المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب - المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم - جـ ٦

[أبو العباس القرطبي]

فهرس الكتاب

- ‌(32) كتاب الرؤيا

- ‌(1) باب الرؤيا الصادقة من الله والحلم من الشيطان وما يفعل عند رؤية ما يكره

- ‌(2) باب أصدقكم رؤيا أصدقكم حديثا

- ‌(3) باب الرؤيا الصالحة جزء من أجزاء النبوة

- ‌(4) باب رؤية النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(5) باب لا يخبر بتلعب الشيطان به

- ‌(6) باب استدعاء العابر ما يعبر، وتعبير من لم يسأل

- ‌(7) باب فيما رأى النبي صلى الله عليه وسلم في نومه

- ‌(33) كتاب النبوات وفضائل نبينا محمد صلى الله عليه وسلم

- ‌(1) باب كونه مختارا من خيار الناس في الدنيا وسيدهم يوم القيامة

- ‌(2) باب من شواهد نبوته صلى الله عليه وسلم وبركته

- ‌(3) باب في عصمة الله تعالى لنبيه عليه الصلاة والسلام ممن أراد قتله

- ‌(4) باب ذكر بعض كرامات رسول الله صلى الله عليه وسلم في حال هجرته وفي غيرها

- ‌(5) باب مثل ما بعث به النبي صلى الله عليه وسلم من الهدى والعلم

- ‌(6) باب مثل النبي صلى الله عليه وسلم مع الأنبياء

- ‌(7) باب إذا رحم الله أمة قبض نبيها قبلها

- ‌(8) باب ما خص به النبي صلى الله عليه وسلم من الحوض المورود ومن أنه أعطي مفاتيح خزائن الأرض

- ‌(9) باب في عظم حوض النبي صلى الله عليه وسلم ومقداره وكبره وآنيته

- ‌(10) باب شجاعة النبي صلى الله عليه وسلم وإمداده بالملائكة

- ‌(11) باب كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أجود الناس وأحسن الناس خلقا

- ‌(12) باب ما سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم شيئا وقال: لا. وفي كثرة عطائه

- ‌(13) باب في رحمة رسول الله صلى الله عليه وسلم للصبيان والعيال والرقيق

- ‌(14) باب في شدة حياء النبي صلى الله عليه وسلم وكيفية ضحكه

- ‌(15) باب بعد النبي صلى الله عليه وسلم من الإثم، وقيامه لمحارم الله عز وجل، وصيانته عما كانت عليه الجاهلية من صغره

- ‌(16) باب طيب رائحة النبي صلى الله عليه وسلم وعرقه ولين مسه

- ‌(17) باب في شعر رسول الله صلى الله عليه وسلم وكيفيته

- ‌(18) باب في شيب رسول الله صلى الله عليه وسلم وخضابه

- ‌(19) باب في حسن أوصاف النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(20) باب في خاتم النبوة

- ‌(21) باب كم كان سن رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم قبض؟وكم أقام بمكة

- ‌(22) باب عدد أسماء النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(23) باب كان النبي صلى الله عليه وسلم أعلم الناس بالله وأشدهم له خشية

- ‌(24) باب وجوب الإذعان لحكم رسول الله صلى الله عليه وسلم والانتهاء عما نهى عنه

- ‌(25) باب ترك الإكثار من مساءلة رسول الله صلى الله عليه وسلم توقيرا له واحتراما

- ‌(26) باب عصمة رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخطأ فيما يبلغه عن الله تعالى

- ‌(27) باب كيف كان يأتيه الوحي

- ‌(28) باب في ذكر عيسى ابن مريم عليهما السلام

- ‌(29) باب في ذكر إبراهيم عليه السلام

- ‌(30) باب

- ‌(31) باب قصة موسى مع الخضر عليه السلام

- ‌(32) باب في وفاة موسى عليه السلام

- ‌(33) باب في ذكر يونس ويوسف وزكريا عليهم السلام

- ‌(34) باب في قول النبي صلى الله عليه وسلم: لا تخيروا بين الأنبياء

- ‌(35) باب فضائل أبي بكر الصديق واستخلافه رضي الله عنه

- ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

- ‌(37) باب فضائل عثمان رضي الله عنه

- ‌(38) باب فضائل علي بن أبي طالب رضي الله عنه

- ‌(39) باب فضائل سعد بن أبي وقاص

- ‌(40) باب فضائل طلحة بن عبيد الله والزبير بن العوام وأبي عبيدة بن الجراح رضي الله عنهم

- ‌(41) باب فضائل الحسن والحسين

- ‌(42) باب فضائل أهل البيت رضي الله عنهم

- ‌(43) باب فضائل زيد بن حارثة وأسامة بن زيد

- ‌(44) باب فضائل عبد الله بن جعفر

- ‌(45) باب فضائل خديجة بنت خويلد

- ‌(46) باب فضائل عائشة زوج النبي صلى الله عليه وسلم ومريم بنت عمران وآسية امرأة فرعون

- ‌(47) باب ذكر حديث أم زرع

- ‌(48) باب فضائل فاطمة بنت النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(49) باب فضائل أم سلمة وزينب زوجي النبي صلى الله عليه وسلم

- ‌(50) باب فضائل أم أيمن مولاة النبي صلى الله عليه وسلم وأم سليم، أم أنس بن مالك

