المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌(30) باب [2283] عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌ ‌(30) باب [2283] عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى

(30) باب

[2283]

عن أبي هريرة قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: كَانَت بَنُو إِسرَائِيلَ يَغتَسِلُونَ عُرَاةً، يَنظُرُ بَعضُهُم إِلَى سَوأَةِ بَعضٍ، وَكَانَ مُوسَى عليه السلام يَغتَسِلُ وَحدَهُ، فَقَالُوا: وَاللَّهِ مَا يَمنَعُ مُوسَى عليه السلام أَن يَغتَسِلَ مَعَنَا إِلَّا أَنَّهُ آدَرُ. قَالَ: فَذَهَبَ مَرَّةً يَغتَسِلُ، فَوَضَعَ ثَوبَهُ عَلَى حَجَرٍ،

ــ

(30)

ومن باب ذكر موسى عليه السلام

قوله: كانت بنو إسرائيل يغتسلون عراة، ينظر بعضهم إلى سوأة بعض إنما كانت بنو إسرائيل تفعل ذلك معاندة للشرع، ومخالفة لموسى عليه السلام، وهو من جملة عتوِّهم، وقلة مبالاتهم باتباع شرع موسى، ألا ترى أن موسى عليه السلام كان يستتر عند الغسل، فلو كانوا أهل توفيق وعقل اتبعوه، ثم لم يكفهم مخالفتهم له حتى آذوه بما نسبوا إليه من آفة الأُدرة، فأظهر الله تعالى براءته مما قالوا بطريق خارق للعادة، زيادة في أدلة صدق موسى عليه السلام ومبالغة في قيام الحجة عليهم.

وفي هذا الحديث ما يدلُّ على أن الله تعالى كمَّل أنبياءه خلقًا وخُلُقًا، ونزههم في أول خلقهم من المعايب، والنقائص المنفرة عن الاقتداء بهم المبعدة عنهم، ولذلك لم يسمع أنه كان في الأنبياء والرسل من خلقه الله تعالى أعمى، ولا أعور (1)، ولا أقطع، ولا أبرص، ولا أجذم، ولا غير ذلك من العيوب والآفات التي تكون نقصًا، ووصمًا يوجب لمن اتَّصف بها شينًا وذمًّا، ومن تصفَّح أخبارهم، وعلم أحوالهم علم ذلك على القطع. وقد ذكر القاضي رحمه الله في الشفاء من هذا جملة وافرة، ولا يعترض عليها بعمى يعقوب، وبابتلاء أيوب، فإنَّ ذلك كان طارئًا عليهم محبَّةً لهم، وليقتدي بهم من ابتلي ببلاء في حالهم

(1) في م (3): ولا أعرج.

ص: 189

فَفَرَّ الحَجَرُ بِثَوبِهِ. قَالَ: فَجَمَحَ مُوسَى بِأثرِهِ يَقُولُ: ثَوبِي حَجَرُ. ثَوبِي حَجَرُ، حَتَّى نَظَرَت بَنُو إِسرَائِيلَ إِلَى سَوأَةِ مُوسَى، فقَالُوا: وَاللَّهِ مَا بِمُوسَى مِن بَأسٍ. فَقَامَ الحَجَرُ بعد حَتَّى نُظِرَ إِلَيهِ. قَالَ: فَأَخَذَ ثَوبَهُ، فَطَفِقَ بِالحَجَرِ ضَربًا.

ــ

وصبرهم، وفي أن ذلك لم يقطعهم عن عبادة ربهم. ثم إن الله تعالى أظهر كرامتهم، ومعجزاتهم بأن أعاد يعقوب بصيرًا عند وصول قميص يوسف له، وأزال عن أيوب جذامه وبلاءه عند اغتساله من العين التي أنبع الله تعالى له عند رَكضِه الأرض برجله، فكان ذلك زيادة في معجزاتهم، وتمكينا في كمالهم، ومنزلتهم. والآدر - بمد الهمزة -: هو ذو الأُدرة، بضم الهمزة، وسكون الدال، وهي عظم الخصيتين، وانتفاخهما.

و(قوله: فجمح موسى بأثره) أي: أسرع في مشيه خلف الحجر ليأخذ ثوبه. والجموح من الخيل: هو الذي يركب رأسه في إسراعه، ولا يَثنيه شيء، وهو عيب فيها، وإنَّما أطلق على إسراع موسى خلف الحجر جماحًا، لأنَّه اشتدَّ خلفه اشتدادًا لا يثنيه شيء عن أخذ ثوبه، وهو مع ذلك ينادي: ثوبي حجر! ثوبي حجر! كل ذلك استعظام لكشف عورته، فسبقه الحجر إلى أن وصل إلى جمع بني إسرائيل، فنظروا إلى موسى، وكذبهم الله في قولهم، وقامت حجته عليهم.

