المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

[2228]

عَن عَائِشَةَ قَالَت: قَدِمَ نَاسٌ مِن الأَعرَابِ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالُوا: أَتُقَبِّلُونَ صِبيَانَكُم؟ فَقَالُوا: نَعَم، قَالُوا: لَكِنَّا وَاللَّهِ مَا نُقَبِّلُ! فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَأَملِكُ أن كَانَ اللَّهُ نَزَعَ مِنكُم الرَّحمَةَ؟ ! .

وفي رواية: من قلبك.

رواه البخاريُّ (5998)، ومسلم (2317)، وابن ماجه (3665).

ــ

(13)

ومن باب: رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال

قوله: وأملك أن كان الله نزع الرَّحمة من قلبك؟ ! كذا وقع هذا اللفظ محذوف همزة الاستفهام، وهي مرادة، تقديره: أو أملك؟ وكذا جاء هذا اللفظ في البخاري بإثباتها، وهو الأحسن، لقلة حذف همزة الاستفهام. وأن مفتوحة، وهي مع الفعل بتأويل المصدر، تقديرها: أو أملك كون الله نزع الرَّحمة من قلبك؟ ! وقد أبعد من كسرها، ولم تصح رواية الكسر. ومعنى الكلام: نفي قدرته صلى الله عليه وسلم عن الإتيان بما نزع الله من قلبه من الرحمة. والرحمة في حقِّنا: هي رقَّة وحُنُوّ يجده الإنسان في نفسه عند مشاهدة مبتلى، أو ضعيف، أو صغير، يحمله على الإحسان إليه، واللطف به، والرفق، والسعي في كشف ما به. وقد جعل الله هذه الرحمة في الحيوان كله - عاقله وغير عاقله - فبها تعطف الحيوانات على نوعها، وأولادها، فتحنو عليها، وتلطف بها في حال ضعفها وصغرها. وحكمة هذه الرحمة تسخير القوي للضعيف، والكبير للصغير حتى ينحفظ نوعه، وتتم مصلحته، وذلك تدبير اللطيف الخبير. وهذه الرحمة التي جعلها الله في القلوب في

ص: 108

[2229]

وعَن أَبِي هُرَيرَةَ أَنَّ الأَقرَعَ بنَ حَابِسٍ أَبصَرَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُقَبِّلُ الحَسَنَ، فَقَالَ: إِنَّ لِي عَشرَةً مِن الوَلَدِ مَا قَبَّلتُ وَاحِدًا مِنهُم، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّهُ مَن لَا يَرحَم لَا يُرحَم.

رواه البخاريُّ (5997)، ومسلم (2318)، وأبو داود (5218)، والترمذيُّ (1911).

ــ

هذه الدار، وتحصل عنها هذه المصلحة العظيمة هي رحمة واحدة من مائة رحمة ادَّخرها الله تعالى ليوم القيامة، فيرحم بها عباده المؤمنين وقت أهوالها، وشدائدها حتى يخلصَهم منها، ويدخلهم في جنته، وكرامته. ولا يفهم من هذا أن الرحمة التي وصف الحق بها نفسه هي رقَّة وحُنُو، كما هي في حقِّنا، لأنَّ ذلك تغيُّر يوجب للمتصف به الحدوث، والله تعالى منزه ومقدَّس عن ذلك، وعن نقيضه الذي هو القسوة، والغلظ، وإنما ذلك راجعٌ في حقِّنا إلى ثمرة تلك الرأفة، وفائدتها، وفي اللطف بالمبتلى، والضعيف، والإحسان إليه، وكشف ما هو فيه من البلاء، فإذا هي في حقه سبحانه وتعالى من صفات الفعل لا من صفات الذات، وهذا كما تقدَّم في غضبه تعالى ورضاه في غير موطن. وإذا تقرر هذا، فمن خلق الله تعالى في قلبه هذه الرحمة الحاملة له على الرفق، وكشف ضر المبتلى، فقد رحمه الله تعالى بذلك في الحال، وجعل ذلك علامة على رحمته إياه في المآل، ومن سلب الله ذلك المعنى منه، وابتلاه بنقيض ذلك من القسوة والغلظ، ولم يلطف بضعيف، ولا أشفق على مبتلى، فقد أشقاه في الحال، وجعل ذلك علمًا على شقوته في المآل، نعوذ بالله من ذلك، ولذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: الراحمون يرحمهم الرحمن (1). وقال: لا يرحم الله من عباده إلا الرحماء (2). وقال: لا تنزع

(1) رواه أبو داود (4941)، والترمذي (1925).

(2)

رواه البخاري (6655)، ومسلم (923).

