المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

إِلَى السَّمَاءِ - فَقَالَ: النُّجُومُ أَمَنَةٌ لِلسَّمَاءِ، فَإِذَا ذَهَبَت النُّجُومُ أَتَى السَّمَاءَ مَا تُوعَدُ، وَأَنَا أَمَنَةٌ لِأَصحَابِي، فَإِذَا ذَهَبتُ أَتَى أَصحَابِي مَا يُوعَدُونَ، وَأَصحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ.

رواه أحمد (2/ 398 - 399)، ومسلم (2531).

* * *

(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

[2438]

عن عبد الله - هو ابن مسعود - قَالَ: سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَيُّ النَّاسِ خَيرٌ؟ قَالَ: قَرنِي ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ

ــ

وظهر الكفر والنفاق، وكثر الخلاف والشقاق، فلولا تدارك الله هذا الدين بثاني اثنين لصار أثرًا بعد عين، وهذا الذي وعدوا به.

و(قوله: النجوم أمنة للسماء) أي: ما دامت النجوم فيها لم تتغير بالانشقاق، ولا بالانفطار، فإذا انتثرث نجومها، وكورت شمسها، جاءها ذلك، وهو الذي وعدت به.

و(قوله: وأصحابي أمنة لأمتي) يعني: أن أصحابه ما داموا موجودين كان الدِّين قائمًا، والحق ظاهرًا، والنصر على الأعداء حاصلًا، ولما ذهب أصحابه غلبت الأهواء، وأديلت الأعداء، ولا يزال أمر الدِّين متناقصًا، وجده ناكصًا إلى أن لا يبقى على ظهر الأرض أحد يقول: الله، الله. وهو الذي وعدت به أمته، والله تعالى أعلم.

و(قوله: خير أمتي قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم) القرن

ص: 485

يَجِيءُ قَومٌ تَبدُرُ شَهَادَةُ أَحَدِهِم يَمِينَهُ، وَتَبدُرُ يَمِينُهُ شَهَادَتَهُ، قَالَ إِبرَاهِيمُ: كَانُوا يَنهَونَنَا - وَنَحنُ غِلمَانٌ - عَن العَهدِ وَالشَّهَادَاتِ.

وفي أخرى: ثُمَّ يَتَخَلَّفُ مِن بَعدِهِم خَلفٌ تَسبِقُ شَهَادَةُ أَحَدِهِم يَمِينَهُ، وَيَمِينُهُ شَهَادَتَهُ.

رواه أحمد (1/ 378)، والبخاري (6429)، ومسلم (2533)(211 و 212)، والترمذيُّ (3859)، والنسائي في الكبرى (6031)، وابن ماجه (2362).

ــ

- بسكون الراء - من الناس: أهل زمان واحد. قال الشاعر:

إذا ذَهَبَ القَرن الذي أنتَ فِيهِمُ

وخُلِّفتَ في قَرنٍ فأَنتَ غَرِيبُ

وقيل: مقدار زمانه: ثمانون سنة، وقيل: ستون، ويعني: أن هذه القرون الثلاثة: أفضل مِمَّا بعدها إلى يوم القيامة، وهذه القرون في أنفسها متفاضلة، فأفضلها: الأول، ثم الذي بعده، ثم الذي بعده. هذا ظاهر الحديث. فأما أفضلية الصحابة، وهم القرن الأول على من بعدهم، فلا تخفى، وقد بينا إبطال قول من زعم أنه يكون فيمن بعدهم أفضل منهم، أو مساو لهم في كتاب الطهارة. وأما أفضلية من بعدهم، بعضهم على بعض، فبحسب قربهم من القرن الأول، وبحسب ما ظهر على أيديهم من إعلاء كلمة الدين، ونشر العلم، وفتح الأمصار، وإخماد كلمة الكفر. ولا خفاء: أن الذي كان من ذلك في قرن التابعين كان أكثر وأغلب مما كان في أتباعهم، وكذلك الأمر في الذين بعدهم، ثم بعد هذا غلبت الشرور، وارتُكبت الأمور، وقد دلَّ على صحة هذا قوله في حديث أبي سعيد: يغزو فئام من الناس، فيقال: هل فيكم من صحب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ فيقال: نعم، فيفتح لهم. . . (1) الحديث. والفئام: الجماعة من الناس، لا واحد له من لفظه، وهو مهموز، والعامة تترك همزه.