- ‌(51) باب فضائل أبي طلحة الأنصار

- ‌(52) باب فضائل بلال بن رباح

- ‌(53) باب فضائل عبد الله بن مسعود

- ‌(54) باب فضائل أبي بن كعب

- ‌(55) باب فضائل سعد بن معاذ

- ‌(56) باب فضائل أبي دجانة سماك بن خرشة، وعبد الله بن عمرو بن حرام

- ‌(57) باب فضائل جليبيب

- ‌(58) باب فضائل أبي ذر الغفاري

- ‌(59) باب فضائل جرير بن عبد الله رضي الله عنه

- ‌(60) باب فضائل عبد الله بن عباس وعبد الله بن عمر

- ‌(61) باب فضائل أنس بن مالك

- ‌(62) باب فضائل عبد الله بن سلام

- ‌(63) باب فضائل حسان بن ثابت

- ‌(64) باب فضائل أبي هريرة رضي الله عنه

- ‌(65) باب قصة حاطب بن أبي بلتعة وفضل أهل بدر وأصحاب الشجرة

- ‌(66) باب في فضائل أبي موسى الأشعري والأشعريين

- ‌(67) باب فضائل أبي سفيان بن حرب رضي الله عنه

- ‌(68) باب فضائل جعفر بن أبي طالب وأسماء بنت عميس وأصحاب السفينة

- ‌(69) باب فضائل سلمان وصهيب رضي الله عنهما

- ‌(70) باب فضائل الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(71) باب خير دور الأنصار رضي الله عنهم

- ‌(72) باب دعاء النبي صلى الله عليه وسلم لغفار وأسلم

- ‌(73) باب فضل مزينة وجهينة وأشجع وبني عبد الله

- ‌(74) باب ما ذكر في طيئ ودوس

- ‌(75) باب ما ذكر في بني تميم

- ‌(76) باب خيار الناس

- ‌(77) باب ما ورد في نساء قريش

- ‌(78) باب في المؤاخاة التي كانت بين المهاجرين والأنصار

- ‌(79) باب قول النبي صلى الله عليه وسلم: أنا أمنة لأصحابي وأصحابي أمنة لأمتي

- ‌(80) باب خير القرون قرن الصحابة ثم الذين يلونهم ثم الذين يلونهم

- ‌(81) باب وجوب احترام أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم والنهي عن سبهم

- ‌(82) باب ما ذكر في فضل أويس القرني رضي الله عنه

- ‌(83) باب ما ذكر في مصر وأهلها وفي عمان

- ‌(84) باب في ثقيف كذاب ومبير

- ‌(85) باب ما ذكر في فارس

- ‌(86) باب

- ‌(34) كتاب البر والصلة

- ‌(1) باب في بر الوالدين وما للأم من البر

- ‌(2) باب ما يتقى من دعاء الأم

- ‌(3) باب المبالغة في بر الوالدين عند الكبر وبر أهل ودهما

- ‌(4) باب في البر والإثم

- ‌(5) باب في وجوب صلة الرحم وثوابها

- ‌(6) باب النهي عن التحاسد والتدابر والتباغض وإلى كم تجوز الهجرة

- ‌(7) باب النهي عن التجسس والتنافس والظن السيئ وما يحرم على المسلم من المسلم

- ‌(8) باب لا يغفر للمتشاحنين حتى يصطلحا

- ‌(9) باب التحاب والتزاور في الله عز وجل

- ‌(10) باب في ثواب المرضى وذوي الآفات إذا صبروا

- ‌(11) باب الترغيب في عيادة المرضى وفعل الخير

- ‌(12) باب تحريم الظلم والتحذير منه وأخذ الظالم

- ‌(13) باب الأخذ على يد الظالم ونصر المظلوم

- ‌(14) باب من استطال حقوق الناس اقتص من حسناته يوم القيامة

- ‌(15) باب النهي عن دعوى الجاهلية

- ‌(16) باب مثل المؤمنين

- ‌(17) باب تحريم السباب والغيبة ومن تجوز غيبته

- ‌(18) باب الترغيب في العفو والستر على المسلم

- ‌(19) باب الحث على الرفق ومن حرمه حرم الخير

- ‌(20) باب لا ينبغي للمؤمن أن يكون لعانا والتغليظ على من لعن بهيمة

- ‌(21) باب لم يبعث النبي صلى الله عليه وسلم لعانا وإنما بعث رحمة، وما جاء من أن دعاءه على المسلم أو سبه له طهور وزكاة ورحمة

- ‌(22) باب ما ذكر في ذي الوجهين وفي النميمة

- ‌(23) باب الأمر بالصدق والتحذير عن الكذب وما يباح منه

- ‌(24) باب ما يقال عند الغضب ومدح من يملك نفسه عنده

- ‌(25) باب النهي عن ضرب الوجه وفي وعيد الذين يعذبون الناس

- ‌(26) باب النهي أن يشير الرجل بالسلاح على أخيه والأمر بإمساك السلاح بنصولها

- ‌(27) باب ثواب من نحى الأذى عن طريق المسلمين

- ‌(28) باب عذبت امرأة في هرة

- ‌(29) باب في عذاب المتكبر والمتألي على الله، وإثم من قال: هلك الناس، ومدح المتواضع الخامل