ص: 109

[2230]

وعَن أَنَس قَالَ: مَا رَأَيتُ أَحَدًا كَانَ أَرحَمَ بِالعِيَالِ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: كَانَ إِبرَاهِيمُ مُستَرضِعًا لَهُ فِي عَوَالِي المَدِينَةِ، فَكَانَ يَنطَلِقُ وَنَحنُ مَعَهُ فَيَدخُلُ البَيتَ وَإِنَّهُ لَيُدَّخَنُ،

ــ

الرحمة إلا من شقي (1)، وقال: من لا يَرحم لا يُرحم (2).

وفي هذه الأحاديث ما يدلّ على جواز تقبيل الصغير على جهة الرحمة، والشفقة، وكراهة الامتناع من ذلك على جهة الأنفة. وهذه القبلة هي على الفم، ويكره مثل ذلك في الكبار، إذ لم يكن ذلك معروفًا في الصدر الأول، ولا يدل على شفقة. فأما تقبيل الرأس فإكرام عند من جرت عادتهم بذلك كالأب والأم. وأما تقبيل اليد فكرهه مالك، ورآه من باب الكبر، وإذا كان ذلك مكروهًا في اليد كان أحرى في الرِّجل، وقد أجاز تقبيل اليد والرِّجل بعض الناس، مستدلًا بأن اليهود قبَّلوا يد رسول الله صلى الله عليه وسلم ورجليه حين سألوه عن مسائل، فأخبرهم بها (3)، ولا حجة في ذلك، لأنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قد نزهه الله عن الكبر، وأمن ذلك عليه، وليس كذلك غيره، ولأن ذلك أظهر من اليهود تعظيمه، واعتقادهم صدقه، فأقرَّهم على ذلك ليتبين للحاضرين - بإذلالهم أنفسهم له - ما عندهم من معرفتهم بصدقه، وأن كفرهم بذلك عناد وجحد. ولو فهمت الصحابة رضي الله عنهم جواز تقبيل يده ورجله لكانوا أوَّل سابق إلى ذلك، فيفعلون ذلك به دائمًا وفي كل وقت، كما كانوا يتبركون ببزاقه، ونخامته (4)، ويدلكون بذلك وجوههم، ويتطيبون بعرقه، ويقتتلون على وضوئه، ولم يرو قطُّ عن واحد منهم بطريق صحيح أنه قبل له يدًا ولا رجلًا، فصحَّ ما قلناه، والله ولي التوفيق.

(1) رواه أبو داود (4942)، والترمذي (1924).

(2)

انظر تخريجه في التلخيص برقم (2937).

(3)

رواه ابن ماجه (3705).

(4)

في (ز): نخاعته.

ص: 110

وَكَانَ ظِئرُهُ قَينًا فَيَأخُذُهُ فَيُقَبِّلُهُ، ثُمَّ يَرجِعُ.

قَالَ عَمرٌو: فَلَمَّا تُوُفِّيَ إِبرَاهِيمُ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّ إِبرَاهِيمَ ابنِي مَاتَ فِي الثَّديِ،

ــ

و(قوله: وكان ظئره قينا) الظئر: أصله اسم للمرضعة. ثم قد يقال على زوجها صاحب اللَّبن ذلك. قال الخليل: ويقال للمذكر والمؤنث. وقال أبو حاتم: الظُئر من الناس والإبل: إذا عَطَفَت على ولد غيرها، والجمع: ظُؤَار. وقال ابن السكيت: لم يأت فُعال بضم الفاء جمعًا إلا تُؤام جمع تَوأَم، وظؤار جمع ظئر، وعراق جمع عرق، ورُخال جمع رِخل (1)، وفُرارٌ جمع فَرِير: وهو ولد الظبية. وغنمٌ رُبابٌ: جمع شاة رُبَّاء. قال ابن ولاد: وهي حديثة عهد بنتاج. وقال ابن الأنباري: تجمع الظئر: ظُؤَارًا، أظؤرًا، ولا يقال: ظؤرة. وحكى أبو زيد في جمعه: ظؤرة. قال الهروي: ولا يجمع على فُعلةٍ إلا أربعة أحرف: ظِئرٌ، وظُؤرة، وصاحبٌ، وصحبة، وفارِهٌ وفُرهةٌ، ورائق وروقة. وفي الصحاح: الظئر - مهموز - والجمع ظُؤار على فعال بالضم. وظؤور وأظآر.

والقين: الحداد. والقَين: العبد. والقينة: الأمة، مغنية كانت أو غير مغنية. وقد غلط من ظنها: المغنية فقط. والجمع: القيان. قال زهير:

ردَّ القِيانُ جِمال الحيِّ فاحتَمَلُوا

إلى الظَّهِيرة أَمر بينهم لَبِكُ

قلت: وأصل هذه اللفظة من: اقتان النبت اقتنانًا، أي: حَسُنَ، واقتانت الروضة: أخذت زخرفها، ومنه قيل للماشطة: قينة، ومُقيِّنَة، لأنَّها تزيِّن النساءَ، شُبهت بالأمة، لأنَّها تُصلح البيت وتزينه.

