الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى
.
[2271]
عَن مُوسَى بنِ طَلحَةَ، عَن أَبِيهِ قَالَ: مَرَرتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَومٍ عَلَى رُؤوسِ النَّخلِ فَقَالَ: مَا يَصنَعُ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالُوا:
ــ
(26)
ومن باب: عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى
معنى هذه الترجمة معلوم من حال النبي صلى الله عليه وسلم قطعًا بدليل المعجزة، وذلك أن النبي صلى الله عليه وسلم لما قال للناس: أنا رسول الله إليكم، أبلغكم ما أرسلني به إليكم من الأحكام والأخبار عن الدار الآخرة وغيرها، وأنا صادق في كل ما أخبركم به عنه، ويشهد لي على ذلك ما أيَّدني به من المعجزات. ثم وقعت المعجزات مقرونة بتحدِّيه، علمنا على القطع والبتات استحالة الخطأ والغلط عليه فيما بلغه عن الله، إما لأن المعجزة تنزلت منزلة قول الله تعالى لنا: صدق، أو لأنها تدل على أن الله تعالى أراد تصديقه فيما قاله عنه، دلالة على قرائن الأحوال، وعلى الوجهين فيحصل العلم الضروري بصدقه، بحيث لا يجوز عليه شيء من الخطأ في كل ما يبلغه عن الله تعالى بقوله، وأما أمور الدنيا التي لا تعلق لها بالدِّين فهو فيها واحد من البشر، كما قال: إنما أنا بشر أنسى كما تنسون (1)، وكما قال: أنتم أعلم بأمر دنياكم، وأنا أعلم بدينكم (2). وقد تقدم القول في الإبار.
ويلقِّحون مضارع
(1) رواه أحمد (1/ 379)، وأبو داود (1022)، والنسائي (3/ 28 - 29)، وابن ماجه (1221).
(2)
رواه مسلم كما في أحاديث هذا الباب في التلخيص إلى قوله: "بأمر دنياكم".
يُلَقِّحُونَهُ يَجعَلُونَ الذَّكَرَ فِي الأُنثَى فَتَلقَحُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا أَظُنُّ ذَلِكَ يُغنِي شَيئًا، قَالَ: فَأُخبِرُوا بِذَلِكَ فَتَرَكُوهُ، فَأُخبِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِذَلِكَ فَقَالَ: إِن كَانَ يَنفَعُهُم ذَلِكَ فَليَصنَعُوهُ، فَإِنِّي إِنَّمَا ظَنَنتُ ظَنًّا فَلَا تُؤَاخِذُونِي بِالظَّنِّ،
ــ
ألقحَ الفحلُ الناقة، والريحُ السحابَ، و: رياحٌ لواقحُ، ولا يقال: ملاقح، وهو من النوادر، وقد قيل: الأصل فيه: ملقحة، ولكنها لا تلقح إلا وهي في نفسها لاقح، ويقال: لقحت الناقة - بالكسر - لقحًا ولَقَاحًا بالفتح، فهي لاقح، واللقاحُ أيضًا - بالفتح - ما تُلقَحُ به النخل.
و(قوله: ما أظن ذلك يغني شيئًا) يعني به الإبار، إنما قال النبي صلى الله عليه وسلم هذا، لأنه لم يكن عنده علم باستمرار هذه العادة، فإنَّه لم يكن ممن عانى الزراعة، ولا الفلاحة، ولا باشر شيئًا من ذلك، فخفيت عليه تلك الحالة، وتمسك بالقاعدة الكلية المعلومة التي هي: أنه ليس في الوجود ولا في الإمكان فاعل، ولا خالق، ولا مؤثر إلا الله تعالى، فإذا نسب شيء إلى غيره نسبة التأثير فتلك النسبة مجازية عرضيَّة لا حقيقيَّة، فصدق قوله صلى الله عليه وسلم: ما أظن ذلك يغني شيئًا؛ لأن الذي يغني في الأشياء عن الأشياء بالحقيقة هو الله تعالى، غير أن الله تعالى قد أجرى عادته بأن ستر تأثير قدرته في بعض الأشياء بأسباب معتادة، فجعلها مقارنة لها، ومغطاة بها ليؤمن من سبقت له السعادة بالغيب، وليضل من سبقت له الشقاوة بالجهل، والرَّيب:{لِيَهلِكَ مَن هَلَكَ عَن بَيِّنَةٍ وَيَحيَا مَن حَيَّ عَن بَيِّنَةٍ}
و(قوله: إنما ظننت ظنًّا فلا تؤاخذوني بالظن) وقوله في الأخرى: إنما أنا بشر، هذا كله منه صلى الله عليه وسلم اعتذار لمن ضعف عقله مخافة أن يزيله (1) الشيطان فيكذب النبي صلى الله عليه وسلم فيكفر، وإلا فما جرى شيء يحتاج فيه إلى عذر، غاية ما جرى:
(1) في (م 2) و (ع): يزله.