(1) انظر تخريجه في التلخيص برقم (2546).

ص: 486

[2439]

وعن عِمرَانَ بنَ حُصَينٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: إِنَّ خَيرَكُم قَرنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُم - قَالَ عِمرَانُ: فَلَا أَدرِي أَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بَعدَ قَرنِهِ مَرَّتَينِ أَو ثَلَاثا - ثُمَّ يَكُونُ بَعدَهُم قَومٌ يَشهَدُونَ وَلَا يُستَشهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلَا يُؤتَمَنُونَ، وَيَظهَرُ فِيهِم السِّمَنُ.

رواه أحمد (4/ 427)، ومسلم (2535)(214).

ــ

و(قول عمران: فلا أدري أذكر بعد قرنه مرتين، أو ثلاثا) هذا الذي شك فيه عمران قد حققه عبد الله بن مسعود بعد قرنه ثلاثًا، وكذلك في حديث أبي سعيد في البعوث، فإنَّه ذكر أنهم أربعة.

و(قوله: تبدر شهادة أحدهم يمينه، ويمينه شهادته) يعني بذلك: أنه يقل ورع الناس بعد القرن الرابع، فيقدمون على الأيمان والشهادات من غير توقف ولا تحقيق، وقال في حديث عمران: يشهدون ولا يستشهدون أي: يسبقون بأداء الشهادة قبل أن يسألوها، وذلك لهوىً لهم فيها، ومن كان كذلك ردَّت شهادته، وقد بينا فيما تقدَّم مواضع يتعين فيها على الشاهد الأداء وإن لم يسأل، وذلك بحسب ما تدعو إليه الضرورة الشرعية، وعليه يحمل قوله صلى الله عليه وسلم: خير الشهداء الذي يأتي بشهادته قبل أن يسألها (1). ويحتمل أن يراد بقوله: ولا يستشهدون أنهم: يشهدون بالزور فيكون معناه: يشهدون بما لم يستشهدوا به، ولا شاهدوه، والأول أولى، لأنَّه أصل الكلمة.

و(قوله: ويظهر فيهم السِّمن) أي: يغلب عليهم النَّهم والشهوات، ويُكثرون الأكل، فيظهر عليهم السمن، وقد يأكلون ليسمنوا، فإنَّه محبوبٌ لهم،

(1) رواه أحمد (5/ 193).

ص: 487

وفي أخرى: [عن أبي هريرة]: يحبون السمانة.

رواه مسلم (2534).

[2440]

وعَن أَبِي سَعِيدٍ الخُدرِيِّ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: يَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يَغزُو فِئَامٌ مِن النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُم: فِيكُم مَن رَأَى رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم فَيُفتَحُ لَهُم، ثُمَّ يَغزُو فِئَامٌ مِن النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُم: فِيكُم مَن رَأَى مَن صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم فَيُفتَحُ لَهُم: ثُمَّ يَغزُو فِئَامٌ مِن النَّاسِ فَيُقَالُ لَهُم: فِيكُم مَن رَأَى مَن صَحِبَ مَن صَحِبَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ فَيَقُولُونَ: نَعَم فَيُفتَحُ لَهُم.

ــ

ومن كان هذا حاله خرج عن الأكل الشرعي، ودخل في الأكل الشَّرِّي الذي قال فيه النبي صلى الله عليه وسلم: ما ملأ آدمي وعاءً شرًّا من بطن، حسب ابن آدم لقيمات يقمن صلبه، فإنَّ كان ولا بد، فثلث لطعامه، وثلث لشرابه، وثلث لنفسه (1).

و(قول إبراهيم النَّخعي: كانوا ينهوننا ونحن غلمان عن العهد والشهادات) يعني: من أدرك، وقد أدرك التابعين، فكانوا يزجرون الصبيان عن اعتياد إلزام أنفسهم العهود والمواثيق، لما يلزم الملتزم من الوفاء، فيحرج أو يأثم بالترك، وكذلك عن تحمل الشهادات لما يلزم عليه من مشقة الأداء، وصعوبة التخلص من آفاتها في الدنيا والآخرة، وكل ذلك من السلف رضي الله عنهم تعليم للصغار، وتدريب لهم على ما يجتنبونه في حال كبرهم.

