الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[2251]
وعنه: أَنَّهُ سُئِلَ عَن شَيبِ رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قَالَ: مَا شَانَهُ اللَّهُ بِبَيضَاءَ.
رواه مسلم (2341)(105).
[2252]
وعَن أَبِي جُحَيفَةَ قَالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ مِنهُ بَيضَاءَ - وَوَضَعَ زُهَيرٌ بَعضَ أَصَابِعِهِ عَلَى عَنفَقَتِهِ - قِيلَ لَهُ: مِثلُ مَن أَنتَ يَومَئِذٍ؟ قَالَ: أَبرِي النَّبلَ وَأَرِيشُه.
رواه أحمد (4/ 308)، ومسلم (2342)(106).
* * *
(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم
[2253]
عن البَرَاءَ قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا مَربُوعًا، بَعِيدَ مَا بَينَ المَنكِبَينِ، عَظِيمَ الجُمَّةِ إِلَى شَحمَةِ أُذُنَيهِ، عَلَيهِ حُلَّةٌ حَمرَاءُ مَا رَأَيتُ شَيئًا قَطُّ أَحسَنَ مِنهُ صلى الله عليه وسلم.
وفي رواية: كان أَحسَنَ النَّاسِ وَجهًا، وَأَحسَنَهُ خَلقًا، لَيسَ بِالطَّوِيلِ الذَّاهِبِ وَلَا بِالقَصِيرِ.
ــ
والخضاب والفرق لكان ينبغي لأهل الدين ألا يتشبهوا بهم، مخافة الوقوع فيما كرهه الشرع من التشبه بأهل الفسق، ولأنه قد يظن به من لا يعرفه أنه منهم، فيعتقد ذلك فيه، وينسبه إليهم، فيظن به ظن السوء، فيأثم الظان بذلك والمظنون بسبب المعونة عليه.
و(قوله: كان أحسن الناس وجهًا، وأحسنه خَلقًا) الرواية بتوحيد ضمير
روه أحمد (4/ 290)، والبخاريُّ (3551)، ومسلم (2337)(91)، وأبو داود (4072)، والترمذيّ (3635)، والنسائي (8/ 183)، وابن ماجه (3599).
[2254]
وعَن أَبِي الطُّفَيلِ قَالَ: رَأَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَمَا عَلَى الأَرضِ رَجُلٌ رَآهُ غَيرِي، قَالَ: فَقُلتُ: فَكَيفَ رَأَيتَهُ؟ قَالَ: كَانَ أَبيَضَ مَلِيحًا مُقَصَّدًا.
ــ
أحسنه، وبفتح الخاء وسكون اللام من خَلقًا، فأما توحيد الضمير، فقال أبو حاتم: العرب تقول: فلان أجمل الناس وأحسنه، يريدون: أحسنهم، ولا يتكلمون به. قال: والنحويون يذهبون به إلى أنه أحسن مَن ثمَّة. وأما خَلقًا: فأراد به: حُسن الجسم، بدليل قوله بعده: ليس بالطويل الذاهب، ولا بالقصير. وأما في حديث أنس، فروايته: بضم الخاء واللام، لأنَّه يعني به حسن المعاشرة بدليل سياق ما بعده من الحديث.
و(قوله: كان أبيض مليحًا مُقَصَّدًا) أبيض: يعني في صفاء، كما جاء أنه كان أزهر، وكما قال: ليس بالأبيض الأمهق. والملاحة: أصلها في العينين كما تقدَّم. والمقصَّد: القصد في جسمه وطوله، يعني: أنه لم يكن ضئيل الجسم، ولا ضخمه، ولا طويلًا ذاهبًا، ولا قصيرًا مترددًا، كان وسطًا فيهما.
و(قوله: كان شعره رَجِلًا) أي: ليس بالجعد، ولا بالسَّبط. الرواية في رَجِلًا، بفتح الراء وكسر الجيم، وهي المشهورة. وقال الأصمعي: يقال: شعر رَجِل: بفتح الراء وكسر الجيم، ورَجَل: بفتح الجيم، ورَجل: بسكونها، ثلاث لغات، إذ كان بين السُّبوطة، والجعُودة، قال غيره: شعر مرجَّل، أي: مسرح. وكان شعره صلى الله عليه وسلم بأصل خِلقته مُسَرَّحًا (1).
