المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

[2211]

عن عَبد اللَّهِ بنُ عَمرِو بنِ العَاصِ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: حَوضِي مَسِيرَةُ شَهرٍ، وَزَوَايَاهُ سَوَاءٌ، وَمَاؤُهُ أَبيَضُ مِن الوَرِقِ، وَرِيحُهُ

ــ

(8 و 9) ومن باب حوض النبي صلى الله عليه وسلم وأوانيه (1)

قد تقدَّم القول على كثير من معاني أحاديث هذا الباب في كتاب الطهارة. ومما يجب على كل مكلف أن يعلمه، ويصدِّق به: أن الله تعالى قد خصَّ نبيه محمدًا صلى الله عليه وسلم بالكوثر الذي هو الحوض المصرَّح باسمه، وصفته، وشرابه وآنيته في الأحاديث الكثيرة الصحيحة الشهيرة، التي يحصل بمجموعها العلم القطعي، واليقين التواتري، إذ قد روى ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم من الصحابة نيف على الثلاثين. في الصحيحين منهم نيف على العشرين، وباقيهم في غيرهما، مما صح نقله، واشتهرت روايته، ثم قد رواها عن الصحابة من التابعين أمثالُهم، ثم لم تزل تلك الأحاديث مع توالي الأعصار، وكثرة الرواة لها في جميع الأقطار، تتوفر همم الناقلين لها على روايتها وتخليدها في الأمهات، وتدوينها، إلى أن انتهى ذلك إلينا، وقامت به حجة الله علينا، فلزمنا الإيمان بذلك، والتصديق به، كما أجمع عليه السلف، وأهل السنة من الخلف، وقد أنكرته طائفة من المبتدعة، وأحالوه عن ظاهره، وغلوا في تأويله من غير إحالة عقلية، ولا عادية، تلزم من إقراره على ظاهره، ولا منازعة سمعية، ولا نقلية تدعو إلى تأويله، فتأويله تحريف صدر عن عقل سخيف خرق به إجماع السلف، وفارق به مذهب أئمة الخلف.

والحوض:

(1) شرح المؤلف رحمه الله تحت هذا العنوان أيضًا ما أشكل في أحاديث باب: في عِظَم حوض النبي صلى الله عليه وسلم وكبره. . .

ص: 90

أَطيَبُ مِن المِسكِ، كِيزَانُهُ كَنُجُومِ السَّمَاءِ، مَن شَرِبَ مِنهُ فَلَا يَظمَأُ بَعدَهُ أَبَدًا

قَالَ: وَقَالَت أَسمَاءُ بِنتُ أَبِي بَكرٍ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنِّي عَلَى الحَوضِ حَتَّى أَنظُرَ مَن يَرِدُ عَلَيَّ مِنكُم، وَسَيُؤخَذُ أُنَاسٌ دُونِي، فَأَقُولُ: يَا رَبِّ مِنِّي وَمِن أُمَّتِي فَيُقَالُ: أَمَا شَعَرتَ مَا عَمِلُوا بَعدَكَ؟ وَاللَّهِ مَا بَرِحُوا بَعدَكَ يَرجِعُونَ عَلَى أَعقَابِهِم.

قَالَ: فَكَانَ ابنُ أَبِي مُلَيكَةَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ إِنَّا نَعُوذُ بِكَ أَن نَرجِعَ عَلَى أَعقَابِنَا أَو أَن نُفتَنَ عَن دِينِنَا.

رواه البخاريُّ (6579)، ومسلم (2292 و 2293).

ــ

مجتمع الماء. يقال: استحوض الماء، إذا اجتمع. ويجمع: أحواضًا وحياضًا.

و(قوله: من شرب منه لم يظمأ أبدًا) أي: لم يعطش آخر ما عليه (1). وظاهر هذا وغيره من الأحاديث: أن الورود على هذا الحوض، والشرب منه، إنما يكون بعد النجاة من النار، وأهوال القيامة، لأنَّ الوصول إلى ذلك المحل الشريف، والشرب منه، والوصول إلى موضع يكون فيه النبي صلى الله عليه وسلم ولا يمنع عنه، من أعظم الإكرام، وأجل الإنعام، ومن انتهى إلى مثل هذا كيف يعاد إلى حساب، أو يذوق بعد ذلك تنكيل خزي وعذاب؟ ! فالقول بذلك أوهى من السراب.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: حوضي مسيرة شهر، زواياه سواء) أي: أركانه معتدلة، يعني:

(1) أي: لا يظمأ ما دام في الموقف للحساب. وقد ورد هذا التعبير في صحيح مسلم برقم (2300).