- ‌(30) باب الوصية بالجار وتعاهده بالإحسان

- ‌(31) بَابُ فضل السعي على الأَرمَلَةِ وكفالة اليَتِيمِ

- ‌(32) باب التحذير من الرياء والسمعة ومن كثرة الكلام ومن الإجهار

- ‌(33) بَابُ تغليظ عُقُوبَةِ مَن أمر بِمَعرُوف وَلم يَأته وَنهَى عَن المُنكَرِ وأتاه

- ‌(34) بَابُ في تَشمِيتِ العَاطِسِ إذا حمد الله تعالى

- ‌(35) باب في التثاؤب وكظمه

- ‌(36) باب كراهية المدح وفي حثو التراب في وجوه المداحين

- ‌(37) باب ما جاء أن أمر المسلم كله له خير ولا يلدغ من جحر مرتين

- ‌(38) باب اشفعوا تؤجروا ومثل الجليس الصالح والسيئ

- ‌(39) باب ثواب من ابتلي بشيء من البنات وأحسن إليهن

- ‌(40) باب من يموت له شيء من الولد فيحتسبهم

- ‌(41) باب إذا أحب الله عبدا حببه إلى عباده والأرواح أجناد

- ‌(42) باب المرء مع من أحب وفي الثناء على الرجل الصالح

- ‌(35) كتاب القدر

- ‌(1) باب في كيفية خلق ابن آدم

- ‌(2) باب السعيد سعيد في بطن أمه والشقي شقي في بطن أمه

- ‌(3) باب كل ميسر لما خلق له

- ‌(4) باب في قوله تعالى: {وَنَفسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقوَاهَا}

- ‌(5) باب الأعمال بالخواتيم

- ‌(6) باب محاجة آدم موسى عليهما السلام

- ‌(7) باب كتب الله المقادير قبل الخلق وكل شيء بقدر

- ‌(8) باب تصريف الله تعالى القلوب وكتب على ابن آدم حظه من الزنا

- ‌(9) باب كل مولود يولد على الفطرة وما جاء في أولاد المشركين وغيرهم، وفي الغلام الذي قتله الخضر

- ‌(10) باب الآجال محدودة والأرزاق مقسومة

- ‌(11) باب الأمر بالتقوى والحرص على ما ينفع وترك التفاخر

- ‌(36) كتاب العلم

- ‌(1) باب فضل من تعلم وتفقه في القرآن

- ‌(2) باب كراهة الخصومة في الدين والغلو في التأويل والتحذير من اتباع الأهواء

- ‌(3) باب كيفية التفقه في كتاب الله والتحذير من اتباع ما تشابه منه وعن المماراة فيه

- ‌(4) باب إثم من طلب العلم لغير الله

- ‌(5) باب طرح العالم المسألة على أصحابه ليختبرهم والتخول بالموعظة والعلم خوف الملل

- ‌(6) باب النهي عن أن يكتب عن النبي صلى الله عليه وسلم شيء غير القرآن ونسخ ذلك

- ‌(7) باب في رفع العلم وظهور الجهل

- ‌(8) باب في كيفية رفع العلم

- ‌(9) باب ثواب من دعا إلى الهدى أو سن سنة حسنة

- ‌(10) باب تقليل الحديث حال الرواية وتبيانه

- ‌(11) باب تعليم الجاهل

الفصل: ‌(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

(36) باب فضائل عمر بن الخطاب

[2301]

عن ابنَ عَبَّاسٍ قال: وُضِعَ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ عَلَى سَرِيرِهِ فَتَكَنَّفَهُ النَّاسُ يَدعُونَ وَيُثنُونَ، وَيُصَلُّونَ عَلَيهِ قَبلَ أَن يُرفَعَ وَأَنَا فِيهِم. قَالَ:

ــ

(36)

ومن باب فضائل عمر بن الخطاب رضي الله عنه

ويُكنَّى: أبا حفص، وهو ابن الخطاب بن نفيل بن عبد العزى بن رباح بن عبد الله بن قرط بن رزاح بن عدي بن كعب بن لؤي، يجتمع نسبه مع نسب رسول الله صلى الله عليه وسلم في كعب. أسلم سنه ست من النبوَّة. وقيل: سنة خمس بعد أربعين رجلًا، وإحدى عشرة امرأة. وقيل: بعد ثلاث وثلاثين رجلًا. وقيل: إنه تمام الأربعين. وسُمِّي الفاروق، لأنَّه فرَّق بإظهار إسلامه بين الحق والباطل. وقتال الكفار عليه يوم أسلم، ونزل جبريل عليه السلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: يا محمد! استبشر أهل السماء بإسلام عمر. حُفِظ له من الحديث خمسمائة وتسعة (1) وثلاثون حديثًا، أخرج له منها في الصحيحين أحد وثمانون حديثًا، توفي رضي الله عنه مقتولًا. قتله أبو لؤلؤة فيروز غلام المغيرة بن شعبة، لثلاث بقين من ذي الحجة سنة ثلاث وعشرين، طعنه العلج بسكين في يده ذات طرفين، وطعن فيه اثني عشر رجلًا، مات منهم تسعة، ثم رَمَى على العلج رجلٌ من أهل العراق برنسًا (2)، فحبسه، فوجأ نفسه، وكانت خلافة عمر رضي الله عنه عشر سنين وستة أشهر، وتوفي وهو ابن ثلاث وستين سنة كما تقدَّم.

