المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

[2318]

عن عَائِشَةَ قَالَت: سَهِرَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَقدَمَهُ المَدِينَةَ لَيلَةً فَقَالَ: لَيتَ رَجُلًا صَالِحًا مِن أَصحَابِي يَحرُسُنِي اللَّيلَةَ قَالَت:

ــ

التصريح باللعن، وركيك القول، كما قد اقتحمه جهَّال بني أمية وسفلتهم، فحاش معاوية منه، ومن كان على مثل حاله من الصحبة، والدين، والفضل، والحلم، والعلم، والله تعالى أعلم.

(39)

ومن باب: فضائل سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه

واسمه: مالك بن وهيب بن عبد مناف بن زهرة بن كلاب بن مرَّة، يكنى: أبا إسحاق، أسلم قديمًا، وهو ابن سبع عشرة سنة، وقال: مكثت ثلاثة أيام، وأنا ثلث الإسلام. وقال: أنا أول من رمى بسهم في سبيل الله. شهد المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وولي الولايات العظيمة من قبل عمر وعثمان رضي الله عنهم. وهو أحد أصحاب الشورى، وأحد المشهود لهم بالجنة. توفي في قصره بالعقيق على عشرة أميال من المدينة، وصلَّى عليه مروان بن الحكم، ومروان إذ ذاك والي المدينة، ثم صلى عليه أزواج النبي صلى الله عليه وسلم ودخل بجنازته في المسجد، فصلين عليه في حجرهن، وكفن في جبة صوف، لقي المشركين فيها يوم بدر، فوصى أن يكفن فيها، ودفن بالبقيع سنة خمس وخمسين، ويقال سنة خمسين، وهو ابن بضع وسبعين سنة، ويقال: ابن اثنين وثمانين، وروي عنه من الحديث مائتان وسبعون، أخرج له منها في الصحيحين ثمانية وثلاثون.

و(قوله: أرق (1) رسول الله صلى الله عليه وسلم مقدمه المدينة ليلة) أي: سهر عند أول

(1) في التلخيص: سهر، وفي صحيح مسلم روايتان الأولى: أرق، والثانية: سهر.

ص: 279

فَبَينَا نَحنُ كَذَلِكَ سَمِعنَا خَشخَشَةَ سِلَاحٍ فَقَالَ: مَن هَذَا؟ قَالَ: سَعدُ بنُ أَبِي وَقَّاصٍ. فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَا جَاءَ بِكَ؟ قَالَ: وَقَعَ فِي نَفسِي خَوفٌ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَجِئتُ أَحرُسُهُ، فَدَعَا لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ نَامَ.

رواه أحمد (6/ 141)، والبخاريُّ (2885)، ومسلم (2410)(39 و 40)، والترمذي (3756)، والنسائي في الكبرى (8667).

ــ

قدومه على المدينة في ليلة من الليالي، فقال: ليت رجلًا صالحًا من أصحابي يحرسني الليلة. قيل: كان هذا من النبي صلى الله عليه وسلم في أول الأمر، قبل أن ينزل عليه:{وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ}

قلت: ويحتمل أن يقال: إن قوله: {وَاللَّهُ يَعصِمُكَ مِنَ النَّاسِ} ليس فيه ما يناقض احتراسه من الناس، ولا ما يمنعه، كما أن إخبار الله تعالى عن نصره، وإظهاره لدينه ليس فيه ما يمنع الأمر بالقتال، وإعداد العَدَد والعُدَد، والأخذ بالجد والحزم، والحذر، وسر ذلك: أن هذه أخبار عن عاقب الحال، ومآله، لكن هل تحصل تلك العاقبة عن سبب معتاد، أو غير سبب؟ لم يتعرض ذلك الأخبار له، فليبحث عنه في موضع آخر، ولما بحثت عن ذلك وجدت الشريعة طافحة بالأمر له ولغيره بالتحصن، وأخذ الحذر، ومدافعتهم بالقتل والقتال، وإعداد الأسلحة والآلات، وقد عمل النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، وأخذ به، فلا تعارض في ذلك، والله الموفق لفهم ما هنالك.

وخشخشة السَّلاح وقعقعته: صوت ضرب بعضه في بعض.

و(قول سعد: وقع في نفسي خوف على رسول الله صلى الله عليه وسلم فجئت أحرسه) دليل على مكانة نبينا صلى الله عليه وسلم وكرامته على الله، فإنَّه قضى أمنيته، وحقق في الحين طِلبَته. وفيه دليل على أن سعدًا رضي الله عنه من عباد الله الصالحين المحدَّثين الملهمين، وتخصيصه بهذه الحالة كلها، وبدعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم له من أعظم

ص: 280

[2319]

وعن سعد قال: كَانَ رَجُلٌ مِن المُشرِكِينَ قَد أَحرَقَ المُسلِمِينَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: ارمِ فِدَاكَ أَبِي وَأُمِّي، قَالَ: فَنَزَعتُ لَهُ بِسَهمٍ لَيسَ فِيهِ نَصلٌ فَأَصَبتُ جَنبَهُ، فَسَقَطَ فَانكَشَفَت عَورَتُهُ، فَضَحِكَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى نَظَرتُ إِلَى نَوَاجِذِهِ.

