الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير
[2500]
عَن عَائِشَةَ زَوجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَا عَائِشَةُ، إِنَّ اللَّهَ رَفِيقٌ يُحِبُّ الرِّفقَ،
ــ
و(قوله: إن الله رفيق يحب الرفق) قد تقرر في غير موضع: أن العلماء اختلفوا في أسماء الله تعالى، هل الأصل فيها التوقيف، فلا يسمى إلا بما سمى به نفسه في كتابه، أو على لسان رسوله، أو بجمع الأمة عليه، أو: الأصل جواز تسميته تعالى بكل اسم حسن، إلا أن يمنع منه مانع شرعي؟ الأول لأبي حسن (1)، والثاني: للقاضي أبي بكر (2). ومثار الخلاف: هل الألف واللام في قوله تعالى: {وَلِلَّهِ الأَسمَاءُ الحُسنَى فَادعُوهُ بِهَا} للجنس، أو للعهد؟ ثم إذا تنزلنا على رأي الشيخ أبي الحسن، هل نقتبس أسماءه تعالى من أخبار الآحاد، أو لا؟ اختلف المتأخرون من الأشعرية في ذلك على قولين، والصحيح قبول أخبار الآحاد في ذلك، لأن إطلاق الأسماء على الله تعالى حكم شرعي عملي، فيُكتفى فيه بخبر الواحد والظواهر، كسائر الأحكام العملية، فأما معنى الاسم فإن شهد باتصاف الحق به قاطع عقلي، أو سمعي، وجب قبوله وعلمه، وإلا لم يجب. ثم هل يكتفى في كون الكلمة اسما من أسماء الله تعالى بوجودها في كلام الشارع من غير تكرار ولا كثرة، أم لا بد منهما؟ فيه رأيان، وقد سبق القول في ذلك.
والرفيق: هو الكثير الرفق، وهو اللين، والتسهيل، وضده العنف، والتشديد والتصعيب، وقد يجيء الرفق بمعنى الإرفاق، وهو: إعطاء ما يرتفق به، قال أبو زيد: يقال: رفقت به، وأرفقته، بمعنى: نفعته، وكلاهما صحيح في حق الله تعالى؛ إذ هو
(1) هو أبو الحسن الأشعري، المتوفى سنة (324 هـ).
(2)
هو أبو بكر بن العربي، المتوفى سنة (543 هـ).
وَيُعطِي عَلَيه مَا لَا يُعطِي عَلَى العُنفِ، وَمَا لَا يُعطِي عَلَى مَا سِوَاهُ.
رواه مسلم (2593).
[2501]
وعنها، عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ الرِّفقَ لَا يَكُونُ فِي شَيءٍ إِلَّا زَانَهُ، وَلَا يُنزَعُ مِن شَيءٍ إِلَّا شَانَهُ.
زاد في رواية: أن عائشة ركبت بعيرا، فَكَانَت فِيهِ صُعُوبَةٌ، فَجَعَلَت تُرَدِّدُهُ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَلَيكِ بِالرِّفقِ
…
فإن الرفق
…
على نحو ما تقدم.
رواه أحمد (6/ 112 و 125)، ومسلم (2594)(78 و 79)، وأبو داود (2478).
ــ
الميسر والمسهل لأسباب الخير والمنافع كلها، والمعطي لها، فلا تيسير إلا بتيسيره، ولا منفعة إلا بإعطائه وتقديره. وقد يجيء الرفق أيضًا بمعنى: التمهل في الأمر والتأني فيه، يقال منه: رفقت الدابة أرفقها رفقا: إذا شددت عضدها بحبل لتبطئ في مشيها، وعلى هذا فيكون الرفيق في حق الله تعالى بمعنى: الحليم؛ فإنَّه لا يعجل بعقوبة العصاة، بل يمهل ليتوب من سبقت له السعادة، ويزداد إثما من سبقت له الشقاوة، وهذا المعنى أليق بالحديث؛ فإنَّه السبب الذي أخرجه. وذلك أن اليهود سلموا على النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: السام عليك، ففهمتهم عائشة رضي الله عنها فقالت: بل عليكم السام واللعنة. فقال لها النبي صلى الله عليه وسلم هذا الحديث.
و(قوله: إن الله رفيق يحب الرفق) أي: يأمر به، ويحض عليه، وقد تقدم أن حب الله للطاعة شرعه لها، وترغيبه فيها، وحب الله لمن أحبه من عباده: إكرامه له.
و(قوله: ويعطي عليه ما لا يعطي على العنف) ويقال بفتح العين
[2502]
وعن جَرِيرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ قال: سمعت رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يقول: مَن يُحرَم الرِّفقَ يُحرَم الخَيرَ.
رواه أحمد (4/ 366)، ومسلم (2592)(74 - 75)، وأبو داود (4809)، وابن ماجه (3687)، وقد جاء في الأصول: عن جابر (بدل): عن جرير.
* * *
ــ
وضمها، معناه: إن الله تعالى يعطي عليه في الدنيا من الثناء الجميل، وفي الآخرة من الثواب الجزيل ما لا يعطي على العنف الجائز.
وبيان هذا بأن يكون أمر ما من الأمور سوغ الشرع أن يُتوصل إليه بالرفق وبالعنف، فسلوك طريق الرفق أولى لما يحصل عليه من الثناء على فاعله بحسن الخلق، ولما يترتب عليه من حسن الأعمال، وكمال منفعتها، ولهذا أشار صلى الله عليه وسلم بقوله: ما كان الرفق في شيء إلا زانه. وضده الخرق والاستعجال، وهو مفسد للأعمال، وموجب لسوء الأحدوثة، وهو المعبر عنه بقوله: ولا نزع من شيء إلا شانه. أي: عابه، وكان له شَينا. وأما الخرق والعنف: فمفوتان مصالح الدنيا، وقد يفضيان إلى تفويت ثواب الآخرة، ولذلك قال صلى الله عليه وسلم: من يحرم الرفق يحرم الخير. أي: يفضي ذلك به إلى أن يُحرم خير الدنيا والآخرة.
* * *