و(قوله: ووضع عمر رضي الله عنه على سريره، فتكنفه النَّاس) يعني: بعد موته وتجهيزه للدَّفن. والسَّرير هنا: هو النَّعش، وتكنَّفه الناس: أي صاروا

(1) في (م 4): وسبعة.

(2)

"البرنس": كلُّ ثوبٍ يكون غطاءُ الرأس جزءًا منه مُتَّصلًا به.

ص: 251

فَلَم يَرُعنِي إِلَّا بِرَجُلٍ قَد أَخَذَ بِمَنكِبِي مِن وَرَائِي، فَالتَفَتُّ فَإِذَا هُوَ عَلِيٌّ، فَتَرَحَّمَ عَلَى عُمَرَ وَقَالَ: مَا خَلَّفتَ أَحَدًا أَحَبَّ إِلَيَّ أَن أَلقَى اللَّهَ بِمِثلِ عَمَلِهِ مِنكَ، وَايمُ اللَّهِ! إِن كُنتُ لَأَظُنُّ أَن يَجعَلَكَ اللَّهُ مَعَ صَاحِبَيكَ، وَذَاكَ أَنِّي كُنتُ أُكَثِّرُ أَسمَعُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: جِئتُ أَنَا وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ، وَدَخَلتُ أَنَا وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ، وَخَرَجتُ أَنَا وَأَبُو بَكرٍ وَعُمَرُ، فَإِن كُنتُ لَأَرجُو أَو لَأَظُنُّ أَن يَجعَلَكَ اللَّهُ مَعَهُمَا.

رواه أحمد (1/ 112)، والبخاريُّ (3677)، ومسلم (2389).

[2302]

وعن أبي سَعِيدٍ الخُدرِيَّ قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: بَينَا أَنَا نَائِمٌ رَأَيتُ النَّاسَ يُعرَضُونَ، وَعَلَيهِم قُمُصٌ مِنهَا مَا يَبلُغُ الثُّدِيَّ، وَمِنهَا مَا

ــ

بكنفيه، أي: جانبيه. والكنف والكنيف: الجانب.

ويصلون عليه أي: يترحمون عليه. ولم يرعني أي: يفزعني فينبهني. وأصل الروع: الفزع.

وهذا الحديث ردٌّ من عليّ رضي الله عنه على الشيعة فيما يتقوَّلونه عليه من بُغضه للشيخين، ونسبته إياهما إلى الجور في الإمامة، وأنهما غصباه. وهذا كله كذب وافتراء؛ عليٌّ رضي الله عنه منه براء. بل المعلوم من حاله معهما تعظيمه ومحبَّته لهما، واعترافه بالفضل لهما عليه وعلى غيره. وحديثه هذا ينصُّ على هذا المعنى، وقد تقدَّم ثناء عليٍّ على أبي بكر رضي الله عنهما، واعتذاره عن تخلفه عن بيعته، وصحَّة مبايعته له، وانقياده له مختارًا طائعًا سرًّا وجهرًا، وكذلك فعل مع عمر رضي الله عنهم أجمعين -، وكل ذلك يُكذِّب الشيعة والروافض في دعواهم، لكن الأهواء (1) والتعصب أعماهم.

و(قوله: بينا أنا نائم، والناس يعرضون عليّ. . . الحديث. هؤلاء الناس

(1) في (ع) و (م 4): الهوى.

ص: 252

يَبلُغُ دُونَ ذَلِكَ، وَمَرَّ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ وَعَلَيهِ قَمِيصٌ يَجُرُّهُ، قَالُوا: مَاذَا أَوَّلتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: الدِّينَ.

رواه أحمد (3/ 86)، والبخاريُّ (23)، ومسلم (2390)، والترمذيُّ (2286).

[2303]

عن عَبدِ اللَّهِ بنِ عُمَرَ، عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَينَا أَنَا نَائِمٌ، إِذ رَأَيتُ قَدَحًا أُتِيتُ بِهِ، فِيهِ لَبَنٌ فَشَرِبتُ مِنهُ، حَتَّى إِنِّي لَأَرَى الرِّيَّ يَجرِي فِي أَظفَارِي، ثُمَّ أَعطَيتُ فَضلِي عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ. قَالُوا: فَمَا أَوَّلتَ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ قَالَ: العِلمَ.

رواه أحمد (2/ 83)، والبخاريُّ (3681)، ومسلم (2391)، والترمذيُّ (2284).

ــ

المعروضون على رسول الله صلى الله عليه وسلم في النوم هم من دون عمر في الفضيلة، فلم يدخل فيهم أبو بكر، ولو عرض أبو بكر رضي الله عنه عليه في هذه الرواية لكان قميصه أطول، فإنَّ فضله أعظم، ومقامه أكبر على ما تقدَّم. وتأويل القميص بالدين مأخوذ من قوله تعالى:{وَلِبَاسُ التَّقوَى ذَلِكَ خَيرٌ} والعرب تكني عن الفضل والعفاف بالثياب، كما قال شاعرهم (1):

ثياب بني عوف طهارى نقيَّة

. . . . . . . . . . . (2)

وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لعثمان رضي الله عنه: إن الله سيلبسك قميصًا، فإنَّ أرادوك أن تخلعه فلا تخلعه (3). فعبَّر عن الخلافة بالقميص. وهي استعارة حسنة

(1) هو امرؤ القيس.

