المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

[2202]

عَن أَبِي مُوسَى عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ مَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ مِن الهُدَى وَالعِلمِ كَمَثَلِ غَيثٍ أَصَابَ أَرضًا، فَكَانَت مِنهَا طَائِفَةٌ طَيِّبَةٌ قَبِلَت المَاءَ فَأَنبَتَت الكَلَأَ وَالعُشبَ الكَثِيرَ، وَكَانَ مِنهَا أَجَادِبُ أَمسَكَت

ــ

(5)

ومن باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم

الغيث: المطر. والطائفة من الأرض: القطعة منها، ومن الناس: الجماعة. والطيبة: المنبتة. وقبلت: لم يختلف رواة مسلم في هذا الحرف أنه بالباء بواحدة من القبول، أي: شربت الماء فانتفعت به، وقيَّده بعض رواة البخاري: قيَّلت - بياء مثناة من تحت -. وقال الأصيلي: إنه تصحيف، وقال غيره: ليس كذلك، ومعناه: جمعت، تقول العرب: تقيَّل الماء في الموضع المنخفض: إذا اجتمع فيه.

قلت: وهذا ليس بشيء، لأنَّه قد ذكر بعد هذا الطائفة الممسكة الماء، الجامعة له، فعلى ما قاله تكون الطائفتان واحدة، ويفسد معنى الخبر والتشبيه، وقيل: يكون معنى: قيلت: شربت. قال: والقيل: شرب نصف النهار، وقيلت الإبل: إذا شربت قائلة.

قلت: وهذا أيضًا ليس بشيء، لأنَّ مقصود الحديث لا يخص شرب القائلة من غيرها. والأظهر: ما قاله الأصيلي. والكلأ: المرعى، وهو العشب. والرَّطب: يسمى: الخلى. واليابس يسمى: الحشيش.

و(قوله: وكانت منها أجادب) لم أرو هذا إلا بالجيم، والدال المهملة،

ص: 82

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

وهو الصحيح. قال الأصمعي: الأجادب من الأرض: ما لا ينبت الكلأ. ومعناه: أنها جردة بارزة لا يسترها شيء، وقد رواها بعضهم أجاذب - بالذال المعجمة -. وقال بعضهم: إنما هي أخاذات بالخاء والذال المعجمتين، جمع أخاذة، وهي الماسكة للماء، وقد قال بعضهم: أحازه - بالحاء المهملة والزاي - وليس بشيء. وبعضهم قالها: أجارد بالجيم والراء، جمع أجرد، وهو الذي لا نبات فيه.

قلت: والصحيح الواضح: الأول رواية ومعنى - إن شاء الله -، ومقصود هذا الحديث: ضرب مثل لما جاء به النبي صلى الله عليه وسلم من العلم والدِّين، ولمن جاءهم بذلك، فشبَّه ما جاء به بالمطر العام الذي يأتي الناس في حال إشرافهم على الهلاك يحييهم، ويغيثهم. ثم شبَّه السامعين له: بالأرض المختلفة، فمنهم: العالم العامل المعلِّم (1)، فهذا بمنزلة الأرض الطيبة شربت، فانتفعت في نفسها، وأنبتت، فنفعت غيرها. ومنهم الجامع للعلم، الحافظ له، المستغرق لزمانه في جمعه ووعيه، غير أنه لم يتفرغ للعمل بنوافله، ولا ليتفقه فيما جمع، لكنه أدَّاه (2) لغيره كما سمعه، فهذا بمنزلة الأرض الصَّلبة التي يستقر فيها الماء فينتفع الناس بذلك الماء، فيشربون ويسقون، وهذا القسم: هو الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: نضَّر الله امرأً سمع مني حديثًا، فبلَّغه غيره، فربَّ حامل فقهٍ إلى من هو أفقه منه، وربَّ حامل فقه ليس بفقيه (3). لا يقال: فتشبيه هذا القسم بهذه الأرض التي أمسكت على غيرها، ولم تشرب في نفسها يقتضي ألا تكون عملت بما لزمها من العلم ولا من الدِّين، ومن لم يقم بما وجب عليه من أمور الدِّين، فلا ينسب للعلماء، ولا للمسلمين، لأنَّا نقول: القيام بالواجبات ليس خاصًّا بالعلماء. بل: يستوي فيها العلماء

(1) في (م 3) و (ز): المتعلم.

