الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم
-
[2322]
عَن أَبِي عُثمَانَ قَالَ: لَم يَبقَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعضِ تِلكَ الأَيَّامِ الَّتِي قَاتَلَ فِيهِنَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَيرُ طَلحَةَ وَسَعدٍ، عَن حَدِيثِهِمَا.
رواه البخاري (3722 و 3723)، ومسلم (2414).
ــ
و(قوله: {مَا عَلَيكَ مِن حِسَابِهِم مِن شَيءٍ} أي: من جزائهم، ولا كفاية رزقهم، أي: جزاؤهم ورزقهم، وجزاؤك ورزقك على الله تعالى، لا على غيره، فكأنه يقول: وإذا كان الأمر كذلك: فأقبل عليهم وجالسهم، ولا تطردهم مراعاة لحق من ليس على مثل حالهم في الدِّين والفضل. فإن فعلت كنت ظالِمًا، وحاشاه من وقوع ذلك منه، وإنَّما هذا بيان للأحكام، ولئلا يقع مثل ذلك من غيره من أهل الإسلام. وهذا نحو قوله تعالى:{لَئِن أَشرَكتَ لَيَحبَطَنَّ عَمَلُكَ} وقد علم الله منه: أنه لا يشرك، ولا يحبط عمله.
و(قوله: {فَتَكُونَ مِنَ الظَّالِمِينَ} نصب بالفاء في جواب النفي، وقد تقدم: أن أصله وضع الشيء في غير موضعه، ويحصل من فوائد الآية والحديث: النهي عن أن يُعظم أحدٌ لجاهه، وأثوابه، وعن أن يحتقر أحد لخموله، ورثاثة أثوابه.
(40)
ومن باب: فضائل طلحة بن عبيد الله. . .
طلحة بن عبيد الله بن عثمان بن كعب بن سعد بن تيم بن مرة بن كعب بن لؤي. شهد مع رسول الله صلى الله عليه وسلم المشاهد كلها إلا بدرًا، فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كان بعثه
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
وسعيد بن زيد يتجسَّسان خبر عير قريش، فلقيا رسول الله صلى الله عليه وسلم منصرفه من بدر، فضرب لهما رسول الله صلى الله عليه وسلم بسهمهما وأجرهما، فكانا كمن شهدها، وسَمَّاه رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ: طلحة الخير، ويوم ذات العشيرة: طلحة الفياض، ويوم حنين: طلحة الجود. وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ووقى النبي صلى الله عليه وسلم بيده فشلت أصبعاه، وجرح يومئذ أربعًا وعشرين جراحة، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة. وجملة ما روي عنه من الحديث: ثمانية وثلاثون حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين سبعة، وقتل يوم الجمل، وكان يوم الخميس لعشر خلون من جمادى الآخرة سنة ست وثلاثين، ويقال: إن سهمًا غَربًا (1) أتاه فوقع في حلقه فقال: بسم الله {وَكَانَ أَمرُ اللَّهِ قَدَرًا مَقدُورًا} ويقال: إن مروان بن الحكم قتله. ودفن بالبصرة، وهو ابن ستين سنة، وقيل: ابن اثنتين وستين سنة، وقيل: ابن أربع.
وأما الزبير رضي الله عنه فيكنى أبا عبد الله بولده عبد الله، لأنَّه كان أكبر أولاده، وهو الزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي بن كلاب، أمه: صفية بنت عبد المطلب عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم أسلمت وأسلم الزبير، وهو ابن ثمان سنين، وقيل: ابن ست عشرة سنة، فعذَّبه عمُّه بالدخان لكي يرجع عن الإسلام فلم يفعل. هاجر إلى أرض الحبشة الهجرتين، ولم يتخلف عن غزوة غزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو أول من سل سيفًا في سبيل الله، وكان عليه يوم بدر ريطة (2) صفراء قد اعتجر بها، وكان على الميمنة فنزلت الملائكة على سيماه، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، وبايعه على الموت، فقتل يوم الجمل، وهو ابن خمس وسبعين سنة. وقيل: خمس وستين. وقيل: بضع وخمسون. قتله
(1) هو السهم الذي لا يُعرف راميه.
(2)
"ريطة": هي الملاءة كلها نسج واحد وقطعة واحدة. وكل ثوب لين رقيق.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
ابن جرموز، وكان من (1) أصحاب علي، فأُخبر عليٌّ بذلك فقال: بشِّر قاتل ابن صفية بالنار. وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وروي عنه من الحديث مثل ما روي عن طلحة، وله في الصحيحين مثل ما له سواء.