(1) في الأصول: مسرح.
قال مسلم: مات أبو الطفيل سنة مائة، وهو آخر من مات من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.
رواه أحمد (5/ 454)، ومسلم (2340)(98 و 99).
ــ
و(قول أنس رضي الله عنه وقد سئل عن خضاب رسول الله صلى الله عليه وسلم: لم ير من الشيب إلا قليلًا. وفي الرواية الأخرى: لو شئت أن أَعُدَّ شمطاتٍ كن في رأسه فعلت ظاهره: أنه لم يكن صلى الله عليه وسلم يختضب، كما قد نصَّ عليه في بقية الحديث. وبهذا الظاهر أخذ مالك فقال: لم يختضب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وإليه ذهب أبو عمر بن عبد البر، وذهب بعض أصحاب الحديث إلى أنه خضب، متمسِّكين في ذلك بما رواه أبو داود عن أبي رمثة، قال: انطلقت مع أبي نحو النبي صلى الله عليه وسلم فإذا هو ذو وفرة، وبها ردعٌ من حنَّاء، وعليه بُردان أخضران (1). وروى أبو داود أيضًا عن زيد بن أسلم: أن ابن عمر رضي الله عنهما كان يصبغ لحيته بالصفرة حتى تمتلئ ثيابه من الصفرة. فقال: إني رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يصبغ بها، ولم يكن شيء أحبَّ إليه منها، وقد كان يصبغ بها ثيابه كلها حتى عمامته (2). ويعتضد هذا بأمره صلى الله عليه وسلم بتغيير الشيب، كما قال: غيروا هذا الشيب واجتنبوا السواد (3)، وقال: غيروا الشيب ولا تشبَّهوا باليهود (4). وما كان صلى الله عليه وسلم يأمر بشيء إلا كان أول آخذ به. ومما يعتضد به لذلك ما رواه البخاري عن عبد الله بن موهب، قال: دخلت على أم سلمة، فأخرجت لي شعرات من شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم مخضوبًا (5). زاد ابن أبي شيبة:
(1) رواه أبو داود (4206).
(2)
رواه أبو داود (4064).
(3)
رواه أحمد (3/ 316)، ومسلم (2102)(79)، وأبو داود (4204)، والنسائي (8/ 138)، وابن ماجه (3624).
(4)
رواه أحمد (2/ 261)، والبخاري (3462)، ومسلم (2103)، وأبو داود (4203)، والنسائي (8/ 137).
(5)
رواه البخاري (5897).
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
بالحناء والكتم. والإسناد واحد (1). ومما يعتضد به هؤلاء خضاب الخليفتين رضي الله عنهما، فلو علما أن النبي صلى الله عليه وسلم لم يختضب لما اختضبا، فإنَّهما ما كانا باللذين يعدلان عن سنَّته، ولا عن اتباعه، والفصل لهؤلاء من أحاديث أنس، وما في معناها بأن الخضاب لم يكن منه صلى الله عليه وسلم دائمًا، ولا في كل حال، وإنَّما كان في بعض الأوقات، فلم يلتفت أنس لهذه الأوقات القليلة، وأطلق القول، وأولى من هذا أن يقال: إنه صلى الله عليه وسلم لما لم يكن شيبه كثيرًا، وإنَّما كان في لحيته وصدغيه نحو العشرين شعرة بيضًا، لم يكن الخضاب يظهر فيها غالبًا، والله تعالى أعلم.
وقد اعتذر أصحاب القول الأول عن حديث أبي رمثة وابن عمر بأن ذلك لم يكن خضابًا بالحناء، وإنما كان تغييرًا بالطيب، ولذلك قال ابن عمر رضي الله عنهما: كان يصبغ بالصفرة، ولم يقل: بالحناء، وهذه الصفرة هي التي قال عنها أبو رمثة: ردع من حناء، لأنَّه شبهها بها، وأما حديث أم سلمة فيحتمل أن يكون ذلك فعل بشعر رسول الله صلى الله عليه وسلم بعده بطيب أو غيره احترامًا وإكرامًا. والله أعلم.
