المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

[2596]

عَن عَائِشَةَ قَالَت: تَلَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ

ــ

الجماعة (1) يعني جماعة أصحابي ومن تابعهم على هديهم، وسلك طريقهم كما قال في حديث الترمذي.

وقد تبين بهذه الأحاديث أن هذا الافتراق المحذر منه إنما هو في أصول الدين وقواعده لأنه قد أطلق عليها مللا، وأخبر أن التمسك بشيء من تلك الملل موجب لدخول النار، ومثل هذا لا يقال على الاختلاف في الفروع، فإنه لا يوجب تعديد الملل، ولا عذاب النار، وإنما هو على أحد المذهبين السابقين إما مصيب فله أجران ، وإما مخطئ فله أجر، على ما ذكرناه في الأصول. والضب حرذون الصحراء وجحره خفي، ولذلك ضرب به المثل.

(3)

ومن باب كيفية التفقه في كتاب الله

(قوله تعالى: {هُوَ الَّذِي أَنزَلَ عَلَيكَ الكِتَابَ مِنهُ آيَاتٌ مُحكَمَاتٌ} الآية) اختلف الناس في المحكمات والمتشابهات، على أقوال كثيرة، منها أن المحكم هو الناسخ، والمتشابه هو المنسوخ.

ومنها أن المحكم هو القرآن كله، والمتشابه الحروف المقطعة في أوائل السور.

(1) رواه أبو داود (4596).

ص: 695

هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلا اللَّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلا أُولُو الأَلبَابِ}

ــ

ومنها: أن المحكم آيات الأحكام، والمتشابه: آيات الوعيد. ومنها: أن المتشابه آيات إبهام قيام الساعة، والمحكم: ما عداها.

ومنها: أن المحكم ما وضح معناه وانتفى عنه الاشتباه، والمتشابه: نقيضه. وهذا أشبه ما قيل في ذلك، لأنَّه جار على وضع اللسان، وذلك أن المحكم اسم مفعول من: أحكم. والإحكام: الإتقان. ولا شك في أن ما كان واضح المعنى لا إشكال فيه، ولا تردد، وإنما يكون كذلك لوضوح مفردات كلماته، واتفاق تركيبها، ومتى اختل أحد الأمرين جاء التشابه والإشكال، وإلى نحو ما ذكرناه صار جعفر بن محمد، ومجاهد، وابن إسحاق.

و(قوله: {هُنَّ أُمُّ الكِتَابِ} أي: أصله الذي يرجع إليه عند الإشكال والاستدلال، ومنه سُميت الفاتحة: أم القرآن، لأنَّها أصله؛ إذ هي آخذة بجملة علومه، فكأنه قال: المحكمات: أصول ما أشكل من الكتاب، فتعين رد ما أشكل منه إلى ما وضح منه، وهذا أيضًا أحسن ما قيل في ذلك.

و(قوله: {فَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِم زَيغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ ابتِغَاءَ الفِتنَةِ وَابتِغَاءَ تَأوِيلِهِ} الزيغ: الميل عن الحق، وابتغاء الفتنة: طلب الفتنة، وهي الضلال. مجاهد: الشك. وتأويله ما آل إليه أمره، وكنه حقيقته، فكأنهم تعمقوا في التأويل طلبا لكنه الأمر وحقيقته، فكره لهم التعمق.

و(قوله: {وَمَا يَعلَمُ تَأوِيلَهُ إِلا اللَّهُ} أي: ما يعلم حقيقة ما أريد بالمتشابه إلا الله. والوقف على (الله) أولى.

و(قوله: {وَالرَّاسِخُونَ فِي العِلمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِن عِندِ رَبِّنَا} جملة

ص: 696

قَالَت: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِذَا رَأَيتُم الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنهُ فَأُولَئِكَ الَّذِينَ سَمَّاهم اللَّهُ فَاحذَرُوهُم.

رواه أحمد (6/ 48)، والبخاريُّ (4547)، ومسلم (2665)، وأبو داود (4598)، والترمذي (2993)، وابن ماجه (47).

ــ

ابتدائية مستأنفة، مقتضاها: أن حال الراسخين عند سماع المتشابه الإيمان والتسليم، وتفويض علمه إلى الخبير العليم، وهذا قول ابن مسعود وغيره. وقيل: والراسخون: معطوف على الله تعالى، حكي عن علي وابن عباس، والأول أليق وأسلم.

و(قوله: إذا رأيتم الذين يتبعون ما تشابه منه فأولئك الذين سماهم الله، فاحذروهم) يعني: يتبعونه ويجمعونه طلبا للتشكيك في القرآن، وإضلالا للعوام، كما فعلته الزنادقة والقرامطة الطاعنون في القرآن، أو طلبا لاعتقاد ظواهر المتشابه كما فعلته المجسمة الذين جمعوا ما وقع في الكتاب والسنة مما يوهم ظاهره الجسمية، حتى اعتقدوا أن البارئ تعالى جسم مجسم، وصورة مصورة ذات وجه، وعين ويد وجنب، ورجل، وإصبع، تعالى الله عن ذلك، فحذر النبي صلى الله عليه وسلم عن سلوك طريقهم.

فأمَّا القسم الأول، فلا شك في كفرهم، وأن حكم الله فيهم القتل من غير استتابة.