(2)

عجز البيت: وأوجهُهُم بيضُ المسافرِ غُرَّانُ. كذا في اللسان. وفي الديوان: وأوجههم عند المشاهد غران.

(3)

رواه ابن ماجه (112).

ص: 253

[2304]

وعنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: أُرِيتُ كَأَنِّي أَنزِعُ بِدَلوِ بَكرَةٍ عَلَى قَلِيبٍ، فَجَاءَ أَبُو بَكرٍ، فَنَزَعَ ذَنُوبًا أَو ذَنُوبَينِ فَنَزَعَ نَزعًا ضَعِيفًا، وَاللَّهُ تبارك وتعالى يَغفِرُ لَهُ،

ــ

معروفة. وتأويله صلى الله عليه وسلم اللبن بالعلم تأويل حسن ظاهر المناسبة، وذلك: أن اللبن غذاء مستطاب، به صلاح الأبدان، ونموها من أول فطرتها ونشوئها، خلا عن الأضرار والمفاسد. والعلم كذلك يحصل به صلاح الأديان والأبدان، ومنافع الدنيا والآخرة مع استطابته في نفسه. وقد يدل في التعبير على دوام الحياة، إذ به كانت. وقد يدلّ على الثواب، لأنَّه مذكور في أنهار الجنَّة.

و(قوله صلى الله عليه وسلم: أريت أني أنزع في دلو بكرة على قليب) أنزع: أستقي. وأصل النزع: الجذب. والقليب: البئر غير المطويَّة، وهي التي عبر عنها في الرواية الأخرى بالحوض. والحوض: مجتمع الماء. والبكرة: الخشبة المستديرة التي تدور بالحبل.

و(قوله: فجاء أبو بكر فنزع ذنوبًا أو ذنوبين فنزع وفي نزعه ضعف، والله يغفر له) الذَّنوب: الدَّلو، والغرب أكبر منها.

و(قوله: ذنوبًا أو ذنوبين) هو شك من بعض الرُّواة، وقد جاء بغير شك: ذنوبين في الرواية الأخرى. وهي أحسن. وهذه الرُّؤيا هي مثال لما فتح الله تعالى على يدي النبي صلى الله عليه وسلم ويدي الخليفتين بعده من الإسلام والبلاد والفيء، فالنبي صلى الله عليه وسلم هو مبدأ الأمر وممكَّن منه، وأبو بكر رضي الله عنه بعده، غير أن مقدار ما فتح الله على يديه من بلاد الكفر قليل، لأن مدَّة خلافته كانت سنتين وثلاثة أشهر، اشتغل في معظمها بقتال أهل الرِّدَّة، ثم لما فرغ منها أخذ في قتال أهل الكفر، ففتح (1) في تلك المدَّة بعض العراق وبعض الشام، ثمَّ مات رضي الله عنه، ففتح الله على يدي عمر رضي الله عنه سائر

(1) في (م 4): ففتحت له.

ص: 254

ثُمَّ جَاءَ عُمَرُ فَاستَقَى فَاستَحَالَت غَربًا، فَلَم أَرَ عَبقَرِيًّا مِن النَّاسِ يَفرِي فَريَهُ

ــ

البلاد، واتَّسعت خطَّة الإسلام شرقًا وغربًا وشامًا (1)، وعظمت الفتوحات، وكثرت الخيرات والبركات التي نحن فيها حتى اليوم. فعبَّر عن سنتي خلافة أبي بكر رضي الله عنه بالذَّنوبين، وعن قلَّة الفتوحات فيها بالضعف، وليس ذلك وهنًا في عزيمته، ولا نقصًا في فضله على ما هو المعروف من همَّته، والموصوف من حالته.

و(قوله: والله يغفر له) لا يظن جاهل بحال أبي بكر رضي الله عنه: أن هذا الاستغفار لأبي بكر كان لذنب صدر عنه، أو لتقصير حصل منه، إذ ليس في المنام ما يدلّ على شيء من ذلك، وإنما هذا دعامٌ للكلام، وسنادٌ، وصلة، وقد تقدَّم في الحديث: أنها كانت كلمة يقولها المسلمون: افعل كذا والله يغفر لك. وهذا نحو قولهم: تربت يمينك، وألَّت! وقاتله الله! ونحو ذلك مما تستعمله العرب في أضعاف كلامها على ما تقدَّم. و (قوله: فاستحالت في يده غربًا) أي: الدَّلو الصغيرة عادت في يده دلوًا كبيرة.

و(قوله: فلم أَرَ عبقريًّا من الناس يفري فريه) قال الأصمعي: سألت أبا عمرو بن العلاء عن العبقري فقال: يقال: هذا عبقري قومه، كقولهم: سيد قومه وكبيرهم وقويُّهم. قال أبو عبيد: وأصله: أنه نسبة إلى أرض تسكنها الجن، فصارت مثلًا لكل منسوب لشيء رفيع. ويقال: بل هي أرض يعمل فيها الوشي والبرود، ينسب إليها الوشي العبقري، ومنه قوله تعالى:{وَعَبقَرِيٍّ حِسَانٍ} وقال أبو عبيد: العبقري: الرجل الذي ليس فوقه شيء.