رواه البخاريُّ (4055)، ومسلم (2412).

[2320]

وعنه: أَنَّهُ نَزَلَت فِيهِ آيَاتٌ مِن القُرآنِ قَالَ: حَلَفَت أُمُّ سَعدٍ

ــ

الفضائل، وأشرف المناقب، وكذلك جَمعُ رسول الله صلى الله عليه وسلم له أبويه، وفداؤه بهما خاصَّةٌ مِن خصائصه، إذ لم يُروَ ولا سُمع أن النبي صلى الله عليه وسلم فدى أحدًا من الناس بأبويه جميعًا غير سعد هذا (1)، وغير ما يأتي في حديث ابن الزبير، وقد تقدَّم أن النَّواجذَ آخر الأضراس، وأنها تقال على الضواحك، وأنها المعنيَّة في هذا الحديث، فإنها هي التي يمكنُ أن ينظر إليها غالبًا في حال الضحك، وكان صلى الله عليه وسلم جُلّ ضحكه التبسُّم، فإذا استغرب (2)، فغايةُ ما يظهر منه ضواحكه مع ندور ذلك منه وقِلَّته.

و(قوله: كان رجل من المشركين قد أحرق في المسلمين) أي: أصاب منهم كثيرًا، وآلمهم، حتى كأنه فعل فيهم ما تفعله النار من الإحراق.

و(قوله: فنزعت له بسهم ليس فيه نصل) أي: رميتُه بسهم لا حديدة فيه، وقد تقدَّم: أن أصلَ النَّزع: الجذب والجبذ، وكان ضحك النبي صلى الله عليه وسلم بإصابة العدو سرورًا، لا بانكشاف العورة، فإنه المنزَّهُ عن ذلك.

و(قوله: فأصبتُ جنبه) بالجيم والنون، كذا لأكثر الرواة، وكذا رؤيته، وقيَّده القاضي الشهيد حبَّته - بالحاء المهملة والموحدة -، يعني به: حبة قلبه، وفيه بُعد.

(1) انظر صحيح مسلم (2412).

(2)

"استغرب الرجل في الضحك": بالغ فيه. وكأنه من الغَرب: البُعْد.

ص: 281

ألَّا تُكَلِّمَهُ أَبَدًا حَتَّى يَكفُرَ بِدِينِهِ، وَلَا تَأكُلَ، وَلَا تَشرَبَ قَالَت: زَعَمتَ أَنَّ اللَّهَ وَصَّاكَ بِوَالِدَيكَ وَأَنَا أُمُّكَ وَأَنَا آمُرُكَ بِهَذَا. قَالَ: مَكَثَت ثَلَاثًا حَتَّى غُشِيَ عَلَيهَا مِن الجَهدِ - وفي رواية قال: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها بعصى ثم أوجروها - فَقَامَ ابنٌ لَهَا يُقَالُ لَهُ عُمَارَةُ فَسَقَاهَا، فَجَعَلَت تَدعُو عَلَى سَعدٍ فَأَنزَلَ اللَّهُ عز وجل فِي القُرآنِ هَذِهِ الآيَةَ:{وَوَصَّينَا الإِنسَانَ بِوَالِدَيهِ حُسنًا وَإِن جَاهَدَاكَ لِتُشرِكَ بِي} وَفِيهَا: {فَلا تُطِعهُمَا وَصَاحِبهُمَا فِي الدُّنيَا مَعرُوفًا}

قَالَ: وَأَصَابَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم غَنِيمَةً عَظِيمَةً، فَإِذَا فِيهَا سَيفٌ فَأَخَذتُهُ، فَأَتَيتُ بِهِ الرَّسُولَ صلى الله عليه وسلم فَقُلتُ: نَفِّلنِي هَذَا السَّيفَ، فَأَنَا مَن قَد عَلِمتَ حَالَهُ، فَقَالَ: رُدُّهُ مِن حَيثُ أَخَذتَهُ، فَانطَلَقتُ حَتَّى إِذَا أَرَدتُ أَن