و(قوله: إن إبراهيم ابني قد مات في الثدي) أي: في حال رضاعه، أي:

(1)"الرَّخِلُ": الأنثى من أولاد الضأن.

ص: 111

وَإِنَّ لَهُ لَظِئرَينِ يكَمِّلَانِ رَضَاعَهُ فِي الجَنَّةِ.

رواه أحمد (3/ 112)، ومسلم (2316).

[2231]

وعن جَرِيرِ بنِ عَبدِ اللَّهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن لَا يَرحَم النَّاسَ لَا يَرحَمهُ اللَّهُ.

رواه أحمد (4/ 362)، والبخاريّ (6013)، ومسلم (2319).

[2232]

وعَن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إِذَا صَلَّى الغَدَاةَ جَاءَ خَدَمُ المَدِينَةِ بِآنِيَتِهِم فِيهَا المَاءُ، فَمَا يُؤتَى بِإِنَاءٍ إِلَّا غَمَسَ يَدَهُ فِيهَا فَرُبَّمَا جَاؤوهُ فِي الغَدَاةِ البَارِدَةِ فَيَغمِسُ يَدَهُ فِيهَا.

رواه مسلم (2324).

ــ

لم يكمل مدَّة رضاعه. قيل: إنه مات وهو ابن ستة عشر شهرًا، وهذا القول: أخرجه فَرط الشفقة والرحمة والحزن.

و(قوله: إن له لظئرين يُكملان رضاعه في الجنة) هذا يدلُّ على أن حكمه حكم الشهيد، فإنَّ الله تعالى قد أجرى عليه رزقه بعد موته، كما قد أجرى ذلك على الشهيد (1)، حيث قال:{بَل أَحيَاءٌ عِندَ رَبِّهِم يُرزَقُونَ} وعلى هذا: فمن مات من صغار المسلمين بوجه من تلك الوجوه السبعة التي ذكرنا أنها أسباب الشهادة كان شهيدًا، ويلحق بالشهداء الكبار بفضل الله ورحمته إياهم، وإن لم يبلغوا أسنانهم، ولم يُكلَّفوا تكليفهم، قتل من الصغار في الحرب كان حكمه: حكم الكبير فلا يغسَّل، ولا يصلَّى عليه، ويدفن بثيابه كما يفعل بالكبير. وموافقة النبي صلى الله عليه وسلم لمن يطلب منه غمس يده في الماء، وللجارية التي كلَّمته: دليل

(1) في (م 2) و (ع): أخبر بذلك عن الشهداء.

ص: 112

[2233]

وعنه قَالَ: كَانَ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَادٍ حَسَنُ الصَّوتِ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: رُوَيدك يَا أَنجَشَةُ لَا تَكسِر القَوَارِيرَ، يَعنِي ضَعَفَةَ النِّسَاءِ.

رواه البخاريُّ (6211)، ومسلم (2223)(73).

[2234]

وعَنه أَنَّ امرَأَةً كَانَ فِي عَقلِهَا شَيءٌ فَقَالَت: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ لِي إِلَيكَ حَاجَةً، فَقَالَ: يَا أُمَّ فُلَانٍ انظُرِي أَيَّ السِّكَكِ شِئتِ حَتَّى أَقضِيَ حَاجَتَكِ، فَخَلَا مَعَهَا فِي بَعضِ الطُّرُقِ، حَتَّى فَرَغَت مِن حَاجَتِهَا.

رواه أحمد (3/ 98)، والبخاريُّ (6072)، ومسلم (2326)، وأبو داود (4819)، والترمذيُّ (324) في الشمائل، وابن ماجه (4177).

* * *

ــ

على كمال حسن خلقه وتواضعه، وإسعاف منه لمن طلب منه ما يجوز طلبه، وإن شق ذلك عليه، ويحصل لهم أجرٌ على نيَّاتهم، وبركة في أطعماتهم، وقضاء حاجاتهم، وقد كانت الأَمَة تأخذ بيده فتنطلق به حيث شاءت من المدينة، وهذا كمالٌ لا يعرفه إلا الذي خصَّه به.

و(قوله لأنجشة: رويدك) أي: رفقك، وهو منصوب نصب المصدر، أي: ارفق رفقَكَ.

وقوله في الأم (1): ويحك يا أنجشة! رويدًا سوقَكَ بالقوارير) ويحَ، قال سيبويه: ويحك: زجر لمن أشرف على الهلاك. وويل: لمن وقع فيه. وقال الفراء: ويح وويس بمعنى: ويل. وقال غيرهما: ويح: كلمة لمن وقع في هلكة لا يستحقها فيرثى له ويرحم. وويل بضدِّه، وويس: تصغير.

(1) هي في مسلم برقم (2323)(71).

ص: 113