المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

[2291]

عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: بَينَمَا يَهُودِيٌّ يَعرِضُ سِلعَةً لَهُ أُعطِيَ بِهَا شَيئًا، كَرِهَهُ - أَو لَم يَرضَهُ - قَالَ: لَا وَالَّذِي اصطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى البَشَرِ. قَالَ: فَسَمِعَهُ رَجُلٌ مِن الأَنصَارِ فَلَطَمَ وَجهَهُ، قَالَ: تَقُولُ

ــ

غير الركيكة زيادة في فضيلة أهل الفضل، يحصل لهم بذلك التواضع في أنفسهم، والاستغناء عن غيرهم، وكسب الحلال الخلي عن الامتنان الذي هو خير المكاسب، كما قد نصَّ عليه النبي صلى الله عليه وسلم حيث قال: إن خير ما أكل المرء من عمل يده، وإن نبي الله داود كان يأكل من عمل يده (1). وقد نقل عن كثير من الأنبياء أنهم كانوا يحاولون الأعمال. فأولهم آدم عليه السلام علَّمه الله صناعة الحراثة، ونوح عليه السلام علمه الله صناعة النجارة، وداود عليه السلام علَّمه الله صناعة الحدادة، وقيل: إن موسى عليه السلام كان كاتبًا، يكتب التوراة بيده، وكلهم قد رعى الغنم كما قال صلى الله عليه وسلم وعليهم أجمعين.

(34)

ومن باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء.

أي: لا تقولوا فلان خير من فلان، وفي الرواية الأخرى: لا تفضلوا (2) أي: لا تقولوا فلان أفضل من فلان. يقال: خيَّر فلان بين فلان وفلان. وفضَّل - مشدَّدًا -: إذا قال ذلك. واختلف العلماء في تأويل هذا الحديث على أقوال، فمنهم من قال: إن هذا كان قبل أن يوحى إليه بالتفضيل، ويتضمَّن هذا الكلام: أن

(1) رواه البخاري (2072).

(2)

وهي الرواية المثبتة في التلخيص، أمَّا رواية:"لا تخيروا" فهي في صحيح مسلم (2373)(160).

ص: 228

وَالَّذِي اصطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى البَشَرِ، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَينَ أَظهُرِنَا؟ ! قَالَ: فَذَهَبَ اليَهُودِيُّ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: يَا أَبَا القَاسِمِ! إِنَّ

ــ

الحديث معارض لقوله تعالى: {تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ} ولِمَا في معنى ذلك من الأحاديث، وأن القرآن ناسخ للمنع من التفضيل، وهذا لا يصح حتى تتحقق المعارضة حيث لا يمكن الجمع بوجه، وحتى يُعرف التاريخ، وكل ذلك غير صحيح على ما يأتي، فليس هذا القول بصحيح، ومنهم من قال: إنما قال ذلك النبي صلى الله عليه وسلم على جهة التواضع، والأدب مع الأنبياء، وهذا فيه بُعد، لأنَّ السبب الذي خرج عليه هذا النهي يقتضي خلاف ذلك، فإنَّه إنما قال ذلك ردعًا وزجرًا للذي فضَّل. ألا ترى أنه قد غضب عليه حتى احمر وجهه، ونهى عن ذلك، فدلَّ على أن التفضيل يحرم. ولو كان من باب الأدب والتواضع لما صدر منه ذلك. ومنهم من قال: إنما نهى عن الخوض في ذلك، لأنَّ ذلك ذريعة إلى الجدال في ذلك، فيؤدي إلى أن يذكر منهم ما لا ينبغي أن يذكر، ويقل احترامهم عند المماراة، وهذا كما نهي عنه من الجدال في القرآن والمماراة. ومنهم من قال: مقتضى هذا النهي: إنما هو المنع من تفضيل معيَّن من الأنبياء على معيَّن، أو على ما يقصد به معيَّن، وإن كان اللفظ عامًا، لأنَّ ذلك قد يفهم منه نقص في المفضول كما بيَّنَّاه، فيما تقدَّم.

قلت: ويدلّ على ذلك: أنه قد جاء في بعض روايات هذا الحديث في الأم: لا تفضلوني على موسى (1)، وبدليل قوله: لا أقول إن أحدًا أفضل من يونس بن متى فإنَّ قيل: فالحديث يدلّ على خلاف هذا، فإنَّ اليهودي فضل موسى على البشر. والمسلم قال: والذي اصطفى محمدًا على البشر. وعند ذلك قال النبي صلى الله عليه وسلم: لا تفضلوا بين الأنبياء، ولا تخيروا بين الأنبياء فاقتضى ذلك المنع من التفضيل مطلقًا معينًا وغير معين، فالجواب: أن مراد اليهودي كان إذ ذاك أن

(1) في صحيح مسلم (2373)(160): "لا تخيروني على موسى".