و(قوله: ويخونون ولا يؤتمنون) يعني: أنهم تشتهر خيانتهم، فلا يأتمنهم أحد، وهذا نحو مِمَّا تقدَّم في حديث حذيفة في الأمانة.

و(قوله: تغزو فئام من الناس. . . إلى آخره) دليل واضح على صحة نبوَّة

(1) رواه أحمد (4/ 132)، والترمذي (2380).

ص: 488

وفي أخرى: يَأتِي عَلَى النَّاسِ زَمَانٌ يُبعَثُ مِنهُم البَعثُ فَيَقُولُونَ: انظُرُوا هَل تَجِدُونَ فِيكُم أَحَدًا مِن أَصحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم؟ فَيُوجَدُ الرَّجُلُ فَيُفتَحُ لَهُم. هكذا إلى أن ذكر أربعة بعوث.

رواه أحمد (3/ 7)، والبخاريُّ (2897)، ومسلم (2532)(208 و 209).

[2441]

وعن عَبدَ اللَّهِ بنَ عُمَرَ قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ لَيلَةٍ صَلَاةَ العِشَاءِ فِي آخِرِ حَيَاتِهِ، فَلَمَّا سَلَّمَ قَامَ فَقَالَ: أَرَأَيتَكُم لَيلَتَكُم هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنهَا لَا يَبقَى مِمَّن هُوَ عَلَى ظَهرِ الأَرضِ أَحَدٌ.

ــ

نبينا محمد صلى الله عليه وسلم إذ مضمونه: خبر عن غيب وقع على نحو ما أخبر.

و(قوله في حديث ابن عمر رضي الله عنهما: أرأيتكم ليلتكم هذه فإنَّ رأس مائة سنة من هذه لا يبقى ممن هو على ظهر الأرض أحد) هذا الحديث رواه مسلم من طريقين، ذكر الأول منهما متصلًا، ثم أردف عليه سندًا آخر فيه انقطاع، ولا يعتب (1) عليه في ذلك، إذ قد وفى بشرط كتابه في الطريق الأول، ثم زاد بعد ذلك السند المنقطع. وقد استشكل بعض من لم يثبت عنده حديث ابن عمر إذ لم يفهم معناه، فردَّه بأن قال: حديث منقطع، وهذا ليس بصحيح على ما قررناه، ثم لو سلم أن حديث ابن عمر ليس بصحيح فحديث جابر وأبي سعيد في الباب صحيحان، فما قوله فيه؟ ! وقد رفع الصحابي - أعني: ابن عمر ذلك الإشكال - بقوله: أراد بذلك أن ينخرم ذلك القرن، بل: قد جاء من حديث جابر بلفظ لا إشكال فيه، فقال: ما من نفس منفوسة اليوم يأتي عليها مائة سنة، وهي حية يومئذ وهذا صريح في تحقيق ما قاله ابن عمر، وكذلك قول عبد الرحمن - صاحب السقاية - حيث فسَّره: بنقص العمر، وحاصل ما تضمنه هذا الحديث: أنه صلى الله عليه وسلم أخبر قبل موته

(1) في (ع): تعقُّب، وفي (م 4): يصعب.