وقول موسى عليه السلام: ثوبي حجر! ثوبي حجر! منصوب بفعل مضمر، وحجر مناد مفرد محذوف حرف النداء، وتقدير الكلام: أعطني ثوبي يا حجر! أو: اترك ثوبي يا حجر! فحذف الفعل لدلالة الحال عليه. وحذف حرف النداء هنا استعجالًا للمنادى، وقد جاء في كلام العرب حذف حرف النداء مع النكرة، كما قالوا: اطرق كرا، وافتدِ مخنوق، وهو قليل. وإنما نادى موسى عليه السلام الحجر نداء من يعقل، لأنَّه صدر عن الحجر فعل من يعقل.

وفي وضع موسى ثوبه على الحجر، ودخوله في الماء عريانًا: دليلٌ على جواز ذلك،

ص: 190

قَالَ أَبُو هُرَيرَةَ: وَاللَّهِ إِنَّهُ بِالحَجَرِ نَدَبٌ سِتَّةٌ أَو سَبعَةٌ، ضَربُ مُوسَى عليه السلام بِالحَجَرِ.

وفي رواية: قال أبو هريرة: كَانَ مُوسَى عليه السلام رَجُلًا حَيِيًّا.

قال: فَكَانَ لَا يُرَى مُتَجَرِّدًا وذكر نحوه. قال: ونزلت {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَكُونُوا كَالَّذِينَ آذَوا مُوسَى فَبَرَّأَهُ اللَّهُ مِمَّا قَالُوا وَكَانَ عِندَ اللَّهِ وَجِيهًا}

رواه أحمد (2/ 315)، والبخاريُّ (278)، ومسلم (339) في الفضائل (155)، والترمذي (3219).

ــ

وهو مذهب الجمهور. ومنعه ابن أبي ليلى، واحتج بحديث لم يصح، وهو قوله صلى الله عليه وسلم: لا تدخلوا الماء إلا بمئزر، فإنَّ للماء عامرًا (1).

قال القاضي: وهو ضعيف عند أهل العلم. وجاء في الأم قال: فاغتسل عند مُوَيه (2) وهو تصغير ماء، هكذا في رواية العذري، ورواها أكثر الرواة: المشربة - بفتح الميم والراء - وأصله: موضع الشرب، وأراد به الماء. والمشربة - بفتحها أيضًا -: الأرض اللَّينة، فأمَّا المشربة التي هي الغرفة فتقال: بفتح الراء وضمها، كما تقدم. وطفق من أفعال المقاربة، كجعل وأخذ، ويقال: بفتح الفاء وكسرها، والندب: الأثر وهو بفتح الدال.

(1) ذكره الزبيدي في الإتحاف (2/ 401)، وهو ضعيف ومخالف كما قال العراقي لما ذهب إليه الأئمة الأربعة وجمهور العلماء من السلف والخلف؛ من جواز كشف العورة في الخلوة في حالة الاغتسال مع إمكان التستر.

(2)

هي في صحيح مسلم في كتاب الفضائل (4/ 1842) رقم (156).

ص: 191

[2284]

وعن أَنَسِ بنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: مَرَرتُ عَلَى مُوسَى لَيلَةَ أُسرِيَ بِي عِندَ الكَثِيبِ الأَحمَرِ، وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي قَبرِهِ.

رواه أحمد (3/ 120)، ومسلم (2375)(164)، والنسائي (3/ 215 - 216).

* * *

ــ

و(قوله: مررت على موسى ليلة أسري بي عند الكثيب الأحمر، وهو يصلِّي في قبره (1)) الكثيب: هو الكوم من الرمل ويجمع كثبًا، وهذا الكثيب هو بطريق بيت المقدس، كما سيأتي. وهذا الحديث يدلّ بظاهره على: أنه صلى الله عليه وسلم رأى موسى رؤية حقيقية في اليقظة، وأن موسى كان في قبره حيًّا، يصلي فيه الصلاة التي كان يصليها في الحياة، وهذا كله ممكن لا إحالة في شيء منه، وقد صحَّ أن الشهداء أحياء يرزقون، ووجد منهم من لم يتغير في قبره من السنين كما ذكرناه. وإذا كان هذا في الشهداء كان في الأنبياء أحرى وأولى، فإنَّ قيل: كيف يصلون بعد الموت وليس تلك الحال حال تكليف؟ فالجواب: أن ذلك ليس بحكم التكليف وإنَّما ذلك بحكم الإكرام لهم والتشريف، وذلك أنهم كانوا في الدنيا حبِّبت لهم عبادة الله. والصلاة بحيث كانوا يلازمون ذلك، ثم توفوا وهم على ذلك، فشرَّفهم الله تعالى بعد موتهم بأن أبقى عليهم ما كانوا يحبون، وما عُرفوا به، فتكون عبادتهم إلهاميِّة كعبادة الملائكة، لا تكليفية، وقد وقع مثل هذا لثابت البناني رضي الله عنه، فإنَّه حُبِّبت الصلاة إليه حتى كان يقول: اللهم إن كنت أعطيت أحدًا يصلِّي لك في قبره، فأعطني ذلك. فرآه مُلحِدُه، بعدما سوَّى عليه لحده قائمًا يصلِّي في قبره، وقد دلَّ على صحة ذلك كله قول نبينا صلى الله عليه وسلم: يموت المرء على ما عاش

(1) هي رواية مسلم (2375)(165).

ص: 192