ص: 229

لِي ذِمَّةً وَعَهدًا، وَقَالَ: فُلَانٌ لَطَمَ وَجهِي، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لِمَ لَطَمتَ وَجهَهُ؟ قَالَ: قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ: وَالَّذِي اصطَفَى مُوسَى عليه السلام عَلَى البَشَرِ، وَأَنتَ بَينَ أَظهُرِنَا! قَالَ: فَغَضِبَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى عُرِفَ الغَضَبُ فِي

ــ

يصرح بأن موسى أفضل من محمد، لكنَّه لم يقدر على ذلك خوفًا على نفسه، ألا ترى أن المسلم فهم ذلك عنه، فأجابه بما يقتضي أن محمدًا أفضل من موسى، غير أنَّه قابل لفظ اليهودي بمثله، وقد بيَّن ذلك غاية البيان قوله صلى الله عليه وسلم: لا تفضلوني على موسى فنهاهم عن ذلك، ثم إنا قد وجدنا نبيَّنا صلى الله عليه وسلم قال: أنا أكرم ولد آدم على ربي (1)، وأنا سيد ولد آدم، ولم يذهب أحدٌ من العلماء إلى أن هذا منسوخ، ولا مرجوح.

قلت: وهذا الوجه وإن كان حسنًا، فأولى منه أن يحمل الحديث على ظاهره من منع إطلاق لفظ التفضيل بين الأنبياء، فلا يجوز في المعين منهم، ولا غيرهم، ولا يقال: فلان النبي أفضل من الأنبياء كلهم، ولا من فلان، ولا خير، كما هو ظاهر هذا النهي، لما ذكر من توهم النقص في المفضول، وإن كان غير معين، ولأن النبوة خصلة واحدة لا تفاضل فيها، وإنَّما تفاضلوا بأمور غيرها كما بيَّناه قبل هذا الباب. ثم إن هذا النهي يقتضي منع إطلاق ذلك اللفظ لا منع اعتقاد ذلك المعنى، فإنَّ الله تعالى قد أخبرنا بأن الرسل متفاضلون كما قال تعالى:{تِلكَ الرُّسُلُ فَضَّلنَا بَعضَهُم عَلَى بَعضٍ} وكما قد علمنا أن نبينا صلى الله عليه وسلم قد خُصَّ بخصائص من الكرامات والفضائل بما لم يُخصّ به أحدٌ منهم، ومع ذلك فلا نقول: نبينا خير من الأنبياء، ولا من فلان النبي اجتنابا لما نهى عنه، وتأدبًا

(1) ذكره في الدر المنثور (6/ 119)، والزبيدي في الإتحاف (10/ 496) وسبق تخريجه في التلخيص برقم (2898).

ص: 230

وَجهِهِ، ثُمَّ قَالَ: لَا تُفَضِّلُوا بَينَ أَنبِيَاءِ اللَّهِ، فَإِنَّهُ يُنفَخُ فِي الصُّورِ فَيَصعَقُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرضِ إِلَّا مَن شَاءَ اللَّهُ، قَالَ: ثُمَّ يُنفَخُ فِيهِ أُخرَى، فَأَكُونُ أَوَّلَ مَن يبعثَ - أَو: فِي أَوَّلِ مَن يبعثَ -

ــ

بأدبه، وعملًا باعتقاد ما تضمنه القرآن من التفضيل، ورفعا لما يتوهم من المعارضة بين السُّنَّة والتنزيل.

و(قوله: إنه ينفخ في الصور فيصعق من في السماوات ومن في الأرض إلا من شاء الله) أصل الصعق، والصعقة: الصوت الشديد المنكر، كصوت الرعد، وصوت الحمار، وقد يكون معه موت لشدَّته. وهو المراد بقوله:{فَصَعِقَ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَمَن فِي الأَرضِ} وقد تكون معه غشية، وهو المراد بقوله تعالى:{وَخَرَّ مُوسَى صَعِقًا} فإنَّ كان معه نار فهو الصاعقة، والعرب كلها تقدم العين على القاف إلا بني تميم، فإنَّهم يقدمون القاف على العين، فيقولون: الصاقعة، حكاها القاضي عياض.