(2)

في أكثر النسخ: "ودَّاه" وما أثبتناه من (ز) و (م 3).

(3)

رواه أحمد (1/ 437)، والترمذي (2657)، وابن ماجه (232).

ص: 83

المَاءَ فَنَفَعَ اللَّهُ بِهَا النَّاسَ، فَشَرِبُوا مِنهَا وَسَقَوا وَرَعَوا، وَأَصَابَ طَائِفَةً مِنهَا أُخرَى إِنَّمَا هِيَ قِيعَانٌ لَا تُمسِكُ مَاءً، وَلَا تُنبِتُ كَلَأً، فَذَلِكَ مَثَلُ مَن فَقُهَ فِي دِينِ اللَّهِ، وَنَفَعَهُ بِمَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ فَعَلِمَ وَعَلَّمَ، وَمَثَلُ مَن لَم يَرفَع بِذَلِكَ رَأسًا، وَلَم يَقبَل هُدَى اللَّهِ الَّذِي أُرسِلتُ بِهِ.

رواه أحمد (4/ 399)، والبخاري (79)، ومسلم (2282)(15).

ــ

وغيرهم. ومن لم يقم بواجبات علمه كان من الطائفة الثالثة التي لم تشرب، ولم تمسك، لأنَّه لما لم يعمل بما وجب عليه لم ينتفع بعلمه، ولأنه عاص فلا يصلح للأخذ عنه.

و(قوله: وأصاب طائفة أخرى) هذا مثل للطائفة الثالثة التي بلغها الشرع فلم تؤمن، ولم تقبل، وشبهها بالقيعان، السَّبخة التي لا تقبل الماء في نفسها وتفسده على غيرها، فلا يكون منها إنبات، ولا يحصل بما حصل فيها نفع.

والقيعان جمع قاع، وهو ما انخفض من الأرض، وهو المستنقع أيضًا. وهذا يعم ما يفسد فيه الماء، وما لا يفسد، لكن مقصود الحديث: ما يفسد فيه الماء.

و(قوله: سقوا ورعوا) يقال: سقى وأسقى بمعنى واحد. وقيل: سقيته: ناولته ما يشرب، وأسقيته: جعلت له سقيا. ورعوا: من الرعي، وقد رويته عن بعض المقيَّدين: زرعوا، من الزرع وكلاهما صحيح.

و(قوله: فذلك مثل من فقه في دين الله ونفعه الله بما بعثني الله به فعلم وعلَّم) هذا مثال الطائفة الأولى.

و(قوله: ومثل من لم يقبل هدى الله الذي أرسلت به) مثال الطائفة الثالثة، وسكت عن الثانية إما لأنها قد دخلت في الأولى بوجه، لأنَّها قد حصل منها نفع في الدين، وإمَّا لأنه أخبر بالأهم فالأهم، وهما الطائفتان المتقابلتان: العليا، والسفلى. والله تعالى أعلم.

ص: 84

[2203]

وعنه عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ مَثَلِي وَمَثَلَ مَا بَعَثَنِيَ اللَّهُ بِهِ كَمَثَلِ رَجُلٍ أَتَى قَومَهُ فَقَالَ: يَا قَومِ إِنِّي رَأَيتُ الجَيشَ بِعَينَيَّ، وَإِنِّي أَنَا النَّذِيرُ العُريَانُ فَالنَّجَاءَ، فَأَطَاعَهُ طَائِفَةٌ مِن قَومِهِ فَأَدلَجُوا فَانطَلَقُوا عَلَى مُهلَتِهِم، وَكَذَّبَت طَائِفَةٌ مِنهُم فَأَصبَحُوا مَكَانَهُم فَصَبَّحَهُم الجَيشُ فَأَهلَكَهُم وَاجتَاحَهُم، فَذَلِكَ مَثَلُ مَن أَطَاعَنِي وَاتَّبَعَ مَا جِئتُ بِهِ، وَمَثَلُ مَن عَصَانِي وَكَذَّبَ مَا جِئتُ بِهِ مِن الحَقِّ.