وأما أبو عبيدة رضي الله عنه فاسمه: عامر بن عبد الله بن الجراح بن هلال بن أهيب بن ضبَّة بن الحارث بن فهر بن مالك بن النضر بن كنانة، أسلم قديما مع عثمان بن عفان رضي الله عنهما وهاجر إلى الحبشة الهجرة الثانية، وشهد بدرًا، والمشاهد كلها، وثبت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم أحد، ونزع يومئذ بثنيتيه الحلقتين اللتين دخلتا في وجنتي رسول الله صلى الله عليه وسلم فوقعت ثنيتاه، فكان أهتم (2)، وكان من أحسن الناس هتمًا، يزينه هتمه، وهو أحد العشرة المشهود لهم بالجنة، وولي فتح الشام وحروبها، ومات في طاعون عمواس بالأردن، وقبر ببيسان وهو ابن ثمان وخمسين سنة.
و(قول أبي عثمان النهدي: لم يبق مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض تلك الأيام التي قاتل فيهن رسول الله صلى الله عليه وسلم غير طلحة وسعد) يعني بذلك: يوم أحد، وقد قدمنا: أن طلحة ثبت يومئذ، ووقى النبي صلى الله عليه وسلم بيده فشلَّت أصبعاه، وجرح يومئذ أربعًا وعشرين جراحة.
و(قوله: عن حديثهما) هذا من قول الراوي عن أبي عثمان، وهو: المعتمر بن سليمان، ويعني به: أن أبا عثمان إنما حدَّث بثبوت طلحة وسعد عنهما، لا أنه شاهد هو ثبوتهما، فإنَّه تابعي لا صحابي، ولا أنه حدَّث بذلك عن غيرهما، بل عنهما. هما حدَّثاه بذلك. واتفق لطلحة في ذلك اليوم أن النبي صلى الله عليه وسلم أثقل بالجراح، وكان عليه درعان، فنهض ليصعد على صخرة كانت هنالك، فلم يستطع، فحنى
(1) في (ع) و (م 4): في.
(2)
"أهتم": تكسَّرت ثناياه من أطرافها أو من أصولها.
[2323]
وعَن جَابِرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: نَدَبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم النَّاسَ يَومَ الخَندَقِ فَانتَدَبَ الزُّبَيرُ، ثُمَّ نَدَبَهُم فَانتَدَبَ الزُّبَيرُ، ثُمَّ نَدَبَهُم فَانتَدَبَ الزُّبَيرُ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: لِكُلِّ نَبِيٍّ حَوَارِيٌّ وَحَوَارِيَّ الزُّبَيرُ.
رواه أحمد (3/ 314)، والبخاريُّ (2846)، ومسلم (2415)، والنسائي في الكبرى (8211)، وابن ماجه (122).
[2324]
وعَن عَبدِ اللَّهِ بنِ الزُّبَيرِ قَالَ: كُنتُ أَنَا وَعُمَرُ بنُ أَبِي سَلَمَةَ يَومَ الخَندَقِ مَعَ النِّسوَةِ فِي أُطُمِ حَسَّانَ، فَكَانَ يُطَأطِئُ لِي مَرَّةً فَأَنظُرُ، وَأُطَأطِئُ لَهُ مَرَّةً فَيَنظُرُ، فَكُنتُ أَعرِفُ أَبِي إِذَا مَرَّ عَلَى فَرَسِهِ فِي السِّلَاحِ إِلَى
ــ
طلحة ظهره لاصقًا بالأرض حتى صعد النبي صلى الله عليه وسلم على ظهره حتى رقى على الصخرة، فقال النبي صلى الله عليه وسلم: أوجب طلحة (1) أي: أوجب له ذلك الفعل الثواب الجزيل عند الله، والمنزلة الشريفة. وروى جابر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: من سرَّه أن ينظر إلى شهيد يمشي على وجه الأرض، فلينظر إلى طلحة بن عبيد الله (2). وقال النبي صلى الله عليه وسلم: طلحة بن عبيد الله ممن قضى نحبه (3) أي: ممن وفَّى بنذره، وقام بواجباته.