والشَّمَطات: جمع شمطة، ويعني بها: الشعرات البيض المخالطة للشعر الأسود. قال الأصمعي: إذا رأى الرجل البياض، فهو أَشمَط. وقد شَمِطَ. والكَتَم - بالتحريك -: نبت يخلط بالوسمة، يختضب به. قاله في الصحاح. والبحت - بالموحدة والحاء المهملة -: هو الخالص من الشيء، المنفرد عن غيره. وقال أبو حنيفة اللغوي: الوسمة: الحظر، والعِظلِم، والثبلج، والتَّنومة، وكله يصبغ به. والحناء ممدودة. قال أبو علي: جمع حناءة. والكتم -مخفف التاء -: هو المعروف. وأبو عبيد يقولها بالتشديد. ونُبَذ: الرواية فيه بفتح النون وسكون الباء، أي: شيء قليل متبدد. وبعض النَّاس يقوله: نبذ - بضم النون وفتح الباء -: جمع نُبذة، كغرفة وغرف، وظلمة وظلم. وهذا لا يستقيم هنا، لأنَّه كان يلزم منه أن
(1) رواه ابن أبي شيبة (8/ 246).
[2255]
وعن جَابِرَ بنَ سَمُرَةَ قالُ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَد شَمِطَ مُقَدَّمُ رَأسِهِ وَلِحيَتِهِ،
ــ
يكون سببه نبذًا مجتمعة في أنفسها، متفرقة في مواضع عديدة، ويلزم عليه أن يكون سببه كثيرًا، فيكون هذا مخالفا لما قاله أنس في الأحاديث الأخر.
وكراهته صلى الله عليه وسلم الشيب إنَّما كان لأنه وقارٌ، كما قد روى مالك: أن أوَّل من رأى الشيب إبراهيم عليه السلام، فقال: يا رب! ما هذا؟ فقال: وقار. قال: يا رب زدني وقارًا (1) أو لأنه نورٌ يوم القيامة، كما روى أبو داود من حديث عمرو بن شعيب عن أبيه، عن جدِّه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تنتفوا الشيب! ما من مسلم يشيب شيبة في الإسلام إلا كانت له نورًا يوم القيامة. وفي أخرى: إلا كتب الله له حسنة، وحط عنه خطيئة (2).
و(قول أنس رضي الله عنه: ما شانه الله بِبَيضاء) أي: لم يكن شيبه كثيرًا بيِّنًا حتى تزول عنه بهجة الشباب، ورونقه، ويلحق بالشيوخ، الذين يكون الشيبُ لهم عيبًا، فإنَّه يدلّ على ضعفهم، ومفارقة قوة الشباب ونشاطه. ويحتمل أن يريد: أن ما ظهر عليه من الشيب اليسير زاده ذلك في عين الناظر إليه أبهة، وتوقيرًا، وتعظيمًا.
والشَّين: العيب. وأبري النِّبل: أنحته، وأَرِيشُه: أجعل فيها الريش، ويعني: أنَّه قد كان كبر، وقوي، وعرف. وهذا حال المراهق.
و(قوله: قد شَمِطَ مُقَدَّمُ رأسه ولحيته) أي: خالط الشيب ذينك الموضعين. ومقدم اللحية: يعني به: العنفقة، كما قال أبو جحيفة: رأيت هذه منه بيضاء. يعني: عنفقته. ومقدمه يعني به: الصِّدغين، كما قال أنس: إنما كان البياض في عنفقته وصدغيه. وهذا يدلّ: على أن قول أنس في الرواية الأخرى: إنه كان في
(1) رواه مالك في الموطأ (2/ 922).
(2)
رواه أبو داود (4202).
