المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(4) باب في قوله تعالى: {ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها} - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(4) باب في قوله تعالى: {ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها}

(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

[2576]

عَن أَبِي الأَسوَدِ الدّؤلِيِّ قَالَ: قَالَ لِي عِمرَانُ بنُ الحُصَينِ: أَرَأَيتَ مَا يَعمَلُ النَّاسُ اليَومَ وَيَكدَحُونَ فِيهِ، أَشَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِم

ــ

فيهم، ولا ينقص منهم أبدا. ثم رمى بهما، وقال: فرغ ربكم من العباد، فريق في الجنة وفريق في السعير (1). قال: هذا حديث حسن صحيح. والأحاديث في هذا الباب كثيرة صحيحة، يفيد مجموعها العلم القطعي واليقين الحقيقي الاضطراري بإبطال مذاهب القدرية، لكنهم كابروا في ذلك كله وردوه، وتأولوا ذلك تأويلا فاسدا، وموهوه للأصول التي ارتكبوها من التحسين والتقبيح والتعديل والتجويز، والقول بتأثير القدرة الحادثة على جهة الاستقلال، وقد تكلم أئمة أهل السنة معهم في هذه الأصول، وبينوا فسادها في كتبهم.

و(قوله: فيم العمل؟ ) هذا السؤال هو الأول الذي تضمنه قوله: أفلا نمكث على كتابنا وندع العمل؛ وقد بيناه.

(4 و 5) ومن باب: في قوله تعالى:

{وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا} (2)

قوله: (أرأيت ما يعمل الناس اليوم ويكدحون فيه) الكدح: السعي في العمل لدنيا كان أو لآخرة، وأصله: العمل الشاق والكسب المتعب.

(1) رواه الترمذي (2141).

(2)

هذا العنوان لم يردْ في نسخ المفهم، واستدركناه من التلخيص. وقد شرح المؤلف رحمه الله تحت هذا العنوان: هذا الباب، والباب الذي يليه بعنوان باب: الأعمال بالخواتيم.

ص: 661

وَمَضَى عَلَيهِم مِن قَدَرِ مَا سَبَقَ؛ أَو فِيمَا يُستَقبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُم بِهِ نَبِيُّهُم، وَثَبَتَت الحُجَّةُ عَلَيهِم؛ فَقُلتُ: بَل شَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِم، وَمَضَى عَلَيهِم. قَالَ: فَقَالَ: فَلَا يَكُونُ ظُلمًا؛ قَالَ: فَفَزِعتُ مِن ذَلِكَ فَزَعًا شَدِيدًا، وَقُلتُ: كُلُّ شَيءٍ خَلقُ اللَّهِ وَمِلكُ يَدِهِ فَلَا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ. فَقَالَ لِي: يَرحَمُكَ اللَّهُ! إِنِّي لَم أُرِد بِمَا سَأَلتُكَ إِلَّا لِأَحزِرَ عَقلَكَ! إِنَّ رَجُلَينِ مِن مُزَينَةَ أَتَيَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَرَأَيتَ مَا يَعمَلُ النَّاسُ اليَومَ،

ــ

و(قوله: فلا يكون ظلما) كذا الرواية بغير ألف استفهام، وهي مرادة؛ إذ بالاستفهام حصل فزع المسؤول، وبه صح أن يكون ما أتى به من قوله: كل شيء خلق الله وملك يده. . . إلى آخره. جوابا عما سأله عنه، ولو لم يكن الاستفهام مرادا لكان الكلام نفيا للظلم، وهو صحيح وحق، ولا يفزع من ذلك ولا يستدعي جوابا. وبيان ما سأله عنه أنه لما تقرر عنده أن ما يعمل الناس فيه شيء قضي به عليهم، ولا بد لهم منه، فكأنهم يُلجؤون إليه، فكيف يعاقبون على ذلك؛ فعقابهم على ذلك ظلم، وهذه من شُبه القدرية المبنية على التحسين والتقبيح، وقد أجاب عن ذلك أبو الأسود، وأحسن في الجواب، ومقتضى الجواب أن الظلم لا يُتصور من الله تعالى، فإنَّ الكل خلقه وملكه، لا حجر عليه، ولا حُكم، فلا يتصور في حقه الظلم لاستحالة شرطه، على ما بيناه غير مرة، ثم عضد بقوله:{لا يُسأَلُ عَمَّا يَفعَلُ وَهُم يُسأَلُونَ} ولما سمع عمران هذا الجواب تحقق أنه قد وُفق للحق، وأصاب عين الصواب، فاستحسن ذلك منه، وأخبره أنه إنما امتحنه بذلك السؤال ليختبر عقله، وليستخرج عمله، ثم أفاده الحديث المذكور، ومعناه قد تقدم الكلام عليه (1). ثم قال: وتصديق ذلك في كتاب الله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا} وقوله: {وَنَفسٍ} هو قسم بنفوس بني آدم،

(1) ما بين حاصرتين سقط من (م 4).

ص: 662

وَيَكدَحُونَ فِيهِ أَشَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِم وَمَضَى فِيهِم مِن قَدَرٍ قَد سَبَقَ، أَو فِيمَا يُستَقبَلُونَ بِهِ مِمَّا أَتَاهُم بِهِ نَبِيُّهُم، وَثَبَتَت الحُجَّةُ عَلَيهِم؛ فَقَالَ: لَا بَل شَيءٌ قُضِيَ عَلَيهِم، وَمَضَى فِيهِم وَتَصدِيقُ ذَلِكَ فِي كِتَابِ اللَّهِ عز وجل:{وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

رواه مسلم (2650).

* * *

ــ

وأفردها لأن مراده النوع، وهذا نحو قوله:{عَلِمَت نَفسٌ مَا قَدَّمَت وَأَخَّرَت} أي: كل نفس. كما قال: {كُلُّ نَفسٍ بِمَا كَسَبَت رَهِينَةٌ} . ألا ترى قوله: {فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا} أي: حملها على ما أراد من ذلك، فمنها ما خُلق للخير، وأعانها عليه ويسره لها، ومنها ما خلق للشر ويسره لها، وهذا هو الموافق للحديث المتقدِّم، المصدق بالآية.

و(قوله: {وَمَا سَوَّاهَا} أي: والذي سواها، وقد قدمنا أن (ما) في أصلها لما لا يعقل، وقد تجيء بمعنى الذي، وهي تقع لمن يعقل ولما لا يعقل (1). والتسوية: التعديل. يعني أنه خلقها مكملة بكل ما تحتاج إليه، مؤهلة لقبول الخير والشر، غير أنه يجري عليها في حال وجودها وما لها ما سبق لها مما قضي به عليها. وفي حديث عمران هذا من الفقه جواز اختبار العالم عقول أصحابه الفضلاء بمشكلات المسائل، والثناء عليهم إذا أصابوا، وبيان العذر عن ذلك. والذي قضي عليها أنها إما من أهل السعادة وبعمل أهل السعادة الذي به تدخل الجنة تعمل، وإما من أهل الشقاوة، وبعمل أهل الشقاوة الذي به تدخل النار تعمل. كما قال تعالى (2): هؤلاء للجنة وبعمل أهل الجنة يعملون، وهؤلاء للنار،

(1) ما بين حاصرتين سقط من (م 4).

(2)

في حديث قدسي.

ص: 663