و(قوله: ندب رسول الله صلى الله عليه وسلم الناس فانتدب الزبير) أي: رغبهم في الجهاد، وحضهم عليه، فأجاب الزبير ثلاث مرات، وعند ذلك قال له النبي صلى الله عليه وسلم: لكل نبي حواري، وحواري الزبير. أي: خاصتي، والمفضل عندي، وناصري، وقد تقدم إيعاب القول فيه في الإيمان. والأطم: بضم الهمزة، والطاء المهملة: هو االحِصن، ويجمع: آطام، بمد الهمزة، وبكسرها. مثل: آكام وإكام.
(1) رواه أحمد (1/ 165)، والترمذي (1692).
(2)
رواه الترمذي (3739)، وابن ماجه (125).
(3)
رواه الترمذي: (3740)، وابن ماجه (126 و 127).
بَنِي قُرَيظَةَ قَالَ: فَذَكَرتُ ذَلِكَ لِأَبِي فَقَالَ: وَرَأَيتَنِي يَا بُنَيَّ؟ قُلتُ: نَعَم. قَالَ: أَمَا وَاللَّهِ لَقَد جَمَعَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومَئِذٍ أَبَوَيهِ فَقَالَ: فَدَاكَ أَبِي وَأُمِّي.
رواه أحمد (1/ 164)، والبخاريُّ (3720)، ومسلم (2416)، والترمذيُّ (3743)، وابن ماجه (123).
[2325]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ عَلَى حِرَاءٍ هُوَ وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعُثمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلحَةُ وَالزُّبَيرُ فَتَحَرَّكَت الصَّخرَةُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اهدَأ فَمَا عَلَيكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَو صِدِّيقٌ أَو شَهِيدٌ.
ــ
و(قوله: لقد جمع لي رسول الله صلى الله عليه وسلم أبويه يومئذ فقال: فداك أبي وأمي) هو بفتح الفاء والقصر، فعل ماض، فإن كسرت مَدَدت، وهذا الحديث يدل على أنَّ النبي صلى الله عليه وسلم جمع أبويه لغير سعد بن أبي وقاص، وحينئذ يشكل بما رواه الترمذي من قول علي: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ما جمع أبويه لأحد إلا لسعد، وقال له يوم أحد: فداك أبي وأمي (1). ويرتفع الإشكال بأن يقال: إن عليًّا أخبر بما في علمه، ويحتمل أن يريد به أنه لم يقل ذلك في يوم أحد لأحد غيره، والله تعالى أعلم.
وحراء: جبل بمكة، وهو بكسر الحاء ممدود، ويُذَكَّر فيصرف، ويؤنَّث فلا يصرف، وقد أخطأ من فتح حاءه، ومن قصره.
و(قوله: فتحركت الصخرة، فقال: اهدأ فما عليك) كذا صحَّ هذا اللَّفظ هنا بسكون الهمزة على أنه أمر من هدأ المذكر، وعليك: بفتح كاف خطاب المذكر، مع أنه افتتح الكلام بذكر الصخرة، فكان حق خطابها أن يقال: اهدئي فما عليك، فتخاطب خطاب المؤنث، لكنه لما كانت تلك الصخرة جبلًا خاطبها خطاب المذكر، وقد تقدَّم مثل هذا كثيرًا.
و(قوله: فما عليك إلا نبي، أو صدِّيق، أو شهيد) بأو التي هي للتقسيم
(1) رواه الترمذي (2829 و 3753).
وفي رواية: فَتَحَرَّكَ الجبل؛ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اسكُن حِرَاءُ فَمَا عَلَيكَ إِلَّا نَبِيٌّ أَو صِدِّيقٌ أَو شَهِيدٌ، وَعَلَيهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ وَعُثمَانُ وَعَلِيٌّ وَطَلحَةُ وَالزُّبَيرُ وَسَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ.
رواه أحمد (2/ 419)، ومسلم (2417)، والترمذيُّ (3696).
[2326]
وعَن عُروَةَ بن الزبير قَالَ: قَالَت لِي عَائِشَةُ: كَانَ أَبوكَ مِنَ الَّذِينَ استَجَابُوا لِلَّهِ وَالرَّسُولِ مِن بَعدِ مَا أَصَابَهُم القَرحُ.
رواه البخاريُّ (4077)، ومسلم (2418)(52).