وَكَانَ إِذَا ادَّهَنَ لَم يَتَبَيَّن، وَإِذَا شَعِثَ رَأسُهُ تَبَيَّنَ، وَكَانَ كَثِيرَ شَعرِ اللِّحيَةِ.
فَقَالَ رَجُلٌ: وَجهُهُ مِثلُ السَّيفِ؟ قَالَ: لَا بَل كَانَ مِثلَ الشَّمسِ وَالقَمَرِ، وَكَانَ مُستَدِيرًا،
ــ
لحية رسول الله صلى الله عليه وسلم ورأسه عشرون شعرة بيضاء، إنَّما كان ذلك منه تقديرًا على جهة التقريب والتقليل لا التحقيق.
و(قوله: وكان إذا ادَّهن لم تتبيَّن، وإذا شعث تبيَّن) يعني: أنه كان إذا تطيَّب بطيب يكون فيه دهن فيه صفرة خفي شيبه، وهذه هي الصفرة التي رأى عليه ابن عمر، وأبو رمثة. والله أعلم.
وشعث الرأس: انتفاش شعره لعدم تسريحه، وأراد به هنا: إذا لم يتطيَّب.
و(قوله: كان وجهه مثل السيف) يحتمل هذا التشبيه وجهين:
أحدهما: أن السيوف كانت عندهم مستحسنة محبوبة يتجمَّلون بها، ولا يفارقونها، فشبه وجه النبي صلى الله عليه وسلم به، لأنَّه مستحسن محبوب يُتجمل به حين المجالسة، ولا يُستغنى عنه.
وثانيهما: أنه كان صلى الله عليه وسلم أزهر، صافي البياض، يبرق وجهه، وقد روي: أنه كان يتلألأ وجهه في الجدر (1)، فشبَّه وجهه بالسيف في صفاء بياضه وبريقه. والله أعلم.
و(قوله: لا! بل: مثل الشمس والقمر) هذا نفيٌ لتشبيه وجهه بالسيف، لما في السيف من الطول، فقد يحتمل أن وجهه كان طويلًا، وإنَّما كان مستديرًا في تمام الخَلق، ولأنه تقصير في التشبيه، فأضرب عن ذلك، وذكر من التشبيه ما هو أوقع، وأبلغ، فقال: بل مثل الشمس والقمر، وهذا التشبيه: هو الغاية في
(1) ذكره ابن الأثير في النهاية (4/ 55). وانظر: سبل الهدى والرشاد (2/ 58).
وَرَأَيتُ الخَاتَمَ عِندَ كَتِفِهِ مِثلَ بَيضَةِ الحَمَامَةِ يُشبِهُ جَسَدَهُ.
رواه أحمد (5/ 90 و 102)، ومسلم (2344)(108 و 109)، والترمذيُّ في الشمائل (38 و 43)، والنسائي (8/ 150).
ــ
الحسن، إذ ليس فيما نشاهده من هذه الوجوه أحسن، ولا أرفع، ولا أنفع منهما، وهما اللذان جرت عادة الشعراء والبلغاء بأن يشبهوا بهما ما يستحسنونه.
و(قوله: وكان كثير شعر اللحية) لا يفهم من هذا أنه كان طويلها، فإنَّه قد صحَّ أنه كان كثَّ اللحية، أي: كثير شعرها غير طويلة، وكان يخلل لحيته.
و(قوله: ورأيت الخاتم عند كتفه مثل بيضة الحمامة) الألف واللام في الخاتم لتعريف العهد، أي: خاتم النبوة الذي من علاماته المعروفة له في الكتب السابقة، وفي صدور علماء الملل السالفة، ولذلك لما حصل عند سلمان الفارسي رضي الله عنه العلم بصفاته، وأحواله، وعلاماته وموضع مبعثه، ودار هجرته، جدَّ في الطلب حتى ظفر بما طلب، ولما لقيه جعل يتأمل ظهره، فعلم النبي صلى الله عليه وسلم أنه يريد أن يقف على ما يعرفه من خاتم النبوة، فنزع رداءه من على ظهره، فلما رأى سلمان الخاتم أكبَّ عليه يقبله، وهو يقول: أشهد أنك رسول الله.