وأما القسم الثاني، فالصحيح القول بتكفيرهم، إذ لا فرق بينهم وبين عباد الأصنام والصور، ويستتابون؛ فإن تابوا وإلا قُتلوا، كما يفعل بمن ارتد.

فأمَّا من يتبع المتشابه، لا على تلك الجهتين، فإن كان ذلك على إبداء تأويلاتها، وإيضاح معانيها، فذلك مختلف في جوازه بناء على الخلاف في جواز تأويلها، وقد عرف أن مذهب السلف ترك التعرض لتأويلاتها مع قطعهم باستحالة

ص: 697

[2597]

وعن عَبد اللَّهِ بن عَمرٍو قَالَ: هَجَّرتُ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَومًا قَالَ: فَسَمِعَ أَصوَاتَ رَجُلَينِ اختَلَفَا فِي آيَةٍ، فَخَرَجَ عَلَينَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُعرَفُ فِي وَجهِهِ الغَضَبُ، فَقَالَ: إِنَّمَا هَلَكَ مَن كَانَ قَبلَكُم بِاختِلَافِهِم فِي الكِتَابِ.

رواه مسلم (2666).

ــ

ظواهرها. ومذهب غيرهم: إبداء تأويلاتها، وحملها على ما يصح حمله في اللسان عليها من غير قطع متعين محمل منها. وأما من يتبع المتشابه على نحو ما فعل صبيغ، فحكمه حكم عمر رضي الله عنه فيه، الأدب البليغ.

والراسخ في العلم: هو الثابت فيه، المتمكن منه.

و(قوله: هجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما) أي: خرجت إليه في الهاجرة، وهي: شدة الحر.

و(قوله: فسمع أصوات رجلين اختلفا في آية، فخرج يعرف في وجهه الغضب، فقال: إنما هلك من كان قبلكم باختلافهم في الكتاب) هذا الاختلاف لم يكن اختلافا في القراءة، لأنَّه صلى الله عليه وسلم قد سوغ أن يقرأ القرآن على سبعة أحرف كما تقدَّم، ولم يكن أيضًا في كونها قرآنا، لأنَّ ذلك معلوم لهم ضرورة، ومثل هذا لا يختلف فيه المسلمون، ولا يقرون عليه؛ فإنَّه كفر، فلم يبقَ إلا أنه كان اختلافا في المعنى. ثم تلك الآية يحتمل أن كانت من المحكمات الظاهرة المعنى، فخالف فيها أحدهما الآخر، إما لقصور فهم، وإما لاحتمال بعيد، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك؛ إذ قد ترك الظاهر الواضح، وعدل إلى ما ليس كذلك، ويحتمل أن كانت من المتشابه، فتعرضوا لتأويلها، فأنكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك، فيكون فيه حجَّة لمذهب السلف في التسليم للمتشابهات، وترك تأويلها.

ص: 698

[2598]

وعَن جُندَبٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: اقرَؤُوا القُرآنَ مَا ائتَلَفَت عَلَيهِ قُلُوبُكُم، فَإِذَا اختَلَفتُم فِيهِ فَقُومُوا.

رواه أحمد (4/ 312)، والبخاريُّ (5061)، ومسلم (2667)(3).

* * *

ــ

و(قوله: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم، فإذا اختلفتم فيه فقوموا) يحتمل هذا الخلاف أن يحمل على ما قلناه آنفا. قال القاضي: وقد يكون أمره بالقيام عند الاختلاف في عصره وزمنه؛ إذ لا وجه للخلاف والتنازع حينئذ، لا في حروفه، ولا في معانيه، وهو صلى الله عليه وسلم حاضر معهم، فيرجعون إليه في مشكله، ويقطع تنازعهم بتبيانه.

قلت: ويظهر لي أن مقصود هذا الحديث الأمر بالاستمرار في قراءة القرآن، وفى تدبره، والزجر عن كل شيء يقطع عن ذلك. والخلاف فيه في حالة القراءة قاطع عن ذلك في أي شيء كان، من حروفه أو معانيه، والقلب إذا وقع فيه شيء لا يمكن رده على الفور، فأمرهم بالقيام إلى أن تزول تشويشات القلب. ويستفاد هذا من قوله: اقرؤوا القرآن ما ائتلفت عليه قلوبكم فإن القراءة باللسان، والتدبر بالقلب، فأمر باستدامة القراءة مدة دوام تدبر القلب، فإذا وقع الخلاف في تلك الحال انصرف اللسان عن القراءة، والقلب عن التدبر. وعلى هذا فمن أراد أن يتلو القرآن، فلا يبحث عن معانيه في حال قراءته مع غيره، ويفرد لذلك وقتا غير وقت القراءة. والله أعلم.

والحاصل: أن الباحثين في فهم معاني القرآن يجب عليهم أن يقصدوا ببحثهم التعاون على فهمه واستخراج أحكامه، قاصدين بذلك وجه الله تعالى، ملازمين الأدب والوقار، فإن اتفقت أفهامهم، فقد كملت نعمة الله تعالى عليهم، وإن اختلفت وظهر لأحدهما خلاف ما ظهر للآخر، وكان ذلك من مثارات الظنون ومواضع الاجتهاد، فحق كل واحد أن يصير إلى ما ظهر له، ولا يثرب على الآخر ولا يلومه، ولا يجادله، وهذه حالة الأقوياء والمجتهدين، وأما من لم

ص: 699