ص: 489

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

بشهر: أن كل من كان من بني آدم موجودًا في ذلك الوقت لا يزيد عمره على مائة سنة، وإنَّما قلنا: إنه أراد بني آدم، لأنَّه قال: من نفس منفوسة، ولا يتناول هذا الملائكة، ولا الجن، إذا لم يصح عنهم أنهم كذلك، ولا الحيوان غير العاقل، إذ قال فيه: ممن هو على ظهر الأرض أحد. وهذا إنما يقال بأصل وضعه على من يعقل، فتعين: أن المراد بنو آدم، وقد استدل بعض الحفاظ المتأخرين على بطلان قول من يقول: إن الخضر حي بعموم: ما من نفس منفوسة فإنَّه من أنص صيغ العموم على الاستغراق، وهذا لا حجَّة فيه يقينية، لأنَّ العموم - وإن كان مؤكدًا للاستغراق - فليس نصًّا فيه، بل: هو قابل للتخصيص، لا سيما والخضر وإن كان حيًّا - كما يقال - فليس مشاهدًا للناس، ولا ممن يخالطهم حتى يخطر ببالهم حالة مخاطبة بعضهم بعضًا، فمثل هذا العموم لا يتناوله كما لم يتناول عيسى عليه السلام، فلأنه لم يمت، ولم يقتل، فهو حي بنص القرآن، ومعناه. وكما لم يتناول الدجال مع أنه حي بدليل حديث الجساسة على ما يأتي، فإنَّ قيل: إنما لم يتناول هذا العموم عيسى، لأنَّ الله قد رفعه إليه، فليس هو على ظهر الأرض؛ لأنَّ المراد بذلك العموم: من كان من النفوس على ظهر الأرض، كما نص عليه في حديث ابن عمر. فالجواب: يمنع عموم الأرض المذكورة فيه، فإنه اسم مفرد دخل عليه الألف واللام، وهي محتملة للعهد والجنس، وهي هاهنا للعهد، لأنَّ الأرض التي يخاطبون بها، ويخبرون عن الكون فيها: هي أرض العرب، وما جرت عادتهم بالتصرف إليها وفيها غالبًا، دون أرض يأجوج ومأجوج، وأقاصي جزائر الهند والسند، مما لا يقرع السمع اسمه، ولا يعلم علمه، ولا جواب عن حديث الدجال. وعلى الجملة: فمن يستدل في المباحث القطعية بمثل هذا العموم فليس لكلامه حاصل ولا مفهوم. وسيأتي القول على قوله صلى الله عليه وسلم: إن عمر هذا لم يدركه الهرم حتى تقوم الساعة (1) في آخر كتاب الفتن.

(1) رواه البخاري (6511)، ومسلم (2952) من حديث عائشة رضي الله عنها.

ص: 490

قَالَ ابنُ عُمَرَ: فَوَهَلَ النَّاسُ فِي مَقَالَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم تِلكَ، فِيمَا يَتَحَدَّثُونَ مِن هَذِهِ الأَحَادِيثِ عَن مِائَةِ سَنَةٍ، وَإِنَّمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: لَا يَبقَى مِمَّن هُوَ اليَومَ عَلَى ظَهرِ الأَرضِ أَحَدٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ أَن يَنخَرِمَ ذَلِكَ القَرنُ.

رواه أحمد (3/ 314)، ومسلم (2538)(218)(220) و (2538)، والترمذي (2250).

[2442]

وعن جَابِرَ بنَ عَبدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يَقُولُ قَبلَ أَن يَمُوتَ بِشَهرٍ: تَسأَلُونِي عَن السَّاعَةِ، وَإِنَّمَا عِلمُهَا عِندَ اللَّهِ، وَأُقسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى الأَرضِ مِن نَفسٍ مَنفُوسَةٍ يَأتِي عَلَيهَا مِائَةُ سَنَةٍ.

وفي أخرى: قال سالم: تذاكرنا: إنما هي مخلوقة يومئذ.

وفي أخرى: مَا مِن نَفسٍ مَنفُوسَةٍ اليَومَ يَأتِي عَلَيهَا مِائَةُ سَنَةٍ، وَهِيَ حَيَّةٌ يَومَئِذٍ. وَفسرها عَبدِ الرَّحمَنِ صَاحِبِ السِّقَايَةِ، قَالَ: نَقصُ العُمُرِ.

رواه أحمد (3/ 314)، ومسلم (2538)(218) و (2538)(220)، والترمذيُّ (2250).

[2443]

وعن أبي سعيد نحو الحديث.

رواه مسلم (2539).

* * *

ــ

و(قول ابن عمر: فوهل الناس في مقالة رسول الله صلى الله عليه وسلم) الرواية الصحيحة: وهل - بفتح الهاء - قال أبو عبيد: يريد: غلط، يقال: وهل إلى الشيء يهل، ووهم إلى الشيء يهم، وهلا ووهمًا. قال أبو زيد: وهل في الشيء، وعن الشيء يوهل وهلًا: إذا غلط فيه وسها، ووهلت إليه بالفتح - وهلًا: إذا ذهب وهمك إليه وأنت تريد غيره.

ص: 491