الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(52) باب فضائل بلال بن رباح
[2368]
عَن أَبِي هُرَيرَةَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لِبِلَالٍ صَلَاة
ــ
(52)
ومن باب: فضائل بلال بن رباح رضي الله عنه
وتُسمَّى أمُّه: حمامة، واختلف في كنيته، فقيل: أبو عبد الله، وقيل: أبو عبد الكريم، وقيل: أبو عبد الرحمن، وقيل: أبو عمرو، وكان حبشيًّا. قال ابن إسحاق: كان بلال لبعض بني جُمَح مُوَلَّدًا من مولّديهم، وقيل من مُولَّدي مكة، وقيل: من مولدي السّراة، وقال ابن مسعود: أول من أظهر الإسلام رسول الله صلى الله عليه وسلم وأبو بكر، وعمار، وأمه سُمَيَّة، وصهيب، وبلال، والمقداد، فأما رسول الله صلى الله عليه وسلم فمنعه الله بعمه، وأما أبو بكر فمنعه الله بقومه، وأما سائرهم فأخذهم المشركون، وألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس، فما منهم إنسان إلا وأتاهم على ما أرادوه منه إلا بلالًا، فإنَّه هانت عليه نفسه في الله تعالى، وهان على قومه فأعطوه الولدان، فجعلوا يطوفون به في شعاب مكة، وهو يقول: أحد، أحد، وفي رواية: وجعلوا الحبل في عنقه، وقال سعيد بن المسيِّب: كان بلال شحيحًا على دينه، وكان يعذب على دينه، فإذا أراد المشركون أن يقاربهم قال: الله، الله. فاشتراه أبو بكر بخمس أواق، وقيل: بسبع. وقيل: بتسع، فأعتقه، فكان يؤذن لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما مات النبي صلى الله عليه وسلم أراد أن يروح إلى الشام، فقال له أبو بكر رضي الله عنه: بل تكون عندي، فقال: إن كنت أعتقتني لنفسك فاحبسني، وإن كنت أعتقتني لله فذرني أذهب إليه، فقال: اذهب، فذهب إلى الشام، فكان بها حتى مات رضي الله عنه.
قلت: وظاهر هذا: أنَّه لم يؤذن لأبي بكر، وقد ذكر ابن أبي شيبة عن حسين بن علي، عن شيخ يقال له: الحفصي، عن أبيه، عن جده قال: أذن بلال حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم أذَّن لأبي بكر حياته، ولم يؤذِّن في زمان عمر، فقال له
الغَدَاةِ: يَا بِلَالُ حَدِّثنِي بِأَرجَى عَمَلٍ عَمِلتَهُ عِندَكَ فِي الإِسلَامِ مَنفَعَةً، فَإِنِّي سَمِعتُ اللَّيلَةَ خَشفَ نَعلَيكَ بَينَ يَدَيَّ فِي الجَنَّةِ. قَالَ بِلَالٌ: مَا عَمِلتُ عَمَلًا فِي الإِسلَامِ أَرجَى عِندِي مَنفَعَةً مِن أَنِّي لَا أَتَطَهَّرُ طُهُورًا تَامًّا فِي سَاعَةٍ
ــ
عمر: ما منعك أن تؤذن؟ قال: إني أذنت لرسول الله صلى الله عليه وسلم حتى قبض، وأذنت لأبي بكر رضي الله عنه حتى قبض، لأنَّه كان ولي نعمتي، وقد سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: يا بلال ليس عمل أفضل من الجهاد في سبيل الله (1). فخرج فجاهد. ويقال: إنه أذن لعمر رضي الله عنه إذ دخل الشام، فبكى عمر، وبكى المسلمون. وكان بلال خازنًا لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال عمر: أبو بكر سيدنا، وأعتق بلالًا سيدنا. وتوفي بلال بدمشق، ودفن عند الباب الصغير بمقبرتها سنة عشرين، وهو ابن ثلاث وستين سنة، وقيل: سنة إحدى وعشرين، وهو ابن سبعين.
و(قول النبي صلى الله عليه وسلم لبلال: حدِّثني بأرجى عمل عملته (2) في الإسلام منفعة) هذا السُّؤال إنما أخرجه من النبي صلى الله عليه وسلم ما اطَّلع عليه من كرامة بلال رضي الله عنه بكونه أمامه في الجنة، فسأله عن العمل الذي لازمه حتى أوصله إلى ذلك. وقد جاء هذا الحديث في كتاب الترمذي بأوضح من هذا من حديث بريدة بن الحصيب، قال: أصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم فدعا بلالًا، فقال: يا بلال! بم سبقتني إلى الجنة؟ فما دخلت الجنة قط إلا سمعت خشخشتك أمامي، دخلت البارحة الجنَّة فسمعت خشخشتك أمامي. . .، وذكر الحديث. فقال بلال: يا رسول الله! ما أذنت قط إلا صليت ركعتين، ولا أصابني حدث قط إلا توضأت عنده، ورأيت أن لله تعالى علي ركعتين، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بهما. قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح (3)، فلنبحث في هذا الحديث.
(1) ذكره المتقي الهندي في كنز العمال (20935) وعزاه لعبد بن حميد.
(2)
في أصول التلخيص وصحيح مسلم: عملته عندك. . .
(3)
رواه الترمذي (3689).
مِن لَيلٍ وَلَا نَهَارٍ، إِلَّا صَلَّيتُ بِذَلِكَ الطُّهُورِ مَا كَتَبَ اللَّهُ لِي أَن أُصَلِّيَ.
رواه أحمد (2/ 333)، والبخاريُّ (1149)، ومسلم (2458).
* * *
ــ
و(قوله: بم سبقتني إلى الجنة؟ لا يفهم من هذا أن بلالًا يدخل الجنة قبل النبي صلى الله عليه وسلم، فإنَّ ذلك ممنوع بما قد علم من أن النبي صلى الله عليه وسلم هو السابق إلى الجنة، وبما قد تقدَّم أنَّه أوَّل من يستفتح باب الجنة، فيقول الخازن: بك أمرت، لا أفتح لأحد قبلك)(1)، وإنما هذه رؤيا نام أفادت أن بلالًا من أهل الجنة، وأنه يكون فيها مع النبي صلى الله عليه وسلم ومن ملازميه، وهذا كما قال في الغميصاء: سمعت خشخشتك أمامي، وقد لا يبعد أن يقال في أسبقية بلال أنها أسبقية الخادم بين يدي مخدومه، والله تعالى أعلم.
وفيه ما يدلّ على أن استدامة بعض النوافل، وملازمتها في أوقات وأحوال فيه فضل عظيم، وأجر كبير، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يدم عليها، ولا لازمها، ولا اشتهر العمل بها عند أصحابه رضي الله عنهم، وأن ذلك لا ينكر على من لازمه ما لم يعتقد أن ذلك سنة راتبة له ولغيره، وهذا هو الذي منعه مالك حتى كره اختصاص شيء من الأيام، أو الأوقات بشيء من العبادات، من الصوم، والصلاة، والأذكار، والدعوات، إلا أن يعينه الشارع، ويدوم عليه، فأمَّا لو دام الإنسان على شيء من ذلك في خاصة نفسه، ولم يعتقد شيئًا من ذلك، كما فعله بلال في ملازمة الركعتين عند كل أذان، وفي ملازمة الطهارة دائمًا، لكان ذلك يفضي بفاعله إلى نعيم مقيم، وثواب عظيم.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: بهما) أي: بسبب ثواب فعل ذينك الأمرين وصلت إلى ما رأيت من كونك معي في الجنة.
(1) رواه مسلم (197).