المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

(36) كتاب العلم

(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

[2592]

عَن أَبِي هُرَيرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَن نَفَّسَ عَن مُسلم كُربَةً مِن كُرَبِ الدُّنيَا نَفَّسَ اللَّهُ عَنهُ كُربَةً مِن كُرَبِ يَومِ القِيَامَةِ، وَمَن يَسَّرَ عَلَى مُعسِرٍ يَسَّرَ اللَّهُ عَلَيهِ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَمَن سَتَرَ مُسلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَونِ العَبدِ مَا كَانَ العَبدُ فِي عَونِ أَخِيهِ، وَمَن سَلَكَ طَرِيقًا يَلتَمِسُ فِيهِ عِلمًا سَهَّلَ اللَّهُ لَهُ بِهِ طَرِيقًا إِلَى الجَنَّةِ،

ــ

(36)

كتاب العلم

(1)

ومن باب: فضائل طلب العلم

(قوله: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك (1) الله به طريقا إلى الجنة) أي: من مشى إلى تحصيل علم شرعي قاصدا به وجه الله تعالى، جازاه الله عليه بأن يوصله إلى الجنة مسلما مكرما. ويلتمس: معناه يطلب، كما قال: التمس ولو

(1) كذا في المفهم، وفي التلخيص وصحيح مسلم:"سَهَّلَ".

ص: 684

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

خاتما من حديد (1) وهو حض وترغيب في الرحلة في طلب العلم والاجتهاد في تحصيله، وقد ذكر أبو داود هذا الحديث من حديث أبي الدرداء، وزاد زيادات حسنة، فقال: عن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من سلك طريقا يلتمس فيه علما سلك الله به طريقا من طرق الجنة، وإن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم، وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض، والحيتان في جوف الماء، وإن فضل العالم على العابد كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب، وإن العلماء ورثة الأنبياء، وإن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما، ورثوا العلم، فمن أخذه أخذ بحظ وافر (2) وهذا حديث عظيم يدل على أن طلب العلم أفضل الأعمال، وأنه لا يبلغ أحد رتبة العلماء، وأن رتبتهم ثانية عن رتبة الأنبياء.

و(قوله: إن الملائكة لتضع أجنحتها رضا لطالب العلم) قيل: معناه تخضع له وتعظمه، وقيل: تبسطها له بالدعاء، لأنَّ جناح الطائر يده.

و(قوله: وإن العالم ليستغفر له من في السماوات ومن في الأرض)، يعني بـ من هنا: من يعقل، وما لا يعقل، غير أنه غلب عليه من يعقل، بدليل أن هذا الكلام قد جاء في غير كتاب أبي داود، فقال: حتى النملة في جحرها، وحتى الحوت في جوف الماء (3)، وعلى هذا المعنى يدلّ - من حديث أبي داود هذا - عطف الحيتان بالواو على (من في السماوات، ومن في الأرض) فإنَّه يفيد أن من يعقل وما لا يعقل، يستغفر للعالم؛ فأمَّا استغفار من يعقل فواضح؛ فإنَّه دعاء له

(1) رواه أحمد (5/ 336)، والبخاري (5149)، ومسلم (1425)، والترمذي (1114)، والنسائي (6/ 123)، وابن ماجه (1889).

(2)

رواه أبو داود (3641)، والترمذي (2682)، وابن ماجه (223).

(3)

رواه الترمذي (2685) عن أبي أمامة.

ص: 685

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بالمغفرة، وأما استغفار ما لا يعقل، فهو - والله أعلم - أن الله يغفر له، ويأجره بعدد كل شيء لحقه أثر من علم العالم. وبيان ذلك: أن العالم يبين حكم الله تعالى في السماوات وفي الأرض، وفي كل ما فيهما، وما بينهما، فيغفر له ذنبه، ويعظم له أجره بحسب ذلك، ويحتمل أن يكون ذلك على جهة الإغياء، والأول أولى، والله تعالى أعلم.

و(قوله: وإن فضل العالم على العابد، كفضل القمر ليلة البدر على سائر الكواكب) هذه المفاضلة لا تصح حتى يكون كل واحد منهما قائما بما وجب عليه من العلم والعمل؛ فإنَّ العابد وترك شيئًا من الواجبات، أو عملها على جهل لم يستحق اسم العابد، ولا تصح له عبادة، والعالم لو ترك شيئا من الواجبات لكان مذموما، ولم يستحق اسم العالم، فإذًا محل التفضيل: إنما هو في النوافل، فالعابد يستعمل أزمانه في النوافل من الصلاة والصوم والذكر، وغير ذلك، والعالم يستعمل أزمانه في طلب العلم وحفظه وتقييده وتعليمه، فهذا هو الذي شبهه بالبدر، لأنَّه قد كمل في نفسه، واستضاء به كل شيء في العالم من حيث إن علمه تعدى لغيره، وليس كذلك العابد؛ فإنَّ غايته أن ينتفع في نفسه، ولذلك شبهه بالكوكب الذي غايته أن يظهر نفسه.