وروى الترمذي عن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم لما خرج مع عمه أبي طالب إلى الشام، ونزلوا بصومعة راهب كان هنالك، وقد سُمِّي في غير هذا الخبر بحيرًا فخرج إليهم ذلك الراهب، وكان قبل ذلك لا يخرج إليهم، ولا يلتفت إليهم، فلما خرج جعل يتخللهم حتى جاء فأخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: هذا سيد العالمين، هذا رسول رب العالمين، يبعثه الله رحمة للعالمين. فقال له أشياخ من قريش: ما علمك؟ فقال: إنكم حين أشرفتم من العقبة لم يبق حجر، ولا شجر إلا خرَّ ساجدًا له، ولا يسجدان إلا لنبي، وإني أعرفه بخاتم النبوة أسفل من غضروفه مثل التفاحة. . .، وذكر الحديث بطوله، وقال في آخره: حديث حسن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
غريب (1). وعلى هذا، فخاتم النبوة معناه: علامةُ نبوَّةِ نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وقد اختلفت ألفاظ النقلة في صفة ذلك الخاتم، فروى جابر بن سمرة، وأبو موسى ما ذكرناه آنفًا، وروى السائب بن يزيد: أنه مثل زرِّ الحجلة. وروى عبد الله بن سرجس: أنه رأى جُمعًا عليه خِيلان مثل الثآليل. وروى الترمذي عن جابر بن سمرة، قال: كان خاتم رسول الله صلى الله عليه وسلم - يعني الذي بين كتفيه - غدَّة حمراء مثل بيضة الحمامة، وقال: حسن صحيح (2).
قلت: وهذه الكلمات كلها متقاربة المعنى مفيدة أن خاتم النبوة كان نتوءًا قاتمًا أحمر تحت كتفه الأيسر قدره إذا قُلِّل: بيضة الحمامة، وإذا كُثِّر: جمع اليد، وقد جاء في البخاري: كان بضعة ناشزة (3)، أي: مرتفعة.
وقوله: زرِّ الحجلة الرواية المعروفة فيه: زر بتقديم الزاي. قال أبو الفرج الجوزي: الحجلة: بيت كالقبة يستر بالثياب، ويجعل له باب من جنسه، فيه زرّ وعروة، تشدُّ إذا أغلق. وقال القاضي أبو الفضل: الزرُّ: الذي يعقد به النساء عرى أحجالهن كأزرار القميص. والحجلة هنا: واحدة الحِجال، وهي ستور ذات سُجوف. وقال غيره: الحجلة: هي الطائر المعروف، وزرَّها: بيضتها، كما قال جابر: بيضة الحمامة.
قلت: والأول: أشهر في الزر، والثاني: أشبه بالمعنى، وقد أبعد الخطابي فرواه: رز الحجلة بتقديم الراء، أراد: بيضة الحجلة. يقال: أرزت الجرادة، أي: أدخلت ذنبها في الأرض لتبيض.
قلت: وهذا لا يلتفت إليه، لأنَّ العرب لا تسمي البيضة رزة، ولا تؤخذ
(1) رواه الترمذي (3620).
(2)
رواه الترمذي (3644).
(3)
ذكره ابن حجر في فتح الباري (6/ 563) وعزاه للترمذي.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
اللغة قياسًا. قال القاضي أبو الفضل: وهذا الخاتم هو أثر شق الملكين بين كتفيه.
قلت: هذه غفلة من هذا الإمام، فإنَّ الشق إنما كان في صدر النبي صلى الله عليه وسلم وأثره إنما كان خطًّا واضحًا من صدره إلى مراق بطنه، كما هو منصوص عليه في الأحاديث السالفة في كتاب الإيمان من كتاب مسلم، وفي البخاري وغيرهما، ولم يثبت قط في رواية صحيحة، ولا حسنة، ولا غريبة أنه بلغ بالشق حتى نفذ من وراء ظهره، ولو قدرنا أن ذلك الشق كان نافذًا إلى ظهره، وأن تلك أثره، للزم عليه أن يكون مستطيلًا من بين كتفيه (1) إلى قطنته، لأنَّه الذي يحاذي الصدر من مسربته إلى مراق بطنه، فهذه غفلة منه رحمه الله. ولعل هذا غلط وقع من بعض الناسخين لكتابه، فإنَّه لم يُسمع عليه فيما علمت.