ــ

و(قوله: فكانوا إذا أرادوا أن يطعموها شجروا فاها بعصا، ثم أوجروها) - بالشين والجيم -، أي: فتحوا فمها، وأدخلوا فيه العصا، لئلا تغلقه حتى يوجروها الغذاء. والوَجُور: - بفتح الواو - ما يُصَبُّ في وسط الفم، واللَّدود - بفتح اللام -: ما يُصَبُّ من جانب الفم. ويقال: وجرته، وأوجرته - ثلاثيًّا ورباعيًّا - وقد رواه بعضُهم: شحُّوا فاها - بحاء مهملة، وواو من غير راء - وهو قريب من الأول، أي: وسَّعوه بالفتح، والشحو: التوسع في المشي، والدابة الشحواء: الواسعة الخطو. ويقال: شحا فاه، وشحا فوه - معدًى ولازمًا -، أي: فتحه، ووصية الله تعالى بمبرَّة الوالدين المشركين، والإحسان إليهما وإن كانا كافرين، وحريصين على حمل الولد على الكفر. ويدلُّ دلالةً قاطعة على عظيم حرمة الآباء، وتأكُد حقوقهم.

و(قوله تعالى: {وَإِن جَاهَدَاكَ عَلَى أَن تُشرِكَ بِي مَا لَيسَ لَكَ بِهِ عِلمٌ فَلا تُطِعهُمَا} أي: إن حاولاك (1) على الشرك والكفر، فلا تطعهما، وإن بالغا في

(1) في (ز) و (م 3): جادلاك.

ص: 282

أُلقِيَهُ فِي القَبَضِ لَامَتنِي نَفسِي، فَرَجَعتُ إِلَيهِ فَقُلتُ: أَعطِنِيهِ، قَالَ فَشَدَّ لِي صَوتَهُ: رُدُّهُ مِن حَيثُ أَخَذتَهُ، قَالَ: فَأَنزَلَ اللَّهُ تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ}

قَالَ: وَمَرِضتُ فَأَرسَلتُ إِلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَتَانِي فَقُلتُ: دَعنِي أَقسِم مَالِي حَيثُ شِئتُ، قَالَ: فَأَبَى، قُلتُ: فَالنِّصفَ! قَالَ: فَأَبَى، قُلتُ: فَالثُّلُثَ قَالَ: فَسَكَتَ فَكَانَ بَعدُ الثُّلُثُ جَائِزًا.

قَالَ: وَأَتَيتُ عَلَى نَفَرٍ مِن الأَنصَارِ وَالمُهَاجِرِينَ، فَقَالُوا: تَعَالَ نُطعِمكَ وَنَسقِكَ خَمرًا - وَذَلِكَ قَبلَ أَن تُحَرَّمَ الخَمرُ - قَالَ: فَأَتَيتُهُم فِي حَشٍّ - وَالحَشُّ البُستَانُ - فَإِذَا رَأسُ جَزُورٍ مَشوِيٌّ عِندَهُم وَزِقٌّ مِن خَمرٍ، قَالَ: فَأَكَلتُ وَشَرِبتُ مَعَهُم، قَالَ: فَذَكَرتُ الأَنصَارَ وَالمُهَاجِرونَ عِندَهُم، فَقُلتُ: المُهَاجِرُونَ خَيرٌ مِن الأَنصَارِ، قَالَ: فَأَخَذَ رَجُلٌ أَحَدَ لَحيَي الرَّأسِ، فَضَرَبَنِي فَجَرَحَ بِأَنفِي - وفي رواية: ففزره، وكان أنف سعد مفزورا - فَأَتَيتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخبَرتُهُ، فَأَنزَلَ اللَّهُ عز وجل فِيَّ - يَعنِي

ــ

ذلك، وأتعبا أنفسهما فيه، فإن الشرك بالله تعالى باطل ليس له حقيقة فتعلم، كما قال تعالى:{أَتُنَبِّئُونَ اللَّهَ بِمَا لا يَعلَمُ فِي السَّمَاوَاتِ وَلا فِي الأَرضِ سُبحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يُشرِكُونَ} والقَبَضُ - بفتح الباء -: اسم لما يُقبض، وكذلك هو هنا، والقَبض بسكونها: مصدر قبضت. وقد تقدم في الجهاد الكلامُ على قوله تعالى: {يَسأَلُونَكَ عَنِ الأَنفَالِ} وفي الوصايا على وصية سعدِ، وما يتعلق بها. والحُشُ: بستان النخل، ويقال: بضم الحاء وفتحها، ويُجمع على حشَّان، وقد يُكنى بالحش عن موضع الخلاء، لأنهم كانوا يقضون حاجتهم في البساتين. وحائش النخل: جماعة النخل.

و(قوله: ففزره، وكان أنفُه مفزورًا هو بتقديم الزاي مخفَّفةً، أي: شقَّه،

ص: 283

نَفسَهُ - شَأنَ الخَمرِ: {إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ مِن عَمَلِ الشَّيطَانِ}

في الفضائل (43 و 44)، والترمذيُّ (3188).