ويفري فريه: الرواية المشهورة بكسر الراء وتشديد الياء، وتروى بتسكين الراء وتخفيف

(1) كذا في (ز) و (م 3). وفي (ع): شرقًا وعراقًا وشامًا. وفي (م 4): شرقًا وغربًا وعراقًا وشامًا.

ص: 255

حَتَّى رَوِيَ النَّاسُ، وَضَرَبُوا العَطَنَ.

رواه البخاريُّ (3682)، ومسلم (2393)، والترمذيُّ (2290).

[2305]

وفي رواية: حتى ضرب الناس بعطن.

هذه الرواية من حديث أبي هريرة عند أحمد (2/ 368)، والبخاريُّ (7021)، ومسلم (2392).

[2306]

وعن أَبِي هُرَيرَةَ، عَن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: بَينَا أَنَا نَائِمٌ أُرِيتُ أَنِّي أَنزِعُ عَلَى حَوضِ أَسقِي النَّاسَ، فَجَاءَنِي أَبُو بَكرٍ فَأَخَذَ الدَّلوَ مِن يَدِي لِيُرَوِّحَنِي، فَنَزَعَ دَلوَينِ؛ وَفِي نَزعِهِ ضَعفٌ، وَاللَّهُ يَغفِرُ لَهُ، فَجَاءَ ابنُ الخَطَّابِ فَأَخَذَ مِنهُ، فَلَم أَرَ نَزعَ رَجُلٍ قَطُّ أَقوَى مِنهُ، حَتَّى تَوَلَّى النَّاسُ وَالحَوضُ مَلآنُ يَتَفَجَّرُ.

رواه البخاريُّ (7022)، ومسلم (2392)(18).

ــ

الياء، وأنكر الخليل التثقيل، وغلَّط قائله، ومعناه: يعمل عمله، ويقوى قوته، وأصل الفري: القطع. يقال: فلان يفري الفري، أي: يعمل العمل البالغ، ومنه قوله تعالى:{لَقَد جِئتِ شَيئًا فَرِيًّا} أي: عظيمًا بالغًا في فنِّه. يقال: فريت الأديم إذا قطعته على جهة الإصلاح، وأفريته: إذا قطعته على جهة الإفساد.

و(قوله: حتى روي الناس، وضربوا العطن) روي - بكسر الواو وفتح الياء -: فعل ماض، ومضارعه يروى - بفتح الواو - من الرِّي: وهو الامتلاء من الشراب، ومعناه: أنهم رووا في أنفسهم. وضربوا العطن، أي: رووا إبلهم، وأصله أنهم يسقون الإبل، ثم يعطنونها، أي: يتركونها حول الحياض لتستريح، ثم يعيدون شربها، يقال منه: عطنت الإبل فهي عاطنة، وعواطن، وأعطنتها أنا. حكاه ابن الأنباري. وفي الصحاح: عطنت الجلد، أعطنه عطنًا، فهو معطون: إذا

ص: 256

[2307]

وعَن جَابِرٍ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: دَخَلتُ الجَنَّةَ فَرَأَيتُ فِيهَا دَارًا - أَو قَصرًا - فَقُلتُ: لِمَن هَذَا؟ قَالُوا: لِعُمَرَ بنِ الخَطَّابِ، فَأَرَدتُ أَن أَدخُلَ فَذَكَرتُ غَيرَتَكَ، فَبَكَى عُمَرُ وَقَالَ: أَي رَسُولَ اللَّهِ! أَوَ عَلَيكَ يُغَارُ؟ .

رواه أحمد (3/ 309)، والبخاري (7024)، ومسلم (2394).

ــ

ألقيته في الماء والملح والعَلقى (1) ليتفسخ صوفه ويسترخي، وعطن الإهاب - بالكسر- يعطن عطنًا فهو عطن: إذا أنتن وسقط في العطن وقد انعطن. والعَطن والمُعطِن واحد الأعطان والمعاطن، وهي مَبَارِك الإبل عند الماء لتشرب عَلَلًا بعد نهل، وعَطَنت الإبل - بالفتح - تَعطُن، وتَعطِن عُطُونًا: إذا رَوِيَت ثم بَرَكَت، فهي: إبل عَاطِنة، وعَوَاطِن، وقد ضَرَب بعطن، أي: بركت إبله. قال ابن السِّكيت: وكذلك تقول: هذا عطن الغنم ومعطنها: لمرابضها حول الماء.

قلت: وقد جاء معنى هذه الرواية مفسَّرًا في الرواية الأخرى التي قال فيها: فجاء عمر فأخذه منِّي، يعني: الدلو، فلم أَرَ نزع رجل قط أقوى منه حتى تولى الناس والحوض ملآنٌ يتفجر. وفي هذه من الزيادة ما يدلّ على أن عمر رضي الله عنه يُتَوَفَّى ويبقى النصر والفتح بعده متصلًا، وكذلك كان رضي الله عنه.

