المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

-

[2409]

عن ابنُ عَبَّاسٍ قَالَ: كَانَ المُسلِمُونَ لَا يَنظُرُونَ إِلَى أَبِي سُفيَانَ وَلَا يُقَاعِدُونَهُ، فَقَالَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: يَا نَبِيَّ اللَّهِ ثَلَاثٌ أَعطِنِيهِنَّ، قَالَ:

ــ

(67)

ومن باب: فضائل أبي سفيان بن حرب

واسمه صخر بن حرب بن أمية بن عبد شمس بن عبد مناف الأموي، وكان من أشراف قريش، وساداتها، وذوي رأيها في الجاهلية، أسلم يوم فتح مكة، وقد تقدَّم خبر إسلامه، وشهد حنينًا، وأعطاه النبي صلى الله عليه وسلم من غنائمها مائة بعير، وأربعين أوقية وزنها له بلال. قال أبو عمر: واختلف في حسن إسلامه، فطائفة تروي: أنه لما أسلم حسن إسلامه، وذكروا عن سعيد بن المسيب عن أبيه قال: رأيت أبا سفيان يوم اليرموك تحت راية ابنه يزيد يقاتل. يقول: يا نصر الله اقترب. وروي عنه أنه قال: فقدت الأصوات يوم اليرموك إلا صوت رجل واحد يقول: يا نصر الله اقترب، قال المسيب: فذهبت أنظر، فإذا هو أبو سفيان بن حرب تحت راية ابنه. وقد روي: أن أبا سفيان كان يوم اليرموك يقف على الكراديس فيقول للناس: الله! الله! إنكم ذادةُ (1) العرب، وأنصار الإسلام، وإنهم ذادة الروم، وأنصار المشركين، اللهم هذا يوم من أيامك، اللهم أنزل نصرك على عبادك.

وطائفة تروي: أنه كان كهفًا للمنافقين منذ أسلم، وكان في الجاهلية ينسب إلى الزندقة، وكان إسلامه يوم الفتح كرهًا كما تقدَّم من حديثه، ومن قوله في كلمتي الشهادة حين عرضت عليه: أما هذه ففي النفس منها شيء. وفي خبر ابن الزبير أنه رآه يوم اليرموك قال: فكانت الروم إذا ظهرت قال أبو سفيان: إيه بني الأصفر!

و(قول ابن عباس: كان المسلمون لا ينظرون إلى أبي سفيان بن حرب ولا يقاعدونه) إنما كان ذلك لما كان من أبي سفيان من صنيعه بالنبي صلى الله عليه وسلم وبالمسلمين

(1)"ذادة": جمع ذائد، وهو المدافع عن أرضه.

ص: 453

نَعَم، عِندِي أَحسَنُ العَرَبِ، وَأَجمَلُهُ أُمُّ حَبِيبَةَ بِنتُ أَبِي سُفيَانَ أُزَوِّجُكَهَا، قَالَ: نَعَم، قَالَ: وَمُعَاوِيَةُ تَجعَلُهُ كَاتِبًا بَينَ يَدَيكَ، قَالَ: نَعَم، قَالَ:

ــ

في شركه، إذ لم يصنع أحدٌ بهم مثل صنيعه، ثم إنه أسلم يوم الفتح مكرهًا، وكان من المؤلفة قلوبهم، وكأنهم ما كانوا يثقون بإسلامه، وقد ذكرنا اختلاف العلماء (1) في نفاقه.

و(قوله: عندي أحسن العرب وأجمله أم حبيبة بنت أبي سفيان أزوجكها؟ قال: نعم) الضمير في أجمله عائد على الجنس الذي دلَّ عليه العرب، وأم حبيبة هذه اسمها رملة، وقيل: هند، والأول هو المعروف والصحيح، وإنَّما هند بنت عتبة زوجة أبى سفيان، وأم معاوية. وظاهر هذا الحديث أن أبا سفيان أنكح ابنته النبيَّ صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه، وهو مخالف للمعلوم عند أهل التواريخ والأخبار، فإنَّهم متفقون على أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوَّج بأمِّ حبيبة بنت أبي سفيان قبل الفتح، وقبل إسلام أبيها، وإنَّ أبا سفيان قدم قبل الفتح المدينة طالبًا تجديد العهد بينه وبين رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنه دخل بيت أم حبيبة ابنته، فأراد أن يجلس على بساط رسول الله صلى الله عليه وسلم فنزعته من تحته، فكلمها في ذلك، فقالت: إنَّه بساط رسول الله صلى الله عليه وسلم وأنت مشرك! فقال لها: يا بنية لقد أصابك بعدي شر، ثم طلب من علي، ومن فاطمة ومن غيرهما أن يكلموا النبي صلى الله عليه وسلم في الصلح، فأبوا عليه، فرجع إلى مكة من غير مقصود حاصل، وكل ذلك معلوم لا شك فيه، ثم إن الأكثر من الروايات والأصح منها: أن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج أم حبيبة، وهي بأرض الحبشة، وذلك أنها كانت تحت عبد الله بن جحش الأسدي، أسد خزيمة، فولدت له حبيبة التي كنيت بها، وأنها أسلمت وأسلم زوجها عبيد الله بن جحش وهاجر بها إلى أرض الحبشة، ثم إن زوجها تنصَّر هناك، ومات نصرانيًّا، ثم إن رسول الله صلى الله عليه وسلم خطبها وهي بأرض الحبشة فبعث شرحبيل بن حسنة إلى النجاشي في ذلك. روى الزبير بن بكار عن

(1) في (ز): المسلمين.