[2321]

وعنه قَالَ: كُنَّا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم سِتَّةَ نَفَرٍ، فَقَالَ المُشرِكُونَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: اطرُد هَؤُلَاءِ لَا يَجتَرِئُونَ عَلَينَا، قَالَ: وَكُنتُ أَنَا وَابنُ مَسعُودٍ وَرَجُلٌ مِن هُذَيلٍ وَبِلَالٌ وَرَجُلَانِ لَستُ أُسَمِّيهِمَا، فَوَقَعَ فِي نَفسِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَا شَاءَ اللَّهُ أَن يَقَعَ، فَحَدَّثَ نَفسَهُ، فَأَنزَلَ اللَّهُ عز وجل:

ــ

والمفزور: المشقوق، ولَحيُ الجمل- بفتح اللام-: هو أحَدُ فكي فمه، وهما: لحيان، أعلى وأسفل، والذي يمكن أن يؤخذ ويضرب به: هو الأسفل، وقد تقدم القولُ في قوله تعالى:{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الخَمرُ وَالمَيسِرُ وَالأَنصَابُ وَالأَزلامُ رِجسٌ} الآية في الأشربة.

و(قول المشركين للنبي صلى الله عليه وسلم: اطرد هؤلاء عنك لا يجترئون علينا) كان هؤلاء المشركون أشرافَ قومهم، وقيل: كان منهم: عُيينة بن حصن، والأقرع بن حابس، أنِفُوا من مجالسة ضعفاء أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم كصهيب، وسلمان، وعمار، وبلال، وسالم، ومِهجَع، وسعد هذا، وابن مسعود، وغيرهم ممن كان على مثل حالهم استصغارًا لهم، وكِبرًا عليهم، واستقذارًا لهم، فإنهم قالوا: يُؤذوننا بريحهم، وفي بعض كتب التفسير أنهم لما عرضوا ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم أبى، فقالوا له: اجعل لنا يومًا ولهم يومًا، وطلبوا أن يكتبَ لهم بذلك، فهمَّ النبي صلى الله عليه وسلم بذلك، ودعا عليًّا ليكتب، فقام الفقراء وجلسوا ناحية، فأنزل الله تعالى الآية.

قلتُ: ولهذا أشار سعد بقوله: فوقع في نفس رسول الله صلى الله عليه وسلم ما شاء الله أن يقع. وكان النبي صلى الله عليه وسلم إنما مال إلى ذلك طمعًا في إسلامهم، وإسلام قومهم، ورأى أن ذلك لا يفوتُ أصحابه شيئًا، ولا ينقصُ لهم قدرًا، فمال إليه، فأنزل

ص: 284

{وَلا تَطرُدِ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ}

رواه مسلم (2413)(46)، والنسائي في الكبرى (11163)، وابن ماجه (4128).

* * *

ــ

الله تعالى: {وَلا تَطرُدِ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجهَهُ} فنهاه عما همَّ به من الطرد، لا أنه أوقع الطرد، ووصف أولئك بأحسن أوصافهم، وأمره أن يصبر نفسه معهم بقوله:{وَاصبِر نَفسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ} فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا رآهم بعد ذلك يقول: مرحبًا بقوم عاتبني الله فيهم (1)، وإذا جالسهم لم يقم عنهم حتى يكونوا هم الذين يبدؤون حوله بالقيام.

و(قوله: {يَدعُونَ رَبَّهُم بِالغَدَاةِ وَالعَشِيِّ} ، قيل معناه: يدعون ربهم بالغداة بطلب التوفيق والتيسير، وبالعشي: قيل معناه: بطلب العفو عن التقصير، وقيل معناه: يذكرون الله بعد صلاة الصبح، وصلاة العصر. وقيل: يصلون الصبح والعصر، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: يصلون الصلوات الخمس، وقال يحيى بن أبي كثير: هي مجالس الفقه بالغداة والعشي، وقيل يعني به: دوام أعمالهم وعباداتهم، وإنَّما خصَّ طرفي النهار بالذكر؛ لأنَّ من عمل في وقت الشغل كان في وقت الفراغ من الشغل أعمل.

و(قوله: {يُرِيدُونَ وَجهَهُ} أي: يخلصون في عباداتهم وأعمالهم لله تعالى. ويتوجهون إليه بذلك لا لغيره، ويصح أن يقال: يقصدون بأعمالهم رؤية وجهه الكريم، أي: وجوده المنزه المقدس عن صفات المخلوقين.

(1) ذكره السيوطي في الدر المنثور (5/ 381) وعزاه لابن جرير والطبراني وابن مردويه بلفظ: "الحمد لله الذي جعل في أمتي من أمرني أن أصبر نفسي معهم".

ص: 285