وَلَكِن إِذَا حَدَّثتُكُم عَن اللَّهِ شَيئًا فَخُذُوا بِهِ، فَإِنِّي لَن أَكذِبَ عَلَى اللَّهِ عز وجل.
رواه مسلم (2361)(139).
[2272]
وعن رَافِعُ بنُ خَدِيجٍ قَالَ قَدِمَ نَبِيُّ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم المَدِينَةَ وَهُم يَأبُرُونَ النَّخلَ يَقُولُ: يُلَقِّحُونَ النَّخلَ فَقَالَ: مَا تَصنَعُونَ؟ قَالُوا: كُنَّا نَصنَعُهُ قَالَ: لَعَلَّكُم لَو لَم تَفعَلُوا كَانَ خَيرًا! قال: فَتَرَكُوهُ فَنَفَضَت - أَو فَنَقَصَت - قَالَ: فَذَكَرُوا ذَلِكَ لَهُ، فَقَالَ: إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ إِذَا أَمَرتُكُم بِشَيءٍ مِن دِينِكُم فَخُذُوا بِهِ، وَإِذَا أَمَرتُكُم بِشَيءٍ مِن رَأييٍ فَإِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ.
رواه مسلم (2362)(140).
ــ
مصلحة دنيوية، خاصَّة بقوم مخصوصين لم يعرفها من لم يباشرها، ولا كان من أهلها المباشرين لعملها، وأوضح ما في هذه الألفاظ المعتذر بها في هذه القصة قوله: أنتم أعلم بأمر دنياكم، وكأنه قال: وأنا أعلم بأمر دينكم.
و(قوله: إذا حدثتكم عن الله فخذوا به) أمر جزم بوجوب الأخذ عنه في كل أحواله: من الغضب والرضا، والمرض والصحة.
و(قوله: فلن أكذب على الله) أي: لا يقع منه فيما يبلغه عن الله كذب، ولا غلط، لا سهوًا ولا عمدًا، وقد قلنا: إن صدقه في ذلك هو مدلول المعجزة، وأما الكذب العمد المحض فلم يقع قط منه في خبر من الأخبار، ولا جرب عليه شيء من ذلك منذ أنشأه الله تعالى، وإلى أن توفاه الله تعالى، وقد كان في صغره معروفًا بالصدق والأمانة، ومجانبة أهل الكذب، والخيانة، حتى إنه كان يسمى بالصادق الأمين، يشهد له بذلك كل من عرفه وإن كان من أعدائه، وقد خالفه.
و(قوله: إذا أمرتكم بشيء من رأيي) يعني به في مصالح الدنيا كما دل
[2273]
وعَن أَنَسٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم مَرَّ بِقَومٍ يُلَقِّحُونَ فَقَالَ: لَو لَم تَفعَلُوا لَصَلُحَ قَالَ: فَخَرَجَ شِيصًا، فَمَرَّ بِهِم فَقَالَ: مَا لِنَخلِكُم؟ قَالُوا: قُلتَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: أَنتُم أَعلَمُ بِأَمرِ دُنيَاكُم.
رواه أحمد (3/ 152)، ومسلم (2363)(141)، وابن ماجه (2471).
* * *
ــ
عليه بساط هذه القصة، ونصُّه على ذلك، ولم يتناول هذا اللفظ ما يحكم فيه باجتهاده إذا تنزلنا على ذلك، لأنَّ ذلك أمر ديني تجب عصمته فيه، كما إذا بلغه نصًّا، إذ كل ذلك تبليغ شرعه، وبيان حكم دينه، وإن اختلفت مآخذ الأحكام، كما قد أوضحناه في الأصول.
و(قوله: فإنما أنا بشر) أي: واحد منهم في البشرية، ومساوٍ لهم فيما ليس من الأمور الدينية، وهذه إشارة إلى قوله تعالى:{قُل إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِثلُكُم يُوحَى إِلَيَّ} فقد ساوى البشر في البشرية، وامتاز عنهم بالخصوصية الإلهية التي هي: تبليغ الأمور الدينية.
و(قوله: فنفضت أو نقصت) ظاهره أنه شك من بعض الرواة في أي اللفظين قال: ويحتمل أن يكون أو بمعنى الواو، أي: نفضت ثمرها ونقصت في حملها، وقد دلَّ على هذا قوله في الرواية الأخرى: فخرج شيصًا وهو البلح الذي لا ينعقد نواه، ولا يكون فيه حلاوة إذا أبسر، ويسقط أكثره فيصير حشفًا.
* * *