وقد اختلف في المستثنى: من هو؟ فقيل: الملائكة، وقيل: الأنبياء، وقيل: الشهداء. والصحيح: أنه لم يرد في تعيينهم خبر صحيح، والكل محتمل، والله أعلم.

والصُّور قيل: إنه جمع صورة، والصحيح ما قد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: الصُّور قرن ينفخ فيه (1). وسيأتي له مزيد بيان. واختلف في عدد النفخات، فقيل: ثلاثة: نفخة الفزع، ونفخة الصعق، ونفخة البعث. وقيل: هما نفختان: نفخة الفزع هي نفخة الصعق، لأنَّ الأمرين لازمان لها. والله تعالى أعلم.

و(قوله: ثم ينفخ فيه أخرى، فأكون أول من يبعث، أو: من أول من يبعث) هذا شك من الراوي تزيله الرواية الأخرى التي قال فيها: فأكون أول من يفيق، وكذلك الحديث المتقدم الذي قال فيه: أنا أول من ينشق عنه القبر

(1) رواه أحمد (2/ 126)، والترمذي (3244).

ص: 231

وفي رواية: أول من يفيق من غير شك - فَإِذَا مُوسَى آخِذٌ بِالعَرشِ، فَلَا أَدرِي أَحُوسِبَ بِصَعقَتِهِ يَومَ الطُّورِ أَو بُعِثَ قَبلِي، وَلَا أَقُولُ: إِنَّ أَحَدًا أَفضَلُ مِن يُونُسَ بنِ مَتَّى عليه السلام.

ــ

ويبعث) (1) يعني به: يحيا بعد موته، وهو الذي عبر عنه في الرواية الأخرى بـ أفيق) وإن كان المعروف: أن الإفاقة إنما هي من الغشية، والبعث من الموت، لكنهما لتقارب معناهما أطلق أحدهما مكان الآخر، ويحتمل أن يراد بالبعث الإفاقة على ما يأتي بعد هذا إن شاء الله تعالى.

و(قوله: فإذا موسى متعلِّق بساق بالعرش (2)) هذا من موسى تعلق فزع لهول المطلع، وكأنه متحرِّم بذلك (3) المحل الشريف، ومتمسك بالفضل المنيف.

و(قوله: فلا أدري أحوسب بصعقة الطور، أو بعث قبلي) هذا مشكل بالمعلوم من الأحاديث الدَّالة على أن موسى عليه السلام، قد توفي وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد رآه في قبره، وبأن المعلوم المتواتر: أنه توفي بعد أن ظهر دينه، وكثرت أمَّته، ودفن بالأرض، ووجه الإشكال: أن نفخة الصَّعق إنما يموت بها من كان حيًّا في هذه الدار، فأمَّا من مات فيستحيل أن يموت مرة أخرى، لأنَّ الحاصل لا يستحصل، ولا يبتغى، وإنما ينفخ في الموتى نفخة البعث، وموسى قد مات، فلا يصحُّ أن يموت مرَّة أخرى، ولا يصحُّ أن يكون مستثنى ممن صُعق، لأنَّ المستثنيين أحياء لم يموتوا، ولا يموتون، فلا يصحُّ استثناؤهم من الموتى، وقد

(1) سبق تخريجه برقم (2898).

(2)

كذا في أصول المفهم، ولم نجد لفظ:"متعلق بساق العرش" في أي من الكتب الصحاح الستة، وإنما ورد "أخذ بالعرش" و"باطش بجانب العرش"، "متعلق بالعرش".

(3)

في (ع): الحرم.

ص: 232

وفي رواية: فَلَا أَدرِي أَكَانَ فِيمَن صَعِقَ فَأَفَاقَ قَبلِي، أَم كَانَ مِمَّن استَثنَى اللَّهُ عز وجل.

رواه البخاريّ (3414)، ومسلم (2373)(159 و 160)، وأبو داود (4671)، والترمذيُّ (3245).

* * *

ــ

رام بعضهم الانفصال عن هذا الإشكال، فقال: يحتمل أن يكون موسى ممن لم يمت من الأنبياء، وهذا قول باطل بما ذكرناه. قال القاضي عياض: يحتمل أن المراد بهذه الصعقة: صعقة فزع بعد النشر حين تنشق السماوات والأرضون، قال: فتستقل الأحاديث والآيات.