ص: 91

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

أن ما بين الأركان متساوٍ، فهو معتدل التربيع، وقد اختلفت الألفاظ الدَّالة على مقدار الحوض، كما هو مبيَّن في الروايات المذكورة في الأصل. وقد ظن بعض القاصرين: أن ذلك اضطراب، وليس كذلك، وإنما تحدَّث النبي صلى الله عليه وسلم بحديث الحوض مرات عديدة، وذكر فيها تلك الألفاظ المختلفة إشعارًا بأن ذلك تقدير، لا تحقيق، وكلها تفيد أنه كبير متسع، متباعد الجوانب والزوايا، ولعل سبب ذكره للجهات المختلفة في تقدير الحوض: أن ذلك إنما كان بحسب من حضره ممن يعرف تلك الجهات، فيخاطب كل قوم بالجهة التي يعرفونها، والله أعلم.

و(قوله: ماؤه أبيض من الورق) جاء أبيض - هاهنا - في هذا الحديث على الأصل المرفوض (1)، كما قد جاء في قولهم:

. . . . . . . . . . . . . . . . . .

فأنت أبيَضُهم سِربال طَبَّاخ (2)

وكما قد جاء قوله صلى الله عليه وسلم: توافون سبعين أمَّة أنتم أخيرهم (3)، أي: خيرهم، وكما قد جاء عنه صلى الله عليه وسلم: لينتهين أقوامٌ عن ودعهم الجمعات (4)، وكل ذلك جاء منبهة على الأصل المرفوض، والمستعمل الفصيح كما جاء في الرواية الأخرى: أشد بياضًا من الثلج (5)، ولا معنى لقول من قال من مُتعسِّفة النحاة: لا يجوز التلفظ بهذه الأصول المرفوضة، مع صحَّة هذه الروايات، وشهرة تلك الكلمات.

(1) أي: على وزن أفعل التي للتفضيل، وهنا في الألوان مرفوضة هذه الصيغة، ويقال: أشدّ بياضًا.

(2)

هذا عجز بيت لطرفة بن العبد، وصدره:

إذا الرِّجال شَتَوا واشتدَّ أكلهم

(3)

رواه الدارمي (2/ 313).

(4)

رواه أحمد (1/ 335)، ومسلم (865)، والنسائي (3/ 88).

(5)

رواه مسلم رقم (247)(36).

ص: 92

[2212]

وعَن عُقبَةَ بنِ عَامِرٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ فَصَلَّى عَلَى أَهلِ أُحُدٍ صَلَاتَهُ عَلَى المَيِّتِ، ثُمَّ انصَرَفَ إِلَى المِنبَرِ فَقَالَ: إِنِّي فَرَطٌ لَكُم، وَأَنَا شَهِيدٌ عَلَيكُم، وَإِنِّي وَاللَّهِ لَأَنظُرُ إِلَى حَوضِي الآنَ، وَإِنِّي قَد أُعطِيتُ مَفَاتِيحَ خَزَائِنِ الأَرضِ - أَو مَفَاتِيحَ الأَرضِ - وَإِنِّي وَاللَّهِ مَا أَخَافُ عَلَيكُم أَن تُشرِكُوا بَعدِي، وَلَكِن أَخَافُ عَلَيكُم أَن تَتَنَافَسُوا فِيهَا.

ــ

و(قول عقبة: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج فصلى على أهل أحد صلاته على الميت) أي: دعا لهم بدعاء الموتى، وكأنه صلى الله عليه وسلم كان قد استقبل القبلة، ودعا لهم، واستغفر، وهذا كما فعل حيث أمره الله تعالى أن يستغفر لأهل البقيع، فقام عليهم ليلًا، واستغفر لهم، ثم انصرف، كما تقدم في الجنائز.