وناغض الكتف: هو ما رق منه ولان، سُمِّي بذلك لنغوضه، أي: حركته، يقال: نغض رأسه، أي: حركه. ونغضت القناة: هززتها. ومنه قوله تعالى: {فَسَيُنغِضُونَ إِلَيكَ رُءُوسَهُم} ، أي: يحركونها استهزاء. ويُسمَّى الناغض: الغضروف، وكذا جاء في رواية أخرى.
و(قوله: جُمعًا عليه خيلان) هو منصوب على الحال، أي: نظرت إلى خاتم النبوة مثل الجمع. قال ابن قتيبة: هو جُمع الكف. يقال: ضربه بِجُمع كفه، إذا جمعها فضربه بها. وهو بالضم، ويقال بكسرها. والخِيلان: جمع خال، وهي نقط سودٌ كانت على الخاتم، شبهها لسعتها بالثآليل، لا أنها كانت ثآليل، وهي جمع ثؤلول: وهي حبيبات تعلو الجلد.
و(قوله: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ضليع الفم)(2) فسَّره سماك في الأصل: بأنه
(1) ما بين حاصرتين سقط من (ز).
(2)
هذا الكلام إلى قوله: منهوس العقبين، هو شرحٌ لما أشكل في الحديث رقم (2339)(97) في صحيح مسلم، ولم يورده الشيخ رحمه الله في التلخيص.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
عظيم الفم، وهو بمعنى واسع الفم كما قاله ثعلب. والعرب تتمدَّح بسعة الفم، وتكره صغره.
قلت: وكأنهم يتخيَّلون أن سعة الفم يكون عنها: سعة الكلام، والفصاحة، وأن ضيق الفم يكون عنه قلَّة الكلام واللكنة، وقد وُصف النبي صلى الله عليه وسلم بأنه كان يفتتح الكلام ويختمه بأشداقه، أي لسعة شدقيه، وعدم تصنعه، ومن هذا المعنى سُمي الرجل أشدق.
و(قوله: أشكل العينين) قال أبو عبيد: الشُّهلة: حمرة في سواد العين، والشُّكلة: حمرة في بياضها، وهو محمودٌ. قال الشاعر:
ولا عَيبَ فِيها غَيرَ شُكلَة عَينِها
…
كذاك عِتاقُ الخَيلِ شُكلٌ عُيُونها
قال صاحب الأفعال: شَكِلَت العين - بكسر الكاف -، شُكلَة، وشُكلًا: إذا خالط بياضها حمرة.
قلت: ونحو هذا في الصحاح، وزاد: عين شَكلاء: بينة الشَّكَل. ورجل أشكل، ودمٌ أشكل: إذا كان فيه بياض وحمرة، وهذا هو المعروف عند أهل اللغة، فأمَّا ما فسَّره به سماك من أنه طويل شق العين، فغير معروف عندهم، ولم أقف على من قاله غيره.
و(قوله: منهوس العقبين)(1) يروى بالسين المهملة والمعجمة. قال ابن الأعرابي: يقال رجل منهوس القدمين، ومنهوش القدمين، أي: قليل لحمهما، كما قال سماك، وهو مأخوذ من النهس والنهش. قال أبو العباس: النهس أخذٌ بأطراف الأسنان، والنهش بالأضراس.
(1) في (ز) و (م 3): القدمين.
[2256]
وعَن أَنَسِ قال: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيسَ بِالطَّوِيلِ البَائِنِ وَلَا بِالقَصِيرِ، وَلَيسَ بِالأَبيَضِ الأَمهَقِ، وَلَا بِالآدَمِ، وَلَا بِالجَعدِ القَطَطِ، وَلَا بِالسَّبِطِ،
ــ
و(قوله: ليس بالطويل البائن) أي: الذي يباين الناس بزيادة طوله، وهو الذي عبَّر عنه في الرواية الأخرى: بالمشذب وفي الأخرى: بالممعط بالعين والغين، أي: المتناهي في الطول، وهو عند العرب: العَشَنَّقُ، والعَشَنَّط.