ــ
والتنويع، فالنبي: رسول الله صلى الله عليه وسلم، والصِّدِّيق: أبو بكر، والشهيد: من بقي رضي الله عنهم وهذا من دلائل صحة نبوَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّ هؤلاء كلهم قتلوا شهداء. فأمَّا عمر: فقتله العلج، وأما عثمان فقتل مظلومًا، وعلي: غيلة، وأما طلحة والزبير: فقتلا يوم الجمل منصرفين عنه تاركين له، وأما أبو عبيدة فمات بالطاعون، والموت فيه شهادة.
و(قول عائشة لعروة: كان أبوك من الذين استجابوا لله والرسول من بعد ما أصابهم القرح) استجابوا: أجابوا، والسين والتاء: زائدتان، كما قال الشاعر:
وداعٍ دعا يا من يُجيب إلى الندا
…
فلم يَستجِبهُ عند ذاك مجيبُ
أي: لم يجبه. والقرح: الجراح. وإشارة عائشة رضي الله عنها إلى ما جرى في غزوة حمراء الأسد وهو موضع على نحو ثمانية أميال من المدينة، وكان من حديثها: أن النبي صلى الله عليه وسلم لما رجع إلى المدينة من أحد بمن بقي من أصحابه، وأكثرهم جريح، وقد بلغ منهم الجهد، والمشقة نهايته، أمرهم بالخروج في أثر العدوِّ مرهبًا لهم، وقال: لا يخرجن إلا من كان شهد أحدًا (1) فخرجوا على ما بهم من الضَّعف
(1) ذكره ابن هشام في السيرة (2/ 101).
[2327]
وعن أَنَس بن مالك قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ لِكُلِّ أُمَّةٍ أَمِينًا، وَإِنَّ أَمِينَنَا - أَيَّتُهَا الأُمَّةُ - أَبُو عُبَيدَةَ بنُ الجَرَّاحِ.
ــ
والجراح، وربما كان فيهم المثقل بالجراح لا يستطيع المشي، ولا يجد مركوبًا، فربما يحمل على الأعناق، كل ذلك امتثالٌ لأمر رسول الله صلى الله عليه وسلم ورغبة في الجهاد والشهادة حتى وصلوا إلى حمراء الأسد، فلقيهم نعيم بن مسعود، فأخبرهم: أن أبا سفيان بن حرب، ومن معه من قريش قد جمعوا جموعهم، وأجمعوا رأيهم على أن يرجعوا إلى المدينة، فيستأصلوا أهلها، فقالوا ما أخبرنا الله به عنهم:{حَسبُنَا اللَّهُ وَنِعمَ الوَكِيلُ} وبينا قريش قد أجمعوا على ذلك، إذ جاءهم معبد الخزاعي، وكانت خزاعة حلفاء النبي صلى الله عليه وسلم وعيبة نُصحه، وكان قد رأى حال أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم وما هم عليه، ولما رأى عزم قريش على الرجوع، واستئصال أهل المدينة حمله خوف ذلك، وخالص نصحه للنبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه على أن خوَّف قريشًا بأن قال لهم: إني قد تركت محمدًا وأصحابه بحمراء الأسد في جيش عظيم، قد اجتمع له كل من تخلف عنه، وهم قد تحرَّقوا عليكم، وكأنهم قد أدركوكم، فالنجاء النجاء، وأنشدهم شعرًا (1)، يعظِّم فيه جيش محمدٍ صلى الله عليه وسلم ويكثرهم، وهو مذكور في كتب السير، فقذف الله في قلوبهم الرُّعب، ورجعوا إلى مكة مسرعين خائفين، ورجع النبي صلى الله عليه وسلم في أصحابه إلى المدينة مأجورًا منصورًا، كما قال تعالى:{فَانقَلَبُوا بِنِعمَةٍ مِنَ اللَّهِ وَفَضلٍ لَم يَمسَسهُم سُوءٌ وَاتَّبَعُوا رِضوَانَ اللَّهِ وَاللَّهُ ذُو فَضلٍ عَظِيمٍ} وقوله تعالى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم فَاخشَوهُم} يعني به نعيم بن مسعود الذي خوَّف أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقوله:{إِنَّ النَّاسَ قَد جَمَعُوا لَكُم} يعني به: قريشًا.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: إن لكل أمة أمينًا وأميننا - أيتها الأمة - أبو عبيدة بن الجراح) الأمانة: ضد الخيانة، وهي عبارة عن: قوَّة الرجل على القيام بحفظ ما يوكل إلى
(1) انظر السيرة النبوية لابن هشام (2/ 103).