وقوله في الأصل: دخلت الجنة فإذا امرأة تتوضأ إلى جانب قصرها (2)، كذا الرواية الصَّحيحة المعروفة، وقد ذكره ابن قتيبة، وقال: امرأة (شوهاء) مكان (تتوضأ) وفسَّرها بالحسنة. وذكر ثعلب عن ابن الأعرابي: أن الشوهاء: الحسنة والقبيحة، فهو من الأضداد. ووضوء هذه المرأة في الجنة إنما هو لتزداد حسنًا

(1)"العلقى": نبت.

(2)

هذا القول ورد في رواية أبي هريرة كما في صحيح مسلم (2395)(21)، وورد في التلخيص مختصرًا برقم (2715).

ص: 257

[2308]

وفي حديث أبي هريرة: أعليك أغار؟

رواه أحمد (2/ 339)، والبخاريُّ (3242)، ومسلم (2395)، وابن ماجه (107).

[2309]

وعن سَعدِ بنِ أَبِي وَقَّاصٍ قَالَ: استَأذَنَ عُمَرُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَعِندَهُ نِسَاءٌ مِن قُرَيشٍ يُكَلِّمنَهُ وَيَستَكثِرنَهُ، عَالِيَةً أَصوَاتُهُنَّ، فَلَمَّا استَأذَنَ عُمَرُ قُمنَ يَبتَدِرنَ الحِجَابَ، فَأَذِنَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَضحَكُ. فَقَالَ عُمَرُ: أَضحَكَ اللَّهُ سِنَّكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ! قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: عَجِبتُ مِن هَؤُلَاءِ اللَّاتِي كُنَّ عِندِي، فَلَمَّا سَمِعنَ صَوتَكَ ابتَدَرنَ الحِجَابَ. قَالَ عُمَرُ: فَأَنتَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَحَقُّ أَن يَهَبنَ، ثُمَّ قَالَ عُمَرُ: أَي عَدُوَّاتِ أَنفُسِهِنَّ أَتَهَبنَنِي وَلَا تَهَبنَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم؟ ! قُلنَ: نَعَم؛ أَنتَ أَغلَظُ وَأَفَظُّ مِن رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَالَّذِي نَفسِي

ــ

ونورًا، لا لتزيل وسخًا، ولا قذرًا، إذ الجنة منزهة عن ذلك، وهذا كما قال في الحديث الآخر: أمشاطهم الذهب، ومجامرهم الألوَّة (1) على ما يأتي.

و(قوله: استأذن عمر رضي الله عنه على رسول الله صلى الله عليه وسلم ونسوة من قريش يكلِّمنه، ويستكثرنه) أي: من مكالمته، ويحتمل: أنهن يسألنه حوائج كثيرة.

و(قوله: عالية أصواتهنَّ) قيل: يحتمل أن يكون هذا قبل نزول قوله تعالى: {لا تَرفَعُوا أَصوَاتَكُم فَوقَ صَوتِ النَّبِيِّ} وقيل: يحتمل أن ارتفاع أصواتهن لكثرتهن، واجتماع كلامهن، لا أنهن رفعن أصواتهن.

قلت: ويحتمل أن يكون فيهنَّ من كنَّ جهوريات الأصوات، لا يقدرنَّ على خفضها، كما كان ثابت بن قيس بن شماس، والله أعلم.

(1) رواه البخاري (3327)، ومسلم (2834)(15).

ص: 258

بِيَدِهِ مَا لَقِيَكَ الشَّيطَانُ قَطُّ سَالِكًا فَجًّا إِلَّا سَلَكَ فَجًّا غَيرَ فَجِّكَ.

رواه أحمد (1/ 171)، والبخاريُّ (3683)، ومسلم (2396).

[2310]

وعَن عَائِشَةَ عَن النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ: قَد كَانَ يَكُونُ فِي الأُمَمِ قَبلَكُم مُحَدَّثُونَ،

ــ

و(قوله: ما لقيك الشيطان قط سالكًا فجًّا إلا سلك فجًّا غير فجِّك) الفج: الطريق الواسع، وهو أيضًا: الطريق بين جبلين، والظاهر: بقاء هذا اللفظ على ظاهره، ويكون معناه: أن الشيطان يهابه ويجانبه، لما يعلم من هيبته، وقوَّته في الحق، فيفرُّ منه إذا لقيه، ويكون هذا مثل قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الآخر: إن الشيطان ليفرق منك يا عمر (1). ويعني بالشيطان: جنس الشياطين، ويحتمل أن يكون ذلك مثلًا لبُعده عنه، وأنه لا سبيل له عليه، والأوَّل أولى.

و(قوله: قد كان يكون في الأمم قبلكم محدِّثون) كان الأولى: بمعنى الأمر والشأن، أي: كان الأمر والشأن، وهي نحو ليس في قولهم: ليس خلق الله مثله. وتكون الثانية ناقصة، واسمها محدَّثون، وخبرها في المجرور، ويصح أن تكون تامَّة، وما بعدها أحوال. ومحدَّثون - بفتح الدال - هي الرواية اسم مفعول، وقد فسَّر ابن وهب المحدَّثين بالملهمين، أي: يُحدَّثون في ضمائرهم بأحاديث صحيحة، هي من نوع الغيب، فيظهر على نحو ما وقع لهم، وهذه كرامة يكرم الله تعالى بها من يشاء من صالحي عباده، ومن هذا النوع ما يقال عليه: فراسة وتوسُّم، كما قد رواه الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: اتَّقوا فراسة المؤمن، فإنَّه ينظر بنور الله، ثم قرأ:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِلمُتَوَسِّمِينَ} (2)، وقد تقدَّم القول في نحو هذا، وقد قال

(1) رواه أحمد (5/ 353).