و(قوله: ولا بالقصير المتردِّد (1)) أي: الذي تداخل بعضه في بعض، وهو المسمَّى عند العرب: بحنبل، وأقصر منه: الحنتل. وكلا الطرفين مستقبح عند العرب، وخير الأمور أوساطها. وكذلك كان النبي صلى الله عليه وسلم في جميع أحواله.
و(قوله: ليس بالأبيض الأمهق) أي: الشديد البياض، الذي لا يخالط بياضه حمرة، ولا غيرها. والعرب تكرهه، لأنَّه يشبه البرص.
و(قوله: ليس بالآدم) أي: الذي تغلب سمرته السواد، فإنَّ السُّمرة بياضٌ يميل إلى سواد، والسَّحمُة - بالسين - فوقه، ثم الصَّحمة - بالصاد - فوقه، وهو غالب لون الحبشة، ثم الأدمة فوقه، وهو غالب ألوان العرب. والنبي صلى الله عليه وسلم كان بياضه مشربًا بحمرة في صفاء، فصدق عليه أنه أزهر. وأنه مشرب، وهذا اللون: هو أعدل الألوان وأحسنها.
و(قوله: ولا بالجعد القطط) يروى بفتح الطاء وكسرها، وهو الشديد الجعودة الذي لا يطول إلا باليد، وهو حال شعور السودان.
و(قوله: ولا بالسَّبط) يعني المسترسل الذي لا تكسر فيه، وهو غالب شعور الروم، والرَّجِلُ هو الوسط بين ذينك.
(1) رواه الترمذي برقم (3638) عن علي رضي الله عنه.
بَعَثَهُ اللَّهُ عَلَى رَأسِ أَربَعِينَ سَنَةً، فَأَقَامَ بِمَكَّةَ عَشرَ سِنِينَ، وَبِالمَدِينَةِ عَشرَ سِنِينَ، وَتَوَفَّاهُ اللَّهُ عَلَى رَأسِ سِتِّينَ سَنَةً، وَلَيسَ فِي رَأسِهِ وَلِحيَتِهِ عِشرُونَ شَعرَةً بَيضَاءَ.
وفي رواية: كان أزهر.
رواه أحمد (3/ 240)، والبخاري (3548)، ومسلم (2347)، والترمذيُّ (3623).
* * *
ــ
و(قول أنس: بعثه الله على رأس أربعين سنة) يعني: من مولده، أي عند كمالها بعثه الله رسولًا. وهذا هو أكثر الأقوال، وقد جاء عن ابن عباس رضي الله عنهما: أنه بعث على رأس ثلاث وأربعين سنة، وهو قول سعيد بن المسيب.
و(قوله: فأقام بمكة عشرًا) يعني: بعد البعث وقبل الهجرة. وهذا مما اختلف فيه. فقيل: عشر، وقيل: ثلاث عشرة، وقيل: خمس عشرة، ولم يُختلف أنه أقام بالمدينة عشرًا.
و(قوله: وتوفَّاه الله على رأس ستين سنة) هذا أحد قولي أنس، وفي الرواية الأخرى عنه: ثلاث وستين. ووافقه على ذلك: عبد الله بن عباس ومعاوية وعائشة، وهو أصحُّ الأقوال، وأصحُّ الروايات على ما ذكره البخاري. وقد ذكر عن أنس: خمس وستين سنة، وهي الرواية الأخرى عن ابن عباس، ولا خلاف أنه صلى الله عليه وسلم ولد عام الفيل.
و(قوله: وليس في رأسه ولحيته عشرون شعرة بيضاء) قد قلنا إن هذا منه تقدير على جهة التقليل، وذكرنا: أن شيبه كان أكثر من هذا.
وقول عمرو في الأصل لعروة: كم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم بمكة؟ قال: عشرًا