رواه أحمد (3/ 133)، والبخاريُّ (4382)، ومسلم (2419)(53).
ــ
حفظه، ويخلّى بينه وبينه. وهي مأخوذة من قولهم: ناقة أمون، أي: قوية على الحمل والسير، فكأن الأمين هو الذي يوثق به في حفظ ما يوكل إلى أمانته حتى يؤدِّيه لقوَّته على ذلك. وكان أبو عبيدة قد خصَّه الله تعالى من هذا الحظ الأكبر، والنصيب الأكثر، بحيث شهد له بذلك المعصوم، وصار له ذلك الاسم، والعلم المعلوم، وقد ظهر ذلك من حاله للعيان حتى استوى في معرفته كل إنسان، وذلك أن عمر رضي الله عنه لما قدم الشام متفقِّدًا أحوال الناس والأمراء، ودخل منازلهم، وبحث عنهم أراد أن يدخل منزل أبي عبيدة، وهو أمير على الشام، قد فتحت عليه بلاده وترادفت عليه فتوحاته، وخيراته، واجتمعت له كنوزه، وأمواله، فلما كلَّمه عمر رضي الله عنه في ذلك، قال له: يا أمير المؤمنين! والله لئن دخلت منزلي لتعصرن عينيك، فلما دخل منزله لم يجد فيه شيئًا يردُّ البصر أكثر من سلاحه وأداة رحل بعيره، فبكى عمر رضي الله عنه وقال: صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم: أنت أمين هذه الأمَّة أو كما قال.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم قد أخبر عن كل واحد من أعيان أصحابه رضي الله عنهم بما غلب عليه من أوصافه، وإن كانوا كلهم فضلاء، علماء، حكماء، مختارين لمختار، فقال صلى الله عليه وسلم فيما رواه الترمذي من حديث أنس بن مالك: أرحم أمتي بأمتي: أبو بكر، وأشدهم في أمر الله: عمر، وأصدقهم حياءً: عثمان، وأعلمهم بالحلال والحرام: معاذ، وأفرضهم: زيد، وأقرؤهم: أُبي، ولكل أمَّة أمين. وأمين هذه الأمَّة: أبو عبيدة (1). ومن حديث عبد الله بن عمرو: ما أظلت الخضراء، ولا أقلَّت الغبراء أصدق لهجة من أبي ذر (2).
و(قوله: أيتها الأمَّة) هو منادى محذوف حرف النداء. والأمَّة: نعته
(1) رواه الترمذي (3790 و 3791).
(2)
رواه الترمذي (3801 و 3802).
[2328]
وعنه: أَنَّ أَهلَ اليَمَنِ قَدِمُوا عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: ابعَث مَعَنَا رَجُلًا يُعَلِّمنَا السُّنَّةَ وَالإِسلَامَ. قَالَ: فَأَخَذَ بِيَدِ أَبِي عُبَيدَةَ فَقَالَ: هَذَا أَمِينُ هَذِهِ الأُمَّةِ.
رواه مسلم (2419)(54).
[2329]
وعَن حُذَيفَةَ قَالَ: جَاءَ أَهلُ نَجرَانَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ ابعَث إِلَينَا رَجُلًا أَمِينًا، فَقَالَ: لَأَبعَثَنَّ إِلَيكُم رَجُلًا أَمِينًا حَقَّ أَمِينٍ. قَالَ: فَاستَشرَفَ لَهَا النَّاسُ، قَالَ: فَبَعَثَ أَبَا عُبَيدَةَ بنَ الجَرَّاحِ.
رواه أحمد (5/ 385)، والبخاريُّ (3745)، ومسلم (2420)(55)، والترمذيُّ (3796)، وابن ماجه (135).
* * *
ــ
مرفوعًا، والأفصح: نصبها على الاختصاص، وحكى سيبويه: اللهم اغفر لنا أيتها العِصابةَ بالنصب.
و(قوله: لأبعثن إليكم رجلًا أمينًا حق أمين) هو بنصب حق أمين على أنه مصدر مضاف، وهو في موضع الصِّفة تقديره أمينًا محققًا في أمانته.
و(قوله: فاستشرف لها الناس) أي: تشوَّفوا، وتعرَّضوا لمن هو الموجَّه معهم، وكلُّهم يحرصُ على أن يكون هو المَعنِيُّ، إذ كل واحد منهم أمين.
* * *