(2)

رواه الترمذي (3127).

ص: 259

فَإِن يَكُن فِي أُمَّتِي مِنهُم أَحَدٌ فَإِنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ مِنهُم.

قال ابن وهب: تفسيرُ محدَّثون: مُلْهَمُونَ.

رواه أحمد (6/ 55)، ومسلم (2398)، والترمذيُّ (3693)، والنسائي في الكبرى (8120).

ــ

بعضهم: إن معنى محدَّثين: مكلَّمون، أي: تكلِّمهم الملائكة.

قلت: وهذا راجعٌ لما ذكرته، غير أن ما ذكرته أعم، فقد يخلق الله تعالى الأحاديث بالغيب في القلب ابتداء من غير واسطة ملك، وقال بعضهم: إن معناه أنهم مصيبون فيما يظنونه، وإليه ذهب البخاري، وهذا نحو من الأول، غير أن الأوَّل أعم، والله أعلم.

و(قوله: فإنَّ يكن في أمتي أحدٌ منهم فعمر (1)) دليلٌ على قلَّة وقوع هذا وندوره، وعلى أنه ليس المراد بالمحدَّثين المصيبين فيما يظنون، لأنَّ هذا كثير في العلماء والأئمة الفضلاء، بل: وفي عوام الخلق كثير ممن يقوى حدسه فتصح إصابته فترتفع خصوصية الخبر، وخصوصية عمر رضي الله عنه بذلك، ومعنى هذا الخبر قد تحقق، ووجد في عمر قطعًا، وإن كان النبي صلى الله عليه وسلم لم يجزم فيه بالوقوع، ولا صرَّح فيه بالأخبار، لأنَّه إنما ذكره بصيغة الاشتراط، وقد دلَّ على وقوع ذلك لعمر حكايات كثيرة عنه، كقصَّة: الجبل يا سارية (2)، وغيره، وأصح ما يدلّ على ذلك: شهادة النبي صلى الله عليه وسلم له بذلك، كما رواه الترمذي عن ابن عمر مرفوعًا: إن الله جعل الحق على لسان عمر وقلبه وقال ابن عمر رضي الله عنهما: ما

(1) في صحيح مسلم: "فإن يكن في أمتي منهم أحد فإن عمر بن الخطاب منهم". وما ذكره المصنف رحمه الله هو رواية أحمد والترمذي والنسائي.

(2)

ذكر ابن حجر هذه القصة في الإصابة (3/ 53) وعزاها للواقدي وسيف بن عمر وغيرهما.

ص: 260

[2311]

وعَن ابنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ عُمَرُ: وَافَقتُ رَبِّي فِي ثَلَاثٍ فِي مَقَامِ إِبرَاهِيمَ، وَفِي الحِجَابِ، وَفِي أُسَارَى بَدرٍ.

رواه مسلم (2399).

* * *

ــ

نزل بالناس أمرٌ قط قالوا فيه، وقال فيه عمر إلا نزل القرآن على نحو ما قال فيه عمر (1). قال الترمذي: هذا حديث حسن صحيح. ومن ذلك قول عمر رضي الله عنه: وافقت ربي في ثلاث. . . الحديث. وقد ادعى هذا الحال كثير من أهل المحال (2)، لكن تشهد بالفضيحة شواهد صحيحة.

و(قوله: وافقت ربي في ثلاث) يعني: أنَّه وقع له في قلبه حديث عن تلك الأمور، فأنزل الله تعالى القرآن على نحو ما وقع له، وذلك: أنَّه وقع له: أن مقام إبراهيم عليه السلام محل شرَّفه الله تعالى وكرَّمه، بأن قام فيه إبراهيم عليه السلام للدُّعاء والصَّلوات، وجعل فيه آيات بينات، وغفر لمن قام فيه الخطيئات، وأجاب فيه الدَّعوات، وقد تقدَّم في الحج ذكر الخلاف فيه، وكذلك وقع له شرف أزواج النبي صلى الله عليه وسلم وعلوِّ مناصبهنَّ، وعظيم حرمتهنَّ، وأن الذي يناسب حالهنَّ: أن يحتجبن عن الأجانب، فإنَّ اطلاعهم عليهنَّ ابتذال لهنَّ، ونقصٌ من حرمة النبي صلى الله عليه وسلم وحرمتهن، فقال للنبي صلى الله عليه وسلم: احجب نساءك، فإنَّهن يراهنَّ البر والفاجر. وقد استوفينا الكلام على هذا في النكاح. ووقع له أيضًا قتل أسارى بدر، وأشار على النبي صلى الله عليه وسلم به، وأشار عليه أبو بكر بالإبقاء والفداء، فمال النبي صلى الله عليه وسلم إلى ما قال أبو بكر رضي الله عنه، فأنزل الله تعالى القرآن على نحو ما وقع لعمر رضي الله عنه في الأمور الثلاثة، فكان ذلك دليلًا قاطعًا على: أنه محدَّث

(1) رواه الترمذي (3682).

(2)

"المِحال": الكيد والمكر.

ص: 261