الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه
-
[2409]
عن ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ المُسلِمُونَ لَا يَنظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعطِنِيهِنَّ، قَالَ:
ــ
(67)
ومن باب: فضائل أبي سفيان بن حرب
واسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي، وكان من أشراف قريش، وساداتها، وذوي رأيها في الجاهلية، أسلم يوم فتح مكة، وقد تقدَّم خبر إسلامه، وشهد حنينًا، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائمها مائة بعير، وأربعين أوقية وزنها له بلال. قال أبو عمر: واختلف في حسن إسلامه، فطائفة تروي: أنه لما أسلم حسن إسلامه، وذكروا عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: رأيت أبا سفيان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد يقاتل. يقول: يا نصر الله اقترب. وروي عنه أنه قال: فقدت الأصوات يوم اليرموك إلا صوت رجل واحد يقول: يا نصر الله اقترب، قال المسيب: فذهبت أنظر، فإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه. وقد روي: أن أبا سفيان كان يوم اليرموك يقف على الكراديس فيقول للناس: الله! الله! إنكم ذادةُ (1) العرب، وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم، وأنصار المشركين، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك.
وطائفة تروي: أنه كان كهفًا للمنافقين منذ أسلم، وكان في الجاهلية ينسب إلى الزندقة، وكان إسلامه يوم الفتح كرهًا كما تقدَّم من حديثه، ومن قوله في كلمتي الشهادة حين عرضت عليه: أما هذه ففي النفس منها شيء. وفي خبر ابن الزبير أنه رآه يوم اليرموك قال: فكانت الروم إذا ظهرت قال أبو سفيان: إيه بني الأصفر!
و(قول ابن عباس: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان بن حرب ولا يقاعدونه) إنما كان ذلك لما كان من أبي سفيان من صنيعه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين
(1)"ذادة": جمع ذائد، وهو المدافع عن أرضه.
نَعَم، عِندِي أَحسَنُ العَرَبِ، وَأَجمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنتُ أَبِي سُفيَانَ أُزَوِّجُكَهَا، قَالَ: نَعَم، قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ تَجعَلُهُ كَاتِبًا بَينَ يَدَيكَ، قَالَ: نَعَم، قَالَ:
ــ
في شركه، إذ لم يصنع أحدٌ بهم مثل صنيعه، ثم إنه أسلم يوم الفتح مكرهًا، وكان من المؤلفة قلوبهم، وكأنهم ما كانوا يثقون بإسلامه، وقد ذكرنا اختلاف العلماء (1) في نفاقه.
و(قوله: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها؟ قال: نعم) الضمير في أجمله عائد على الجنس الذي دلَّ عليه العرب، وأم حبيبة هذه اسمها رملة، وقيل: هند، والأول هو المعروف والصحيح، وإنَّما هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان، وأم معاوية. وظاهر هذا الحديث أن أبا سفيان أنكح ابنته النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، وهو مخالف للمعلوم عند أهل التواريخ والأخبار، فإنَّهم متفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّج بأمِّ حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح، وقبل إسلام أبيها، وإنَّ أبا سفيان قدم قبل الفتح المدينة طالبًا تجديد العهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه دخل بيت أم حبيبة ابنته، فأراد أن يجلس على بساط رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعته من تحته، فكلمها في ذلك، فقالت: إنَّه بساط رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك! فقال لها: يا بنية لقد أصابك بعدي شر، ثم طلب من علي، ومن فاطمة ومن غيرهما أن يكلموا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح، فأبوا عليه، فرجع إلى مكة من غير مقصود حاصل، وكل ذلك معلوم لا شك فيه، ثم إن الأكثر من الروايات والأصح منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة، وهي بأرض الحبشة، وذلك أنها كانت تحت عبد الله بن جحش الأسدي، أسد خزيمة، فولدت له حبيبة التي كنيت بها، وأنها أسلمت وأسلم زوجها عبيد الله بن جحش وهاجر بها إلى أرض الحبشة، ثم إن زوجها تنصَّر هناك، ومات نصرانيًّا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها وهي بأرض الحبشة فبعث شرحبيل بن حسنة إلى النجاشي في ذلك. روى الزبير بن بكار عن
(1) في (ز): المسلمين.
وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الكُفَّارَ، كَمَا كُنتُ أُقَاتِلُ المُسلِمِينَ، قَالَ: نَعَم. قَالَ
ــ
إسماعيل بن عمرو: أن أم حبيبة قالت: ما شعرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشي جارية يقال له: أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فاستأذنت عليَّ فأذنت لها، فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب أن أزوِّجَكِهِ، فقلت: بشرك الله بخير، وقالت: يقول لك الملك: وكلي من يزوجك، فأرسلتُ إلى خالد بن سعيد فوكلته، وأعطيتُ أبرهة سوارين من فضة كانتا علي، وخواتم فضة كانت في أصابعي سرورًا بما بشرتني به، فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب، ومن هناك من المسلمين يحضرون، وخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم، أما بعد: فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوَّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصدقتها أربعمائة دينار، ثم سكب الدنانير بين يدي القوم، فتكلم خالد بن سعيد، فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، أما بعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسوله. ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد، فقبضها، ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإنَّ سنة الأنبياء إذا تزوَّجوا أن يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام فأكلوا، ثم تفرَّقوا. قال الزبير: قدم خالد بن سعيد، وعمرو بن العاص بأم حبيبة من أرض الحبشة عام الهدنة. وقال بعض الرواة: إنما أصدقها أربعة آلاف درهم، وأن عثمان بن عفان هو الذي أولم عليها، وأنه هو الذي زوَّجها إياه، وقيل: زوَّجها النجاشي.
قلت: ويصح الجمع بين هذه الروايات، فتكون الأربعمائة دينار صرفت، أو قوِّمت بأربعة آلاف درهم، وأن النجاشي هو الخاطب، وعثمان هو العاقد،
أَبُو زُمَيلٍ: وَلَولَا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا أَعطَاهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَم يَكُن يُسأَلُ شَيئًا إِلَّا قَالَ: نَعَم.
رواه مسلم (2501).
* * *
ــ
وسعيد الوكيل، فصحَّت نسبة التزويج لكلهم، وهذا هو المعروف عند جمهور (1) أهل التواريخ والسِّير، كابن شهاب، وابن إسحاق، وقتادة، ومصعب، والزبير وغيرهم.
وقد روي عن قتادة قول آخر: أن عثمان بن عفان زوَّجها من النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعدما قدمت من أرض الحبشة. قال أبو عمر: والصحيح الأول، وروي أن أبا سفيان قيل له وهو يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن محمدًا قد نكح ابنتك! فقال: ذلك الفحل الذي لا يقدع أنفه (2). وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة سنة ست من التاريخ، قال غيره: سنة سبع، قال أبو عمر: توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين.
قلت: فقد ظهر أنه لا خلاف بين أهل النقل أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم متقدِّم على إسلام أبيها أبي سفيان، وعلى يوم الفتح، ولما ثبت هذا تعيَّن أن يكون طلب أبي سفيان تزويج أم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه خطأ ووهمًا، وقد بحث النقاد عمن وقع منه ذلك الوهم فوجدوه قد وقع من عكرمة بن عمار. قال أبو الفرج الجوزي: اتهموا به عكرمة بن عمار، وقد ضعف أحاديثه يحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل،
(1) في (ز): أهل.
(2)
معناه: لا يُضرب أنفه، وذلك إذا كان كريمًا، وأصله للفحل إذا كان غير كريم وأراد ركوب الناقة الكريمة، فيضربون أنفه بالرمح وغيره ليرتاع. يريد أبو سفيان: أنه كفءٌ كريم لا يُرَدُّ.