ص: 454

وَتُؤَمِّرُنِي حَتَّى أُقَاتِلَ الكُفَّارَ، كَمَا كُنتُ أُقَاتِلُ المُسلِمِينَ، قَالَ: نَعَم. قَالَ

ــ

إسماعيل بن عمرو: أن أم حبيبة قالت: ما شعرت وأنا بأرض الحبشة إلا برسول النجاشي جارية يقال له: أبرهة، كانت تقوم على ثيابه ودهنه، فاستأذنت عليَّ فأذنت لها، فقالت: إن الملك يقول لك: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب أن أزوِّجَكِهِ، فقلت: بشرك الله بخير، وقالت: يقول لك الملك: وكلي من يزوجك، فأرسلتُ إلى خالد بن سعيد فوكلته، وأعطيتُ أبرهة سوارين من فضة كانتا علي، وخواتم فضة كانت في أصابعي سرورًا بما بشرتني به، فلما كان العشي أمر النجاشي جعفر بن أبي طالب، ومن هناك من المسلمين يحضرون، وخطب النجاشي فقال: الحمد لله الملك القدوس السلام المؤمن المهيمن العزيز الجبار، أشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله، وأنه الذي بشر به عيسى ابن مريم، أما بعد: فإنَّ رسول الله صلى الله عليه وسلم كتب إلي أن أزوَّجه أم حبيبة بنت أبي سفيان، فأجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد أصدقتها أربعمائة دينار، ثم سكب الدنانير بين يدي القوم، فتكلم خالد بن سعيد، فقال: الحمد لله أحمده وأستعينه، وأشهد أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا عبده ورسوله، أرسله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، ولو كره المشركون، أما بعد: فقد أجبت إلى ما دعا إليه رسول الله صلى الله عليه وسلم وزوجته أم حبيبة بنت أبي سفيان، فبارك الله لرسوله. ودفع النجاشي الدنانير إلى خالد بن سعيد، فقبضها، ثم أرادوا أن يقوموا فقال: اجلسوا فإنَّ سنة الأنبياء إذا تزوَّجوا أن يؤكل طعام على التزويج، فدعا بطعام فأكلوا، ثم تفرَّقوا. قال الزبير: قدم خالد بن سعيد، وعمرو بن العاص بأم حبيبة من أرض الحبشة عام الهدنة. وقال بعض الرواة: إنما أصدقها أربعة آلاف درهم، وأن عثمان بن عفان هو الذي أولم عليها، وأنه هو الذي زوَّجها إياه، وقيل: زوَّجها النجاشي.

قلت: ويصح الجمع بين هذه الروايات، فتكون الأربعمائة دينار صرفت، أو قوِّمت بأربعة آلاف درهم، وأن النجاشي هو الخاطب، وعثمان هو العاقد،

ص: 455

أَبُو زُمَيلٍ: وَلَولَا أَنَّهُ طَلَبَ ذَلِكَ مِن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مَا أَعطَاهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَم يَكُن يُسأَلُ شَيئًا إِلَّا قَالَ: نَعَم.

رواه مسلم (2501).

* * *

ــ

وسعيد الوكيل، فصحَّت نسبة التزويج لكلهم، وهذا هو المعروف عند جمهور (1) أهل التواريخ والسِّير، كابن شهاب، وابن إسحاق، وقتادة، ومصعب، والزبير وغيرهم.

وقد روي عن قتادة قول آخر: أن عثمان بن عفان زوَّجها من النبي صلى الله عليه وسلم بالمدينة بعدما قدمت من أرض الحبشة. قال أبو عمر: والصحيح الأول، وروي أن أبا سفيان قيل له وهو يحارب رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن محمدًا قد نكح ابنتك! فقال: ذلك الفحل الذي لا يقدع أنفه (2). وقال أبو عبيدة معمر بن المثنى: تزوَّج رسول الله صلى الله عليه وسلم أم حبيبة سنة ست من التاريخ، قال غيره: سنة سبع، قال أبو عمر: توفيت أم حبيبة سنة أربع وأربعين.

قلت: فقد ظهر أنه لا خلاف بين أهل النقل أن تزويج النبي صلى الله عليه وسلم متقدِّم على إسلام أبيها أبي سفيان، وعلى يوم الفتح، ولما ثبت هذا تعيَّن أن يكون طلب أبي سفيان تزويج أم حبيبة للنبي صلى الله عليه وسلم بعد إسلامه خطأ ووهمًا، وقد بحث النقاد عمن وقع منه ذلك الوهم فوجدوه قد وقع من عكرمة بن عمار. قال أبو الفرج الجوزي: اتهموا به عكرمة بن عمار، وقد ضعف أحاديثه يحيى بن سعيد، وأحمد بن حنبل،

(1) في (ز): أهل.

(2)

معناه: لا يُضرب أنفه، وذلك إذا كان كريمًا، وأصله للفحل إذا كان غير كريم وأراد ركوب الناقة الكريمة، فيضربون أنفه بالرمح وغيره ليرتاع. يريد أبو سفيان: أنه كفءٌ كريم لا يُرَدُّ.

ص: 456