و(قوله: أعطيت مفاتيح خزائن الأرض) أي: بُشر بفتح البلاد، وإظهار الدين، وإعلاء كلمة المسلمين، وتمليكه جميع ما كان في أيدي ملوكها من الصفراء، والبيضاء، والنفائس، والذخائر، فقد ملَّكه الله ديارهم، ورقابهم، وأرضيهم، وأموالهم. كل ذلك وفاءً بمضمون:{لِيُظهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَو كَرِهَ المُشرِكُونَ}

و(قوله: إني والله لست أخشى عليكم أن تشركوا بعدي) يعني: أنه قد أمن على جملة أصحابه أن يُبدِّلوا دين الإسلام بدين الشرك. ولا يلزم من ذلك ألا يقع ذلك من آحادٍ منهم، فإنَّ الخبر عن الجملة لا يلزم صدقه على كل واحد من آحادها دائمًا، كيف لا؟ ! وهو الذي أخبر بأن منهم من يرتد بعد موته صلى الله عليه وسلم كما جاء نصًّا في غير ما موضع من أحاديث الحوض وغيرها، وقد ظهر في الوجود ردَّة كثيرٍ ممن صحب النبي صلى الله عليه وسلم وصلَّى معه، وجاهد، ثم كفر بعد موته. وقد تقدم قول ابن إسحاق وحكايته: أنه لم يبق بعد موت النبي صلى الله عليه وسلم مسجد من مساجد المسلمين إلا كان في أهله ردَّة، إلا ما كان من ثلاثة مساجد. وقتال أبي بكر رضي الله عنه لأهل الردة معلوم متواتر، وإذا كان كذلك فيتعيَّن حمل هذا الحديث على ما ذكرناه.

ص: 93

وفي رواية: ثُمَّ صَعِدَ المِنبَرَ كَالمُوَدِّعِ لِلأَحيَاءِ وَالأَموَاتِ، فَقَالَ: إِنِّي فَرَطُكُم عَلَى الحَوضِ، وَإِنَّ عَرضَهُ كَمَا بَينَ أَيلَةَ إِلَى الجُحفَةِ، إِنِّي لَستُ أَخشَى عَلَيكُم أَن تُشرِكُوا بَعدِي، وَلَكِنِّي أَخشَى عَلَيكُم الدُّنيَا أَن تتَنَافَسُوا فِيهَا وَتَقتَتِلُوا، فَتَهلِكُوا كَمَا هَلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم.

قَالَ عُقبَةُ: فَكَانَت آخِرَ مَا رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى المِنبَرِ.

رواه أحمد (4/ 149)، والبخاريُّ (1344)، ومسلم (2296)(30 و 31)، وأبو داود (3223)، والنسائيُّ (4/ 61).

* * *

ــ

ويحتمل أن يكون هذا خبرًا عن خصوص أصحابه الذين أعلمه الله تعالى بمآل حالهم، وأنهم لا يزالون على هدي الإسلام وشرعه إلى أن يلقوا الله ورسوله على هديه، إذ قد شهد رسول الله صلى الله عليه وسلم لكثير منهم بذلك، وشوهدت استقامة أحوالهم حتى توفاهم الله تعالى عليه، ويحتمل أن يحمل هذا الخبر على جميع الأمة، فيكون معناه: الإخبار عن دوام الدين، واتصال ظهوره إلى قيام الساعة، وأنه لا ينقطع بغلبة الشرك على جميع أهله، ولا بارتدادهم، كما قد شهد بذلك الكتاب والسُّنَّة وإجماع الأمة. والأول أظهر من الحديث، والله أعلم.

و(قوله: ولكني أخشى عليكم الدنيا أن تتنافسوا فيها، وتقتتلوا فتهلكوا) هذا الذي توقعه النبي صلى الله عليه وسلم هو الذي وقع بعده، فعمَّت الفتن، وعظمت المحن، ولم ينج منها إلا من عصم، ولا يزال الهرج إلى يوم القيامة، فنسأل الله تعالى عاقبة خير وسلامة.

وجرباء: صحيح روايته بفتح الجيم وسكون الراء والمد، وقد وقع عند بعض رواة البخاري بالقصر وهو خطأ، وأذرح: بفتح الهمزة، وذال معجمة ساكنة، وراء مضمومة، وحاء مهملة، وهو الصواب. ووقع في رواية العذري بالجيم، وهو خطأ، وقد فسَّرهما في الأصل: بأنهما قريتان من قرى الشام بينهما مسيرة ثلاثة أيام، وقال ابن وضاح في أَذرُح: أنها فلسطين، وهذا يدل على صحة

ص: 94