و(قوله: وإن العلماء ورثة الأنبياء) إنما خص العلماء بالوراثة، وإن كان العباد - أيضًا - قد ورثوا عنه العلم بما صاروا به عبادا، لأنَّ العلماء هم الذين نابوا عن النبي صلى الله عليه وسلم في حملهم العلم عنه، وتبليغهم إياه لأمته، وإرشادهم لهم وهدايتهم. وبالجملة فالعلماء: هم العالمون بمصالح الأمة بعده، الذابون عن سنته، الحافظون لشريعته، فهؤلاء الأحق بالوراثة، والأولى بالنيابة والخلافة، وأما العباد فلم يطلق عليهم اسم الوراثة لقصور نفعهم ويسير حظهم.

و(قوله: إن الأنبياء لم يورثوا دينارا ولا درهما) يعني: أنهم صلوات الله

ص: 686

وَمَا اجتَمَعَ قَومٌ فِي بَيتٍ مِن بُيُوتِ اللَّهِ يَتلُونَ كِتَابَ اللَّهِ، وَيَتَدَارَسُونَهُ بَينَهُم إِلَّا نَزَلَت عَلَيهِم السَّكِينَةُ،

ــ

عليهم كان الغالب عليهم الزهد، فلا يتركون ما يورث عنهم، ومن ترك منهم شيئا، يصح أن يورث عنه، تصدق قبل موته، كما فعل نبينا صلى الله عليه وسلم حين قال: لا نورث، ما تركنا صدقة (1).

و(قوله: فمن أخذه أخذ بحظ وافر) أي: بحظ عظيم، لا شيء أعظم منه ولا أفضل، كما ذكرناه.

و(قوله: ما اجتمع قوم في بيت من بيوت الله يتلون كتاب الله ويتدارسونه بينهم، إلا نزلت عليهم السكينة) بيوت الله هي المساجد، كما قال تعالى:{فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَن تُرفَعَ وَيُذكَرَ فِيهَا اسمُهُ} ففيه ما يدلّ على جواز تعليم القرآن في المساجد، أما للكبار الذين يتحفظون بالمسجد فلا إشكال فيه، ولا يختلف فيه، وأما الصغار الذين لا يتحفظون بالمساجد، فلا يجوز، لأنَّه تعريض المسجد للقذر والعبث، وقد قال صلى الله عليه وسلم: جنبوا مساجدكم صبيانكم ومجانينكم (2)، وقد تمسك بهذا الحديث من يجيز قراءة الجماعة القرآن على لسان واحد، كما يفعل عندنا بالمغرب، وقد كره بعض علمائنا ذلك، ورأوا أنها بدعة إذ لم تكن كذلك قراءة السلف، وإنَّما الحديث محمول على أن كل واحد يدرس لنفسه، أو مع من يصلح عليه، وليستعين به.

و(قوله: إلا نزلت عليهم السكينة) قد تقدَّم الكلام على السكينة في كتاب الصلاة، وأنها إما السكون والوقار والخشوع، وإما الملائكة الذين يستمعون

(1) رواه أحمد (1/ 25)، والبخاري (5375)، ومسلم (1757)(50).

(2)

رواه عبد الرزاق في مصنفه (1726)، وذكره الهيثمي في المجمع (2/ 26) وقال: رواه الطبراني في الكبير، ومكحول لم يسمع من معاذ.

ص: 687

وَغَشِيَتهُم الرَّحمَةُ، وَذَكَرَهُم اللَّهُ فِيمَن عِندَهُ، وَمَن بَطَّأَ بِهِ عَمَلُهُ لَم يُسرِع بِهِ نَسَبُهُ.

رواه أحمد (2/ 252)، ومسلم (2699)، وأبو داود (4946)، والترمذيُّ (1425)، وابن ماجه (225).

[2593]

وقد تقدم من حديث أبي هريرة قوله عليه الصلاة والسلام: إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاثة: صدقة جارية، أو علم ينتفع به، أو ولد صالح يدعو له.

رواه أحمد (2/ 372)، ومسلم (1631)، وأبو داود (3880)، والترمذيُّ (1376)، والنسائي (6/ 251).

* * *

ــ

القرآن، سُموا بذلك لما هم عليه من السكون والخشوع.

و(قوله: وغشيتهم الرحمة) أي: تكفير خطيئاتهم ورفع درجاتهم وإيصالهم إلى جنته وكرامته.

و(قوله: وذكرهم الله فيمن عنده) يعني: في الملأ الكريم من الملائكة المقربين، كما قال: إن ذكرني في ملأ ذكرته في ملأ خير منهم (1)، وهذا الذكر يحتمل أن يكون ذكر ثناء وتشريف، ويحتمل أن يكون ذكر مباهاة، كما باهى الملائكة بأهل عرفة.

و(قوله: من بطأ به عمله لم يسرع به نسبه) يعني: أن الآخرة لا ينفع فيها إلا تقوى الله تعالى والعمل الصالح، لا الفخر الراجح، ولا النسب الواضح.

(1) رواه البخاري (7405)، ومسلم (2675).

ص: 688