة أيام. وقيل: وعشرين يومًا. ومكث في خلافته سنتين وثلاثة أشهر إلا خمس ليال. وقيل: وثلاثة أشهر وسبع ليال.
واختلف في سبب موته، فقال الواقدي: أنه اغتسل في يوم بارد فحُمَّ، ومرض خمسة عشر يومًا. وقال الزبير بن بكار: كان به طرف من السِّلِّ. وروي عن سلام بن أبي مطيع: أنه سُمَّ. والله أعلم. وقد تقدَّم أنه مات وهو ابن ثلاث وستين سنة.
* * *
(1) في (ع) و (م 4): لتسع، وفي البداية والنهاية (7/ 18) لثمان.