الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه
-
[2446]
عَن عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، قَالَ: إِنِّي سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: إِنَّ خَيرَ التَّابِعِينَ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ أُوَيسٌ، وَلَهُ وَالِدَةٌ، وَكَانَ بِهِ بَيَاضٌ فَمُرُوهُ فَليَستَغفِر لَكُم.
رواه أحمد (1/ 38)، ومسلم (2542)(224).
ــ
حرم على صحابي فتحريمه على غيره أولى. وأيضًا: فإنَّ خطابه صلى الله عليه وسلم للواحد خطاب للجميع، وخطابه للحاضرين خطاب للغائبين إلى يوم القيامة. والنصيف لغة: في النصف، وكذلك الثمين لغة: في الثمن.
وفي هذا الحديث دلالة واضحة على أن الصحابة - رضوان الله عليهم - لا يلحقهم أحد ممن بعدهم في فضلهم كما تقدم (1).
(82)
ومن باب ما ذكر في أويس القرني رضي الله عنه
اختلف في نسبه، فقيل: أويس بن عامر بن جزء بن مالك، وهو الصحيح. وقيل: أويس بن أنيس، وقيل: أويس بن الخليص المرادي، ثم القرني - بفتح الراء - منسوب إلى قرن، قبيلة معروفة. كان رحمه الله من أولياء الله المختفين الذين لا يؤبه لهم، ولولا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر عنه، ووصفه بوصفه، ونعته، وعلامته لما عرفه أحد، وكان موجودًا في حياة رسول الله صلى الله عليه وسلم وآمن به، وصدَّقه، ولم يلقه، ولا كاتبه، فلم يعد في الصحابة. وقد أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أنه من التابعين حيث قال: إنَّه خير التابعين. وقد اختلف في زمن موته، فروي عن عبد الله بن
(1) زاد في (ز): رضي الله عنهم وعن تابعيهم بإحسان.
[2447]
وعَن أُسَيرِ بنِ جَابِرٍ قَالَ: كَانَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ إِذَا أَتَى عَلَيهِ أَمدَادُ أَهلِ اليَمَنِ، سَأَلَهُم: أَفِيكُم أُوَيسُ بنُ عَامِرٍ؟ حَتَّى أَتَى عَلَى أُوَيسٍ، فَقَالَ: أَنتَ أُوَيسُ بنُ عَامِرٍ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: مِن مُرَادٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: فَكَانَ بِكَ بَرَصٌ فَبَرَأتَ مِنهُ إِلَّا مَوضِعَ دِرهَمٍ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: لَكَ وَالِدَةٌ؟ قَالَ: نَعَم. قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَأتِي عَلَيكُم أُوَيسُ بنُ عَامِرٍ مَعَ أَمدَادِ أَهلِ اليَمَنِ مِن مُرَادٍ، ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنهُ إِلَّا مَوضِعَ دِرهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَو أَقسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِن استَطَعتَ أَن يَستَغفِرَ لَكَ فَافعَل. فَاستَغفِر لِي، فَاستَغفَرَ لَهُ،
ــ
مسلم قال: غزونا أذربيجان زمن عمر بن الخطاب رضي الله عنه ومعنا أويس القرني، فلما رجعنا مرض علينا، فحملناه فلم يستمسك فمات، فنزلنا، فإذا قبر محفور، وماء مسكوب، وكفن وحنوط، فغسلناه، وكفَّناه، وصلينا عليه، فقال بعضنا لبعض: لو رجعنا فعلمنا قبره، فإذا لا قبر ولا أثر.
وروي عن عبد الرحمن بن أبي ليلى قال: نادى رجل من أهل الشام يوم صفين: أفيكم أويس القرني؟ فقلنا: نعم، قال: إني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أويس القرني خير التابعين بإحسان (1). وعطف دابته فدخل مع أصحاب علي. قال عبد الرحمن: توجد في قتلى أصحاب علي رضي الله عنهما.
وله أخبار كثيرة، وكرامات ظاهرة، ذكرها أبو نعيم، وأبو الفرج الجوزي في كتبهما. وأويس تصغير أوس، وأوس: الذئب، وبه سمِّي الرجل، وقيل: إنه سمِّي بأوس الذي هو مصدر أُست، الرجل أوسًا: إذا أعطيته، فالأوس: العطية.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: إن استعطت أن يستغفر لك فافعل) لا يُفهم منه أنه أفضل من
(1) ذكره ابن سعد في الطبقات (6/ 163).
فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: أَينَ تُرِيدُ؟ قَالَ: الكُوفَةَ. قَالَ: أَلَا أَكتُبُ لَكَ إِلَى عَامِلِهَا؟ قَالَ: أَكُونُ فِي غَبرَاءِ النَّاسِ أَحَبُّ إِلَيَّ. قَالَ: فَلَمَّا كَانَ مِن العَامِ المُقبِلِ حَجَّ رَجُلٌ مِن أَشرَافِهِم فَوَافَقَ عُمَرَ فَسَأَلَهُ عَن أُوَيسٍ. قَالَ: تَرَكتُهُ رَثَّ البَيتِ قَلِيلَ المَتَاعِ، قَالَ: سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يَأتِي عَلَيكُم أُوَيسُ بنُ عَامِرٍ مَعَ أَمدَادِ أَهلِ اليَمَنِ مِن مُرَادٍ ثُمَّ مِن قَرَنٍ، كَانَ بِهِ بَرَصٌ فَبَرَأَ مِنهُ إِلَّا مَوضِعَ دِرهَمٍ، لَهُ وَالِدَةٌ هُوَ بِهَا بَرٌّ، لَو أَقسَمَ عَلَى اللَّهِ لَأَبَرَّهُ، فَإِن استَطَعتَ
ــ
عمر، ولا أن عمر غير مغفور له، للإجماع على أن عمر رضي الله عنه أفضل منه، ولأنَّه تابعي، والصحابي أفضل من التابعي، على ما بيناه غير مرَّة، وإنَّما مضمون ذلك: الإخبار بأن أويسًا ممن يستجاب دعاؤه. وإرشاد عمر إلى الازدياد من الخير، واغتنام دعوة من ترتجى إجابته، وهذا نحو مما أمرنا النبي صلى الله عليه وسلم به من الدعاء له، والصلاة عليه، وسؤال الوسيلة له، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم أفضل ولد آدم. ويروى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال لرجل خرج ليعتمر: أشركنا في دعائك يا أُخي (1).
و(قوله: في أمداد أهل اليمن) أي: في جماعاتهم، جمع مدد، وذلك أنهم يمد بهم القوم الذين يقدمون عليهم.
و(قوله: أحدث عهدًا) أي: أقرب، وعهدًا: منصوب على التمييز، كقوله تعالى:{هُم أَحسَنُ أَثَاثًا وَرِئيًا}
و(قوله: أكون في غبراء الناس) الرواية الجيدة فيه: بفتح الغين المعجمة، وسكون الباء الموحدة، وهمزة ممدودة، ويعني به: فقراء الناس وضعفاءهم. والغبراء: الأرض، ويقال للفقراء: بنو غبراء، كأن الفقر والحاجة ألصقتهم بها، كما قال تعالى:{أَو مِسكِينًا ذَا مَترَبَةٍ} أي: ذا حاجة ألصقته بالتراب،
(1) رواه أحمد (1/ 29)، والترمذي (3562).
أَن يَستَغفِرَ لَكَ فَافعَل. فَأَتَى أُوَيسًا. فَقَالَ: استَغفِر لِي، قَالَ: أَنتَ أَحدَثُ عَهدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاستَغفِر لِي، قال: استَغفِر لِي، قَالَ: أَنتَ أَحدَثُ عَهدًا بِسَفَرٍ صَالِحٍ، فَاستَغفِر لِي، قَالَ: . فَاستَغفَرَ لَهُ، فَفَطِنَ لَهُ النَّاسُ فَانطَلَقَ عَلَى وَجهِهِ، قَالَ أُسَيرٌ: وَكَسَوتُهُ بُردَةً، فَكَانَ كُلَّمَا رَآهُ إِنسَانٌ قَالَ: مِن أَينَ لِأُوَيسٍ هَذِهِ البُردَةُ؟
رواه مسلم (2542)(225).
* * *
ــ
ومن هذا سموا الفقر: أبا متربة. وقد روي ذلك اللفظ في غبر الناس - بضم الغين وتشديد الباء - جمع غابر، نحو: شاهد وشُهَّد، ويعني به: بقايا الناس ومتأخريهم، وهم ضعفاء الناس، لأنَّ وجوه الناس ورؤساءهم يتقدمون للأمور، وينهضون بها، ويتفاوضون فيها، ويبقى الضعفاء لا يلتفت إليهم، ولا يؤبه بهم، فأراد أويس أن يكون خاملًا بحيث يبقى لا يلتفت إليه، طالبًا السلامة، وظافرًا بالغنيمة.
وحديث أويس هذا دليل من أدلة صحَّة صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم، فإنَّه أخبر عنه باسمه، ونسبه، وصفته، وعلامته، وأنه يجتمع بعمر رضي الله عنه، وذلك كله من باب الإخبار بالغيب الواقع على نحو ما أخبر به من غير ريب.
* * *