الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا
[2583]
عن عَبدَ اللَّهِ بنَ عَمرِو بنِ العَاصِ، أَنَّهُ سَمِعَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ قُلُوبَ بَنِي آدَمَ كُلَّهَا بَينَ إِصبَعَينِ مِن أَصَابِعِ الرَّحمَنِ، كَقَلبٍ وَاحِدٍ يُصَرِّفُهُ حَيثُ يَشَاءُ،
ــ
(8)
ومن باب: تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا (1)
(قوله: قلوب بني آدم بين إصبعين من أصابع الرحمن كقلب واحد، يصرفه كيف يشاء) ظاهر الإصبع محال على الله تعالى قطعا لما قلناه آنفا، ولأنه لو كانت له أعضاء وجوارح؛ لكان كل جزء منه مفتقرا للآخر، فتكون جملته محتاجة، وذلك يناقض الإلهية، وقد تأول بعض أئمتنا هذا الحديث فقال: هذا استعارة جارية مجرى قولهم: فلان في كفي، وفي قبضتي. يراد به أنه متمكن من التصرف فيه والتصريف له، كيف شاء، وأمكن من ذلك في المعنى، مع إفادة التيسير أن يقال: فلان بين إصبعيّ، أصرفه كيف شئت. يعني: أن التصرف متيسر عليه غير متعذر. وقال بعضهم: يحتمل أن يريد بالإصبع هنا النعمة. وحكي أنه يقال: لفلان عندي إصبع حسنة، أي: نعمة. كما قيل في اليد. فإن قيل: فلأي شيء ثنى الإصبع، ونعمه كثيرة لا تحصى؛ قلنا: لأن النعم وإن كانت كذلك، فهي قسمان: نفع ودفع، فكأنه قال: قلوب بني آدم بين أن يصرف الله عنها ضرا، وبين أن يوصل إليها نفعا.
(1) هذا العنوان لم يردْ في نسخ المفهم، واستدركناه من التلخيص.
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ مُصَرِّفَ القُلُوبِ صَرِّف قُلُوبَنَا إلَى طَاعَتِكَ.
رواه أحمد (2/ 168)، ومسلم (2654).
[2584]
وعَن ابنِ عَبَّاسٍ قَالَ: مَا رَأَيتُ شَيئًا أَشبَهَ بِاللَّمَمِ مِمَّا قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ
ــ
قلت: وهذا لا يتم حتى يقال: إن بني آدم - هنا - يراد بهم الصالحون الذين تولى الله حفظ قلوبهم. وأما الكفار والفساق، فقد أوصل الله تعالى إلى قلوبهم ما شاءه وبهم من الطبع والختم والرين، وغير ذلك. وحينئذ يخرج الحديث عن مقصوده، فالتأويل الأول أولى، وقد قلنا: إن التسليم الطريق السليم.
و(قوله: اللهم مصرف القلوب صرف قلوبنا إلى طاعتك) هذا الكلام يعضد ذلك التأويل الأول، وقد وقع هذا الحديث في غير كتاب مسلم فقال: يا مقلب القلوب ثبت قلوبنا على طاعتك. وهما بمعنى واحد؛ وحاصله: أن أحوال القلوب منتقلة غير ثابتة ولا دائمة. فحق العاقل أن يحذر على قلبه من قلبه، ويفزع إلى ربه في حفظه.
و(قوله: ما رأيت شيئا أشبه باللمم مما قال أبو هريرة) هذا من ابن عباس تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ يَجتَنِبُونَ كَبَائِرَ الإِثمِ وَالفَوَاحِشَ إِلا اللَّمَمَ} وهي ما دون الكبائر. والفواحش: هي الصغائر. وقال زيد بن ثابت رضي الله عنه: هي ما ألمّوا به في الجاهلية. وقيل: هي مقاربة المعصية من غير إلمام. وقيل: الذنب الذي يقلع عنه ولا يصر عليه، وقيل غير هذا. وأشبه هذه الأقوال القول الأول. وعليه يدلّ قوله صلى الله عليه وسلم: الصلوات الخمس مكفرات لما بينهن إذا اجتنبت الكبائر (1)، والفواحش: جمع فاحشة، وهي ما يُستفحش من الكبائر كالزنا بذوات المحارم، واللواط، ونحو ذلك.
(1) رواه أحمد (2/ 484)، ومسلم (233)، والترمذي (214).
أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ عَلَى ابنِ آدَمَ حَظَّهُ مِن الزِّنَا أَدرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ فَزِنَا العَينَينِ النَّظَرُ، وَزِنَا اللِّسَانِ النُّطقُ، وَالنَّفسُ تَمَنَّى وَتَشتَهِي، وَالفَرجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَو يُكَذِّبُهُ.
رواه أحمد (2/ 276)، والبخاريُّ (6612)، ومسلم (2657)(20).
[2585]
وعَن أَبِي هُرَيرَةَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كُتِبَ عَلَى ابنِ آدَمَ نَصِيبُهُ مِن الزِّنَا مُدرِكٌ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالعَينَانِ زِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالأُذُنَانِ زِنَاهُمَا الِاستِمَاعُ، وَاللِّسَانُ زِنَاهُ الكَلَامُ، وَاليَدُ زِنَاهَا البَطشُ، وَالرِّجلُ زِنَاهَا الخُطَا، وَالقَلبُ يَهوَى وَيَتَمَنَّى، وَيُصَدِّقُ ذَلِكَ الفَرجُ وَيُكَذِّبُهُ.
رواه مسلم (2657)(21).
* * *
ــ
و(قوله: إن الله كتب على ابن آدم حظه من الزنا) أي؛ قضاه وقدره، وهو: نص في الرد على القدرية.
و(قوله: مدرك ذلك لا محالة) كذا صح، وهو مرفوع على أنه خبر مبتدأ مضمر، أي: فهو مدرك ذلك ولا محالة، أي: لا بد من وقوع ذلك منه.
و(قوله: فالعينان زناهما النظر، والأذنان زناهما الاستماع، واللسان زناه الكلام، واليد زناها البطش، والرجل زناها الخطا، والقلب يهوى ويتمنى) يعني: أن هواه وتمنيه هو زناه. وإنَّما أطلق على هذه الأمور كلها: زنا، لأنَّها مقدماتها، إذ لا يحصل الزنا الحقيقي في الغالب إلا بعد استعمال هذه الأعضاء في تحصيله. والزنا الحقيقي: هو إيلاج الفرج المحرم شرعا في مثله. ألا ترى قوله: ويصدق ذلك الفرج ويكذبه يعني: إن حصل إيلاج الفرج الحقيقي، ثم