رواه البخاريُّ (6482)، ومسلم (2283)(16).

ــ

وقوله في الحديث الآخر: إنما مثلي ومثل ما بعثني الله به كمثل رجل أتى قومه، فقال: يا قوم! إني رأيت الجيش بعيني) هذا ضرب مثل لحاله في الإنذار، ولأحوال السَّامعين لإنذاره، فإنَّه أنذرهم بما علمه من عقاب الله، وبما يتخوف عليهم من فجأته، فمن صدَّقه نجا، ومن أعرض عنه هلك. وهذا بخلاف التمثيل في الحديث الأوَّل، فإنَّ ذلك بالنسبة إلى تحصيل العلم والانتفاع به، وإلى الإعراض عنه، فهما مثلان مختلفان.

و(قوله: وإنِّي أنا النذير العُريان) هذا مثل، قيل كان أصله: أن رجلًا مُعيَّنًا سلبه العدو، فانفلت منهم، فأنذر قومه عريانًا. وقيل: كان الرَّجُل من العرب إذا رأى ما يوجب إنذار قومه تجرَّد من ثيابه، وأشار إليهم ليعلمهم بما دهمهم، وهذا أشبه، وأليق بمقصود الحديث.

والنجاء: السرعة، وهو منصوب على المصدر، وهو بالمد، وقيل: بالقصر. حكاه أبو زيد (1)، ولو تكرر لفظه لوجب نصبه.

وأدلجوا: ساروا من أول الليل إدلاجًا، والاسم: الدَّلج، والدَّلجة - بفتح الدال - والادلاج: الخروج من آخر الليل، والمصدر: الادلاج، والاسم: الدُّلجة

(1) هو سعيد بن أوس بن ثابت الأنصاري، من أئمة الأدب واللغة في البصرة، توفي سنة 215 هـ.

ص: 85

[2204]

وعن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّمَا مَثَلِي وَمَثَلُ أُمَّتِي كَمَثَلِ رَجُلٍ استَوقَدَ نَارًا، فَجَعَلَت الدَّوَابُّ وَالفَرَاشُ يَقَعنَ فِيهِ فَأَنَا آخِذٌ بِحُجَزِكُم وَأَنتُم تَقَحَّمُونَ فِيهِ.

رواه البخاريُّ (6483)، ومسلم (2284)(17)، والترمذيُّ (2877).

[2205]

وعن جابر مثله، وقال: وأنتم تفلتون من يدي.

رواه مسلم (2285)(19).

* * *

ــ

- بضم الدال - قال ابن قتيبة: ومن الناس من يجيز الوجهين في كل واحد منهما، كما يقال: بَرهةً من الدَّهر، وبُرهة.

واجتاحهم: أهلكهم، واستأصلهم. يقال: جاحَتهُم السَّنَةُ، تجوحهم جَوحًا، وجياحة. واجتاحتهم، تجتاحهم، اجتياحة.

و(قوله: استوقد نارًا) أي: أوقدها، والسِّين والتاء زائدتان.

والجَنَادِب (1): جمع جُندَب - بفتح الدَّال وضمها - وهي: الجرادة. هذا هو المعروف من اللغة. وقال أبو حاتم: الجندب على خلقة الجرادة، له أربعة أجنحة يصرر بالليل صرًّا شديدًا.

والفراش قال الفراء: هو غوغاء الجراد التي تنفرش وتتراكب. وقال غيره: هو الطير الذي يتساقط في النار وفي السراج.

قلت: وهذا أشبه بما في الحديث.

والحجز جمع حجزة، وهي معقد الإزار والسراويل. ويقال: تحاجز القوم، إذا أخذ بعضهم بحجزة بعض، وإذا أراد الرجل إمساك من يخاف سقوطه أخذ بذلك الموضع منه.

والتقحُّم: هو التهجُّم على الشيء من غير

(1) هذه اللفظة ليست في حديث أبي هريرة الذي أورده في التلخيص، وإنما هي في حديث جابر في صحيح مسلم برقم (2285)(19).

ص: 86