الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه
[2546]
عَن أُسَامَةَ بنِ زَيدٍ قَالَ: قِيلَ لَهُ: أَلَا تَدخُلُ عَلَى عُثمَانَ فَتُكَلِّمَهُ؟ فَقَالَ: أَتَرَونَ أَنِّي لَا أُكَلِّمُهُ إِلَّا سمِعُكُم، وَاللَّهِ لَقَد كَلَّمتُهُ فِيمَا بَينِي وَبَينَهُ، مَا دُونَ أَن افتَتِحَ أَمرًا لَا أُحِبُّ أَن أَكُونَ أَوَّلَ مَن فَتَحَهُ،
ــ
(33)
ومن باب: تغليظ عقاب من أمر بمعروف ولم يأته
ونهى عن المنكر وأتاه
(قول القائل لأسامة: ألا تدخل على عثمان فتكلمه) يعني: في تلك الأمور التي تُفترى عليه، وكانت أمورا بعضها كذب عليه، وبعضها كان له فيها عذر، وعنها جواب لو سُمع منه، لكن العوام لا ينفع معهم اعتذار ولا ملام، ولم يكن شيء من هذه الأمور يوجب خلعه ولا قتله قطعا، ولكن جرت الأقدار بأن قُتل مظلوما شهيد الدار.
و(قوله: أترون أني لا أكلمه إلا سمعكم) يعني: أنه كان يجتنب كلامه بحضرة الناس، ويكلمه إذا خلا به، وهكذا يجب أن يعاتب الكبراء والرؤساء، يعظمون في الملأ إبقاء لحرمتهم، ويُنصحون في الخلاء أداء لما يجب من نصحهم. وسمعكم: منصوب على الظرف. ويروى: بسمعكم، بالباء، أي: يحضره سمعكم. ويروى: أسمعكم، على أنه فعل مضارع.
و(قوله: والله لقد كلمته فيما بيني وبينه ما دون أن أفتح أمرا، لا أحب أن أكون أول من فتحه) يعني: أنه كلمه مشافهة، كلام لطف، لأنَّه اتقى ما يكون عن المجاهرة بالإنكار والقيام على الأئمة؛ لعظيم ما يطرأ بسبب ذلك من الفتن
وَلَا أَقُولُ لِأَحَدٍ يَكُونُ عَلَيَّ أَمِيرًا، إِنَّهُ خَيرُ النَّاسِ، بَعدَمَا سَمِعتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: يُؤتَى يَومَ القِيَامَةِ بِالرَّجُلِ فَيُلقَى فِي النَّارِ فَتَندَلِقُ أَقتَابُ بَطنِهِ، فَيَدُورُ بِهَا كَمَا يَدُورُ الحِمَارُ بِالرَّحَى، فَيَجتَمِعُ إِلَيهِ أَهلُ النَّارِ فَيَقُولُونَ: يَا فُلَانُ، مَا لَكَ؟ أَلَم تَكُن تَأمُرُ بِالمَعرُوفِ وَتَنهَى عَن المُنكَرِ؟ فَيَقُولُ: بَلَى، قَد كُنتُ آمُرُ بِالمَعرُوفِ وَلَا آتِيهِ، وَأَنهَى عَن المُنكَرِ وَآتِيهِ.
رواه أحمد (5/ 205)، والبخاريُّ (3267)، ومسلم (2989).
* * *
ــ
والمفاسد، وخصوصا على مثل عثمان رضي الله عنه ففيه التلطف في الإنكار إذا ارتجى نفعه.
و(قوله: ولا أقول لأحد يكون علي أميرا أنه خير الناس) أي: لا أُطريه بذلك، ولا أداهنه؛ لكونه أميرا علي، بل: أقول له الحق، وأصفه بحاله التي هو عليها من غير تصنع، ولا ملق. وهذه كانت سيرة القوم، لا يخافون في الله لومة لائم، ولا يبالون في القيام بالحق، وإن أدى إلى العظائم، وهذا هو أعظم الأسباب التي أوجبت الاختلاف بينهم، حتى أدى ذلك إلى الحروب العظيمة والخطوب الجسيمة؛ فإنَّ كل طائفة كانت ترى أنها المصيبة المحقة، ومخالفتها المخطئة؛ فإنَّها كانت أمورا اجتهادية، ولم يكن فيها نصوص قطعية، ويستثنى من ذلك قتلة عثمان، فإنَّه لم يرتكب ما يوجب خلعه، ولا قتله، والخوارج على علي والمسلمين؛ فإنَّهم حكموا بكفر الجميع، فهاتان الطائفتان مخطئتان قطعا، ومن عدا هؤلاء فإمَّا مصيب في اجتهاده فله أجران (1)، ومن قصر في اجتهاده مذموم على التقصير.
و(قوله: فتندلق أقتاب بطنه) أي: تخرج بسرعة. واندلاق السيف:
(1) في (ع) و (م 4): أجر.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
خروجه بسرعة (1) من غمده، والأقتاب: الأمعاء، واحدها قتب. وقال الأصمعي: واحدها قتبة، ويقال لها أيضًا: الأقصاب، واحدها قصب، قاله أبو عبيد. وقال أبو عبيدة: القتب: ما تحوى من البطن، يعني: استدار، وهي الحوايا، وإنَّما اشتد عذاب هذا؛ لأنَّه كان عالما بالمعروف وبالمنكر، وبوجوب القيام عليه بوظيفة كل واحد منهما، ومع ذلك فلم يعمل بشيء من ذلك، فصار كأنه مستهين بحرمات الله تعالى، ومستخف بأحكامه، ثم إنه لم يتب عن شيء من ذلك، وهذا من جملة من لم ينتفع بعلمه، الذين قال فيهم النبي صلى الله عليه وسلم: أشد الناس عذابا يوم القيامة: عالم لم ينفعه الله بعلمه (2). وإنما ذكر أسامة هذا الحديث مستدلا به على منع إطراء الأمير بأن يقال له: أنت خير الناس، لأنَّه يمكن أن يكون ذلك الأمير ممن يأمر بالمعروف ولا يفعله، وينهى عن المنكر ويفعله، فيستحق هذا العقاب الشديد، فكيف يقال له: أنت خير الناس؟ ! ويشهد لهذا مساق قوله؛ فتأمله، والله أعلم، وقد تقدَّم القول في وجوب تغيير المنكر.
* * *
(1) ليست في (ز).
(2)
رواه الطبراني في المعجم الصغير (1/ 182 - 183)، والبيهقي في شعب الإيمان (1778). وانظر: مجمع الزوائد (1/ 185)، والترغيب والترهيب للمنذري (222).