قلت: وهذه غفلة عن مساق الحديث، فإنَّه يدلّ على بطلان ما ذكر دلالة واضحة، فإنَّ النبي صلى الله عليه وسلم قال: إنه حين يخرج من القبر فيلقى موسى، وهو متعلق بالعرش، وهذا كان عند نفخة البعث، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم عندما يرى موسى يقع له تردد في موسى على ظاهر هذا الحديث، هل مات عند نفخة الصعق المتقدِّمة على نفخة البعث، فيكون قد بعث قبله، أو لم يمت عند نفخة الصعق لأجل الصعقة التي صعقها على الطور، جعلت له تلك عوضًا من هذه، وعلى هذا فكان حيًّا حالة نفخة الصعق، ولم يصعق، ولم يمت، وحينئذ يبقى الإشكال إذ لم يحصل عنه انفصال.

قلت: والذي يُزيحه - إن شاء الله تعالى - أن يقال: إن الموت ليس بعدم، وإنَّما هو انتقال من حالٍ إلى حال، وقد ذكرنا ذلك فيما تقدَّم، ويدل على ذلك أن الشهداء بعد قتلهم وموتهم أحياء عند ربهم يرزقون فرحين مستبشرين، فهذه صفات الأحياء في الدُّنيا، وإذا كان هذا في الشهداء كان الأنبياء بذلك أحق وأولى، مع أنه

ص: 233

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

قد صحَّ عن النبي صلى الله عليه وسلم: أن الأرض لا تأكل أجساد الأنبياء (1)، وأن النبي صلى الله عليه وسلم قد اجتمع بالأنبياء ليلة الإسراء في بيت المقدس، وفي السماء، وخصوصًا بموسى عليه السلام. وقد أخبرنا النبي صلى الله عليه وسلم بما يقتضي أن الله تعالى يرد عليه روحه حتى يرد السلام على كل من يسلم عليه (2)، إلى غير ذلك مما ورد في هذا المعنى، وهو كثير بحيث يحصل من جملته القطع بأن موت الأنبياء إنما هو راجع إلى أنهم غيبوا عنا بحيث لا ندركهم، وإن كانوا موجودين أحياء، وذلك كالحال في الملائكة فإنَّهم موجودون أحياء، ولا يراهم أحدٌ من نوعنا إلا من خصَّه الله بكرامة من أوليائه، وإذا تقرر أنهم أحياء فهم فيما بين السماء والأرض، فإذا نفخ في الصور نفخة الصعق صعق كل من في السماوات والأرض إلا من شاء الله، فأمَّا صعق غير الأنبياء فموت، وأما صعق الأنبياء، فالأظهر أنه غشية، فإذا نفخ في الصور نفخة البعث ممن مات حيي، ومن غشي عليه أفاق، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: فأكون أول من يفيق) وهي رواية صحيحة وحسنة. فهذا الذي ظهر لي، والحمد لله الذي هدانا لهذا، وما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله.

وقد تحصل من هذا الحديث: أن نبينا محمدًا صلى الله عليه وسلم مُحَقَّقٌ أنه أول من يفيق، وأول من يخرج من قبره قبل الناس كلهم، الأنبياء وغيرهم، إلا موسى عليه السلام فإنَّه حصل له فيه تردد: هل بعث قبله، أو بقي على الحالة التي كان عليها قبل نفخة الصعق، وعلى أي الحالين كان فهي فضيلة عظيمة لموسى عليه السلام ليست لغيره، والله تعالى أعلم.

* * *

(1) رواه أبو داود (1047)، والنسائي (3/ 91)، وابن ماجه (1636).

(2)

رواه أحمد (2/ 527)، وأبو داود (2041) بلفظ:"ما من أحدٍ يُسلم عليًّ إلا ردَّ اللهُ عليَّ روحي حتى أردَّ عليه السلام".

ص: 234

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

الحمد لله ربِّ العالمين، وصلى الله على سيدنا محمد وآله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدِّين.

حسبنا الله تعالى ونعم الوكيل. علَّقه الفقير إلى الله تعالى محمد بن عيسى بن محمد بن دريك عفا الله عنهم.

نجز الجزء الثالث من المفهم بشرح كتاب مسلم، يتلوه - إن شاء الله تعالى كتاب: فضائل الصحابة، والحمد لله.

اللهم يسر لنا طريقًا إلى العلم، وتوفيقًا إلى الفهم، وأصلح نياتنا فيهما، إنك لما تشاء فعَّال، وأنت حسبنا ونعم الوكيل (1).

* * *

(1) قوله: (الحمد لله. . . ونعم الوكيل) من (ع).

ص: 235