الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان
[2448]
عَن أَبِي ذَرٍّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: إِنَّكُم سَتَفتَحُونَ مِصرَ، وَهِيَ أَرضٌ يُسَمَّى فِيهَا القِيرَاطُ، فَإِذَا فَتَحتُمُوهَا فَأَحسِنُوا إِلَى أَهلِهَا فَإِنَّ لَهُم ذِمَّةً وَرَحِمًا - أَو قَالَ: ذِمَّةً وَصِهرًا -
ــ
(83)
ومن باب: ما ذكر في مصر وأهلها وأهل عمان
(قوله: إنكم ستفتحون مصر، وهي أرض يسمَّى فيها القيراط) هذا إخبار بأمر غيب، وقع على نحو ما أخبر، فكان دليلًا من أدلة نبوته صلى الله عليه وسلم. ومعنى يسمى فيها القيراط: يعني به: أنه يدور على ألسنتهم كثيرًا، وكذلك هو، إذ لا ينفك متعاملات من أهل مصر عن ذكره غالبًا، لأنَّ أجزاء الدنيا الأربعة والعشرين يسمونها: قراريط، وقطع الدراهم يسمونها: قراريط، بخلاف غيرهم من أهل الأقاليم، فإنَّهم يسمُّون ذلك بأسماء أخر، فأهل العراق يسمُّون ذلك: طسُّوجًا ورزة، وأهل الشام: قرطيس، ونحو ذلك.
و(قوله: فإذا فتحتموها فأحسنوا إلى أهلها، فإنَّ لهم ذمة ورحمًا، أو قال: صهرًا) الذمة: الحرمة. والذمام: الاحترام، وقد يكون ذلك لعهد سابق كعهد أهل الذمَّة، وقد يكون ذلك ابتداء إكرام، وهذا هو المراد بالذمة هنا، والله تعالى أعلم، إذ لم يكن لأهل مصر من النبي صلى الله عليه وسلم عهد سابق، وإنما أراد: أن لهم حقًّا لرحمهم، أو صهرهم، ويحتمل أن يكون معناه: أنهم يكون لهم عهد بما يعقد لهم من ذلك حين الفتح (1). وهذا التأويل على بُعده يعضده ما رواه ابن هشام من حديث عمر مولى غفرة: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: الله! الله في أهل المدرة السوداء السُّحم
(1) في (ز): قبل.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
الجعاد، فإنَّ لهم نسبًا وصهرًا (1). قال عمر: فنسبهم: أن أم إسماعيل منهم، وصهرهم: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم تسرى منهم. قال ابن لهيعة: أم إسماعيل هاجر من أم العرب: قرية كانت أمام الفرما، وأم إبراهيم مارية سرية النبي صلى الله عليه وسلم التي أهداها له المقوقس من حَفن من كورة أنصنا. والمدرة: واحدة المدر، والعرب تسمي القرية: المدرة، وأهل المدر: أهل القرى. والسحم: السود، جمع أسحم، وهو الشديد الأدمة، وفوقه: الصحمة - بالصاد -. والجعاد: المتكسرو الشعور، وهذه أوصاف أهل صعيد مصر غالبًا، وقد تقدَّم ذكر هاجر. والفرما: قرية من عمل صعيد مصر، سميت باسم بانيها، وهو الفرما بن قليقس، ويقال: ابن قليس، ومعناه: محب الغرس، وهو أخو الإسكندر [بن قليس اليوناني، ذكره الطبري، وذكر أن الإسكندر](2) حين بنى الإسكندرية، قال: أبني مدينة فقيرة إلى الله غنية عن الناس، وقال الفرما: أبني مدينة غنية عن الله فقيرة إلى الناس، فسلَّط الله تعالى عليها الخراب سريعًا، فذهب رسمها وبقيت الإسكندرية. وسميت مصر بمصر بن النبيط ولد كوش بن كنعان، وقال أبو العباس: اشتقاق مصر من المصر، وهو القطع، كأنها قُطعت من الخراب، ومنه: المصر: الحاجز، ومصور الدار: حدودها. وحفن: قرية مارية سُرِّية النبي صلى الله عليه وسلم بالصعيد معروفة، وهي التي كلم الحسن بن علي معاوية أن يضع الخراج عن أهلها لوصية رسول الله صلى الله عليه وسلم بهم، ففعل معاوية ذلك، ذكره أبو عبيد في الأموال. وأنصنا: مدينة السحرة، وحفن من عملها، والمقوقس: هو ملك مصر بعث له رسول الله صلى الله عليه وسلم حاطب بن أبي بلتعة، وجبرًا مولى أبي رُهم بكتاب، فلم يبعد عن الإسلام، وأهدى له مارية، ويقال: وأختها سيرين، وبغلة تسمَّى: الدَّلدل. والدلدل: القنفذ العظيم. والمقوقس: المطوِّل للبناء. يقال في المثل: أنا في القوس، وأنت بالقوقوس فمتى نجتمع؟ !
(1) ذكره ابن هشام في السيرة النبوية (1/ 6).
(2)
ما بين حاصرتين سقط من (ز).
فَإِذَا رَأَيتَ رَجُلَينِ يَختَصِمَانِ فِيهَا فِي مَوضِعِ لَبِنَةٍ فَاخرُج مِنهَا، قَالَ: فَرَأَيتُ عَبدَ الرَّحمَنِ بنَ شُرَحبِيلَ بنِ حَسَنَةَ وَأَخَاهُ رَبِيعَةَ يَختَصِمَانِ فِي مَوضِعِ لَبِنَةٍ فَخَرَجتُ مِنهَا.
وفي أخرى: فاستوصوا بأهلها خيرا فإن لهم ذمة ورحما.
رواه أحمد (5/ 174)، ومسلم (2543)(226 و 227).
[2449]
وعن أبي برزة قال: بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا إِلَى حَيٍّ مِن أَحيَاءِ العَرَبِ فَسَبُّوهُ، وَضَرَبُوهُ، فَجَاءَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَخبَرَهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَو أَنَّ أَهلَ عُمَانَ أَتَيتَ مَا سَبُّوكَ وَلَا ضَرَبُوكَ.
رواه مسلم (2544).
* * *
ــ
و(قوله: فإذا رأيتم رجلين يختصمان فيها في موضع لبنة فاخرج منها) يعني بذلك: كثرة أهلها، ومشاحتهم في أرضها، واشتغالهم بالزراعة والغرس عن الجهاد، وإظهار الدين، ولذلك أمره بالخروج منها إلى مواضع الجهاد، ويحتمل أن يكون ذلك لأنَّ الناس إذا ازدحموا على الأرض، وتنافسوا في ذلك كثرت خصومتهم وشرورهم، وفشا فيهم البخل والشر، فيتعين الفرار من محل يكون كذلك، إن وجد محلَّا آخر خليًا عن ذلك، وهيهات كان هذا في الصدر الأول، وأما اليوم، فوجود ذلك في غاية البعد، إذ في كل واد بنو سعد. واللبنة: الطوبة، وتجمع لبن. وفيه من الفقه: الأمر بالرفق بأهل أرياف مصر، وصعيدها، والإحسان إليهم، وخصوصًا أهل تينك القريتين، لما ذكر من تينك الخصوصيتين.
و(قوله صلى الله عليه وسلم: لو أن أهل عمان أتيت ما سبُّوك ولا ضربوك) يروى عُمان بضم العين، وتخفيف الميم - وهو موضع بالشام (1)، ويعني: أن أهل عمان قوم
(1) هذا الموضع ذكر بفتح العين وتشديد الميم. انظر: اللسان ومعجم البلدان.